الخميس 20 يونيو 2024

دراسة : الدستور الأمريكي 7 مواد وتم تعديله 33 مرة والفرنسي 20 مرة

أخبار14-3-2019 | 14:25

تناولت دراسة تحليلية للمركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة تحت عنوان "التعديلات الدستورية وأثرها على التطور الديمقراطي في مصر"، دور الدستور في الدولة الديمقراطية الليبرالية.


وأكدت الدراسة أنه لا توجد دولة غربية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وأعرق الدول الأوروبية، لم تقم بعمل تعديلات على دستورها في مراحل مختلفة من تاريخها السياسي، كان أخرها تركيا التي أجرت تعديلات دستورية عام 2014 منحت الرئيس الحالي "رجب طيب أردوغان" صلاحيات غير مسبوقة ووضعت أغلب مفاتيح الحكم في يده، وقلصت من دور البرلمان كأعلى سلطة حاكمة في البلاد، لكن مقارنة مصر بهذه الدول ستكون دائما مقارنة غير منصفة لأكثر من سبب.


أولا : فإن الدول الأوروبية التي يقارن البعض دستور مصر بدساتيرها هي دول طاعنة في الديمقراطية، مستقرة أمنيا وسياسيا،ً ولا تعاني من حالة الخوار التي تعاني منها المعارضة السياسية في مصر منذ عقود، وبالتالي فإن عمليات تداول السلطة أو إدارة العلاقة بين مؤسسات الدولة المختلفة بها تتم في سهولة ويسر بما لا يضر بالأمن أو النظام العام للدولة نفسها، بينما في مصر فإن كل تحرك سياسي يكون دائما مصحوبا بمخاوف تهدد الاستقرار المجتمعي والحالة الأمنية بشكل عام، ولعل أقرب مثال على ذلك هو محاولات التفجير المتتالية بين الجيزة والقاهرة، التي انتهجها عناصر الإخوان المسلمين بمجرد أن أعلن البرلمان موافقته على التعديلات من حيث المبدأ، والتي انتهت بتفجير انتحاري في محيط منطقة الأزهر والحسين بمصر القديمة راح ضحيته ثلاثة من رجال الشرطة وست جرحى من مواطنين عاديين.


ثانيا : فإن أغلب الدساتير الحاكمة في هذه الدول لا يحتوي إلا على عدد محدود جداً من المباديء العليا التي تنظم حالة الحقوق والحريات في هذه البلاد وتقر بالتزام النظام الحاكم بها، فمثلاً دستور الولايات المتحدة الأمريكية عبارة عن سبع مواد فقط تم إجراء 33 تعديل عليهم حتى الآن، ودستور فرنسا في نسخته الخامسة عشر المعمول بها حاليا يضم 24 مادة وتم إجراء 20 تعديل عليه منذ بدء العمل به في عام 1920 ، على عكس دستور مصر الحالي والذي يضم 224 مادة، بداخل أغلبها أكثر من ثلاث فقرات، وهو عدد مهول، نظراً لأن اللجنة التي وضعت الدستور كانت حريصة بشكل مبالغ فيه على تناول كل تفصيلة سياسية واجتماعية وحقوقية، وقد ثبت بالتطبيق العملي فيما بعد أن هذا التفصيل المبالغ فيه لنصوص الدستور قد قيد عمل المشرعين في البرلمان إلى حد كبير أثناء صياغة القوانين المختلفة.

 

ثالثا : فإن أغلب الدول الديمقراطية المستقرة اليوم، سبق ومرت بثورات وحروب ومراحل انتقالية تشبه تلك التي مرت بها مصر بعد ثورة يناير، لكن أي من هذه الدول لم يكتب دستوره في وسط المرحلة الانتقالية مثلما فعلنا نحن في مصر على عجلة من أمرنا، بل إن هذه الدول استغرقت عشرات السنوات لتستقر في الشكل الديمقراطي التي نراها عليه الآن، كمثال، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، رائدة المذهب الديمقراطي الليبرالي في العالم غاصت ما يقرب من المائة عام في حروب أهلية ضارية قبل أن تستقر في النهاية على كتابة دستور وبناء دولتها الديمقراطية الليبرالية المستقرة التي نراها اليوم.


رابعا: فإن المدقق في السياسة الداخلية لكل دولة من هذه الدول الديمقراطية المستقرة في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية، ويتابع تفاصيل توزيع نظام الحكم بين مؤسساتها وطرق تداول السلطة وحاكمية الدستور في كل منها، سيكتشف أن لكل منها نظامها الخاص، ولم تتفق جميعها على شكل واحد أمثل لإدارة الحياة السياسية فيها، بعضها نظامها رئاسي وبعضها نظامها برلماني وبعضها تحكمها هيئة استشارية وبعضها ما زال يحتفظ بالنظام الملكي مع إعطاء صلاحيات أوسع لرئيس الوزراء، وبعضها حتى ليس لديه دستور ولكن "قانون أساسي" ينظم المبادئ العليا للدولة، مثلما هو الحال في ألمانيا، دون أن يضر ذلك بالحقوق والحريات المكفولة للمواطنين والتطور الديمقراطي للدولة واستقرارها الأمني والسياسي، أي أن كل من هذه الدول التي تصنف على أنها دول ديمقراطية في عالمنا اليوم، قد صمم نظامه السياسي الخاص على مدار سنوات من الإخفاق والإصلاح، حتى استقروا في النهاية على شكل لنظام الحكم يضمن تحقيق المناخ السياسي الملائم للمواطنين لممارسة حقوقهم المدنية والسياسية في إطار حياة آدمية كريمة، وهذا بالضبط هو ما نسميه الديمقراطية الليبرالية، أي الديمقراطية التي تتجاوز حدود صندوق الانتخابات، ولا تأخذه معياراً على التطور الديمقراطي في حد ذاته، ولكن تهتم أساسا بتوفير الحقوق والحريات للمواطنين بغض النظر عن النظام السياسي أو طريقة إدارة شئون البلاد الذي تختاره كل دولة وفق تاريخها السياسي وخلفيتها الثقافية.

 

من أبرز ملامح الدولة الديمقراطية الليبرالية في إطار هذا التعريف، أن تكون لها ثلاثة أركان، أولها دستور حاكم، وثانيها مؤسسات حاكمة ذات أدوار متكاملة لا متداخلة، وثالثها مجتمع مدني قوي، ويكون دور الدستور هو إقرار المباديء العليا التي تضمن الحقوق والحريات وتكون بمثابة المرجع الذي يعود إليه كل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمواطن العادي في إدارة تفاصيل التفاعلات السياسية والاجتماعية فيما بينهم.

 

ولكي يتمكن جميع الأطراف من الالتزام بمبادئ الدستور والاحتكام إليه، يجب أن يتمتع هذا الحاكم الأعلى – أي الدستور – بدرجة من المرونة تيسر على الجميع الاحتكام إلى مبادئه والالتزام بها والسعي لتنفيذها.


ومن ملامح هذه المرونة أن يسهل تعديل الدستور وفقا لتغير الظروف السياسية في البلاد بما يضمن مزيد من الحقوق والحريات والتطور باتجاه الدولة الديمقراطية، ومن ملامح المرونة أيضا عدم تناول الدستور لأدق أدق التفاصيل واعتماده على المبادئ العليا في ضمان الحقوق والحريات وشكل الدولة ونظام الحكم، ومن ملامح المرونة أيضا أن لا يضم الدستور نصا كتلك المادة الموجودة في دستورنا الحالي مادة 244 التي تحرم إجراء تعديلات على مواد بعينها في الدستور، حيث أن هذا الجمود في حد ذاته هو ضد مبدأ الدولة الديمقراطية أصلاً، فالممارسة الديمقراطية تعتمد على سهولة وسرعة التكيف مع الحالة السياسية التي هي بدورها متغير دائم، ولا يمكن إدارة مناخ سياسي سليم تحت دستور عصي على التعديل أو التكيف مع المتغيرات.