في عام 898 هـ (1492م)، أسدل الستار على حياة أحد أبرز شعراء القرن التاسع الهجري، نور الدين عبد الرحمن بن أحمد الجامي، المعروف بـ"الملا جامي"، الذي ترك إرثًا أدبيًا وفكريًا لا يزال حاضرًا في ذاكرة الشرق والغرب.
وُلد الجامي عام 817 هـ (1414م) في بلدة خرجرد، إحدى قرى جام بولاية خراسان، الواقعة اليوم شرق إيران، انتقل في صغره إلى مدينة هراة، حيث نشأ وتعلّم، وهناك بدأ رحلته العلمية في المدرسة النظامية، متفوقًا في علوم اللغة والنحو، وتتلمذ على يد السمرقندي وشهاب الدين الحجري.
سافر إلى سمرقند طلبًا للعلم، وهناك التقى بقاضي زاده الرومي، الذي أعجب به ومدحه، مما ساهم في اتساع شهرته في المشرق، عاد إلى هراة ليحظى برعاية السلطان أبي الغازي حسين مزرا، آخر سلاطين الدولة التيمورية، وامتدت شهرته إلى الدولة العثمانية، حيث دعاه السلطان محمد الفاتح إلى الأستانة بعد أدائه الحج، لكنه رفض الدعوة مفضّلًا العودة إلى هراة، كما رفض لاحقًا دعوة يزيد الثاني ابن الفاتح، وظل في هراة حتى وفاته.
تميّز الجامي بتنوع إنتاجه الأدبي، فكتب في الشعر، التصوف، النحو، والسيرة، ومن أبرز مؤلفاته:
- الفوائد الضيائية: شرح مختصر لكافية ابن الحاجب، نال اهتمامًا واسعًا بين علماء النحو.
- يوسف وزليخا: قصة مستوحاة من القرآن، بأسلوب شعري وصوفي.
- نفحات الأنس: موسوعة في سير رجال التصوف وتاريخ التصوف.
- تحفة الأحرار، سبحة الأبرار، ليلى والمجنون، اللوائح، شواهد النبوة، خردنامة إسكندري، وبهارستان: مجموعة قصص تعليمية ذات طابع صوفي.
وقد تُرجمت أعماله إلى عدة لغات أوروبية، منها ترجمة نفحات الأنس على يد سلفستر دو ساسي، وشواهد النبوة واللوائح على يد المستشرق وينفيلد، ما يعكس تأثيره العالمي.
من مأثور أقواله: «الكهولة آخر الشباب، فما صرف العبد أول شبابه يظهر أثره على وجهه في آخره.»
ويُحتفظ اليوم بمخطوط نادر له في مكتبة دير القدّيس جاورجيوس – الشير، بحسب الخوري مكاريوس جبّور، بعنوان: «خطاب من إنشاء حضرة مولَي العلاّمة الفاضل سلطان العلماء وبرهان الفضلاء... مولانا نور الملّة والدين عبد الرحمن جامي تغمّده الله بغفرانه.»