اصطلح تسمية المتاحف الكبرى بهذا الاسم نظرًا لعدة أسباب:
أولًا: هي أقدم متاحف تم إنشاؤها في الدولة المصرية، كما أن مبانيها قد سُجلت في عداد الآثار نظرًا لتاريخها الضارب في القدم.
ثانيًا: عدد القطع الأثرية داخل كل متحف، والذي يتجاوز 25 ألف قطعة أثرية، بل مئات الآلاف فيما يخص المتحف الإسلامي والمتحف اليوناني الروماني.
ثالثًا: تسجل تلك المتاحف أكبر عدد زوار في المتاحف المصرية.
كما أنها أكثر وأشهر المتاحف التي تقدم الخدمات التعليمية والأنشطة
التفاعلية مع المجتمع.
المتحف اليوناني الروماني:
تبلورت فكرة إنشاء المتحف اليوناني حوالي عام 1891، وذلك بهدف حفظ الآثار الخاصة بمدينة الإسكندرية. وافتُتح المتحف اليوناني الروماني في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني في 26 سبتمبر عام 1895، وقد بُني على عدة مراحل كالتالي:
المرحلة الأولى: حيث جُمعت المجموعة الأثرية الأولى عام 1892، والتي كان قوامها من المتحف المصري.
المرحلة الثانية: حيث اكتمل بناء القاعات العشر الأولى عام 1895.
المرحلة الثالثة: حيث أُضيفت قاعتان، ثم المرحلة الأخيرة في عام 1904 حتى وصل عدد القاعات إلى 25 قاعة، وكان ذلك جنبًا إلى جنب مع تكوين الجمعية الأثرية في الإسكندرية عام 1893 كمؤسسة علمية داعمة تنظم البحث العلمي لدراسة الآثار ونشرها.
ولا يمكننا إغفال دور مؤسسي المتحف، الذي بدأ من الإيطالي جوسيبي بوتي، الذي عمل جنبًا إلى جنب مع جاستون ماسبيرو (مدير مصلحة الآثار المصرية وأول مدير للمتحف المصري)، ثم أتى من بعده إيفرستو بريشيا وأخيل أدرياني في إدارة المتحف، اللذان قاما بإثراء المتحف بحفائرهما التي تمت داخل الإسكندرية وخارجها، مثل حفائر الورديان والأنفوشي والفيوم.
كذلك تم زيادة مقتنيات المتحف عبر العصور من خلال الحفائر والإهداءات السخية من جامعي التحف الأثرية مثل جون أنطونيادس، وجليمونوبولو، ومنشا باشا، وملوك مصر: الملك فؤاد الأول وفاروق.
رُوعي عند التطوير والتحديث الخاص بالمتحف اليوناني الروماني:
الاحتفاظ بواجهة المتحف الكلاسيكية الطابع للتعبير عن الفترة اليونانية المليئة باتجاهات فكرية مختلفة، والتي تعايشت بجانب بعضها البعض.
يهدف العمل على تطوير المتحف اليوناني الروماني إلى تعزيز الرسالة العلمية والثقافية التنويرية للمتحف. ويُعد هذا المتحف واحدًا من أهم وأعظم متاحف منطقة حوض البحر المتوسط بأسرها، ويتمركز في أقدم الشوارع الأثرية الرئيسية لمدينة الإسكندرية، تلك المدينة عالمية الطابع، والتي تعد حلقة الوصل بين اليونان ومصر قديمًا.
متحف الفن الإسلامي:
يُعتبر متحف الفن الإسلامي في القاهرة أحد أعظم المتاحف في العالم، مع مجموعته الاستثنائية من الأعمال الخشبية النادرة والتحف الجصية، بالإضافة إلى المعادن، والسيراميك، والزجاج، والكريستال، والمنسوجات من جميع الفترات.
وكان الهدف من إنشاء المتحف هو أن يجمع في طياته أهم وأبرز الفنون الإسلامية على اختلاف عصورها وتاريخها. ويُقدَّر حجم المقتنيات التراثية الموجودة به بحوالي مئة ألف قطعة أثرية نادرة ومتنوعة من الهند، والصين، وإيران، والجزيرة العربية، والشام، ومصر، وشمال إفريقيا، والأندلس. وقد تميزت هذه التحف بالشمولية لفروع الفن الإسلامي، مما جعله منارة رائعة تُثري الفنون والحضارة الإسلامية على مر العصور.
بدأت فكرة إنشاء متحف للفنون والآثار الإسلامية في عهد الخديوي إسماعيل، تحديدًا عام 1869م، لكنها لم تُنفذ إلا في عهد الخديوي توفيق عام 1880م، حيث قام فرانتز باشا بجمع التحف الأثرية التي ترجع إلى العصر الإسلامي، وكان عددها 11 تحفة في الإيوان الشرقي لجامع الحاكم بأمر الله، وأُطلق عليه دار الآثار العربية. بحلول عام 1881م أُنشئت لجنة لحفظ الآثار العربية، طالبت الحكومة ببناء مبنى جديد نظرًا لضيق المبنى القديم. وتم بناء مبنى المتحف الحالي عام 1899، وانتهى البناء عام 1902م، وافتتحه الخديوي عباس حلمي في 28 ديسمبر 1903.
وفي عام 1951م تغير اسم الدار إلى "متحف الفن الإسلامي"، وذلك لأن الفن الإسلامي يشمل جميع أقاليم العالم الإسلامي، العربية وغير العربية، التي اعتنقت الإسلام وأسهمت بثقافاتها في الحضارة الإسلامية.
واشتملت مجموعات المتحف على العديد من روائع التحف الفريدة التي تبين مدى ما وصل إليه الفنان المسلم من ذوق رفيع ودقة فائقة في الصناعة.
مرّ المتحف بمرحلة هامة بين عامي 1983 و1984، حيث تم توسيع مساحة المتحف وزيادة عدد القاعات حتى صارت 25 قاعة، وضُمَّ العديد من الأماكن المحيطة به لتوسيعه، وأُضيفت إليه حديقة متحفية بباب جانبي.
ومن الإضافات التي تمت أثناء عمليات التطوير: قاعة لمكتبة المتحف، أسفلها قاعة للطفل، بالإضافة إلى قاعة خُصصت لعرض مجموعة من النسيج والسجاد.
لكن تعرض المتحف في 24 يناير 2014 لدمار كبير نتيجة التفجير الإرهابي الذي استهدف مديرية أمن القاهرة، التي تقع بالجهة المقابلة له. ومن بعده أُغلق المتحف وتمت إعادة تأهيله بمساعدة العديد من الجهات الدولية، وأُعيد افتتاحه في 18 يناير 2017م.
لمتحف الفن الإسلامي مدخلان، أحدهما في الناحية الشمالية الشرقية، والآخر في الجهة الجنوبية الشرقية، وتتميز واجهة المتحف المطلة على شارع بورسعيد بزخارفها الإسلامية المستوحاة من العمارة الإسلامية في مصر بمختلف عصورها.
ينقسم المتحف الإسلامي تبعًا للعصور والعناصر الفنية والطُرز من الأموي والعباسي، والأيوبي، والمملوكي، والعثماني، وينقسم إلى 10 أقسام تبعًا للعناصر الفنية، وهي: المعادن، العملات، الأخشاب، النسيج، الزجاج، الزخرف، الحلي، السلاح، الأحجار، والرخام.
تأتي مقتنيات المتحف من مصادر متنوعة، أهمها: الحفائر، والأحراز، والهدايا، مثل: الملك فؤاد الذي قدّم مجموعة ثمينة من المنسوجات والأختام، والأمير محمد علي، والأمير يوسف كمال، وغيرهم ممن زودوا المتحف بمجموعات كاملة من السجاد الإيراني والتركي، والخزف، والزجاج العثماني.
المتحف القبطي:
يقع المتحف القبطي في قلب القاهرة القديمة داخل أسوار حصن بابليون الروماني، ويُعد واحدًا من أبرز المتاحف المتخصصة في العالم. لا يُمثل المتحف مجرد صرح أثري، بل هو شاهد حي على أكثر من ألفي عام من التاريخ المسيحي المصري، وتجسيد حي للقاء الحضارات المصرية القديمة، واليونانية، والرومانية، والإسلامية.
الخلفية التاريخية:
قبل تأسيس المتحف عام 1910م، كانت الآثار القبطية تعاني من الإهمال والضياع، في ظل التركيز السائد آنذاك على الآثار الفرعونية والإسلامية. وخلال القرن التاسع عشر، تعرضت كثير من هذه الآثار للنهب والتهريب. وقد كان المستشرق والمهندس ماكس هرتز باشا من أوائل من تنبّهوا إلى هذه الأزمة، حيث لفت الأنظار عام 1898 إلى خطورة ضياع هذا التراث، وتواصل مع البابا كيرلس الخامس لحثّه على ضرورة توثيق الآثار القبطية وحمايتها من الاندثار.
رواد التأسيس:
لعب كل من ماكس هرتز باشا ومرقس سميكة باشا دورًا في عملية التنفيذ. قام سميكة بجمع التبرعات، واستعان بمقتنيات من الكنيسة المعلقة والمتحف المصري، كما استعاد أسقفًا ومنحوتات خشبية من منازل قبطية قديمة مهددة بالهدم، في إطار جهود حثيثة لإنقاذ التراث.
مراحل التأسيس الرسمي:
بدأت النواة الأولى للمتحف عام 1908، حين تم تجميع مجموعة من الآثار القبطية داخل مبنى ملحق بالكنيسة المعلقة. وفي 14 مارس 1910، افتُتح المتحف رسميًا تحت إدارة مرقس سميكة باشا، وبدعم مباشر من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والبطريركية. وتوالت بعد ذلك مراحل التطوير، حيث أُنشئت مكتبة المتحف عام 1931، ونُقلت ملكية المتحف إلى الدولة المصرية، وتبع ذلك توسعة مهمة عام 1947، تم فيها افتتاح جناح جديد. وبعد تعرض المتحف لأضرار جزئية في زلزال عام 1992، أُجري ترميم شامل، وانتهى بإعادة افتتاحه عام 1984. وأخيرًا، شهد المتحف في عام 2006 عملية تطوير متكاملة شملت تحديث قاعات العرض وأنظمة الإضاءة والحماية، مما ساعد على تحسين تجربة الزائرين.
المجموعات الأثرية:
يضم المتحف أكثر من 16 ألف قطعة أثرية تمثل مختلف فترات التاريخ القبطي في مصر. وتتنوع مقتنياته بين النقوش الحجرية، والأفاريز، والمنسوجات القبطية المطرزة بتقنية "القباطي"، والمخطوطات النادرة مثل سفر المزامير ومخطوطات نجع حمادي، التي تُعد من أهم المصادر عن الفكر الغنوصي. كما يحتوي على مجموعة من العملات الذهبية البيزنطية من القرن السابع، وأيقونات، وقطع من الفخار والزجاج، ومنحوتات خشبية مذهلة تشمل مذابح وأبوابًا وأسقفًا مزخرفة وكراسي مشربيات.
الطراز المعماري:
يتميز المتحف القبطي بواجهة حجرية رائعة مستوحاة من واجهة مسجد الأقمر الفاطمي، والأعمدة الرخامية، والأسقف الخشبية المزخرفة، والمشربيات، التي تُضفي على المكان طابعًا معماريًا فريدًا يمزج بين التراث القبطي والأصالة المصرية.
معلومات الزائر:
يقع المتحف في قلب القاهرة القديمة داخل حصن بابليون، بجوار الكنيسة المعلقة، وقريبًا من محطة مترو مار جرجس، مما يجعله سهل الوصول. ويُعد المتحف جسرًا حيًا يربط بين الفنون والديانات المصرية عبر العصور، مما يمنحه قيمة ثقافية استثنائية محليًا وعالميًا.
الخاتمة:
المتحف القبطي ليس مجرد مكان لحفظ الآثار، بل هو ذاكرة مصر القبطية وروحها الحية. إنه كنز لا يُعوّض يربط الحاضر بالماضي، ويعبر عن تفاعل ثقافي ممتد بين الحضارات، ويظل شاهدًا على عبقرية الإنسان المصري في الحفاظ على تراثه وإبداعه في التعبير عن إيمانه وهويته عبر الزمان.