الأحد 2 يونيو 2024

أهليّة الحضانة

29-3-2017 | 11:45

بقلم: د عباس شومان

حضانة الطفل تعني: رعايته فيما لا يمكنه القيام به بنفسه، وهذا يشمل جميع شأنه في صغره، ومعظمه بعد مدة من بداية حضانته إلى انتهاء مدة الحضانة، حيث يمكنه عندها الاعتماد على نفسه، ولما كانت الحاضنة أو الحاضن هو المنوط بتحقيق عناصر الكفالة للمحضون، كان لابد من توافر جملة من الشروط فيمن يقوم بحضانة الطفل من الجنسين، وقد ذكر الفقهاء جملة من الشروط التي يجب توافرها في الحاضنة أو الحاضن، منها ما يشترك فيه كلاهما، ومنها  ما يخص أحدهما دون الآخر. وقد اتفق الفقهاء حول بعض هذه الشروط واختلفوا في بعضها الآخر: أما الشروط التي تشترك فيها الحاضنة أو الحاضن: هي أهليّة التكليف؛ حيث يشترط فيمن يتولى الحضانة من النساء والرجال صلاحية التكليف وذلك بالبلوغ والعقل، لأن غير البالغة العاقلة أو غير البالغ العاقل في حاجة إلى من يتولى حضانتهما، لعدم تمكنهما من القيام بما يُصلح شأنهما، وكذا عدم معرفة ما يحقق صالحهما، فكان من البديهي عدم صلاحيتهما لحضانة غيرهم من باب أولى، ولأن الحضانة التزام تترتب عليه حقوق وواجبات، وهما ليسا من أهل الالتزام لرفع التكليف عنهما لقولـه:» رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل».

 

ثانيًا: الإسلام: مما لاشك فيه ولا خلاف حوله أن حضانة المسلمة أو المسلم للطفل أفضل من حضانة غير المسلم، لأن الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه. فإذا كان الطفل في حضانة أبويه وهما على الإسلام فذاك فضل من الله ونعمة، وكذلك إذا كانت الزوجية قائمة وكانت الأم كتابية، لأن الولد ينشأ تحت ناظري أبيه المسلم ويتبعه  في الدين، لأن الولد يتبع خير الأبوين دينا.

ثالثاً: عدم الفسق: بمعنى أن يكون الحاضن منهما مستور الحال غير معروف بشرب الخمر، أو ترك الفرائض، أو قذف الحرائر، أو ارتكاب الفواحش، أو العمل في الأعمال المحرمة شرعا.

رابعًا: القدرة على رعاية المحضون. فالحضانة تعني رعاية المحضون والقيام بشأنه كله فيما لا يستقل فيه بنفسه، فإذا كان من له الحق في الحضانة به ما يُؤثر على رعايته للصغير كعجزه لكبر سنه، والمريض مرضًا مزمنًا يؤثر على قوته، والمعاق المقعد، والأعمى، والأصم ونحوهم، ومن يعمل عملا يمنعه من رعاية الأطفال، كمن يعمل أعمالا تقتضي تغيبه عن منزله مدة طويلة كالجنود المرابطين، وقادتهم المقيمين معهم، وكذا أصحاب الأسفار المتعددة كالطيارين والمضيفين ونحو هم ممن تقتضي أعمالهم تغيبهم عن منازلهم فترات طويلة لا يتمكنون فيها من الوقوف على حال المحضون، فلا حق لهم في الحضانة، وليست هذه الأعمال مانعة لاستحقاق الحضانة لذاتها، وإنما لتأثيرها على قدرة الحاضنة أو الحاضن على رعاية المحضون، ولذا إن كان هؤلاء لا ينقطعون عن بيت الحضانة زمنا أكثر مما ينقطعه غيرهم من أصحاب الأعمال، فلا مانع من تولِّيهم للحضانة، فقد يوجد من كثيري الأسفار من يصلح للحضانة، كالمضيفات والمضيفين، والطيارين، وسائقي القطارات ونحوهم الذين يسافرون يوما أو بعض يوم ويعودون إلى بيوتهم، يصلحون للحضانة، وكذلك الجنود وقادتهم إن كانوا لا يتغيبون عن بيوتهم كثيرا، يصلحون لتولي الحضانة لقدرتهم على الرعاية والحفظ، بينما لا يستحقها مقيم في نفس بلد الحضانة وقريب من بيته إلا أنه كثير الانشغال بعمله، كبعض الأطباء والمهندسين ونحوهم الذين تشغلهم أعمالهم عن رعاية المحضون والوقوف على حاله بأنفسهم، ولم يكن عندهم من يصلح لذلك أيضًا، فالعبرة بالقدرة على القيام بأعباء الحضانة وعدمها، فإن كان لغير القادرين على القيام بمهام الحضانة بأنفسهم من يقوم بشأن الطفل نيابة عنهم وتحت نظرهم ممن لا يخشى على الطفل من رعايتهم له لم يسقط حقهم لقدرتهم على الرعاية بغيرهم كالخدم ونحوهم، بشرط وقوفه بنفسه على حال المحضون، وعدم تركه الأمر لهم.

خامسًا: عدم ارتكاب الجرائم الموجبة لقتل الحاضن أو حبسه. من الأمور المؤثرة على استحقاق الحاضنة أو الحاضن للحضانة ارتكاب الجرائم التي توجب إهدار دمائهم كالردة، والقتل العمد، والزنا من المحصنة أو المحصن وغير ذلك، أو الجرائم التي لا تهدر الدم ولكن يترتب عليها سجن الحاضنة أو الحاضن كحبس الممتنع عن الوفاء بديونه ونحو ذلك، لأن من ارتكب مهدرا لدمه فبدهي أنه لا يتمكن من القيام بمتطلبات الحضانة، وكذا المحكوم بسجنه، لأن المسجون معزول عن رعاية غيره والقيام بشأنه، فضلا عن الحالة المعنوية، فلا يناسب الطفل الصغير أن ينشأ تحت رعاية مسجون قضي عليه بالسجن لخلل في سلوكه وهو المنوط بتنشئة المحضون على حسن السلوك.

 سادساً: سلامة الحاضن من الأمراض المعدية. لما كان المحضون يختلط كثرا  بحاضنه وهو يقوم برعايته، فإنه يشترط سلامة الحاضن من الأمراض المعدية كالسلِّ، وكذلك السلامة من الأمراض التي ينفر منها الصغار وتؤذيهم وإن لم تكن معدية كالبرص، لأن سلامة الطفل في بدنه ونفسه من الأذى هو المقصود من الحضانة، ولا يضر باستحقاق الحضانة الأمراض العادية غير المعدية، ولا المؤذية لنفس الصغير، لأنه يندر أن يخلو منها أحد.

سابعًا: أمن مكان الحضانة: إذا كان المكان الذي يقيم به الحاضن غير مأمون لارتياده من قبل الفساق واللصوص الذين يخشى منهم على المحضون في نفسه أو ماله، أو كان البيت الذي يقيم به الحاضن عرضة للسقوط ونحو ذلك، فإنه لا يحق لمن يقيم بهذا البيت والمكان طلب الحضانة، وتكون الحضانة لمن يليه رتبة نفيا للضرر عن المحضون حتى يتحقق الشرط فيعود المكان آمنًا بانتهاء خطر الفساق واللصوص، أو إصلاح خلل المنزل، فيعود إليه حق الحضانة كما سيأتي بيانه في موضعه.

ثامنًا: عدم سفه الحاضن: اشترط المالكية والشافعية في الحاضن عدم السفه، فلا حضانة عندهم لسفيه مبذر، لأنه يتلف مال المحضون ويشب الطفل على نهج حاضنه في الإسراف والتبذير

وهناك شروط خاصة بالحاضنة وهي عدم الردة عن الإسلام، وأن تكون ذات رحم محرم من المحضون، وألا تكون الحاضنة ذات زوج. فمن البديهي أن الكلام هنا على الحاضنة التي ليست في زوجية أبي المحضون سواء أكانت الأم بعد انفصالها عن أبي المحضون أم كانت غيرها من الحاضنات، فإذا كانت الحاضنة ليست زوجة لأبي المحضون فالفقهاء يختلفون حول اشتراط كونها خالية عن الزوج لاستحقاقها الحضانة، لما للزوج من حقوق قد تؤثر على قيام الحاضنة بأعباء الحضانة. فالجمهور منهم يرون: أن الزواج في الجملة مؤثر على استحقاق الحاضنة. كم يشترط ألا تقيم بالمحضون في بيت يكره أهله المحضون، وأن ترضع الحاضنة المحضون.

أما الشروط الخاصة بالحاضن فتتلخص في: أن يكون محرما للمحضونة الأنثى المشتهاة. فقد اتفق الفقهاء في مسألة حضانة غير المحرم للمحضون، على إثباتها لغير ذي الرحم المحرم إن لم يوجد من هو أقرب منه وتستمر تلك الحضانة حتى سن الاشتهاء للمحضونة، وأرى أن الراجح ما ذهب إليه الحنفية وهو قريب مما أجازه بعض المالكية والشافعية ببقاء المحضونة في حضانة غير المحرم متى وجد الأمن وعدم الخوف عليها لكون الحاضن أمينًا، أو لوجود ابنة له يستحي منها.

كما يشترط: أن يكون عند الحاضن من النساء من تصلح لرعاية المحضون، فإن لم يكن عنده من تصلح لذلك من النساء كمن يقيم وحده أو عنده عجوز أو مريضة لا تصلح لرعاية الأطفال، فلا حق له في الحضانة، لأن رعاية الأطفال أجدر بها الإناث ولذا يقدمن في الحضانة.