بقلم : د. عبدالله النجار
قرر الشارع الحكيم للمرأة حقا ثابتا ومعلوما فى الميراث، وهذا الحق يختلف مقداره بحسب درجة القرابة وقوتها، والأعباء المالية التى كلف الشارع بها الرجل، وبناء على تلك القواعد، فإن المرأة قد ترث أكثر من الرجل، وقد ترث مثله، وقد ترث مقدار النصف من نصيبه، وهذه الحالة لا توجد إلا فى ثلاثة فروض هى: ميراث الزوجة حيث تأخذ نصف الزوج وهو الربع إن لم يكن له ولد والثمن إن كان له ولد، وميراث الابن مع البنت إذا كانا يرثان التركة كلها أو ما بقى منها بعد أصحاب الفروض، وميراث الأخ مع الأخت حيث تأخذ نصف ما يأخذه إذا ورثا بالتعصيب بعد استيفاء أصحاب الفروض لأنصبتهم, وما عدا هذه الحالات الثلاث فإنها قد تتساوى مع الرجل إذا كانت ضمن الإخوة مع الأخوات لأم فيشتركون فى السدس بالتساوى، وكذلك إذا ورثت البنتان أو الأختان عند عدم الفرع الوارث مع وجود العاصب الذكر، حيث تأخذ البنتان أو الأختان الثلثين، ويأخذ الأخ الثلث الباقى، فيكون الرجل متساوياً مع المرأة فى هذه الحالات، وقد تأخذ أكثر من الرجل، كما إذا كانت التركة بين بنتين وأخوين، حيث تأخذ كل واحدة من البنتين الثلث بينما يشترك الأخوان فى الثلث فيكون نصيب كل واحد منهما على النصف من البنت. وبناء على تلك الأمثلة الواضحة - وهى لا تقبل شكا أو أفكارا.. لا يكون صحيحا ما يقال من أن المرأة ترث نصف ما يرثه الرجل، أو هى على النصف منه فى الميراث كما يشاع ذلك كثيراً بقصد الإساءة للإسلام وإظهاره بسمعة لا تراعى مصلحة المرأة ولا تتعامل معها بالمساواة فى الميراث، فإن تلك الإشاعات ليست صحيحة، والصواب فيها أن المرأة قد ترث أكثر من الرجل فى حالات كثيرة، وقد تتساوى معه فى حالات كثيرة أيضاً - أما الحالات التى ترث فيها على النصف منه فهى لا تتجاوز أكثر من ثلاث حالات هى التى سبق بيانها، وللتذكرة نعيدها هنا، وهى ميراث الزوج والزوجة، والابن مع البنت والأخ مع الأخت، ولعل سبب ذلك التقسيم الذى تكون فيه المرأة على النصف من الرجل، أن الأخير هو الذى يتحمل عبء الحياة المعيشية شرعاً، فهو المكلف بالإنفاق على الأسرة وعلى الزوجة، وعلى أقاربه الفقراء الذين يستحقون النفقة فى ماله، والمرأة ليس عليها أى عبء فى الإنفاق على المنزل أو على الأسرة حتى ولو كانت غنية تملك دخلا كبيرا، فإنها لا تكون ملزمة بأى إنفاق إلا إذا تطوعت به متفضلة من تلقاء نفسها، ودون إجبار عليها من أحد فى ذلك، كما أن الرجل يدفع لها المهر عند الزواج منها هدية أو منحة منه لا يجوز له أن يستردها بعد الدخول أو الخلوة الصحيحة التى تلى العقد، وما من شك فى أن التوازن بين الأعباء والدخول فى التشريع الإسلامى هو الذى اقتضى التفرقة فى أنصبة الميراث بين الرجل والمرأة فى هذه الحالات الثلاث، ولهذا لا يجوز اعتبارها تمييزا فى الأنصبة، وإنما هى مساواة فعليه مبنية على التوازن بين المغانم والمغارم، وذلك هو العدل الذى يقرره شرع الله عز وجل، ويلزم أن تسمى تلك المساواة بمسماها الحقيقى، وهو أنها مساواة موضوعية، وليست مساواة حسابية، وأن تلك المساواة الموضوعية هى المساواة الحقيقية وهى أفضل من المساواة الحسابية إذا صاحبتها أعباء تقتضى الإنفاق الذى لا تحتمله تلك المساواة. لقد قرر الله للمرأة حقا ثابتا فى الميراث لا يقبل الجحود أو الإنكار وسماه حدود الله، وبين أنه فريضة من الله، وحذر من إنكاره أو عدم إيصاله لمن تستحقه، ولكن المشكلة فى ميراث المرأة لا تكمن فى شرع الله، وإنما فى أفعال من ينكرون عليها هذا الحق ويساومونها فيه حتى لا تنتقل التركة أو تئول إلى غير أفراد العائلة التى تنتمى إليها، وهذا يقتضى عقاباً تعزيزياً يدفع هؤلاء المنكرين على المرأة حقها فى الميراث لأن يكفوا عن هذا الظلم، وأن يحترموا شرع الله والقانون, إن الأمر لا يعيب التشريع الإسلامى ولكنه يفضح من يمنعون المرأة حقها فى الميراث.