السبت 8 يونيو 2024

في ذكراه.. كيف هدد عبد الغني السيد عرش عبد الوهاب ؟

10-12-2018 | 14:16

لم يكن يعلم يوما أنه سيكون مع الخالدين من نجوم الطرب الأصيل ، فقد دفعته الظروف للتمرد والبحث عن قمة الشهرة والثراء بسبب حبه الأول، فأصبح من ألمع نجوم الطرب وكانت أغنياته جواز المرور للعديد من الفنانين.. في ذكرى رحيل الفنان المبدع عبد الغني السيد نروي أجزاء من حياته الشخصية ومشواره الفني.


زكي مراد يكتشف الجوهرة

ولد عبد الغني السيد في أسرة متواضعة بعابدين وألحقه والده للعمل بمحلات شهيرة للموبيليا قرب مسكنه وكان قد بلغ وقتها 13 عاماً ، وتمثل عمله في تلميع الموبيليا (أسترجي) ، وكان شديد الاهتمام بأناقته وتسريحة شعره، وأثناء عمله كان دائم غناء الأدوار القديمة وأغاني عصره، وذات يوم لفتت وسامته أحد زبائن المحل، وكان المطرب زكي مراد الذي سأل عنه صاحب المحل، وقال له الأخير : دا شيك وصوته حلو كمان، فدعاه زكي مراد ليسهر معه ويسمعه ، وبالفعل في منزل زكي مراد استمع الحاضرون إلى عبد الغني السيد وامتعهم بصوته، فقرر زكي مراد أن يتبناه فنياً ويدربه على أصول الغناء وقواعده، ولكن عبد الغني السيد لم يجد ميلاً لاحتراف هذه المهنة، وكان يفضل الغناء في سهرات الجيران في شارع محمد علي والأفراح والموالد بجانب عمله اليومي .

بنت الباشا تدفعه للغناء

أثناء عمله بمحلات الموبيليا كانت هناك أسرة كبيرة تقطن بالقرب منه ، وكان رب الأسرة رئيساً لمجلس النواب ثم وزيراً للمعارف ، وكان لديه بنتان أعجبت إحداهما بوسامة وصوت عبد الغني السيد، وكانت تختلق الحجج للمرور من أمامه وتتلكأ لتستمتع بصوته والنظر إليه، ووقعا في قصة حب لم تدم طويلاً ، فقد استشعر الباشا وابنته أنه ليس من اللائق أن ترتبط بشاب استرجي، كانت هذه الضربة التي منحته القوة، وجعلته يترك مهنته ويحترف الغناء ليصبح من علية القوم ، فكثف جهوده في التدريب والغناء في الموالد والأفراح حتى أصبح من نجوم شارع محمد علي .

 

السنباطي يساعده على الشهرة

كان الموسيقار رياض السنباطي عازفاً على العود في بداية حياته الفنية، يعمل مع الموسيقار محمد عبد الوهاب ومع المطرب عبد الغني السيد، وكان يبحث عن الصوت الجيد الذي يترجم ألحانه، وقتها عرضت شركة على عبد الغني السيد أن يقدم أسطوانتين، ووافق ووقع العقد وكانت الكلمات لحسين حلمي المنسترلي وبدأ السنباطي في تلحينهما وعند إذاعتهما لم يكن للسميعة حديث غير هاتين الأغنيتين وهما (ياناري من كتر جفاكي و نسيتي حبي بعد إللي كان)، ولمع نجمه في عالم الطرب وتسابق إليه أصحاب الإذاعات الأهلية، ولكنه فضل الإذاعة المصرية، فكان أول مطرب يغني فيها عند افتتاحها عام 1934.

 

مخاوف عبد الوهاب

خشى عبد الوهاب بزوغ نجم هذا المطرب الصاعد الذي بدأ يهدد عرشه الفني ، خصوصاً عندما أجرت مجلة الإثنين استفتاءً لاختيار أحسن مطرب في مصر عام 1934 وكانت النتيجة مفاجئة ومصدمة لعبد الوهاب، إذ احتل عبد الغني السيد المركز الأول عند القراء وهو الثاني، ودفعت نتيجة الاستفتاء عبد الغني السيد لزيادة نشاطه الفني داخل وخارج مصر، إلى أن ساقته الظروف ليقف أمام منيرة المهدية ليقوم بدور غريمه (الذي أصبح صديقه فيما بعد) محمد عبد الوهاب ، فقد كان عبد الوهاب يلعب دور أنطونيو في مسرحية مصرع كليوباترا، وحققت المسرحية نجاحاً كبيراً ، فقد كانت تجمع بين صوت وألحان عبد الوهاب وتمثيل السلطانة منيرة المهدية .

 

عبد الغني أنطونيو

بحثت الست منيرة عن بديل لعبد الوهاب الذي بدأ الحضور بعد رفع الستار وازداد غيابه كثيراً عن العمل في المسرحية بحجة المرض، وأصبحت في ورطة لأن المسرحية كانت لائقة على صوت وألحان عبد الوهاب، إلى أن أرشدها المقربين إلى عبد الغني السيد، واتفقت معه أن يكون بطل العرض لنهاية الموسم، ولمع نجمه وعادت المسرحية لقمة نجاحها، وفي آخر ليلة عرض قدم له عبد الوهاب التهنئة في كواليس المسرح .

 

الصداقة هي الحل

كان عبد الوهاب من أذكى فناني مصر والعالم العربي، وقد عالج ارتباكه بأن يكسب عبد الغني السيد في صفه كصديق، وقد اعترف بذلك في حديث لمجلة صباح الخير عن أشد اللحظات ارتباكاً وتوتراً في حياته ، فأجاب: عندما لمع نجم عبد الغني السيد أحسست أنه سيصل وينفرد بالقمة، وعندما مات عبد الغني السيد، أحسست أنني بدون منافس أو صديق .. وكان عبد الغني السيد يمتلك القدرة على التقليد ، واستغل عبد الوهاب تلك القدرة لصالحه، فكانت جلساته وسهرات أعماله لا تخلو من وجود عبد الغني السيد، ففي كل مرة يلحن عبد الوهاب لمطرب جديد ، ينتظر بعد انصرافه ويطلب من عبد الغني تقليده، فإن جاء التقليد ساخراً مضحكاً اعتذر عبد الوهاب عن التلحين ولو جاء تقليده به سلطنه وتطريب يوافق على اللحن ويكمله .. واستمرت صداقتهما وأصبحت حديث الأوساط الفنية وقد لحن عبد الوهاب لعبد الغني السيد العديد من الأغاني التي لاقت نجاحاً كبيراً منها أنا وحدي يا ليل سهران وأنا وياك وانت ويايا وآه من الزمن ومن الهوى وبكره حتندم وجبل الكحل .

 

ستظل أعمال عبد الغني السيد تراثاً فنياً يشجي قلوب محبيه ، فقد بلغ رصيده الغنائي قرابة 400 أغنية ما بين عاطفية ووطنية ودينية والأدوار القديمة والمنلوجات ، بالأضافة لأعماله السينمائية التي تقترب من 14 فيلماً قام ببطولة شئ من لا شئ وليالي الأنس ووراء الستار وشارع محمد علي والكيلو 99 واشترك بالغناء في باقي الأفلام مثل البيت الكبير وعريس من اسطنبول وسفير جهنم وغيرها من الأفلام.