ينتمى حسين آيت أحمد إلى عائلة دينية، حيث كان جده الشيخ مهند الحسين الذى ينتمى إلى الطريقة الرحمانية، أما هو فعندما بلغ الرابعة من عمره دخل الكتاب لحفظ القرآن الكريم بمسقط رأسه، وعندما بلغ السادسة تحول إلى المدرسة الفرنسية دون أن ينقطع عن حفظ القرآن الكريم حتى حصل على شهادة البكالوريا. وتقول إحدى مسنات العائلة إن آيت أحمد غادر القرية حين كان «فتى» للدراسة فى العاصمة الجزائر.
وهو سليل عائلة جزائرية مناضلة حيث يقول بوسعد، وهو أحد أفراد عائلته، بفخر «نحن سليلو أسرة مقاومة» تعود إلى لالة فاطمة نسومر، إحدى وجوه المقاومة الشعبية للاستعمار الفرنسى يلقبها الناس والصحافة بجان دارك الجزائر، إذ قادت المقاومة ضد قوات الماريشال جاك راندون الذى قاد الغزو الفرنسى على رأس جيش قوامه ٣٥ ألف رجل.
واصل دراسته بعد هروبه من الجزائر عام ١٩٦٦ وقد حصل على الإجازة فى الحقوق من لوزان ثم ناقش أطروحة دكتوراه فى جامعة نانسى ببفرنسا عام ١٩٧٥م وكان موضوعها حقوق الإنسان فى ميثاق وممارسة منظمة الوحدة الإفريقية.
بدأ نشاطه السياسى مبكرًا بانضمامه إلى صفوف حزب الشعب الجزائري منذ أن كان طالبًا فى التعليم الثانوي، وبعد مجازر ٨ مايو ١٩٤٥، ثم كان من المدافعين عن العمل المسلّح كخيار وحيد للحصول على الاستقلال وفى المؤتمر السرى لحزب الشعب الجزائرى المنعقد فى بلكور عام ١٩٤٧، كان من الداعين إلى تكوين منظمة خاصة تتولى تكوير الكوادر العسكرية لتطوير العمل المسلح أصبح عضوًا للجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، وعند إنشاء المنظمة الخاصة كان من أبرز عناصرها وصار ثانى رئيس لها بعد وفاة محمد بلوزداد.
أشرف مع أحمد بن بلة على عملية بريد وهران التى تمت فى شهر مارس ١٩٤٩ وانتهت بالاستيلاء على مبلغ مالى هام دون إراقة دماء، وعند ظهور البربرية سنة ١٩٤٩ انتقل إلى مصر كممثل للوفد الخارجى لحركة الانتصار بالقاهرة سنة ١٩٥١ رفقة محمد خيضر. وشارك فى الندوة الأولى للأحزاب الاشتراكية الآسيوية المنعقدة فى رانغون ببرمانيا فى ١٩٥٣، وقد دعمت الندوة الكفاح التحريرى بشمال أفريقيا. ثم اتجه بعد ذلك إلى باكستان والهند وإندونيسيا حيث تشكلت لجان مساندة لقضية الاستقلال الجزائرى.
شارك حسين آيت أحمد فى مؤتمر باندونج عام ١٩٥٥، وانتقل إلى نيويورك للدفاع عن القضية الجزائرية أمام هيئة الأمم المتحدة، وأسس هناك فى أفريل ١٩٥٦ مكتبا لبعثة جبهة التحرير الوطنى.. عيّن عضوًا فى المجلس الوطنى للثورة الجزائرية. ثم كان رفقة كل من أحمد بن بلة ومحمد خيضر ومحمد بوضياف، والكاتب مصطفى الأشرف الذين كانوا على متن الطائرة المتوجهة من العاصمة المغربية الرباط إلى تونس والذين اختطفتهم السلطات الاستعمارية الفرنسية يوم ٢٢ أكتوبر ١٩٥٦ ورغم تواجده بالسجن فإنه عيّن وزيرا للدولة فى التشكيلات الثلاث للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. أطلق سراحه مع زملائه بعد وقف إطلاق النار فى عام ١٩٦٢.
بعد حصول الجزائر على استقلالها فى ٥ يوليو ١٩٦٢، نظمت انتخابات للمجلس التأسيسى فى شهر سبتمبر وكان حسين آيت أحمد من ضمن الفائزين مرشحا عن دائرة سطيف.ولكنه ما لبث أن اصطدم مع ما كان يعتبره سياسة تسلطية للرئيس أحمد بن بلة، فاستقال من المجلس التأسيسى وأسس حزب جبهة القوى الاشتراكية فى سبتمبر ١٩٦٣ ليحمل السلاح ويدخل متخفيا إلى تيزى وزو حيث أوقف عام ١٩٦٤ وحكم عليه بالإعدام، ثم صدر عفو عنه ووضع فى سجن اللامبيز، ثم وقع التوصل إلى اتفاق بينه وبين الرئيس أحمد بن بلة، إلا أن الانقلاب الذى حدث يوم ١٩ جوان ١٩٦٥م ووصول هوارى بومدين إلى الحكم حال دون توقيع ذلك الاتفاق.
نزل حسين آيت أحمد بمطار هوارى بومدين بالعاصمة الجزائرية فى شهر ديسمبر ١٩٨٩، وعاش التحولات التى عرفتها البلاد منذ ذلك الحين وإلى حدود عام ١٩٩٢ حيث عاد إلى سويسرا بعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف عام ١٩٩٢وفى الأثناء كان من المعارضين لإيقاف المسار الانتخابى فى جانفي ١٩٩٢، وبعد أسبوع من اغتيال محمد بوضياف دعا إلى تنظيم ندوة وطنية لتقديم تصور للخروج من الأزمة.
كان من الداعين إلى إنشاء لجنة تحقيق دولية فى المجازر التى شهدتها الجزائر بدء من ١٩٩٦ ،وفى ٥فبراير١٩٩٩، قدم ترشحه للانتخابات الرئاسية غير أنه انسحب منها رفقة المرشحين الآخرين منددين بما سموه التزوير، وقد انتهت تلك الانتخابات بفوز عبدالعزيز بوتفليقة بتلك الانتخابات، أما حسين آيت أحمد، فرغم انسحابه فقد حصل على المرتبة الرابعة بـ٣١٩,٥٢٣ صوتا أى ٣.١٧ بالمائة من الأصوات.
قد لا يعرف كثير أن الرئيس الأمريكى الأسبق، بيل كلينتون، كان تلميذا لآيت أحمد، عندما كان الزعيم التاريخى أستاذا محاضرا بجامعة بوستون، حيث كان الرئيس الأمريكى يزاول دراسته، وكان حينها آيت أحمد يلقى دروسا بالأكاديمية العالمية لحقوق الإنسان. وفى إحدى زيارات كلينتون لإسبانيا، وأثناء نزوله ضيفا على فريق ريال مدريد، سأل زين الدين زيدان عن حسين آيت أحمد، وأكد للاعب ذي الأصول الجزائرية أنه يود لقاء الأستاذ آيت أحمد، علما أن الدا الحسين تربطه علاقة جيدة بعائلة زين الدين زيدان، كون والد الأخير متعاطفا مع «الأفافاس».
توفى حسين آيت أحمد يوم الأربعاء ٢٣ ديسمبر ٢٠١٥، فى مستشفى لوزان بسويسرا عن عمر ناهز ٨٩ عامًا إثر مرض عضال وقد أوصى بدفنه فى قريته إلى جانب والديه وخاصة أمه التى توفيت سنة ١٩٨٣ ولم يتمكن من حضور جنازتها، لأنه كان مهددا بالسجن.
وأشاد الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة بالمعارض البارز حسين آيت أحمد، معتبرا أنه «قامة تاريخية بأبعاد إنسانية وسياسية»، وأعلن الحداد الوطنى لثمانية أيام بعد وفاة أبيه.
محمد بوضياف.. الرئيس الشهيد
يعتبر محمد بوضياف من الرجال التاريخيين وأحد رموز الثورة الجزائرية الذين حضروا للثورة ثم فجروها .
ولد محمد بوضياف يوم ٢٣ يناير ١٩١٩ فى المسيلة من عائلة كبيرة معروفة فى المنطقة وانضم إلى صفوف حزب الشعب الذى أسسه عام ١٩٤٧ وبعدها أصبح عضوا فى المنظمة السرية وفي ١٩٥٠ حوكم غيابيا إذ التحق بفرنسا في ١٩٥٣ حيث أصبح عضوا فى حركة انتصار الحريات الديمقراطية .
وبعد عودته إلى الجزائر، ساهم فى تنظيم ميلاد اللجنة الثورية للوحدة والعمل كان من بين أعضاء مجموعة الإثنى و العشرين (٢٢)المفجرة للثورة التحريرية وأسس حزب الثورة الاشتراكية في سبتمبر ١٩٦٢ وفي يناير ١٩٩٢ بعد استقالة الرئيس الشاذلى بن جديد، استدعته الجزائر لينصب رئيسا لها وفي ٢٩ يونيو من نفس السنة اغتيل فى مدينة عنابة.
بعد الحرب العالمية الثانية ، ناضل فى صفوف حركة انتصار الحريات الديمقراطية وأصبح مسئولا عن الشمال القسنطينى فى المنظمة الخاصة. لعب دورا بارزا فى توحيد تيار العمل المسلح الذى انسلخ عن الحزب بسبب الصراع بين المصاليين والمركزيين فى سنوات ١٩٥٣-١٩٥٤. شارك بفعالية فى اجتماع الـ٢٢ وفى اللجنة الثورية للوحدة والعمل .
اعتقل فى حادثة اختطاف الطائرة في ٢٢ أكتوبر ١٩٥٦ من طرف السلطات الاستعمارية التى كانت تقله و رفقاءه من المغرب إلى تونس.
في يونيو ١٩٦٣ تم توقيفه و سجنه فى الجنوب الجزائرى لمدة ثلاثة أشهر، لينتقل بعدها للمغرب.
عين فى الوفد الخارجى لجبهة التحرير الوطنى فى ١٩٥٤ وقد عمل على تنظيم جبهة التحرير فى فرنسا . اعتقل مع أحمد بن بلة يوم ٢٢ أكتوبر ١٩٥٦ فى حادثة اختطاف الطائرة، و بقى عضوا فى المجلس الوطنى للثورة من١٩٥٦ إلى غاية ١٩٦٢. وقد عين وزيرا للدولة (١٩٥٨) ثم نائبا لرئيس الحكومة المؤقتة عام ١٩٦١. أطلق سراحه فى ١٩ مارس ١٩٦٢ برفقة إخوانه المعتقلين معه.
بعد عودته من فرنسا شارك فى العمل السرى والذى اتجه إليه العديد من الجزائريين فبدأت تتشكل العديد من الخلايا السرية والتى كان لها بالغ الأثر فى نجاح الثورة وفى هذا الإطار تشكلت لجنة مكونة من اثنين وعشرين عضوا قام بوضياف برئاستها وعرفت باسم «اللجنة الثورية للوحدة والعمل» والتى تركزت مهمتها فى قيادة العمل السرى ومهمة إشعال نيران الثورة، ونذكر من أعضاء هذه اللجنة أحمد بن بلة، رابح بيطاط، محمد خيضر، كريم بلقاسم، العربى بن مهيدى وغيرهم .
وفى ٢٢ أكتوبر عام ١٩٥٦ واستمراراً فى السياسات الاستعمارية والتعسف الفرنسى قامت فرنسا باختطاف طائرة مغربية كان على متنها محمد بو ضياف وغيره آخرون من قادة الثورة وهم حسين آيات أحمد ، أحمد بن بلة ، ومحمد خضير ، وكان ذلك أثناء ذهابهم من المغرب إلي تونس من أجل حضور اجتماع مع كل من الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة وملك المغرب محمد الخامس من أجل إيجاد حل للقضية الجزائرية، حيث تعرضت الطائرة للقرصنة الجوية من قبل القوات الفرنسية وبعد إقلاعها من جزيرة مايوركا بعد تزويدها بالوقود أجبرت على التوجه للجزائر.
بعد قيام الثورة الجزائرية عام ١٩٥٤ والتى كان بو ضياف على رأس قادتها وأحد الأضلاع الهامة التى اكتملت بها مقومات نجاحها ، خاض بو ضياف عددا من المواجهات مع بعض الشخصيات السياسية التى تسلمت مقاليد الحكم فى البلاد بعد الاستقلال ، وعمل على تأسيس حزب الثورة الاشتراكية وذلك فى عام ١٩٦٢م ، وفى عهد بن بلة حدثت العديد من حملات الاغتيالات والاعتقالات فأعدم العقيد شعبانى ، واغتيل محمد خضير في أسبانيا ، وتم اعتقال محمد بو ضياف وحكم عليه بالإعدام فى عام ١٩٦٣م بتهمة التآمر على أمن الدولة ولكن لم ينفذ هذا الحكم نظراً لتدخل عدد من الوسطاء ونظراً لسجله الوطنى فتم إطلاق سراحه بعد ثلاثة شهور قضاها فى أحد السجون بجنوب الجزائر ، انتقل بعدها إلى باريس و سويسرا ومنها إلى المغرب حيث استقر بها لمدة تقترب من الثلاثين عاماً.
تابع بو ضياف نشاطه السياسى لفترة من الزمن كما عمل على تنشيط مجلة الجريدة ، ولكن فى عام ١٩٧٩ قام بحل حزب الثورة الاشتراكية وذلك عقب وفاة الرئيس الجزائري هوارى بو مدين ، وترك أعباء العمل السياسى متفرغاً من أجل أعماله الصناعية حيث كان يمتلك مصنعاً بمدينة القنيطرة بالمملكة المغربية.
كان بوضياف فى الفترة التى بعد فيها عن بلاده يحيا حياة روتينية كأى رب أسرة عادى يتابع أعماله وشئون أفراد أسرته ، ولكن على الرغم من هذا كان متابعاً جيداً لأخبار الجزائر وكل ما يخصها من أمور ، إلى أن تم استدعاؤه ليتم تنصيبه رئيساً للجزائر.
على الرغم من ترك بوضياف للسياسة إلا أنها أبت أن تتركه فقد تم استدعاؤه لكى يتم تنصيبه رئيساً للجمهورية الجزائرية خلفاً للرئيس الشاذلى بن جديد الذى قام بتقديم استقالته ، فعاد إلى الجزائر مرة أخرى بعد غياب دام ثلاثين عاماً ، فى السادس عشر من يناير ١٩٩٢ ليتسلم مقاليد الحكم فى البلاد.
حيث شهدت الجزائر العديد من الأحداث والصراعات بين الجيش والجماعات الإسلامية يتجاذبان أطراف السلطة والحكم فيما بينهم ، وفى عام ١٩٩٠ عندما أقيمت الانتخابات المحلية بالبلاد وتمكنت جبهة الإنقاذ الإسلامية من هزيمة جبهة التحرير الوطنية هزيمة ساحقة ، وفى يناير ١٩٩٢ ظهرت سيطرة الإسلاميين على البرلمان ، وهذا الذى لم ينل استحسان رجال الجيش فقام عدد من قادته بعمل انقلاب عسكرى فى ١١ يناير ١٩٩٢ وأجبروا الشاذلى بن جديد على تقديم استقالته كما قاموا بإلغاء الانتخابات وأعلنوا حالة الطوارئ وتم حل البرلمان ، ونظراً للسخط الذى عم المجتمع الجزائرى وذلك لإيقاف الانتخابات وسيطرة الجيش على الحكم ، سعى قادة الجيش من أجل البحث عن رئيس للبلاد يعمل على إيجاد التوازن فيها ، ولذلك كان يتطلب لهذا المنصب رجلا يتمتع بمواصفات خاصة يكون لديه سجل تاريخى مشرف كمناضل فى الثورة الجزائرية كما يكون ضحية للأنظمة الحاكمة السابقة ، ووقع الاختيار على محمد بوضياف وتم إرسال على هارون إليه لإقناعه بالعودة للبلاد وتولى رئاسة البلاد ولكن لم يمهله القدر كثيراً حيث تم اغتياله فى نفس العام الذى تولى فيه الحكم.
٢٩ يونيو ١٩٩٢ذهب الرئيس بو ضياف إلى مدينة عنابة والتى تبعد عن العاصمة الجزائرية بحوالى ستمائة كيلو متر وذلك لحضور تدشين قصر الثقافة هناك حيث تعرض الرئيس الجزائرى لطلقات نارية أودت بحياته وذلك على يد ملازم فى القوات الخاصة الجزائرية اسمه مبارك بو معرافى ، وجاء حادث الاغتيال هذا لينهى سريعاً فترة رئاسية ما لبثت أن بدأت حتى اختتمت بنهاية مأساوية ، وأتى بعد ذلك الرئيس الجديد للجزائر على كافى ليترأس مجلس أعلى للحكم مكون من خمسة أعضاء ليتسلم مقاليد الحكم بالبلاد.
محمد خيضر.. قائد الجناح السياسى للثورة
محمد خيضر ولد ١٣ فى مارس ١٩١٢ بالجزائر العاصمة عاش وترعرع فى بلدية طولقة ولاية بسكرة، يوصف بأنه واحد من القادة المجاهدين التسعة الكبار الذين فجروا الثورة الجزائرية، وكان ممثلها الرئيسى فى القاهرة.
بعد نهاية الحرب العالمية الأولى التحق بالمدرسة الابتدائية الفرنسية وقد واصل التعليم بها إلى المرحلة المتوسطة، كما تعلم اللغة العربية بمجهوده الخاص،
انخرط مبكرا فى العمل السياسى داخل حزب «نجم شمال إفريقيا»، والتحق بحزب مصالى الحاج «الشعب الجزائرى» وهو لم يكمل بعد ربيعه الرابع والعشرين، كما انتُخِب عضواً بالبرلمان الفرنسى بالجزائر سنة ١٩٤٧ وعمره لم يتجاوز ٣٥ سنة، ولم يتوقف عمله ضد الاستعمار على ما هو سياسى، بل كان رجلا فدائياً، وأحد المنفذين لعملية بريد وهران الشهيرة سنة ١٩٤٧.
فى منتصف العشرينات بعد خروجه من المدرسة عمل محصلا بشركة النقل العام لمدينة الجزائر خلال عمله هذا عرف العمل الدبلوماسى من خلال احتكاكه بالأوربيين وبالأخص المنتسبين لنقابة العمال.
انخرط فى حزب نجم شمال إفريقيا وأظهـر مقدرة كبيرة على التنظيم وبراعة فى التسيير ومواهبه وحنكته وقدرته على التكيف مع الأحزاب بطريقة لفتت إليه الأنظار، وخاصة من قبل مصالح أمن العدو، التى ما لبثت أن أوعزت مسئولى الشركة لكن ذلك لم ينقص من نشاطه النضالى بل كان دافعا لمواصلة مسيرته النضالية بكل قـوة .
ومع ظهور حزب الشعب سنة ١٩٣٧ انخرط فيه وكان من أبرز المناضلين وأكثـرهم حنكـة وشجاعة واستخدم ما لديه من قدرات وإمكانيات لخدمة حزبه وترسيخ مبادئه
أعتقل فى ٤/١٠/١٩٣٩ إلى جانب مصالى الحاج وبومدين معروف ومفدى زكرياء وفى جانفى ١٩٤٠ ساند مصالى فى مسألة التفاوض مع ألمانيا، وألقى عليه القبض وحكم عليه بعشرين سنة نفيا و٨ سنوات سجنا من محكمة الجزائر.
فى سنة ١٩٤٢ أطلق سراحه بعد العفو عنه، ثم ألقى عليه القبض مرة ثانية بعد حوادث ٨ مايو ١٩٤٥ وسجن فى بوزريعة مدة سنة وفى سنة ١٩٤٦ انخرط فى اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية ورشح نفسه فى الانتخابات وانتخب فى مارس ١٩٤٧ كمندوب للجزائر العاصمة وحضر إلى القاهرة ورافقه أيت أحمد وبن بيلا لإدارة نشاط حركة انتصار الحريات.
بعد اندلاع الثورة التحق بجبهة التحرير الوطني، وأصبح المجاهد محمد خيضر عضوا بالوفد الخارجى لجبهة التحرير الوطني، الذى تحمل عبء التعريف بالثـورة على المستوى القـارى والدولى حتى ٢٢ أكتوبر ١٩٥٦، حيث أعتقل برفقة زملائه، أحمد بن بيلا، محمد بوضياف، أيت أحمد ومصطفى الأشرف عقب عملية القرصنة الجوية التى أقدمت عليها القوات الفرنسية أثناء سفرهم من المغرب إلى تونس لدراسة مستجدات القضية الوطنية.
أصبح وزيرا للدولة للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ١٩٥٨/١٩٦٢ .
خلافاته مع القادة الجزائريين بدأت مباشرة بعد الاستقلال، فقد كان كاتباً عاما لجبهة التحرير الوطني، وقائداً للجناح السياسي، وهو ما لم يعجب بن بيلا الذى استنجد بالجيش وتحوّل من الجناح السياسى إلى قطب يرى فى الجزائر بلداً عسكريا بامتياز، لذلك استقال خيضر من منصبه وهاجر إلى أوربا. واشتغل من هناك فى رصِّ صفوف المعارضة الجزائرية وفى تنظيم عملية هروب المعارض المعروف الحسين أيت أحمد من السجن، لذلك كان قرار اغتيال الرجل بداية سنة ١٩٦٧ .
عاش متابعاً من طرف الكثير من الجهات، أولاً السلطات الفرنسية التى خططت أكثر من مرة لاغتياله، فقد كان واحداً من القادة الجزائريين الذين تمّ اختطاف طائرتهم من المغرب، ثانياً من النظام الجزائرى الذى اعتبر رفض خيضر تحويل الأموال إلى الدولة، محاولة منه لتمويل حكومة جزائرية معارضة لبن بيلا، وثالثاً من النظام الإسبانى الذى تستر على قتلته ولم يقدمهم للمحاكمة.
تحكى زوجته عن ذلك اليوم الذى قُتِل فيه: فى الثالث من يناير، كنت أركب إلى جواره فى سيارتنا بأحد شوارع مدريد، فجاءه مواطن جزائرى وألح فى طلب نزوله من السيارة كى يحدثه فى أمر عاجل، غير أن محمد كان مستعجلاً وطلب منه تحديد موعد فى وقت آخر، وبعد نقاش قصير معه، بدأت الشكوك تساور محمد، وفى نفس الوقت، أخرج عدة أشخاص مسدساتهم، وأمطروا جسد الراحل بالرصاص .
مراد ديدوش .. الأمير عبد القادر الصغير
يلقبونه فى الجزائر بسى عبد القادر الصغير تيمناً بالمجاهد الكبير الأمير عبد القادر الجزائرى انه مراد ديدوش أحد أبطال الجزائر الذين ضحّوا بأرواحهم فى سبيل حرية الشعب الجزائري، وإخراجه من الظلم والبطش، حيث ضرب أروع الأمثلة فى حب الوطن والذود عنه بالنفس والنفيس. إنّه الشهيد مراد ديدوش الذى لا يخفى على أحد من أجيال اليوم.
ولد ديدوش بمدينة الجزائر العاصمة بشارع «رودوت» عام ١٩٢٧، ونشأ بين أحضان أسرة وطنية مدّت يد العون للوطنيين وتشاء الأقدار أن يولد مراد فى يوم ١٤ جويلية ١٩٢٧ الذى يصادف العيد السنوى للثورة الفرنسية، ولكن وطنية الأب واعتزازه بدينه وكرهه للاستعمار، وعملائه خاصة جعله يسجله بالبلدية على أنه ولد يوم ١٣ جويلية ١٩٢٧ بدل الرابع عشر. وتكون بذلك هذه الحادثة بمثابة درس لقنه الشيخ «أحمد» لابنه الأصغر فى الوطنية التى كان أهل المداشر والقرى يعتزون بها وينتهزون الفرص لإبرازها فى وقت ظن البعض أن الجزائر أصبحت فرنسية.
تألّم لما كان يراه من اضطهاد مسلط على أبناء وطنه، ممّا أثار فى نفسه حقدا شديدا للاستعمار الذى عاث فسادا فى أرض الجزائر الطاهرة.
وقد زاد تمسّكه بوطنه ما كان يسمعه من قصص عن انتفاضات الجزائريين ومقاومتهم للاستعمار البغيض، دخل الشهيد المدرسة القرآنية لحفظ القرآن الكريم ككل أبناء الجزائريين آنذاك، ثم المدرسة الابتدائية الفرنسية التى كانت تلقن التلاميذ كثيرا من المغالطات، منها رغبتها فى نشر الحضارة بالجزائر، لكن ديدوش كان على درجة عالية من الذكاء مكّنته من الاستمرار فى الدراسة حتى نال الشهادة الابتدائية عام ١٩٣٩، وبعدها الشهادة الأهلية سنة ١٩٤٣.
ومن صفات الشّهيد ديدوش أنه كان متمسكا بدينه ومحبا لوطنه وصبورا، ويتحلّى بالرّزانة والثبات، كما كان مثالا للإخلاص والصدق والوفاء.
ومن أبرز نشاطات الشهيد قبل الثورة هو انضمامه إلى حزب الشعب الجزائرى قبل أن يبلغ العشرين من عمره، واستطاع بشخصيته المتميزة أن يكون من أبرز مناضلى هذا الحزب الذى كان الاستقلال مطلبه الأول، ولما شدّد المستعمر الخناق على الحزب أنشأ تنظيما سريا عام ١٩٤٧، أطلق عليه اسم المنظمة الخاصة وهى الجناح العسكرى للحزب، حيث كان مراد ديدوش ضمن هذا التنظيم السري.
وفى عام ١٩٥٢ انتقل إلى فرنسا لتأطير العمل النضالى ضمن خلايا حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، وفى عام ١٩٥٣ عاد الشهيد لأرض الوطن ليساهم فى التحضير الفعلى للثورة بمعية ثلة من الشباب الثائر، حيث كانت لجنة التحضير للثورة تضم مجموعة من المناضلين أبرزهم العربى بن مهيدي، مصطفى بن بولعيد، رابح بيطاط، محمد بوضياف وكريم بلقاسم.
بدأ ديدوش عمله الميدانى قبيل اندلاع حرب التحرير الوطنى بربط الاتصالات بين مختلف النواحى والجهات عبر الوطن، لتنظيم الصفوف وجمع الأموال والأسلحة والعتاد، وعند اندلاع الثورة كان واحدا من القادة الذين أطلقوا الشرارة الأولى للثورة المباركة فى منتصف الليل من يوم الفاتح نوفمبر ١٩٥٤، حيث وزّع القادة على المناضلين مهامهم المختلفة ونفّذ الأمر كما تمّ التخطيط له، وتعدّدت العمليات بين هجوم على الثكنات، ونصب الكمائن للقوافل العسكرية وغيرها.
تمركز كفاح الشهيد فى الشمال القسنطيني، حين صار مسئولا عن عدد كبير من المجاهدين الذين لبّوا نداء الثورة، وكان هو يتحلّى بالقوة والثبات فقد حاصره جيش العدو فى أحد الأيام وهو مع مجموعة قليلة من رفقائه، ولكن رغم عدم التكافؤ بين الجانبين إلا أنه وأصدقاءه لم يستسلموا واستمرت المواجهة عدة ساعات، انتهت بمقتل عدد كبير من جنود العدو.
واستشهد ديدوش والبعض من رفقائه بتاريخ الـ ١٨ يناير ١٩٥٥ بوادى بوكركر ولاية سكيكدة حاليا، وقد ترك الشهيد وصية لرفاقه وهى حثّهم على التصدى للعدو وحذّرهم من الاستسلام، كما أوصاهم بعدم كتمان بطولات أجدادهم ونقل الرسالة إلى الأجيال الصاعدة لتدرك حجم التضحيات المقدمة.
وبذلك صدقت مقولة ديدوش وبرهن للجميع أنه عاش بحق من أجل الجزائر ومات من أجلها ولم يحمل فى قلبه غير حبها وحب أبنائها المخلصين لها. رفضه الزواج سؤال كثيرا ما يتردد، لماذا لم يتزوج ديدوش مراد وابن المهدي؟ وقد وجدنا الجواب عن إحجام الأول عند صديقه المجاهد «سى عبد الرحمان» الذى قال: إن إخلاص مراد للقضية التى وقفت نفسه لنصرتها جعلته لا يستطيع حتى التفرغ للتفكير فى هذا الأمر، خاصة وأن جل المشرفين على تحضير الثورة كانوا يفضلون تجنيد الشباب العازب لاعتبارات أمنية، وكذا عامل التفرغ للعمل الثورى.