الأحد 16 يونيو 2024

ومثل «كلمة طيبة».. وقاية وشفاء وأمل

9-3-2017 | 10:45

بقلم – محسن الزيات

الإنسان هو الكائن الوحيد الذى تؤثر فيه الكلمات، فكلمة واحدة قد تسعده، وترفعه إلى سابع سماء، وكلمة أخرى تسبب له الشقاء وتهوي به إلى سابع أرض.
هى العصا السحرية التى تقودنا إلى دنيا السعادة والفرح أو تزج بنا إلى عالم الحزن والغم.. للكلمات تأثير كبير  على مراكز المخ وعلى الصحة النفسية للإنسان.. وعلى الصحة الجسدية له..
الكلمة الحلوة تعمل على ضبط معدل الضغط لدى مريض الضغط، وتضبط السكر فى الدم، وتزيد القدرة على التنفس وتساعد على الهضم.. ولها أكبر الأثر فى القضاء على آلام الصداع..
حملت أوراقى وقلمى وسألت أساتذة الطب فى المجالات المختلفة هل  تكون الكلمة الطيبة شفاء ودواء فقالوا: الكلمة الطيبة عنوان المتكلم.
يقول د.فتحى عفيفى أستاذ طب المخ والأعصاب بجامعة الأزهر:  الكلمة الطيبة عنوان المتكلم ودليله، وسفيره الذى يصعد إلى السماء، وهى ثمرة طيبة تخرج من نفس طيبة تقطفها يد كريمة من حديقة معمورة بالطيب وروائح الحب..
والكلمة الطيبة تدل على مكنون صاحبها من رجاحة العقل وصفاء القلب، فهى إذن تلك الألفاظ الحسنة التى تخرج من فم الإنسان وتحمل معنى الخير للناس يبتعد فيها المتكلم عن الفحش والبغضاء والإيذاء والشتم والاستهزاء.
ويضيف: صاحب النفس الشريفة لا يجد صعوبة فى استخراجها من معجمه للمرادفات الطيبة فطالما نفسه صافية راقية.. راجحة.. سيعثر على الألفاظ الطيبة بسهولة، أما إذا كان المتحدث صاحب نفس شريرة فمكنونه ومخزونه سيكون غير طيب..
يقول د.فتحى: إذن هى قوة عظمى للانتصار على النفس خاصة عند الخصام والجدال والعداء، والقوى الحق هو الذى ينتصر على نفسه ويملك نفسه عند الغضب.
ويتابع: رجاحة العقل هى أن تحول الكلام الخبيث الصادر إلينا إلى كلام طيب.. هذه هى  اللياقة اللفظية التي ينبغي أن تنطلق  من  نفس طيبة لأجبر الآخرين على احترامى حتى ولو كان من يعاملنى صاحب نفس شريرة.. وتحكى التجارب الحياتية أن صاحب الكلمة الطيبة دائماً هو الفائز والمنتصر فى النهاية.
وإذا اتبعنا تقسيم النفس إلى النفس المطمئنة والنفس اللوامة، والنفس الأمارة بالسوء، فإن الكلمة الطيبة هنا هى التى تستدعى النفس المطمئنة..
الكلمة الطيبة والجهاز العصبى
يقول د.فتحى.. هناك نوعان من الهرمونات يتم إفرازاهما بناء على الحاجة إليهما، الأول هو هرمون «الإدرينالين» الذى يتم إفرازه فى لحظات الشعور بالخطر المفاجئ، أو الخوف أو التوتر، والثاني «الأندرومنين» وهو هرمون الهدوء الذى يتم إفرازه أثناء الحوار الطيب والكلام الطيب .. ويساعد على الهدوء والراحة والسكون بل أنه يعتبر أحد مسكنات الألم..
ويستطرد: قبل اختراع اللغة كان التعبير عن الحب.. تعبيراً مادياً.. ملموساً وبعد اختراعها، أصبح الكلام هو الوسيلة الأولى للتعبير عن الحب.. فإذا كان الإنسان صادقاً فى مشاعره رافق الكلام الطيب نظرة العين، وابتسامة الشفاه أما إذا كان الكلام «كذباً وإدعاء» ارتعشت الشفاه، وجف الحلق وربما كان هذا أساس عمل “البشعة” فى قرانا البدوية لكشف الكاذب.
ويتابع: الكلام الطيب بين الزوجين هو خير معبر عن الحب الحقيقى بينهما وهو مطلوب على الدوام وحتى لو اختلف الزوجان سوياً لسبب ما فعلى المهتمين التدخل بالكلام الطيب بينهما وهنا المجال الوحيد المسموح فيه بالكذب فلو أردت إصلاح ما بين الزوجين قد تكذب عليهما بكلام طيب تدعى أن أحدهما قاله عن الآخر حتى تستطيع أن تقرب بينهما وتعيدهما إلى بيت الزوجية .
مفيش فايدة
وبهدوء يواصل :لمن يدعون أنه «مفيش فايدة» وإنهم حاولوا استخدام  الكلام الطيب مع الآخرين دون جدوى أقول لهم بالتأكيد سيكون هناك مجهود مضاعف فى المرات الأولى، ولكن حاول مرة واثنتين وثلاث بالكلام الطيب حتى تصل إلى مبتغاك فترضى نفسك وغيرك، وترضى أيضاً ربك.
الكلمة الطيبة.. دواء وشفاء
يقول الدكتور عادل حسنين أستاذ الأمراض العصبية والنفسية بقصر العينى:القوة ليست أن ترد الإساءة لمن أساء إليك، ولكن القوة فى التسامح  والعفو عمن أساء إليك، وقبل الكلمة الطيبة لابد من الابتسامة الصادقة، وكل الأطباء يعرفون معناها  للمريض حتى أن بعض المرضى يبدأ شفاؤهم من لحظة استقبال الطبيب لهم بكلمة طيبة وابتسامة صادقة، واللذان يساعدان على عمل المستقبلات التى تزيل الآلام فى المريض فترفع الروح المعنوية له، بل وترفع المناعة داخل جسد المريض، علماً بأن 60% من أمراض المخ والأعصاب هى أمراض مناعة، وراحة البال والأمل فى الشفاء اللذين تحاول بثهما فى مريضك يساعدان فى القضاء على المرض..
ويضيف: هل تصدق أن الكلام الطيب، والنظرة المتفائلة والابتسامة الصادقة من الطبيب للمريض حتى لو كان مصابا بأخطر الأمراض الميئوس منها- تساعد على الشفاء وعلى سبيل المثال فإن مريض التوحد إذا كشرت فى وجهه أو عنفته لسبب ما تسوء حالته، لذا دائما ما أوجه الآباء والأمهات لأطفال مصابين بالتوحد على بث الحب والطمأنينة فى نفوس أطفالهم إذن بالحب والكلام الطيب يمكن أن نقلل نسبة الدواء لمرضى التوحد إلى 50% وقد نتوقف تماما عن الدواء.
ويوجه رسالة لزملائه الأطباء قائلا: ابتسم فى وجه مريضك حتى لو كنت تراجع الآشعة وفيها ما يدل على وجود مرض خطير، امنح الأمل لمريضك بابتسامتك وبكلماتك المفعمة بالأمل، أنت لا تكذب،بل  تغلف  الصدمة العنيفة بالأمل فى الشفاء فالشفاء من عند الله سبحانه وتعالى، وقد يذهب اثنان من المرضى إلى نفس الطبيب، ويخضعان لنفس التشخيص ونفس العلاج، فيتم شفاء أحدهما، ويموت الآخر، فالدواء يساوى 50% من العلاج إنما الأمل والكلام الطيب والابتسامة تساعد على رفع المناعة فيحدث الشفاء.
ويختم د.عادل حديثه قائلاً: الصدق فى القول، الصدق فى الابتسامة، الصدق فى العمل، الصدق فى حياتك، مع زملائك وأصدقائك، مع الزوجة والأولاد.. أخيراً الصدق مع المريض يقنع المريض بك وبتشخيصك وبدواتك وبالأمل فى الشفاء..
الكلمة الطيبة من  وجهه نظر د.محمود محمد عمرو مؤسس المركز القومى للسموم بقصر العينى كأنها مرهم مرطب على جلد يعانى من الارتيكاريا..
يقول د.عمرو: فى المدرسة الأمريكية يواجه الأطباء مرضاهم، بصراحة علمية مطلقة بحقيقة مرضهم، ويعتبرون أن هذا حق من حقوق الإنسان علي  عكس الأطباء المصريين الذين يقولون نفس الحقائق دون كذب ولكنهم يغلفونها بكثير من الكلام الطيب الذى يمنح الأمل للمريض فى الشفاء، فمريض السرطان قد لا نخبره بحقيقة مرضه، ولكننا قد  نخبر أهله ونعطى الأمل للمريض بأن حالته قابلة للتحسن ببعض الأدوية وإذا سألنى المريض هل سأعيش يادكتور تكون إجابتى ومن منا يضمن أن يعيش؟ فأنا إذا أخبرت المريض المصرى بحالته الميئوس منها فقد 50% من مقاومته للمرض أما الكلمة الطيبة والابتسامة، وإعطاء الأمل فى الشفاء فينقل  المريض من الحالة الاكتئابية إلى حالة قد يكون فيها أمل ولو قليل يتمسك به.
مطلوب 50% طب نفسى
ويضيف: المرضى ليس فى مصر فقط، ولكن العالم كله يحتاجون بين كل مائة طبيب، لخمسين منهم على الأقل مخصصون فى الطب النفسى لأن 50%من مرضانا يحتاجون إلى الكلمة الطيبة قبل العلاج ومعه، فبالكلمة الطيبة نستطيع تقليل نسبة المترددين على عيادات الأطباء والمستشفيات، فالكلمة الطيبة هي دواء وشفاء فى نسبة كبيرة من الحالات.
الكلمة الطيبة فى روشتة الطبيب
سألت د.محمود عمرو هل معنى هذا أن الكلمة الطيبة ممكن أن تكون جزءاً من روشتة الطبيب قال: واجب على الطبيب أن يظل مترفعاً وكريماً فى العطاء للمريض بابتسامته وتشجيعه على مواجهة مرضه وهنا الطبيب له جزاءان الأول وهو الأهم هو الجزاء الربانى والثانى هو أن تنام ملء جفنيك فى نهاية يوم عمل مرهق بعد أن أديت رسالتك على أكمل وجه، فقد ساعدت ليس فقط- فى شفاء مريض، ولكن أيضاً فى إسعاد أسرة كانت تعيش فى قلق بسبب مرض أحد أفرادها..
وتأكد أن أسلوب الطبيب فى لقائه بالمريض وإعطائه الأمل يساهم بنسبة 50% فى شفاء المريض من خلال التأثير على حالته النفسية للأفضل فالإشعاع الإيجابى المرافق للأمل فى وجه الطبيب هو بداية الشفاء للمريض.
قاموس الكلمات الطيبة
عن الكلمات الطيبة التى اعتاد د.محمود عمرو أن يقولها لمرضاه قال: هى ليست قاموس من المرادفات وإنما حسب الحالة التى أمامى، فكل موقف وله إلهامه من عند الله سبحانه وتعالى لإخراج الكلمات الطيبة المناسبة التى اختزنها العقل البشرى على مدى سنوات الخبرة.
ويتابع: لا أنسى يوم الخامس من يونيو عام 1967 بداية النكسة وتم تكليفى بصفتى المدير الفنى لقصر العينى بإخلاء قصر العينى من المرضى استعداداً لاستقبال مصابى الحرب العائدين من الجبهة وكان السؤال كيف أخلي حوالى أربعة آلاف سرير من المرضى من الحالات المختلفة وكان الإلهام من الله سبحانه وتعالى أننى استخدمت كلماتى الحماسية المشجعة للمرضى على ضرورة إخلاء الأسرة البيضاء لمن هم أكثر حاجة إليها فى ذلك الوقت فتأثر المرضى واجتمعوا فيما بينهم وقرروا بأنفسهم ترك أسرتهم لغيرهم إلا بعض الحالات الضرورية التى لا يستطيع أصحابها مغادرة الفراش لأسباب طبية علاجية.. فأصبح قصر العينى مستعداً فى يوم واحد لاستقبال كل مصابى الحرب..