حــوار :محمد عبدالحافظ
عدسة : إبراهيم بشير
قال لـ«طبيبك الخاص»: لا أريد أن أكون رئيساً للاتحاد للأبد.. وأؤمن بـ«تداول الرئاسة» بين الدول العربية
دائماً ما ينظر الناس إلى الطبيب الشرعي على أنه «مفتاح سر أى قضية» خاصة لو كانت تخص مشاهير أو شخصية سياسية، ضغوط كثيرة يتعرض لها الطبيب الشرعي حتى يخرج تقريره إلى النور.. هي مهنة مُتعبة وصعبة، هكذا قال الدكتور عقيل سوار الذهب.. رئيس اتحاد الطب الشرعيين العرب خلال حواره مع «طبيبك الخاص»، مؤكداً أن الطبيب الشرعي لابد أن يكون أميناً ونزيهاً ومُترفعاً عن أي ضغوط.
الحديث لم يكن سهلاً مع د. «سوار الذهب».. فالرجل إجاباته كانت واضحة بدون أي رتوش، بل كانت صادمة فى بعض الأحيان.
.. موضوعات كثيرة وآراء مُثيرة عن اغتصاب الأطفال، وجماع الزوج لزوجته رغماً عنها، ومُمارسة البنات للزنا، وكيفية التعرف على غشاء البكارة فى السطور التالية..
المحور الأول.. الطب الشرعي في العالم العربي
**استضافت القاهرة مؤخراً مؤتمر الاتحاد العربي للطب الشرعي.. كيف يبدو المشهد العام للتخصص في عالمنا العربي.. وما أهم العقبات التي تواجهه؟ وكيف يبدو التواصل بين علمائه العرب؟
- اتحاد الأطباء الشرعيين العرب ولد في عام 2002 بمُبادرة كريمة من سوريا ولبنان، واجتمعنا في لبنان ثم في سوريا عدة مرات.. والاتحاد كان حريصاً على جمع كل الاتحادات العربية في بوتقة واحدة، بهدف أن نكون اتحاداً واعياً وواعداً لكل التخصصات في العلوم الطبية الشرعية.. ونظراً لظروف المنطقة الاتحاد ظل فترة طويلة جداً موجوداً تحت رئاسة السودان.. وأنا أؤمن بسياسة التداول أن يكون مُتداولاً بين الدول العربية وأن تُعطى الرئاسة لكل دولة لمدة عامين.. فأنا تسلمت الرئاسة لمدة دورتين من أخي البروفيسور ياسر صافي وكان نعم الأخ والزميل والرفيق، ولاأريد أن أكون رئيسا للأبد، مثل الرئيس عبدالرحمن سوار الذهب فأنا أسير بنفس أخلاقه.. وسوف أُسلم الرئاسة في أول مؤتمر تجتمع فيه كل الدول العربية، والدورة القادمة ستكون في المملكة العربية السعودية.
أما عن مؤتمر مصر، فكان ناجحاً وقيماً بكُل المقاييس، وقدمت فيه أوراقاً قيمة جداً جداً، وجمع مُعظم علماء العالم ورؤساء الطب الشرعي في الوطن العربي.
**من خلال تجربتك.. هل يُعد اختيار هذا المجال قراراً سهلاً للطبيب العربي كونه لا يُتيح مجالات للشهرة والكسب كالتي تُتيحها أفرع أخرى؟
ــ الطبيب الشرعي هو اختيار إلهي، فالله اختار الطبيب الشرعي لأنه دائماً مع الأموات ويقف على بوابة الموت، ودائماً إنسان يواسى الناس ويُقاسمهم الألم، فهو يرى الأموات في كل لحظة، والأموات بين أيديه يُقلبهم ذات اليمين واليسار، لذلك اختيار من يعمل في الطب الشرعي ليس سهلاً.. فهو إنسان يُتفاني فى عمله ولا يسعى وراء المال أو الجاه أو السُلطان، إنما يسعى وراء الحق في استخلاص حق هذا الميت، إن كانت وفاة طبيعية، أو بفعل فاعل، أو وفاة عرضية، أو انتحار.
**وما الذي تحلم به على المستوى الشخصي.. ولمجال الطب الشرعي في العالم العربي؟
أحلم بأن أعيش حياة هادئة بقية عُمري، حافلة بذكر الله، حافلة بنجاح أبنائي الأربعة، وأن أكون في تقوى الله، وأن أُقدم علماً صالحاً ينتفع به الكثير من الأطباء، وأن أمنح خبراتي لأهلي في السودان وخارج السودان.. أما مجال الطب الشرعي في العالم العربي، أدعو أن يكون متنزهاً، وأن يكون الطبيب الشرعي أميناً في تقريره، وشجاعاً لا يخاف لومة لائم في الحق، يُشرح الجثة ويصل للسبب ويُسلم تقريره للنيابة، لأن النيابة هي جسم عدالة غير مُترهل، حتى تقوم الجهات العدلية بالإدلاء بدلوها، هل المتهم بريء أم مُدان؟.
المحور الخامس.. الطب الشرعي والسينما والدراما والميديا.
** ارتباط هذا التخصص بالحكومات بحكم طبيعته.. كيف يؤثر عليه سلباً أو إيجاباً؟
الطب الشرعي تخصص دقيق، ودائماً تضعه الحكومات تحت جناحها لأشياء كثيرة ً، لأنه يخدم العدالة ويتوأم الجهات الأمنية والعدلية، وفي معظم الأحيان ترتبط القضايا بالحكومات، خاصة في بعض القضايا الحساسة، ولأهميته نجد أن هذا التخصص مقسوم إلى قسمين، قسم الطب الشرعي ويوجد تحت رعاية وزارة الصحة أو وزارة العدل، والقسم الثاني هو الأدلة الجنائية ويكون تابع لوزارة الداخلية... وما يهُمني هو أن الطبيب الشرعي لابد أن يكون دقيقاً، وأميناً، ونزيهاً، ومُترفعاً عن أي ضغوط، ولابد أن يكون واعياً، والمفروض أن يكون مُقتدراً مادياً، ويُعطى الصفة التشريحية السليمة الصحيحة، بعد تشريح الجثة ومعرفة أسباب وفاتها، ويتم توصيلها للجهات العدلية ذات الصلة و الاختصاص.
**وما المأمول عربياً من علماء وأخصائي هذا المجال؟.. وإلى أي مدى تشعر بالرضا عن التواصل القائم بين الجهات والمختصين العرب؟
ــ مأمول رفعة هذا التخصص وتعليم الأطباء الصغار أن الطب الشرعي، قيم وواع ويشمل جميع التخصصات.. فهو يلتقي معه تخصص النساء والتوليد، فقد يواجه الطبيب الشرعي مثلاً حالة لابد أن يؤكد فيها على الحمل ، أو الإجهاض من الناحية الطبية الشرعية، أو التأكد من عملية الولادة من الناحية الطبية الشرعية، لذلك يجب أن يكون الطبيب مُلماً باختصاص طب النساء والتوليد، وأن يكون ملماً أيضاً بتخصص الباطنة، والأطفال، و التخدير لأن الناس تتوفى في بعض الأحيان نتيجة التخدير، فالطبيب الشرعي لابد أن يعرف أي مُخدر استخدمه الطبيب، وماهي المدة التي استغرقها التخدير قبل الوفاة؟، وهل العملية أجريت أم لا؟، فالطب الشرعي يتوأم الطبيب مع كافة العلوم الأخرى.. مثلاً السموم، لابد للطبيب الشرعي أن يعرف مُعدل السم الذي حصل عليه المتوفى، ونوعيته، والطبيب الشرعي عليه أن يعرف أيضاً وضع مسرح الحادث، وكيفية وضع الجثة فيه، هل هو مسرح مفتوح أم مُغلق؟.. وفي رأيي أن الطبيب الشرعي هو مفتاح العدالة.
** بحكم انتمائك لدولة السودان الشقيق.. كيف ترى حال التخصص هُناك؟
ــ كان لدينا نُدرة كبيرة في تخصص الطب الشرعي، ومصر قدمت لنا 25 منحة كانت هي أساس الطب الشرعي في السودان، ومن ساهم في هذه البعثات الدكتورة شيرين غالب، وأيمن فوده، واتصلوا بوزير العدل في تلك الفترة وأجروا اتصالات معي وتم اختيار 25 طبيباً سودانياً، ابتعثوا لمصر ، ليرفعوا من كفاءة هذا التخصص في السودان.. والآن نحن أحسن حالاً من ذي قبل.
المحور الثاني.. الطب الشرعي عالمياً
** إلى أي مدى وصل تطور الطب الشرعي عالمياً؟.. وماهي أحدث التقنيات والأبحاث في هذا المجال؟
ــ الطب الشرعي في العالم تطور تطوراً في غاية المُبالغة، فالبصمة الجينية تطورت، وتحاليل الـ “دي إن إيه” تطورت، والعلوم الطبية الشرعية المرافقة للطب الشرعي تطورت، والآن الناس تتحدث بأحد الأوراق التي قدمت من أن نستخدم الرنين المغناطيسي، ونستخدم الصور المقطعية للجثة قبل تشريحها.
**هل تتفق معي في تزايد عمليات التداخل بين الطب الشرعي وعلوم أخرى طبية وغير طبية؟.. وإلى أي مدى يُفيد هذا مجال الطب الشرعي؟
ــ بالفعل تداخل الطب الشرعي في علوم كثيرة ، ولقد ساعد الطب الشرعي في تقنية ورفعة الكثير من العلوم الطبية.
** كوننا عرب ومسلمين.. هل نضع قواعد إضافية أو مختلفة بالنسبة لآلية عمل الطبيب الشرعي؟
لا، فعندنا أشخاص آخرون من ديانات مُختلفة، وأهم المعايير بالنسبة للطبيب هي أمانته وكفاءته وعلمه وإدراكه وخلقه، ويعتمد على عمله وعلمه وعلى الله في الوصول لعلاقة السببية وآلية وسبب الوفاة، لأنه سوف يتحدث أمام القضاء وسيُعطي تقريراً مُفصلاً وكاملاً، وهذا التقرير مُمكن أن يُعدم شخصا أو أن يحكم ببراءة شخص آخر، ففي اختيارنا للأطباء الشرعيين وهم في دراستهم، لابد أن نختار الأفضل ممن يتقدمون إلينا.
المحـــــور الثـــالـــــث..
الجرائم الجنسية بين الطب الشرعي والقانون
** نُريد أن نتعرف على نوعيات الجرائم الجنسية مع ذكر تعريف شامل لهذه الجرائم؟
ــ ممنوع على الطبيب الشرعي أن يقول كلمة اغتصاب، يقول اعتداءات جنسية، وهي تحدث في أغلب المجتمعات في أمريكا وفي كندا والنمسا كما تحدث في دولنا، ومُعظمهم يكونون أحياء، وهذا يُسمى بالطب الشرعي الإكلينيكي، ويجب على الطبيب أن يكشف على الطفلة أو المرأة، ويعرف هل هي مُتزوجة أم لا؟، وهل غشاء البكارة أزيل أم لا؟، وهل هو مزال إزالة حديثة أم هي قديمة؟، والتعرف على مصير الاعتداءات على المرأة هل هي وقعت على جسدها؟، ونوعها وشكل الجروح والكدمات، حتى يصل بالتقرير المفصل للجهات العدلية.. فعندنا في السودان جريمة الاغتصاب إذا كانت لطفل أو طفلة، لابد من توقيع الكشف على الضحية لنعرف، هل تعرض لجريمة اغتصاب فعلاً، والقانون الأخير في السودان أكد أن أي طفل مُغتصب وبعد أن يؤكد الطبيب الشرعي ذلك أنه تم الاعتداء عليه جنسياً يتم الإعدام للمُغتصب.. وهذا القرار أجيز الآن.. وتم إعدام 10 مُغتصبين .
**و على مستوى الدول العربية؟
ــ أتمنى أن يُقنن على مستوى الدول العربية.
وما المانع من وجهة نظرك؟
ــ نحن كاتحاد لا نستطيع أن نتدخل في ذلك أي في التشريعات القانونية، لكن في تصوري أنه لابد من مناقشته على مستوى جامعة الدول العربية، وزراء العدل العرب يناقشوه ويخرجون بقرار موحد، لأن اغتصاب الأطفال شيء مؤلم، فما بالنا بالاغتصاب المُفضي إلى القتل، لأن أغلب جرائم الاغتصاب في السودان تُفضى إلى القتل.
**وما الشروط التي يجب توافرها حتى نعتبر الجريمة اغتصاباً؟
ــ شروط الرضا، إذا رضيت الفتاة أن تواقع شخصاً، تُسمى عملية زنا، ومواقعة الزنا في القانون تختلف عن مواقعة الاغتصاب، وبعض البنات عقب مُمارسة هذه العملية الجنسية، وخوفاً من أسرتها عقب حدوث حمل مثلاً، تقول: “إنه تم اغتصابها”.. ولابد أن يكون الطبيب الشرعي وقتها واعياً لذلك.. فضلاً عن أنه مطلوب وجود تخصص الطب الشرعي النفسي في معاهد الطب الشرعي، وأن يكون هناك قسم للطب الشرعي النفسي، ففي الدول العربية غير موجود هذا، هو موجود في الجزائر لكن مصر والسودان لا.. ففي حالة إعدام شخص، يجب أن يجتمع الأطباء الشرعيون النفسيون لدراسة ذلك، لأن المغتصب من المُحتمل أن يكون مثلاً مصاباً بانفصام، أو بمرض عقلي، ولابد أن نعرف تاريخه وتاريخ أسرته.. فالطب الشرعي هو حوض تمتلئ فيه كل العلوم الطبية.. ولدينا مؤتمر قريب في السودان، سوف أطرح فيه قضيتين، الأولى: الأخطاء الطبية وكيفية مُعالجتها، ودور الطبيب الشرعي فيها، والثانية: الطب الشرعي النفسي.
** هل إذا اعتدى شخص كبير على أنثى صغيرة يُعد هذا اغتصاباً؟
ــ يُعد اغتصاباً وهو من أصعب الأشياء، لأن الشخص كبير ومُدرك وفي كامل وعيه، ويعتبر إنساناً غير طبيعي ويُطلق عليه الإنجليز “بيدو فيلذ” وهو من يُحب مواقعة الأطفال، ويستمتع بذلك، ولذلك فالإنجليز لا يتركوه يُسافر بمفرده، ولابد أن يستأذن من الجهات الأمنية وله بطاقة خاصة، وهم دائماً كبار في السن ويستلذون بالأطفال سواء طفل أو طفلة، وهذه النوعية موجودة في دولنا العربية بكثرة.
** ما الآثار التي تُكون مُرشدة للطب الشرعي لتحديد جريمة الاغتصاب؟
يكون إدعاء من الشخص المُغتصب دائماً، وهم في البداية يلجأون للشرطة، وفي السودان يستخدمون “أورنيك 8” وفى حال عدم وجود طبيب شرعي في المنطقة يقوم بالكشف أي طبيب عمومي، وهو الطبيب المصرح له أمام العدالة، ويتم توقيع الكشف الكامل على الطفل أو الطفلة، ومن الأشياء المهمة إنه لو كانت المواقعة حديثة لابد أن نأخذ عينة، حتى نُحدد هناك دفق منوي موجود داخل الفرج عند المرأة، وهذا الدفق لابد أن نؤكده في الأدلة الجنائية؛ لكن إذا أنكر المتهم ذلك نحتاج لتحليل “دي إن أيه”، عن طريق البصمة الجينية.
** إذا طُلقت الزوجة طلاقاً رجعياً وواقعها الزوج جبراً عنها.. هل يُعد ذلك اغتصاباً؟
ــ كلها أشياء شرعية، يبت فيها القاضي الشرعي، أنا اكشف على الزوجة التي تحمل سفاحاً، والشرع قال الابن للفراش حفاظاً على الزوجية، لكن مرات تحدث أشياء مثل هذه يتم احتواؤها مع السلطات الأمنية، ومع أهل الزوج أو الزوجة العقلاء.
** أليس غريباً أن يُعتبر القانون الأنثى حُرة في التصرف في عرضها حينما تبلغ الـ18 عاماً.. وليست حرة في مالها إلا إذا بلغت 21 سنة؟
ــ غريب، نحن دائماً أسر عربية مُحافظة، تُحافظ على كينونة البنت، وتخرج من بيت أبيها عفيفة، حالمة ببيتها ومستقبلها؛ لكن أرى أنه ليس لها الحق أن تكون حُرة في كل ما تملك.
** لماذا يتم أحياناً تبرئة المُتهمين بالاغتصاب؟
ــ إذا تأكدت حالة الاغتصاب، ونحن كأطباء شرعيين برأنا المتهم، معناه أن هناك خطأ وقع، إما في التحقيق، أو في طريقة الكشف على المغتصب، أو خطأ في طريقة تناول القضية، أو أن هناك تأخيراً حدث في الكشف على المغتصب.
**وهل هذا التأخير يفرق في الكشف؟
نعم، لو تم الكشف على من يقوم بالاغتصاب في اليوم الأول، يختلف لو تم الكشف عليه بعد 7 أيام، لأن الدفق المنوي قد يخرج نتيجة البول مثلاً.. لذلك أنت تفتقد الأدلة وقتها.. لابد أن يكون هناك كشف دقيق وواع في نفس اللحظة التي وقعت فيها حالة الاغتصاب.
المحور الرابع.. عن الطبيب والأحـــــلام
**نريد تعريف القارئ المصري أكثر بكم ومشوارك العملي وصولاً لمقعد رئيس الاتحاد العربي للطب الشرعي؟
ــ اسمي عقيل النور سوار الذهب، ولدت في السودان من أب طبيب، وارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالمهنة، تخرجت في عام 1981 كطبيب عمومي، وتم اختياري لأمارس الطب الشرعي عام 1997، عملت في كلية الطب جامعة الخرطوم، قسم علم الأمراض، ثم تم ابتعاثي لخارج البلاد، ونلت على درجة التخصص في الدكتوراه، وجلست على مقعد الطب الشرعي في السودان.. وأتجول بين المدن المختلفة للإدلاء بشهادتي الطبية الشرعية، وحالات التقصي في الحالات الصعبة والدقيقة، وعملنا مدرسة مُتكاملة للطباب الشرعية العدلية، وارتبطت ارتباطاً وثيقاً بإخوتي في الدول العربية المختلفة، منهم الدكتور ياسر صافي علي من سوريا، والبروفيسور مؤمن الحديدي، والبروفيسور مُنذر لطفي، والدكتورة شيرين غالب، والبروفيسور أيمن فوده. ومن المملكة العربية السعودية البروفسير أسامة المدني. والدكتور عبد المجيد بلساحة من الجزائر. والدكتور ناجي عبد الوهاب من اليمن. ومن فلسطين الدكتور صابر الحلول، وكُنا نحمل هموم الطباب الشرعية العدلية في الوطن العربي، وكان هناك 3 مؤتمرات في السودان، و3 في الأردن، و5 في مصر، و4 في السعودية.. وكان مقرنا سوريا في عام 2002، وكنا مجموعة من شيوخ الطب الشرعي، وهم كونوا هذا الجيل، وهم كانت نظرتهم واعية وثاقبة وأقاموا علاقات طيبة جداً مع دول العالم مع أمريكا وكندا وألمانيا، والتقى هذا الجيل بعمالقة الطب الشرعي في العالم كله، وهذه كانت نقلة كبيرة جداً، لأنها منحت الأجيال الصغار الفُرصة للتنقل عبر العالم، على أساس أن يجدوا الجُرعة الكافية للطباب الشرعية العدلية.
**هل أنت راض عن الصورة التي قدمتها السينما والدراما للمهنة؟
ــ الدول الأجنبية قدمت دوراً راقياً جداُ فيما يخص الطب الشرعي، ونأمل في مصر رائدة السينما والدراما والفن أن تُساعد وأن تُقدم أفلاماً لها علاقة بالطباب الشرعية والأدلة الجنائية.
**هل هُناك عمل مُعين تتذكره في السينما؟
ــ مرة قُدم عمل جميل في السودان وتم تصوير مُعظم الحلقات في المشرحة، وهو ويحكي قصة اختطاف فتاة واغتصابها.
**الدراما الأمريكية قدمت أكثر من عمل شهير عن عالم الطب الشرعي.. هل تابعت أي منها خصوصاً التي بهرت المُشاهد العربي؟
ــ نعم، كُنت أُتابع بعضها، تابعت ما قدمته السينما والدراما وكانت مُمتعة، خاصة في استخلاص الأشياء من قطعة تفاح وأناناس، وكانت راقية وتُعبر عن صدق المهنة وأمانتها وكيفية الوصول للحقيقة وإلى علاقة السببية، وهي كيف مات الشخص؟، فالفيلسوف والطبيب والوزير والمدير والعامل والأم والأب والجاهل جميعهم يبحثون عن سؤال، كيف مات الشخص؟، فكيف، هي التي يبحث عنها الطبيب الشرعي دائماً، ولذلك عندما نصل لسبب الموت، الجميع “يرتاح” هل هي وفاة طبيعية أم لا.. وكلمة مات مقتولاً هي الخيط الطوالي ليمتد للمباحث والنيابة والقضاء، لذلك فالطبيب الشرعي يوصل هذا الخيط لهذه الجهات العدلية والشرطية، على أساس الوصول لعلاقة السببية عن طريق تحاليل العينات، والمتعلقات، وجميع الأشياء المهمة.
**أفرع مثل أخصائي مسارح الجريمة، أخصائي بقع الدم، أخصائي قراءة وتحليل العظام التي قدمتها هذه الأعمال.. هل هي جزء من الطب الشرعي أم لا؟
ــ نعم هي جزء أصيل من الطب الشرعي، ولولاها ما استطاع الطبيب الشرعي أن يصل لتلك العلاقات، فالمُختص مثلاً الذي يعرف الدم، لابد أن يعرف أن هناك بقعة دم موجودة على “ملاءة”، ولابد أن يعرف هل هذه النقاط لإنسان أم لحيوان أو نقاط لعصير أحمر.. كلها تخصصات توأمية، وتخصصات رفعت من شأن الطب الشرعي ومن كفاءته وقدرته.
**كيف ترى العلاقة بين الصحافة والميديا عموماً وبين الطب الشرعي؟
ــ يجب أن تتناول الصحافة والميديا الأشياء بنزاهة، ولابد أن تأخذ الأشياء بعد أن يدلي القانون بدلوه فيها، مثال وفاة فتاة في ظروف غامضة، ويقف عند هذا الحد، لأن المجرم ممكن أن يفلت من العدالة، وممكن أن يتناولها الناس من نوعية قيل وقال.. الصحافة لابد أن تتناول الأشياء من صاحبها، عندما تأخذ تصريحاً، لابد أن يكون من مدير المصلحة، أو من الشخص المخول له أن يتحدث باسم المصلحة، لتأخذ معلومة صحيحة بعيداً عن المزايدات.
**تقرير الطب الشرعي في قضية “خالد سعيد” كان مثاراً لجدل سياسي ومُجتمعي كبير في مصر، هل يتأثر الطبيب بهذا الجدل أثناء عمله.. وكيف ترى العلاقة بين الطبيب الشرعي وضغوط السياسة؟
ــ الطبيب الشرعي لابد أن يكون طبيباً واعياً وأميناً ونزيهاً وشجاعاً قادراً على مواجهة الأشياء بشجاعة كبيرة.. مثلما قال البروفيسور مؤمن الحديدي عن أحد الحالات لوزير فلسطيني، حيث سافر إلى القدس شرح هذه الجثة، وكان أميناً، قال إن النزيف الذي حدث في الشريان التاجي نتيجة ضغوط نفسية، لأن ابتلع لسانه.. وفي أمر “خالد سعيد” كان لابد أن يكون الطبيب شجاعاً وقتها لا يخاف، أنا أكتب تقريري بكل نزاهة وأذكر كل الأشياء التي تتعلق بالمتوفى، وسبب الوفاة، وبعد ذلك أسلمها للجهات العدلية، وهذه الجهات لو أرادت تغييرها بعد ذلك هذا يخصها.
**وماذا إذن عن الضغوط السياسية؟
الطبيب الشرعي توجد عليه ضغوط في بعض الأحيان، لكن الطبيب عليه أن يبتعد عنها.