الثلاثاء 11 يونيو 2024

نساء الثورة

20-3-2017 | 13:50

تقرير: أمل رزق - هبة ربيع- مروة عاطف - غادة فؤاد

رغم معاناة المرأة الجزائرية طوال فترة الاستعمار ومعايشتها للحرمان والكبت والجهل إلا أنها لعبت دورًا رياديًا منقطع النظير فى دعم ثورة التحرير المظفرة، ولم تكن بعيدة عن أجواء الثورة وذلك بعد إطلالة القرن العشرين وانتشار الحركات الوطنية والجمعيات الإصلاحية فكانت جمعية «العلماء المسلمين الجزائريين» رائدة فى المناداة بتعليم المرأة وحثتها على أن تنال حظها من التعليم وفتحت المدارس للفتيات وشجعت على تعليمهن وخروجهن من البيت من أجل العلم.

وتم إنشاء جمعية «النساء المسلمات الجزائريات» لمساعدة المسجونين السياسيين من رجال الحركة الوطنية الجزائرية ونتيجة لتطور الأحداث السياسية قبيل الثورة تطور الوعى الوطنى لدى الجزائرية، التى لم تعد تقبل أن تظل معزولة عن الأحداث، وأصرت على المشاركة فيها، ومن هنا استعدت المرأة الجزائرية نفسيًا للمشاركة فى مرحلة الثورة وفضلت العيش فى الجبال الوعرة والكهوف المظلمة مع جيش التحرير وقد قامت بواجبها فى مساعدة المجاهدين على أكمل وجه.

لم يقتصر دور على المساعدة والإيواء وإعداد الطعام، بل تعداه إلى المشاركة الفعلية وبدور فعال ومؤثر فى المعركة وانقسم المجندات داخل صفوف الثورة إلى:

مجندات عملن فى المدن فى صفوف الفدائيين وهن «مجندات متعلمات».

مجندات معظمهن من سكان الريف والبادية وهن «مجندات غير متعلمات».

شعبيات محبات وهن «جموع مواطنات كن فخورات برجال الثورة».

مناضلات فى جبهة التحرير الوطنى.

ومن أوائل المراجع التى أشارت لبطولات ونضال المرأة الجزائرية الباحثة والمجاهدة «أنيسة بركات درار» فى كتابها «نضال المرأة الجزائرية خلال الثورة التحريرية» وذهبت من خلاله إلى أن مشاركة المرأة الجزائرية فى ميدان الكفاح المسلح جنبا إلى جنب مع الرجل قد أحدث انقلابا جذريا فى المفاهيم والأفكار فجيش التحرير الوطنى استقبل المرأة المجاهدة بفخر وإعزاز.

ومن الواضح أن هذه المجاهدة التى مارست مختلف الأعمال وتحملت المصاعب قد أثبتت وجودها فى كفاح بلادها وشكلت قوة سياسية فعالة وفى ذلك يقول ميثاق مؤتمر الصومال الوثيقة السياسية الأولى للثورة الجزائرية عام ١٩٥٦م “توجد فى الحركة النسائية إمكانيات واسعة تزداد وإنا لنحيى بإعجاب وتقدير ذلك المثل الباهر، الذى تضربه جميع المجاهدات اللائى يشاركن بنشاط كبير وبالسلاح أحيانا فى الكفاح المقدس من أجل تحرير الوطن ولا يخفى أن الجزائريات قد ساهمن مساهمة إيجابية فعالة فى الثورات الكثيرة، التى توالت وتحددت فى بلاد الجزائر منذ سنة ١٨٣٠ضد الاحتلال الفرنسى وأن المثل الذى ضربته أخيرًا تلك الفتاة القبائلية التى رفضت الفتى الذى تقدم لخطبتها لأنه ليس من المجاهدين لدليل على ما تمتاز به الجزائريات من المعنوية السامية والإحساس النبيل”، ونستنتج منذ أن المرأة الجزائرية على اختلاف المستويات قد تمكنت من التغلب على العقبات والضغوط وساهمت مساهمة فعالة فى الكفاح.

ومن بين الرؤى المعمقة التى قدمت صورة وافية عن جوانب متنوعة من نضال وتضحيات المرأة الجزائرية رؤية المجاهد والباحث الدكتور «محمد قنطارى»، التى قدمها من خلال كتابه «من بطولات المرأة الجزائرية فى الثورة وجرائم الاستعمار الفرنسى» وقد تحدث باستفاضة عن قصة المجاهدة البطلة «فاطمة خلف»، التى تعتبر رمزًا من رموز الثورة الجزائرية، وأطلق عليها «الشهيدة لم تمت» وأكد أنها واحدة من البطلات الخالدات التى تعرضت لكل أصناف التعذيب الوحشى على يد العسكريين الفرنسيين.

وسوف نتناول فيما يلى قصص بعض الشهيدات اللاتى حفرن أسماءهن بالذهب فى تاريخ الجزائر وبعض شهادات مجاهدات وتأثير كل هؤلاء فى نجاح الثورة التحريرية الجزائرية.

دور النساء فى الحرب الجزائرية

أنجزت النساء عددًا من الوظائف المختلفة أثناء الحرب الجزائرية (١٩٥٤-١٩٦٢) وهى حرب الاستقلال الجزائرية وغالبية النساء المسلمات اللاتى أصبحن مشاركات بفاعلية قد قمن بذلك بجانب جبهة التحرير الوطنى، وقام الفرنسيون بتعبئة بعض النساء مسلمات وفرنسيات على حد سواء فى مجهودهن الحربى غير أنهن لم يكن بنفس التكامل واتساع المهام مثل أخواتهن الجزائريات. ويقدر العدد الإجمالى للنساء المشاركات فى النزاع حسب سجلات المحاربين القدامى لما بعد الحرب ب ١١٠٠٠ امرأة، ولكن من الممكن أن يكون هذا الرقم أعلى بكثير بسبب أن العدد المبلغ عن مشاركته أقل من العدد الفعلى.

وهناك فرق بين نوعين مختلفين من النساء المشاركات فى هذه الحرب نساء الحضر ونساء الريف.. فكانت نساء الحضر اللاتى شكلن حوالى ٢٠ فى المائة من إجمالى القوة قد حصلن على بعض مستويات التعليم وعادة ما اخترن الدخول بجانب جبهة التحرير الوطنى من تلقاء أنفسهن وعلى الجانب الآخر هناك عدد كبير من النساء الريفيات اللائى لا يجدن القراءة والكتابة قد شكلن نسبة الثمانين فى المائة المتبقية وبسبب موقعهن الجغرافى فيما يتعلق بعمليات جبهة التحرير الوطنى أصبحن يشاركن فى الحرب بسبب قربهن منها جنبًا إلى جنب مع قوتهن.

الأدوار

شاركت النساء فى العديد من مناطق العمليات فى الثورة بفاعلية كمقاتلات وجواسيس وفى جمع التبرعات وكذلك كممرضات وطاهيات ولقد ساعدت النساء القوات المقاتلة من الرجال فى مجالات مثل النقل والإتصالات والإدارة، ويمكن أن تشتمل مجموعة المشاركة النسائية على أدوار قتالية وغير قتالية.. فى حين أن الغالبية العظمى من المهام التى قامت بها النساء تركزت على المهام غير القتالية إلا أن هؤلاء اللاتى أحطن بالعدد المحدود المشارك فى أعمال العنف أصبحن يُلاحظن على نحو أكثر توترًا. والواقع هو أن النساء الريفيات شكلن الغالبية العظمى من النساء المشاركات.. وهذا لا يجب أن يقلل من أهمية هؤلاء النساء اللاتى شاركن بالفعل فى أعمال عنف، ولكن فقط لتوضيح أنهن شكلن أقلية.

النساء المقاتلات

على الرغم من الحقيقة المتمثلة فى أن تدمير الأهداف المدنية والعسكرية من قبل نساء عبر أنشطة شبه عسكرية تضمنت أقل من سبعين امرأة أو حوالى ٢ فى المائة من إجمالى الإناث المشاركات فى الذراع العسكرية لجبهة التحرير الوطنى فإن هذه الأعمال لاسيما تلك التى حدثت أثناء معركة الجزائر العاصمة (١٩٥٧) هى التى حظيت بمعظم الاهتمام الذى منح للنساء فى هذا الصراع. وكان سبب هذا الاهتمام هو أن من بين النساء اللاتى ارتكبن أعمال عنف مباشر ضد الفرنسيين كانت جميلة بوحريد ومقاتلات فى معركة الجزائر العاصمة وعند القبض عليهن فى نهاية المطاف حظيت محاكمات هؤلاء النسوة، لاسيما بوحريد بتعاطف من الجماهير الدولية، وهناك سبب آخر هو أن الطبيعة العنيفة لهذه الأنشطة، لاسيما حينما تنفذ على يد نساء كانت أكثر حساسية بكثير من تغذية وتمريض جنود جبهة التحرير الوطنى.

العمليات السرية

بالإضافة إلى مهام الدعم العام تمتعت النساء بقدرات خاصة بهن سمحت لهن بالقيام بمهام سرية كانت تمثل صعوبة على الرجال.. وأفضل مثال موثق على ذلك هو معركة الجزائر العاصمة.. ففى هذه المعركة ظل نشطاء جبهة التحرير الوطنى من الذكور الذين اختفوا فى أماكن تحت الأرض هربًا من الفرنسيين بعيدين عن المجال العام لتجنب الاعتقال والاستجواب فى حين أن النساء اللاتى ساعدن هؤلاء الرجال على البقاء مختبئين كن قادرات على التحرك هنا وهناك بحرية وتهريب الأسلحة وغيرها من المواد الحساسة كنتيجة لقدرتهن على التلاعب بمظهرهن الشخصى وكانت الطريقة التى انتهجتها النساء للقيام بذلك مزدوجة.. الطريقة الأولى كانت تتملك فى سلوك دينى وهو ارتداء الحجاب، الذى اعتبرته النساء فوق مستوى الشبهات أو تقمص المظهر الأوربى لإظهار تمسكهن بالقيم الفرنسية ونمط الحياة الفرنسى.

جبهة التحرير الوطنى والنساء

على الصعيد الخارجى انتهجت جبهة التحرير الوطنى سياسات أبرزت مشاركة النساء فى الحرب الجزائرية فقد سعى منشور المجاهد، وهو أحد منشورات جبهة التحرير الوطنى إلى خلق أسطورة للمحاربة وتمجيدها باعتبارها شهيدة ومحور الحرب وألقت المقالات، التى تم نشرها بما فى ذلك المساهمات النسائية فى سلسلة «يوميات الفدائى” الضوء على الدور البطولى للمرأة وشجاعتها ومساهماتها فى المجهود الحربى.. وكانت جبهة التحرير الوطنى قادرة على صياغة دافع للمرأة استنادًا إلى فكرة الحرية المرتبطة بالنزعة القومية القوية فى مقابل هدف التقدم الاجتماعى متفاديًا بذلك الحاجة إلى الانخراط فى مناقشة قضايا المرأة لأنهم ساووا بين هذه القضايا، وبين التحرر من الحكم الاستعمارى وبشكل علنى أقرت جبهة التحرير الوطنى بمساهمات المرأة، ولكنها تجنبت إعطاء وعود بمنح مكافآت محددة نتيجة هذه المساهمات.

وداخليًا توصف مواقف جبهة التحرير الوطنى تجاه المرأة فى بيان صادر عن قائد الجبهة سى علال:

“لا يسمح بتجنيد مجندات وممرضات دون الحصول على إذن المنطقة، وفى الجزائر المستقلة تتوقف حرية المرأة المسلمة على باب منزلها ولن تتساوى المرأة أبدًا مع الرجل”.

وكانت هناك عقبات حالت دون مشاركة المرأة بما فى ذلك رغبة بعض الرجال فى عدم تعريض النساء لأى خطر إضافى خارج المخاطر الكبيرة لمجرد العيش فى الجزائر فى هذا الوقت والتغيير الجذرى الذى لم يقتنع الكثير من أعضاء جبهة التحرير الوطنى بإمكانية حدوثه والمتمثل فى الحاجة إلى انتقال النساء من الحياة المنزلية المنعزلة إلى المشاركة النشطة وانعدام الثقة فى النساء بشكل عام لا سيما فى قدرتهن فى الحفاظ على أسرار جبهة التحرير الوطنى إذا ألقى القبض عليهن وعند الدخول فى مقاومة كانت هناك متطلبات إضافية أيضًا منها إجراء تحقيق عن ارتكاب الزنا، والذى تصل عقوبته إلى الإعدام واختبار العذرية إن أمكن. إن مشاركة المرأة لاسيما هؤلاء اللاتى كن على دراية بالقراءة والكتابة وكانت لهن ميول استباقية جعلت فى بعض الأحيان نظرا~هن من الرجال الأميين فى أغلب الأحيان يشعرون بعدم الراحة ونتيجة لهذه العوامل وغيرها من العوامل الأخرى سنت جبهة التحرير الوطنى قانونًا لترحيل هذه العناصر النسائية التقدمية إلى البلدان المجاورة، التى انتقلت نسبة كبيرة منهن من الجزائر بحلول عام ١٩٥٨.

دور المرأة الجزائرية فى الثورة التحريرية

كانت المرأة الجزائرية فى عهد الاستعمار الفرنسى العنصر المهم فى مسؤولية الكفاح فى المدينة والأرياف لكسر الحصار، الذى كان يشكله المستعمر على أولادها وزوجها عائلتها بلدها وشرفها.. عملت المرأة الجزائرية كممرضة تعالج المقاومين فى الجبال.. طباخة تحضر المئونة لهم ترسل الرسائل وتضع القنابل فى أماكن وجود الفرنسيين..

وقد شكلت المرأة الجزائرية عنصرًا أساسيًا فى الثورة التحريرية ووقفت إلى جانب شقيقها الرجل فى تحمل المسؤولية تجاه الثورة المباركة، وبالتالى كانت المرأة الجزائرية سندًا قويًا للأب والأخ والزوج والابن والأهل والجار، الذين حملوا السلاح ضد الاستعمار الفرنسى، وقد أبلت بلاء منقطع النظير أظهرت من خلاله أنها النفس الثانى للثورة التحريرية.. وكم من قصص عديدة وغريبة عن كفاح المرأة الجزائرية فى سبيل الحرية والاستقلال ومنها: -

حل الظلام وخرجت جماعات الرجال تسعى خلال الجبال الوعرة بحثًا عن العدو.. وفى الظلام الحالك ضرب الرجال ضربوا بقسوة تخلفت عن مرارة ١٣٠ عامًا من ذل الاحتلال.. وفوجئ العدو وقبل أن يسترد وعيه كان قد فقد عددًا كبيرًا من جنوده وعتاده فى معركة خاطفة.. فاستغاث.. ومع خيوط الفجر الأولى كانت جماعة المجاهدين تتسلل راجعة إلى قاعدتها فى جبال «جرجرة” وفى الوقت الذى كانوا يأوون إلى منازل قريتهم الصغيرة كان الجند الفرنسى يبحث فى جنون عن مصدر الضربة المفاجئة، التى تلقاها وعلى استغاثته قامت طائراته تفحص كل شبر من الجبال وهبت السيارات المدرعة لنجدة المستعمر المهزوم.. وفجأة دبت الحياة فى الجبال ونشط الجند المستعمر فى المطاردة ولم يجد المجاهدون بدًا من ترك القرية والانسحاب إلى مراكز أخرى حصينة تاركين النسوة والصبيان لنقل بقايا المؤن والسلاح والذخيرة.. وهاجم الجند الفرنسى القرية العزلاء.. وبدأت معركة النساء.. وتولت “فطوم” القيادة وقسمت نساء القرية الصغيرة إلى فرقتين: فرقة حملت السلاح والذخيرة والمؤن وساقت معها الصبيان وتسللت خلال مسارب الجبال لتلحق بالمجاهدين.. وفرقة قوامها ١٢ امرأة حملن السلاح لتغطية الانسحاب واستمرت المعركة ست ساعات كاملة تمكنت الفرقة الأولى خلالها من الانسحاب بنجاح.. واقتحم الجند الفرنسى القرية على جثث النساء.. ولم يبق من الفرقة المدافعة إلا امرأة واحدة أعدمها الفرنسيون فى الحال.

أثبتت الحوادث أن المرأة الجزائرية صبورة على الحرب ومشاقها كالرجال وفى كل مدينة وقرية فى الجزائر تعير الفتيات الشبان، الذين تخلفوا عن الالتحاق بجيش التحرير ويمتنعن عن قبول أى عرض للزواج من الشبان مهما كانت مراكزهم الاجتماعية وثرواتهم إلا إذا كانوا يعملون فى صفوف المجاهدين بصفة ظاهرة أو خفية.. وبلغ من فخر السيدات بأبنائهن المجاهدين أن السيدة، التى يستشهد ابنها أو زوجها فى المعركة ترتدى الملابس البيضاء وتجلس فى دارها لتستقبل التهانى من جاراتها.. فتقول الجارة لها: “نهنئك بفوز ابنك بالشهادة».. فترد السيدة قائلة: “إننى فخورة بابنى البطل أنه لم يمت، ولكنه حى فى سجل الأبطال».

وفى سهول متيجه كانت جماعة من جيش التحرير تهيئ كمينًا للجند الفرنسى ثم اضطرت للاختفاء فى أحد المنازل، وكانت ربة المنزل وحدها حين أخبروها بأمرهم، وطلبوا منها إخفاءهم قائلين لها: “إن أرواح فرقة كاملة من المجاهدين ستكون وديعة بين يديك”.. ولم تتردد السيدة لحظة بل بادرت بإخفاء المجاهدين فى قبو منزلها، وفى الوقت الذى كانت تسمع فيه طلقات الرصاص كانت منهمكة فى تكديس كميات كبيرة من الأخشاب والفحم والبقايا على باب القبو وفوقه، بحيث بدا المكان وكأنه مهجور منذ سنين.. ولم تكد السيدة تتم عملها حتى حطم الجنود الباب وهاجموا البيت.. وسمعت فرقة كاملة عن المجاهدين فى مخبئها الجند يهاجم السيدة فى عنف ويتداول ضربها بالأيدى والأرجل وسنان الحراب.. والسيدة لا تخرج فى جوابها عن جهلها بما يريدون! ثم حل الأنين بعد ذلك محل الكلام وحين ابتعد وقع إقدام الجند عن المكان وخرج المجاهدون لنجدة السيدة الكريمة وجدوها بين الموت والحياة.

بسالة الجزائريات

وكان الفرنسيون قد درجوا فى المدة الأخيرة على تعذيب النساء أمام أولادهن ليدفعوهن إلى إفشاء أسرار المجاهدين.. وقد حدث أخيرًا فى مدينة عنابة أن ألقى الفرنسيون القبض على جماعة من نساء المجاهدين مع أبنائهن وساقوهن إلى معسكرات الاعتقال لتعذيبهن وإرغام أزواجهن على الاستسلام.. وحل الظلام فأجمع النسوة أمرهن على اغتنام الفرصة والفرار من الأسر للالتحاق بأزواجهن المجاهدين، تاركين أطفالهن للفرنسيين فى المعسكر.. وفى الصباح كان الجند الفرنسى يبحث عن النسوة.. بعد أن كان يبحث عن أزواجهن!.. وفى المعركة أثبتت المرأة الجزائرية وفاء لوطنها وشجاعة منقطعة النظير وصلابة لا تلين فى الدفاع عنه..

ستة ملايين مجاهدة

إن كل امرأة جزائرية تشترك اليوم فى معركة الجهاد.. وإن ٦ ملايين امرأة فى الجزائر اليوم مجاهدات.. ست البيت تجاهد بنسج الصوف وعمل التريكو والتفصيل وحياكة الملابس الداخلية والخارجية اللازمة للرجال المحاربين.. وهى أيضًا تجاهد بإخفاء وإيواء وإطعام وتطبيب جيش التحرير فى تحركاته فكل بيت فى الجزائر اليوم مأوى ومستشفى للمجاهدين.. أما المرأة المتطوعة فتقوم بعدد كبير من المهام: فالمتعلمات يقمن بأعمال السكرتارية فى القيادات المختلفة، فضلًا عن أعمال المخابرات والاتصالات ..

ويقوم عدد كبير من الفتيات بأعمال التمريض ومعاونة الأطباء فى الهلال الأحمر الجزائرى ويقوم فريق آخر بأعماله وراء الخطوط لخدمة الجيش وتسهيل المواصلات بين مختلف الفرق العسكرية.. وقد انخرط عدد كبير من الفتيات فى سلك القوات العسكرية المحاربة ويقاتلن جنبًا إلى جنب مع إخوانهن الرجال.. وتقوم المرأة الجزائرية بخدمات جليلة لوطنها فى الخارج ففى الجمهورية التونسية والمملكة المراكشية تعمل المرأة الجزائرية فى المنظمات، التى تعمل من أجل الثورة، فضلًا عن العناية باللاجئين والقيام بكل مايلزمهم من حيث الغذاء والدواء ورفع المعنويات.. وسيسجل التاريخ بطولة شعب هب بأجمعه ليشترك فى معركة تحرير وطنه وقد كتب رجاله ونساؤه فى سجل الخلود سطورًا من نور فى سبيل الحق والعدالة والحرية.

وقد عرفت الجزائر بطولات نسائية عديدة كل منهم لها حكاية.. تروى بدماء الأبطال الذين قدموا حياتهم فداء للوطن وعلى هذه الصفحات نروى ونسمع نماذج وطنية استطاعت أن تضع علامات على الطريق ومنهم