الجمعة 28 يونيو 2024

معركة «البناطيل المقطعة» .. الفراغ سيد الموقف

22-3-2017 | 12:55

 

تقرير: رانيا سالم - سما الشافعى

نجح البنطلون المقطع أن يكون مثار جدل كبير ليس فقط على قنوات التلفزيون وصفحات مواقع التواصل الاجتماعى ولكن فى قاعات البرلمان حيث طالبت النائبة أمنه نصير الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة يمنع الطالبات اللواتى يرتدين البناطيل المقطعه من دخول الجامعة، وتقدم نائب فى لجنة الشئون الدينية بطلب لمنع ارتداء هذه البناطيل التى غزت شوارع مصر ويراها البعض حرية شخصية فى ارتداء الأزياء، بينما يذهب آخرون إلى أنه سلوك يهدد قيم المجتمع المهم أن المعركة وصلت البرلمان وهو مايراه البعض تهافت من البرلمان الذى يبحث عن قضايا وهميه ويترك القضايا الأساسية التى تشغل الناس وتؤرق حياتهم،

الدكتورة حنان يوسف، أستاذ الإذاعة والتلفزيون، تقول إن طرح مثل هذه القضايا الوهمية، غير الجادة، ومنها «البنطلون المقطع» هو مجرد استهلاك للطاقة فيما لا يفيد، ويهدر إمكانيات وطاقات نحن فى حاجة إليها من أجل البناء والتطوير، والاصطفاف خلف مشروع أو قضية وطنية تدفع بالبلد للأمام.

وتؤكد «يوسف» أن الأشهر الماضية شهدت ظهور عدد من القضايا الوهمية، التى وجدت فى القنوات الإعلامية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعى منبراً لها، كان آخرها «البنطلون المقطع»، مع العلم أن هذه النوعية من الأزياء ليست جديدة، وهى موجودة منذ سنوات، وتم إعادة طرحها لأسواق الملابس منذ الصيف الماضى.

وتربط أستاذ الإذاعة والتليفزيون بين جيل الشباب وبين هذه النوعية الغريبة من الأزياء، قائلة: «قد يلجأ الشباب إلى ارتداء أزياء ذات طابع مختلف ومنها الأزياء المقطعة، كشكل من التمرد والاختلاف والتحدى وإثبات الذات، ويقابل هذه الأزياء نفور من الجيل الذى يسبقه، وهو أمر طبيعى للاختلاف بين الأجيال»، وترى أن الاختلاف بين الأجيال لابد أن يحكمه إطار قيمى ومجتمعى ومجموعة من القيم الثابتة، لضبط هذا الاختلاف لدى الشباب وجعله أكثر قبولا للجيل الذى يسبقه، حتى نقلل من الفجوة بين الجيلين، وحصرها قدر الإمكان.

وتشير «يوسف» إلى أن حالة الفراغ الفكرى هى السبب فى نمو هذه الطفيليات من الأفكار الشاذة كمناقشة البنطلونات المقطعة، فالمحتوى الإعلامى المقدم يسمح بتقديم مثل هذه الطفيليات، كما أن مؤسسات التنشئة الاجتماعية والمؤسسات التعليمية، سواء كانت جامعات أو مدارس لم تقم بدورها فى ملء هذا الفراغ الفكرى، وفى النهاية فالمجتمع المصرى بأكمله هو الخاسر.

وترى أن تقطيع الهدوم ليست له أى دلالة، إلا أنه وسيلة لفت الانتباه من قبل صغار السن، الذين لم يجدوا بديلا لإثبات الذات غير ارتداء أزياء غريبة، ويعبر فى النهاية عن عشوائية منظومة بأكملها، بدءا من الفرد وصولا لمؤسسات الدولة، فوجود نسق قيمى وفكرى محدد يخلصنا من مظاهر هذه العشوائية.

وترفض أن يكون الزى وسيلة للتعبير عن ثقافة من يرتديه، بدليل أن أزياء السيدات فى الستينات والسبعيات كانت قصيرة، فالأزياء لا تعبر عن الانحراف السلوكى والاجتماعى للأفراد».

الدكتور بركات عبدالعزيز، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، يقول إن الزى مسألة خطيرة، وأى اختلال فى أسلوب الأزياء يعد عرضا حتى وإن كان بسيطاً، على مشكلة كبيرة فى النسق القيمى للمجتمع، مبيناً أن المجتمعات والدول لا تسمح بأى انتهاك لقيمها المجتمعية، والاحتشام ومراعاة تقليد المجتمع من خلال الأزياء، هى إحدى هذه القيم التى يجب عدم انتهاكها.

ويرفض «بركات» تبرير البعض لارتداء هذه الأزياء تحت مسمى الحرية الشخصية، قائلاً: «الحرية الشخصية لا تصطدم بحقوق الآخرين، فلا يمكنك أن تمشى عاريا، وتقول حرية شخصية»، واصفا من يزعم بأن الأزياء معركة وهمية بأنه ليس لديه ما يقوله، وما يطرح غير صحيح على الإطلاق، لأن الزى مرآة أى مجتمع، كما أن انشغالنا بقضية الزى أمر هام، لأنه مرتبط بالقيم المجتمعية لأى دولة، ويجب مناقشته مع القضايا الأخرى، فجميع القضايا تتكامل وتتشابك فى النهاية للخروج بمجتمع سليم اجتماعيا وسياسيا وأخلاقيا واقتصاديا.

ويرى أستاذ الإعلام أن الدستور المصرى نص على احترام قيم المجتمع، وترجمة هذه الجملة تصب فى مناحى مختلفة، ومنها الأزياء، وبالتالى فمؤسسات الدولة من حقها وفقا للدستور المصرى فى وضع لوائح تنظم الأزياء خاصة فى المؤسسات الرسمية، انطلاقا من احترام قيم المجتمع الذى نص عليه الدستور، وعلى مستوى الجامعات فلابد أن تكون هناك لائحة تضبط الأزياء وتلزم كل رواد الجامعات بارتداء أزياء مألوفة لا تختلف مع قيم المجتمع وعاداته وتقاليده.

الدكتور إسلام سعدة، المدرس بكلية الطب، استنكر بدوره هذه الظاهرة داخل الحرم الجامعى قائلا: «أرى الطلبة والطالبات يرتدون تلك الملابس داخل الحرم الجامعى للفت الأنظار، بينما هذه الملابس تستفزنا كمدرسين داخل الجامعة، ولكن ارتداء تلك البناطيل خارج الحرم الجامعى ماهى إلا حرية شخصية تعبر عن انسياق الشباب والبنات وراء الموضة ليس أكثر».

ظهرت موضة البناطيل الجينز الممزقة منذ أربعة أعوام، ولم يقف تطوير البناطيل الممزقة عند حد معين، لكنه أصبح كل عام يظهر فى شكل جديد يثير الجدل والنقاش بين الأبناء والآباء، بينما تصر الفتيات على ارتداء هذه البناطيل فى معظم الأوقات، لتنتشر هذا العام موضة البناطيل الممزقة المبطنة التى لا تكشف الجسد، فأصبحنا نرى المحجبات يرتدونها بكل بهجة نظرا لمواكبتهم الموضة، وتطور الأمر ووصل إلى الشباب الذين يرتدون تلك البنطلونات مثل الفتيات مواكبة للتقاليد والموضة الغربية.

“المصور” تجولت داخل محلات الملابس بوسط مدينة القاهرة لترصد الأسعار ومدى الإقبال على شراء تلك البناطيل، لتجد أن معظم زبائن هذا العام من المحجبات، والشباب صغار السن.

أشرف محمود، مدير أحد محلات الملابس بشارع قصر النيل، قال إن موضة البناطيل الممزقة ظهرت منذ ٤ سنوات وكان الإقبال عليها من الفتيات أصحاب السيارات الفارهة والشعر الملون، ليقتدوا بالغرب فى انتشار تلك الظاهرة، وسعرها يتراوح ما بين ٧٠٠ إلى ألف جنيه منذ أن جاءت تلك البناطيل من الخارج.

يلتقط منه طرف الحديث ريمون كيوان، صاحب أحد محلات الملابس فى شارع طلعت حرب، قائلا: “كنا نستورد تلك البناطيل من الخارج وكانت تباع بمبلغ لايقل عن ٧٠٠ جنيه، لكن بعد ذلك بدأ تصنيعها داخل مصر ليباع البنطلون الواحد بسعر ٣٠٠ جنيه، واستمرت موضة البنطلون الممزق ذات القطع الكبير ناحية الركبة لمدة عامين، وبعد ذلك بدأ ينتشر البنطول ذو الخربشة الكثيرة فى جميع أجزائه ليظهر بأنه ذائب وليس ممزقا، ولكن هذا العام اختلف الوضع كثيرا، نظرا لظهور تلك البناطيل الممزقة ببطانة داخلية تغطى الجسد، ليقبل على شرائها طالبات الجامعة المحجبات.

وتختلف معهم فى الرأى مى عمر، خبيرة التجميل، والتى قالت “إن الإقبال على شراء البناطيل تراجع كثيرا لحساب انتشار الفساتين”، مؤكدة أن البناطيل الممزقة فى طريقها للانقراض وستصبح “موضة باطلة” خلال هذا العام، وفى نهاية هذا العام ستعود الفساتين مثل أيام الستينات، بعدما أصبحت الطالبات الجامعيات والفتيات والسيدات يملن إلى ارتداء الفساتين القصيرة نهارا وليلا، فضلا عن المحجبات اللاتى بدأن يرتدين تلك الفساتين الطويلة ذات الأكمام الواسعة، وقريبا سيتم رفع شعار “ارتدى فستانك”.

محمود.س، أحد الشباب الذين يرتدون البنطلون الممزق قال إنها كانت موضة العام الماضى للرجال، ومستمرة هذا العام لكن بدرجة قليلة، ويضيف “أرى أنها موضة خفيفة الشكل ورائعة المظهر، وليس به أى تشبه بالغرب، فنحن لا نقل ثقافة أو شياكة عن الغرب”.

أما عباس. ع، صاحب محل بالعتبة فيقول إنه يقوم بتصنيع تلك البناطيل ويبيعها بـ٣٠٠ جنيه للبنطلون، بعد أن كانت تصدر إلى مصر من الخارج بسعر يصل إلى ألف جنيه، وبالرغم من ذلك كان الإقبال عليها كبيرًا.

 فى حين قال الشاب أيمن. م، ١٨ عاما، إن موضة البنطلون الممزق ملفتة للانتباه وهذا ما يميزها، ويضيف “أشعر وأنا أرتديه بأن المارة ينظرون إلى كالمشاهير، فلذلك ارتديه دوما بالرغم من بداية إندثاره مرة أخرى”.

سميحة. م، ربة منزل، اتفقت مع وجهة النظر التى تذهب إلى أن إثارة تلك المشاكل ما هى إلا فراغ ليس أكثر، وطالبت بتسليط الضوء على مشاكل الحياة اليومية بدلا من تلك التى وصفتها بـ”التفاهات”، بينما قالت زميلتها كاميليا.ص، ربة منزل، إن انتشار هذه الظاهرة دليل على الانعدام الأخلاقي.