قال خبراء أوروبيون اليوم السبت إن عملية السلام في أيرلندا الشمالية قد تُقدِّم دروسًا قيّمة يمكن الاستفادة منها في التمهيد لوقف إطلاق نار دائم في غزة، رغم الاختلافات العميقة بين السياقين.
وذكر موقع "يورو نيوز" الأوروبي أن الأنظار تتجه إلى تجربة التسعينيات في أيرلندا الشمالية، حيث تم التوصل إلى اتفاق "الجمعة العظيمة" بعد ثلاثة عقود من العنف الدامي، في محاولة لاستيحاء آليات الانتقال من النزاع إلى السلام، بينما يترقب الفلسطينيون والإسرائيليون ما قد تؤول إليه التطورات بعد وقف إطلاق النار في غزة.
برزت في هذا السياق شخصيتان رئيسيتان من مسار السلام في أيرلندا الشمالية، وهما رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ورئيس أركانه السابق جوناثان باول، واللذان عادا للواجهة من خلال مشاركتهما في محادثات مع الولايات المتحدة ودول أخرى بشأن مستقبل غزة.
رئيس الوزراء البريطاني الحالي كير ستارمر أشار هذا الأسبوع إلى استعداد بلاده للعب دور محوري ، مستندًا إلى التجربة البريطانية في أيرلندا الشمالية. وكان الصراع هناك قد أودى بحياة نحو 3600 شخص وأدى إلى إصابة ما يزيد عن 50 ألفًا، قبل أن ينتهي معظم القتال في عام 1998 بتوقيع اتفاق السلام الذي أفضى إلى نزع سلاح الجماعات المسلحة، وعلى رأسها الجيش الجمهوري الأيرلندي.
وبحسب كريستيان براون، محاضر العلوم السياسية في جامعة ألستر في بلفاست، فإن التحديات التي تواجه الشرق الأوسط اليوم تفوق في حجمها ما شهدته أيرلندا الشمالية، من حيث الدمار وعمق الانقسامات والشعور بالتهديد المستمر. ومع ذلك، فقد نجحت العملية هناك لأن نزع السلاح تزامن مع حوار سياسي نشط ومشاركة كل الأطراف، ما أدى في النهاية إلى تسوية مقبولة.
في التجربة الأيرلندية، استغرق تفكيك الأسلحة سنوات، إذ بدأ الجيش الجمهوري الأيرلندي بالتخلي عن سلاحه عام 2001، بعد ثلاث سنوات من توقيع اتفاق السلام، واكتمل ذلك في 2005، بمراقبة دولية وضمن عملية تدريجية قادها تفاهم سياسي متكامل.
وأشار خبراء إلى أن التقدم في أيرلندا الشمالية لم يكن ممكنًا إلا بعد أن اقتنعت قيادة الجيش الجمهوري الأيرلندي بوجود تسوية سياسية واقعية، وهو ما لا يبدو متوفرا حاليًا في الشرق الأوسط، حيث لا تزال القضايا الكبرى كعودة اللاجئين الفلسطينيين، مستقبل القدس، الحدود، والمستوطنات الإسرائيلية، عالقة دون حلول .
الاتفاق الأيرلندي تميز بوضع إطار واضح لتقاسم السلطة وتأسيس حكومة محلية، على الرغم من النجاح النسبي لاتفاق أيرلندا الشمالية، إلا أن العملية واجهت تحديات متكررة على مدار السنوات التالية، من توترات سياسية وهجمات عرضية، لكنها حافظت على الطابع السلمي العام، وبرزت خلالها أحزاب مثل "شين فين" بدور سياسي بعد ارتباطها السابق بالعنف.
ويقول بيتر ماكلوجلين، المحاضر في جامعة كوينز ببلفاست، إن أحد أهم عوامل نجاح عملية السلام الأيرلندية كان إشراك جميع الأطراف الفاعلة، بما فيها المسلحون.
من جهته، اعتبر المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، أن دور جوناثان باول كان "مذهلًا" في جهود الوساطة الجارية، بينما يبقى توني بلير خيارًا محتملاً للعب دور استشاري، رغم الجدل المستمر حول إرثه السياسي، خاصة لدعمه غزو العراق في 2003، وهو ما أقر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بأنه قد يُضعف من قبول بلير في المنطقة.
لكن برغم المشاركة البريطانية في الجهود الدبلوماسية، حذّرت برونون مادوكس، مديرة معهد "تشاتام هاوس"، من المبالغة في المقارنة بين التجربتين، مؤكدة أن اتفاق أيرلندا الشمالية كان تجربة فريدة لا يمكن تكرارها ببساطة في سياقات مختلفة، وأضافت أن بريطانيا قد تساهم دبلوماسيًا، لكن من غير المرجح أن تلعب دورًا محوريًا في ملف غزة.