لأكثر من شهرين متتالين وتطبق قوات الاحتلال الإسرائيلي الحصار على قطاع غزة بمنع دخول المساعدات وإغلاق المعابر من الجانب الفلسطيني، في استمرار لسياستها الممتدة للعدوان على القطاع منذ أكثر من 21 شهرًا بهدف التهجير وتصفية الشعب الفلسطيني.
وبشكل يومي، يتساقط العشرات من الشهداء الفلسطينيين في غزة جراء التجويع، فضلا عن القصف والاستهداف في أماكن انتظار المساعدات التي حددها الاحتلال والتي باتت "مصائد للموت"، أعلنت مصادر طبية فلسطينية، اليوم الأربعاء، باستشهاد 10 أشخاص بسبب المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة، خلال 24 ساعة الماضية، ليرتفع العدد الإجمالي للوفيات الى 111 شهيدًا.
إرادة سياسية حقيقية للمجتمع الدولي
وقال الدكتور رامي عاشور، أستاذ العلاقات الدولية، إن سياسة التجويع إحدى الأدوات القوية التي تحقق الهدف ذاته الذي تسعى إليه إسرائيل، وهي أداة من أدوات الإبادة أو التأثير النفسي، حيث تهدف إلى صناعة اليأس وتعزيزه في المجتمع الفلسطيني، بما يقود الشعب الفلسطيني إلى نوع من اليقين بأن وجودهم في هذه الأرض يعني الموت، إما بالرصاص أو بالحرمان من الغذاء.
وأوضح عاشور، في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن ما صدر من بيانات إدانة من 25 دولة لسياسة التجويع الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، هو اعتراضات لفظية أو شفوية لا تمتلك أي تأثير في ظل استمرار استخدام القوة الإسرائيلية على الأرض، مؤكد أن الحل يكمن في وجود إرادة سياسية حقيقية لدى الدول الكبرى، وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية، ومفاوضات جدية تهدف إلى إنهاء هذا العدوان وسياسات الحصار والجوع، وأن يتم تهديد المصالح الأمريكية إذا لم تُجبر إسرائيل على التوقف.
وشدد أنه إذا لم تتوافر تلك الإرادة السياسية لدى المجتمع الدولي، فإن كل ما يقال ويُصرح به سيبقى مجرد كلام بلا جدوى، وعبارة عن تعبير عن موقف سياسي للدول أمام شعوبها فحسب، وبخلاف ذلك، لن يتمكن أحد من إيقاف إسرائيل عن الاستمرار في خططها للسيطرة على القطاع وسائر الأرض الفلسطينية.
وأكد أستاذ العلاقات الدولية أن وجود حركة حماس في قطاع غزة في حد ذاته يمثل ذريعة لإسرائيل لتبرير هجماتها وسياستها في الأراضي الفلسطينية، مؤكدا أن الاحتلال يستغل وجود حماس كفرصة لتحقيق أهدافها، حيث يبدو التفاوض بالنسبة لإسرائيل مجرد وسيلة لكسب الوقت لا أكثر، وتتعمد وضع شروط في المفاوضات تدرك جيدًا أن حماس سترفضها، وتتخذ من هذا الرفض ذريعة للاستمرار في عملياتها حتى تصبح الأرض كلها "محروقة" أو "مأخوذة" بالكامل، ويتحول الأمر إلى واقع مفروض.
دور مصر محوري
ومن جانبه، قال الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية، إنه يجب اتخاذ إجراءات أكثر قوة على أرض الواقع من قبل المجتمع الدولي للوقوق ضد سياسة الاحتلال، لأن مجرد البيانات الدولية، جهود لا توقف نزيف دماء الفلسطينيين المستمر، ولا تُحدث أي تغيير في الوضع الراهن، سواء فيما يتعلق بالحصار أو سياسة التجويع.
وأكد سلامة، في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أنه يجب أن يتبع هذه الإدانات إجراءات حقيقية، حتى لو كانت إجرائية، مثل تأجيل صفقات الأسلحة للاحتلال، أو تجميد المعارض والفعاليات المشتركة، أو اتخاذ أي خطوة حقيقية أخرى، مشددًا على أن محاولات تبييض وجه المجتمع الدولي على حساب الفلسطينيين، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق، لأن الآلاف يسقطون يوميًا بين شهداء ومفقودين ومصابين، القضية تُصفّى بشكل واضح.
الدور المصري المحوري ومخططات الاحتلال
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أنه لولا الدعم والموقف المصري الثابت، لكانت الأحداث أكثر كارثية مما نشهده الآن، مؤكدا أن إسرائيل لا تتبنى فقط سياسات مختلفة من التجويع والحرب والحصار في غزة، بل هناك مشاريع أخرى تتبناها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتغيير خريطة الشرق الأوسط، أهمها فكرة تقسيم حتى الدول المستقلة، مثل ما نشهده في جنوب سوريا وجنوب لبنان، والممرات التي تتجه إلى أكراد شمال العراق، كلها تشير إلى نتائج سلبية للغاية.
وشدد على أن الفيصل الآن ليس في مجرد الوصول إلى هدنة مؤقتة أو دائمة لحقن الدماء في غزة، بل الحلول السياسية الدائمة، للاعتراف بالدولة الفلسطينية سواء من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية.
وأكد أن مصر قامت بواجبها وتقوم به وستظل تقوم به تجاه الشعب الفلسطيني، وقامت بما يفوق طاقتها الحقيقة، وبعد 21 شهرًا، نحن بحاجة إلى حلول جذرية من التحرك الدولي، لأن ما يقوم به الاحتلال يؤكد مضيها في سياسة التجويع والحصار بما يدفع الشعب الفلسطيني إلى التهجير وتصفية القضية الفلسطينية.