الإثنين 1 سبتمبر 2025

سيدتي

ما حكم إطلاق لفظ العيد على المولد النبوي الشريف؟.. «الإفتاء» تجيب

  • 1-9-2025 | 10:50

المولد النبوي الشريف

طباعة
  • فاطمة الحسيني

يتساءل بعض المسلمين عن حكم إطلاق لفظ العيد على المولد النبوي الشريف؛ حيث نحتفل بالمولد النبوي في كل عام، ويقيمون له الولائم ونصنع الحلوى ونتزاور كما نفعل في الأعياد، ويسميه البعض "عيد المولد النبوي"، فهل المولد النبوي من الأعياد حتى يكون كذلك؟.

وحول هذا السياق أوضحت دار الإفتاء المصرية، عبر موقعها الإلكتروني، أن الأمر الذي لا يتردد فيه شاكٌّ، ولا يغفله عاقل: أنه لا نعمة تستحق أنْ يسعد بها المسلم ويهنأ حتى يَعُدَّ يوم حدوثها عيدًا، كنعمة ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الوجود، واحتفال المسلمين بالمولد النبوي الشريف في كل عام، وإقامة الولائم، وصناعة الحلوى، والتزاور فيما بينهم إيذانًا باحتفالهم وابتهاجهم كما يفعلون في الأعياد، بل وإطلاق اسم "عيد المولد النبوي" على هذا اليوم؛ كل هذا مِن الأمور المشروعة المندوب إليها بالاتفاق.

بيان مفهوم العيد

العيد في اللغة: مشتق من العَوْد، ويطلق عند العرب ويراد به الوقت الذي يعود فيه الفرح أو الحزن، والجمع: أعياد.

قال العلَّامة ابن الأنباري [ت: 328هـ] في "الزاهر في معاني كلمات الناس" (1/ 292، ط. مؤسسة الرسالة): [العيد: ما يعتاد من الشوق والحزن] اهـ.

وقال العلَّامة ابن فارس [ت: 395هـ] في "مجمل اللغة" (ص: 638-639، ط. مؤسسة الرسالة): [العيد: ما اعتادك مِن هَمٍّ أو غيره] اهـ.

إطلاق لفظ العيد على أيام المناسبات الطيبات والأفراح والمسرات

قد اعتاد الناس منذ القرون السالفة أن يطلقوا على أيام المناسبات الطيبات والأفراح والمسرات أعيادًا؛ إذ يقصدون مِن ذلك ما يعود عليهم فيه مِن الذكرى الحسنة والبشر والسعادة والسرور، وقد أقرَّ الشرع ذلك منهم؛ كما في قصة سيدنا عيسى عليه السلام؛ حيث ضمَّن في دعائه لله تعالى أن يكون نزول المائدة عليهم عيدًا لهم يحتفلون به؛ قال تعالى: ﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾ [المائدة: 114]، إذ لَمَّا كان في نزولها تأييدٌ مِن الله تعالى له ومعجزةٌ ودلالةٌ على نبوته؛ استحق يومُ نزولها أن يتجدد السرور به في كل عام؛ قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (11/ 225، ط. مؤسسة الرسالة): [عن السدي: قوله: ﴿تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾ يقول: نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدًا نُعظِّمه نحن ومَن بَعدنا] اهـ.

وإطلاق لفظ "العيد" على كل ما يعود على الناس مِن أيامٍ تحمل في طياتها ذكرى حسنةً أو سعادةً وسرورًا؛ هو من أصل الوضع اللغوي والعرفي لهذا اللفظ.

قال العلامة الحدَّاد في "الجوهرة النيرة" (1/ 93، ط. المطبعة الخيرية): [وسمي العيد عيدًا: لأنَّ لله تعالى فيه عوائد الإحسان إلى العباد. وقيل: لأنَّ السرور يعود بعوده] اهـ.

وقال العلَّامة شيخي زاده في "مجمع الأنهر" (1/ 172، ط. دار إحياء التراث العربي): [وسُمِّيَ يوم العيد بالعيد: لأن لله فيه عوائد الإحسان إلى عباده، أو لأنه يعود ويتكرر، أو لأنه يعود بالفرح والسرور] اهـ.

وقال العلَّامة الزمخشري في "الكشاف" (1/ 693، ط. دار الكتاب العربي): [وقيل: العيد: السرور العائد، ولذلك يقال: يوم عيد] اهـ.

وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 289، ط. دار الوفاء): [وسُمِّيَ العيدُ عيدًا: لأنه يعود ويتكرر لأوقاته. وقيل: بل بعوده بالفرح والسرور على الناس. وقيل: تفاؤلًا لأنْ يعود على مَن أدركه] اهـ.

وقال العلَّامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (7/ 108، ط. الدار التونسية): [العيد: اسمٌ ليومٍ يعودُ كل سنة، ذِكرى لنعمةٍ أو حادثةٍ وقعت فيه؛ للشكر أو للاعتبار] اهـ.

إطلاق لفظ العيد على المولد النبوي الشريف

الأمر الذي لا يتردد فيه شاكٌّ، ولا يغفله عاقل: أنه لا نعمة تستحق أنْ يسعد بها المسلم ويهنأ حتى يَعُدَّ يوم حدوثها عيدًا، كنعمة ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الوجود؛ إذ هو النور لكلِّ الوجود، والوسيلة العظمى لكلِّ موجود، ورحمة الله للعالمين؛ فلولاه ما سعد إنسان؛ إذ كيف يسعد دون طوق النجاة، فالحقيقة أنَّ يوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم عيدٌ للإسلام، بل هو "أعظم مِن كل عيد، وهو حقيقٌ بذلك وجدير"؛ كما قال الشيخ محمد الخضر الشنقيطي في "كوثر المعاني الدراري" (1/ 72، ط. مؤسسة الرسالة)، وأنَّ "أفضل الليالي على الإطلاق: ليلة المولد الشريف؛ لما ترتب على ظهوره صلى الله عليه وآله وسلم فيها من النفع العميم، والخير العظيم"؛ كما قال العلَّامة الباجوري في "حاشيته على شرح العلامة الغزِّي على متن أبي شجاع" (1/ 404، ط. دار الكتب العلمية)، بل هو أَوْلى مِن العيدين وليلتهما؛ لأنَّ شرفهما راجع لزمانهما، بينما مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم "لا يتشرف بالزمان، وإنما الزمان هو الذي يتشرف به كالأماكن"؛ كما قال شهاب الدين القسطلاني في "المواهب اللدنية بالمنح المحمدية" (1/ 86، ط. المكتبة التوفيقية)، ونجم الدين الغيطي [ت: 982هـ] في "بهجة السامعين" (ص: 102، ط. مجلة الأزهر الشريف)، وإذا كان الناس قد اعتادوا أنْ يظهروا فرحتهم، واحتفالهم في أيام الأعياد بمظاهر مِن إقامتهم الولائم واجتماعهم على الطعام باعتبار "أنَّ العيد موضوعٌ للراحات، وَبسط النُّفوس والأكل وَالشرب"؛ كما قال بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (6/ 274)؛ علاوة على أنَّ "اتخاذ الوليمة، وإطعام الطعام مستحب في كل وقت؛ فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور بظهور نور النبوة في هذا الشهر الشريف"؛ كما ذكره العلَّامة الحسن بن عمر بن الحاج إدريس في "شفاء السقيم بمولد النبي الكريم" المطبوع ضمن "مجموع لطيف أنسي" (ص: 136، ط. دار الكتب العلمية) نقلًا عن الإمام أبي زرعة العراقي؛ فإنَّ "إظهار السرور في العيد مِن شعار الدين"؛ كما قال العلامة أبو سليمان الخطابي في "أعلام الحديث" (1/ 595، ط. جامعة أم القرى)، وإذا اعتادوا أنْ يصنعوا فيها الحلوى، ويتهادونها بهجةً وتوسعةً وفرحًا؛ فإنَّ عيد مولد النبي الأكرم، ذي الجناب الأعظم، والمقام الأفخم صلى الله عليه وآله وسلم أَوْلى بذلك؛ فقد "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ" متفق عليه مِن حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فإذا زادوا على كلِّ ذلك بذل "الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور؛ فإنَّ ذلك مع ما فيه مِن الإحسان إلى الفقراء مشعرٌ بمحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله"؛ كما قال الإمام الحافظ أبو شامة المقدسي في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص: 23، ط. دار الهدى)، "وكيف لا يفرح المؤمنون بليلة ظهر فيها أشرف الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف لا يجعلونه عيدًا مِن أكبر أعيادهم"؛ كما قال مفتي مكة المكرمة قطب الدين النهروالي في "الإعلام بأعلام بيت الله الحرام" (ص: 196، ط. العامرة العثمانية)، "فرحم اللهُ امرأً اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعيادًا"؛ كما قال شهاب الدين القسطلاني في "المواهب اللدنية بالمنح المحمدية" (1/ 90).

كما أنَّ كل مسلم يدرك تمام الإدراك أنه لولا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كان لعيد الفطر سرور، وما كان للأضحى حلول، فبه كانت الأعياد أعيادًا، ولأجله شرعت؛ لأنه صاحب الشريعة، وسيد الخلق والخليقة، ولذا فإنَّ السعادة بمولده الشريف تربو على السعادة بكل عيد، فَصَحَّ عند كل ذي لُبٍّ حكيم، وقلبٍ بمحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هائمٍ ومنيرٍ، أنْ يَرْبُوَ مولدُه عندَه على كل عيد؛ إذ هو للأعياد ذاتها عيدٌ؛ فلا يَصِحُّ أنْ تُضاهِيَه، ولا يمكن أنْ توازِيَه، بل هي مستفادة منه، ونابعة عنه؛ فاستحق أن يكون سيدها، وكان أحقَّ بما يُفعل فيها مِن "إيقاد الشمع، وإمتاع البصر والسمع، والتزين بلباسٍ فاخرِ الثياب، وركوبٍ فَارِهِ الدواب"؛ كما قال العلَّامة ابن عباد في "رسائله الكبرى" فيما نقله عنه شمس الدين الحطاب في "مواهب الجليل" (2/ 407، ط. دار الفكر).

ومِن أدلة كون هذا اليوم عيدًا: أنَّ الزمان والمكان لا يشرفان لذاتهما، وإنما يشرفان بشرف ما اتصل بهما، ولذا كان مِن أسباب كون يوم الجمعة عيدًا: أنَّ آدم عليه السلام ولد فيه؛ فدل ذلك على أنَّ يوم ميلاده صلى الله عليه وآله وسلم عيد، بل هو أفضل الأعياد؛ لأنه أفضل الخلق أجمعين، وسيد الأنبياء والمرسلين، بل فَضْلُهُ على سائر العالمين.

قال العلَّامة ابن الحاج في "المدخل" (2/ 26-29، ط. دار التراث): [(فصل) فإنْ قال قائلٌ: ما الحكمة في كونه عليه الصلاة والسلام خُصَّ مولده الكريم بشهر ربيع الأول، وبيوم الإثنين منه على الصحيح والمشهور عند أكثر العلماء، ولم يكن في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وفيه ليلة القدر، واختص بفضائل عديدة، ولا في الأشهر الحرم التي جعل الله لها الحرمة يوم خلق السماوات والأرض، ولا في ليلة النصف من شعبان، ولا في يوم الجمعة ولا في ليلتها؟ فالجواب من أربعة أوجه.. الوجه الرابع: شاء الحكيم سبحانه وتعالى أنه عليه الصلاة والسلام تتشرف به الأزمنة والأماكن، لا هو يتشرف بها، بل يحصل للزمان والمكان الذي يباشره عليه الصلاة والسلام الفضيلةُ العظمى، والمزيةُ على ما سواه من جنسه إلا ما استثني من ذلك لأجل زيادة الأعمال فيها وغير ذلك؛ فلو ولد صلى الله عليه وآله وسلم في الأوقات المتقدم ذكرها لكان ظاهره يوهم أنه يتشرف بها، فجعل الحكيمُ جَلَّ جَلَالُهُ مولدَهُ صلى الله عليه وآله وسلم في غيرها؛ ليظهر عظيم عنايته سبحانه وتعالى به وكرامته عليه] اهـ.

الاكثر قراءة