حوار: رانـيـا سـالم
الاستقلال المادى، وانتخاب شيخ الأزهر، أهم عنصرين جعلت من الأزهر مؤسسة دينية مستقلة كما تقول الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر.
نصير تقول:"قديمًا نجح مشايخ الأزهر فى أن يؤثروا على الرأى العام، لكن هذا التأثير لم يستمر كثيرا بعد ثورة ١٩٥٢، وتحولت الاستقلالية للمؤسسة الأزهرية إلى تبعية.
كيف كانت طبيعة العلاقة بين مشايخ الأزهر وبين الحكام "ملوك ورؤساء"؟
كان هناك حرية واستقلالية لمشيخة الأزهر من سطوة أى حاكم على مدار تاريخه حتى ثورة ١٩٥٢، هذه الاستقلالية نابعة من عنصريين هامين، أولهما أن شيخ الأزهر يتم اختياره من بين المشايخ ولم يكن يعيين، الأمر الثانى استقلال الأزهر المادى، فالمؤسسة الأزهرية تميزت بانفصال ميزانيتها المالية، وهو ما يضمن الاستقلال المادى، لكن بعد ثورة ١٩٥٢، وحينما أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارًا بضم مشيخة الأزهر إلى مؤسسات الدولة، وهو الأمر الذى تسبب فى جدال كبير بينه وبين مشايخ الأزهر، لرفضهم التام أى تدخل فى الأزهر أو أن يُفرض عليهم شيخ دون رغبتهم، الأمر الذى تسبب فى قيام شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت، وقتها، باستقالته احتجاجًا على قرار عبد الناصر.
فالاستقلالية للمشيخة سواء فى الجانب المادى أو الإدارى جعلت الأزهر غير تابع للحاكم، بل على العكس كانت أحد أهم المميزات، التى منحته قوة تتفوق فى كثير من الأحيان على قوة الحكام، حتى أنها وصلت إلى علاقة ندية وتجنب وخشية من الحكام للأزهر ومشايخه، ورغبة فى إرضائه والحصول على تأييده، وتاريخ مشايخ الأزهر يمتلأ بالأمثلة المؤكدة، لذلك فمشايخ الأزهر أعلنوا اعتراضهم ورفضهم وتصدوا لقرارات ليس فقط ضد ملوك ورؤساء وحكام، ولكن ضد الاحتلال، وضد سياسات خارجية رأوا أنها خطأ.
وفى العموم يمكن القول بأن هناك محاولات مستمرة من جانب الرؤساء والملوك للسيطرة تارة والإرضاء تارة أخرى لمشايخ الأزهر، فالأمر يتوقف على قوة شيخ الأزهر، وتأثيره على الرأى العام، وقبل ثورة يوليو كان للأزهر تأثير قوى، حتى كان هناك ما يعرف بالثورات الأزهرية، وكانت العامة تنضم إليها وتؤيدها وتساندها، ولهذا كان الحكام يسعون لإرضاء الأزهر، الذى بدوره يسعى لإرضاء الناس، وحتى بعد ٥٢ كان الرؤساء يسعون لإرضائهم رغم تراجع سطوتهم فى مقابل سطوة الرؤساء.
وإجمالًا يمكن القول بأن علاقة مشايخ الأزهر بالملوك والرؤساء كانت علاقة ندية، خوفًا من الأزهر حتى ١٩٥٢، ثم تحولت إلى تبعية تتفاوت درجاتها وفقًا لكل شيخ وسطوة كل رئيس.
ما هى أبرز المواقف التى اتخذها مشايخ الأزهر ضد الملوك والرؤساء؟
أبرز هذه المواقف فى عهد الملك فاروق، وفيه انتقاد واعتراض ورفض لمشايخ الأزهر على عدد من قرارات الملك، وعلى الرغم من قدر الاحترام والتقدير الذى حرص الملك فاروق على إظهاره للأزهر، وحرصه على الصلاة خلف شيخ الأزهر فى الأعياد، وحضور خاتمة القرآن فى العشر الأواخر من رمضان، ورغم ذلك اعترض الشيخ محمد مصطفى المراغى على طلب الملك فاروق بإصدار فتوى تحرم زواج الملكة فريدة، وقال الشيخ المراغى "الشيخ مراغى لايستطيع أن يحرم ما أحله الله".
وعندما تزوج الملك فاروق من الملكة ناريمان، وذهبا لقضاء شهر العسل، خرج شيخ الأزهر عبد المجيد سليم البشرى ليعلن رفضه لبذخ الملك، والشيخ إبراهيم حمروش هو الآخر اعترض على تدخلات الملك، ورفض أى تدخل فى شئون الأزهر أو المساس بالميزانية المالية الخاصة بالمشيخة.
هل ضم مشيخة الأزهر لمؤسسات الدولة، وتعيين شيخها، وعدم انتخابه حد من استقلالية الأزهر؟
بالتأكيد، فمؤسسة الأزهر تميزت بأن لها مكانة عظيمة فى قلوب المصريين، وكان لها تأثير على الرأى العام، فعندما رفض الشيخ المراغى مشاركة مصر فى الحرب العالمية الثانية، وقال إن مصر ليس لها علاقة بالحرب، وحينما تحدث حسين سرى باشا رئيس الحكومة وقتها قال"أتهدد شيخ الأزهر؟ وشيخ الأزهر أقوى بمركزه ونفوذه بين المسلمين من رئيس الحكومة"، ووجه له إنذارا بقوله "لو شئت لارتقيت منبر مسجد الحسين، وأثرت عليك الرأى العام، هذه المقولة تثبت قوة المؤسسة الأزهرية وصلابتها، وإلى أى مدى كان الحكام والملوك يسعون وراء إرضائها ويتجنبون كما نقول بالعامية "شرها"، لعلمهم على قدرة الأزهر على التأثير على الرأى العام، لكن الوضع تغير بعد ثورة يوليو ٥٢، لأن تعيين شيخ الأزهر وانضمامها لمؤسسات الدولة أثر على استقلالها.
وماذا حدث بمجىء ثورة ٥٢ ووجود الرئيس جمال عبدالناصر؟
الرئيس جمال عبد الناصر، نجح أن يبسط سيطرته على المؤسسة الأزهرية لتتعاظم قوة الرئيس ويلتف حوله الجميع، ولم يعد لمشايخ الأزهر نفس التأثير، فعبد الناصر استطاع أن يحكم مزيدا من السيطرة على الأزهر، وخاصة بعد أن ضُمت المشيخة للدولة، وتم تعيين شيخها وهنا فقدت المشيخة أهم مميزاتها، وفقد كافة العناصر التى تمنح مشايخها ركيزة للاستقلال وعدم التبعية للحكام والرؤساء.
وماذا عن مواقف مشايخ الأزهر بعد ثورة يوليو، هل اتخذوا مواقف معارضة للرؤساء الذين تولوا الحكم؟
بالتأكيد، فالأمر يرجع إلى طبيعة وقوة شخصية وعلم هؤلاء المشايخ، ومنهم الشيخ محمود شلتوت، رحمة الله عليه، كان عالمًا جليلًا يمتلك قدرًا كبيرًا من العلم تصدى به لأى أمر مخالف للدين وأوامره ونواهيه، وكان يرى الأزهر لجاما ناعما يستطيع فيه التقريب بين المذاهب الأربعة، ونبذ التطرف والمذهبية، والشيخ محمود عبد الحليم فكان شيخا زاهدًا فى الدنيا ورعًا، ذكر لى ابنه أن والده لم يترك له شيئا من حطام الدنيا، ولم يكن يرد منها شيئًا، وهذا الزهد جعله يسعى للحق أينما كان، ولا ينصع لأحد أيا كان، والشيخ المراغى عالم جليل بقوته وصلابته أمام السيطرة الطاغية للرئيس عبد الناصر.
الشيخ جاد الحق على جاد الحق عُرف بصرامته وتصديه بقوة وبصرامة للرئيس مبارك فى مساندة مؤتمر السكان، حتى أنه لم يرد على اتصالات الرئيس المتكررة، وحدثنى الشيخ جاد الحق رحمه الله وكنت عميدة للدراسات الإسلامية ومنع كافة الأساتذة بالأزهر حضور المؤتمر، ورغم أن الشيخ لم ينجح فى إلغاء المؤتمر، لكنه نجح فى إضفاء اتجاه سلبى تجاهه وجعله كالشىء المنبوذ.
فقوة القرارات والمواقف العظيمة لهؤلاء المشايخ الأجلاء يمكن إرجاعها لأكثر من سبب، أولها أن المؤسسة الأزهرية لم تصل إلى مرحلة التململ، الذى عليه الآن، وقوة، وعلم، وشخصية، وزهد، وورع وفطنة هؤلاء المشايخ، الذين أعلنوا اعتراضهم وتصديهم لقرارات وسياسة التى يتخذها الرؤساء رغم تراجع المساندة المجتمعية أو الظهير المجتمع "الشارع" كما طلق عليه بلغة ساسة هذا اليوم.
إذا كانت هناك ثورات للأزهرية لماذا وافقوا على التبعية لمؤسسة الدولة بعد ثورة يوليو؟
من قال إن الأزهر لم يتخذ موقفًا معارضًا، فعندما أعلن الرئيس جمال عبد الناصر إنشاء وزارة لشئون الأزهر، رأى الشيخ شلتوت أن هذا الأمر يحد من استقلالية الأزهر، ولهذا عارض القرار حتى أنه قدم استقالته من المشيخة، لكن مع شكيمة السلطة الطاغية للرئيس عبدالناصر وتأثيره على الرأى العام فى ظل تراجع تأثير الأزهر وعدم مساندة الرأى العام له، لكن لم يجد شيئا، ورغم انضمام الأزهر للدولة، لكن تماسكت المؤسسة الأزهرة لعدة سنوات، ولم يصل لهذه الحالة منالتململ بعد، وكان لعدد من مشايخها سطوة حتى وإن لم تكن كالسابق.
وماذا عن مشايخ السلطان كما يلقبون؟
النفس البشرية واحدة وهناك تقارب بين مشايخ ورجال الدولة والرؤساء وملوك وحكام، يحكم هذه التقارب الندية ومحاولة الإرضاء وفى أوقات أخرى الانسياق والتبعية، فالأمر ليس ثابتا، ولكنه متغير على مدار العصور والأزمنة، وفى الأزهر هناك تراث ضخم للعلاقة بين علماء ومشايخ الأزهر وبين الحكام ملوكا كانوا أو رؤساء، وتفاوتت هذه العلاقة وتبعيتها واستقلالها من شيخ إلى آخر.
لماذا يتم وضع مقارنة بين مشايخ الأزهر القدامى وعلاقتهم مع الرؤساء والملوك وبين الجدد على أن تكن هذه المقارنة فى صالح القدامى؟
لا أحد ينكر أن هناك محاولات منظمة لإسقاط مؤسسة الأزهر الشريف، بداية من محاولات التيارات الوهابية السيطرة على المجتمع المصرى عبر عدد من المشايخ، الذى يطلق عليهم سلفيون، لحط وانتقاص من قدر وهيبة الأزهر، الذى يدعو إلى الدين الوسطى السمح، وهو ما بدأ منذ الثمانينيات وزادت بشكل قوى خلال السنوات العشر الأخيرة، بجانب محاولات الأخيرة، التى يعلمها الجميع فى حكم الجماعة الإرهابية، والتى تفننت بهدم الأزهر الشريف، بل إنها سعت إلى هدمها وتخريبها والتقليل منها، وهو أمر شاهده الجميع وسجلته عدسات الصحافة والتليفزيون.
لكن بما أننا أمام تقييم لمؤسسة الأزهر فحملات الترصد لهذه المؤسسة يقابله على الجانب الآخر ترهل فى الأداء ونعومة، فلم يعد للمؤسسة حظوتها وسطوتها وتأثيرها كما كان من قبل.
إذا كان الأداء مترهلًا ناعمًا، كيف يمكننا ضبطه؟
على رجال الأزهر أن يعيدوا النظر فى عدد من القضايا، ويبحثوا بأنفسهم عن كيفية الخروج من هذا الأداء.
هل إلغاء تعيين شيخ الأزهر واستقلاله المادى كما كان سيعيد ضبط أداء الأزهر؟
لا أعلم، يمكن أن تكون إحدى الخطوات نحو ضبط الأداء الأزهرى، لكن بالتأكيد ليست الخطوة الوحيدة، فهناك عدد من القضايا يجب إعادة مناقشتها وإيجاد حلول لها.