السبت 6 يوليو 2024

تحليل - هل تمهد التعديلات الدستورية لعودة الدولة الديكتاتورية؟

أخبار14-3-2019 | 15:01

تناولت دراسة تحليلية للمركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة تحت عنوان "التعديلات الدستورية وأثرها على التطور الديمقراطي في مصر" استغلال أغلب المعارضين لفكرة تعديل الدستور الحالي مخاوف مشروعة عند بعض المواطنين وتضخيمها خاصة وبعد تكرار ما فعله أردوغان في دستور تركيا عام 4102 ، وما فعله مبارك في دستور مصر في أواخر فترة حكمه، حيث استغل كل منهما حقه في تعديل الدستور ليعطي لنفسه صلاحيات حولت نظام الحكم إلى نظام ديكتاتوري، وهذا بالضبط ما يثير حيرة كثير من المواطنين الآن، خصوصا الشباب، فهل تهدف التعديلات الدستورية المقترحة إلى تأسيس ديكتاتورية أم هي فرصة جديدة لترسيخ قواعد الدولة الديمقراطية الناشئة في مصر؟


وأشارت الدراسة إلى إنه بالرغم من كونه سؤال محوري ومهم إلا أنه اختصر التعديلات في شخص وصفة رئيس الجمهورية الحالي، وقسم المواطنين والمراقبين بين مؤيد للتعديلات الدستورية من منطلق تأييده للرئيس السيسي، أو رافض للتعديلات الدستورية من منطلق معارضة الرئيس السيسي، بينما في حقيقة الأمر، فإن التعديلات الدستورية التي يتجاوز عددها العشرين بين مقترحات تعديل واستحداث مواد، تتجاوز حدود منصب رئيس الجمهورية بكثير.

  • ·    مزيد من التمكين يساوي مزيد من الديمقراطية:

نجد مثلاً أن التعديلات الدستورية المقترحة تزيد من تمكين الفئات الاجتماعية التي سبق تهميشها سياسيا لعقود طويلة مثل المرأة والمسيحين والشباب وذوي الإعاقة والعمال والفلاحين والمصريين المقيمين في الخارج، نظراً لأن التجربة المصرية، عبر السنوات القليلة الماضية، قد أثبتت دور هذه الفئات المهم في إنجاح عملية التطور الديمقراطي والحفاظ على استقرار وأمن البلاد، ليس فقط من خلال مشاركاتهم الميدانية المركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة المؤثرة في ثورتين خلال أقل من ثلاثة أعوام، ولكن أيضا بمشاركتهم الفاعلة في كافة الإجراءات الديمقراطية والاجتماعية التي مهدت للنهضة السياسية والتنموية التي تشهدها مصر حاليا،ً ولهذا فضرورة المحافظة على تمثيلهم في دوائر صناعة القرار المختلفة في الفترة المقبلة هو ضمان لاستمرار عملية التطور الديمقراطي.


وذكرت الدراسة أنه ربما يجادل البعض بأن تمكين الفئات المهمشة في حد ذاته ليس كافيا لنفي إدعاء البعض بأن التعديلات تمهد لعودة الدولة الديكتاتورية في مصر، حيث أن ما يضمن لنا استمرار عملية البناء الديمقراطي ليس مجرد تمثيل أكبر لفئات بعينها في أروقة السياسة وصناعة القرار، ولكن الطريقة التي تقترح التعديلات اتباعها لإعادة توزيع السلطات والصلاحيات بشكل أكثر تنظيما واتزانا بين المؤسسات المختلفة داخل نظام الحكم، وهي تعديلات المواد المتعلقة بالبرلمان والقضاء والقوات المسلحة ورئيس الجمهورية، والتي أثارت جدلاً كبيراً بين الموافقين والرافضين للتعديلات، على حد سواء.

  • ·    توزيع السلطات بين مؤسسات الدولة:

إن المدقق في التعديلات المقترحة على الدستور، سواء فيما يتعلق بالمواد الخاصة بمنصب رئيس الجمهورية أو المواد الخاصة بصلاحيات مؤسسات الدولة الأخرى، سيكتشف أن التعديلات تأخذ من الصلاحيات المكفولة في الدستور الحالي لرئيس الجمهورية ولا تضيف لها، وفي المقابل توسع من صلاحيات مؤسسات الدولة الأخرى بشكل كبير، وهو ما ينفي تماما أي إدعاء بأن هذه التعديلات تستهدف إبقاء الرئيس السيسي في الحكم للأبد أو تحويل مصر إلى دولة ديكتاتورية.


والطريف أن أغلب الذين تناولوا التعديلات الدستورية المقترحة حتى الآن، توقفوا فقط أمام التعديل الخاص بزيادة كل فترة رئاسية، وبنوا إدعاءهم بأن هذه التعديلات ككل تزيد من سلطات الرئيس السيسي، دون أن يدققوا النظر في الكم الهائل من الصلاحيات التي حرمت التعديلات الرئيس من التمتع بها. ونذكر

منها ما يلي:

  • ·    أولا: توسيع سلطات وصلاحيات مجلس النواب:

وفقا للدستور الحالي، فإن مصر دولة يحكمها نظام برلماني يميل إلى الرئاسي، حيث يمتلك البرلمان صلاحيات تفوق السلطة التنفيذية بعماديها: رئاسة الجمهورية والحكومة، وفقا لنص المادة 010 من الدستور الحالي بأن لمجلس النواب "سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية" وتمنح مواد الدستور أيضا للبرلمان حق الموافقة على اختيار الوزراء ومحاسبتهم، ويكفل الدستور للبرلمان سلطة سحب الثقة من رئيس الجمهورية في المادة  20 وحق توجيه اتهامات لرئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو انتهاك الدستور وعزله ومحاكمته وفقا للمادة 290  ولم تمس التعديلات المقترحة أي من هذه الصلاحيات الواسعة للبرلمان.


بالإضافة إلى ذلك، شملت التعديلات المقترحة على المادة 014 الحفاظ على نفس عدد الأعضاء الحالي في مجلس النواب ) 291 عضو( مع تخصيص نسبة لا تقل عن ربع هذا العدد للمرأة، كما أقترح تعديل نفس المادة، في فقرتها الثالثة، حرمان رئيس الجمهورية من الحق المنصوص عليه في الدستور الحالي بأن "يجوز لرئيس الجمهورية تعيين عدد من الأعضاء فى مجلس النواب لا يزيد على 9%"، وهذه المركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة.

 

أول نقطة نرى فيها أن التعديلات قد قلصت صلاحيات رئيس الجمهورية في مقابل مزيد من الصلاحيات لمجلس النواب. في المقابل، تقترح التعديلات الدستورية استحداث غرفة عليا للبرلمان تسمى "مجلس الشيوخ" تضم 194عضوا، ثلثيهما يتم انتخابه وفقا لشروط ترشح مماثلة لشروط إنتخاب أعضاء مجلس النواب، مع فرق وحيد وهو أن يكون المترشح لعضوية مجلس الشيوخ قد تجاوز سنه ال 39 عام، في مقابل سن 49 عام لعضوية مجلس النواب. ويكون لرئيس الجمهورية تعيين ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، لكن نظراً للدور الاستشاري المحدود لمجلس الشيوخ، فلا يمكن اعتبار أن الكتلة المعينة من اعضاؤه بواسطة رئيس الجمهورية ستشكل أي صورة من صور الدعم أو التمكين المؤثر لصالحه حسب إدعاء البعض، حيث تقترح التعديلات أن تقتصر صلاحيات مجلس الشيوخ على دراسة واقتراح وابداء الأراء فيما يتعلق بضمان الحقوق والسلام المجتمعي، وبهذا لن يكون لمجلس الشيوخ أي تأثير حقيقي على مجلس النواب، والعكس هو الصحيح، ولن يكون لمجلس الشيوخ حتى صلاحيات تسمح له بالتأثير في السلطة التنفيذية، حيث تنص التعديلات المقترحة على أن "رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء وغيرهم من أعضاء الحكومة غير مسؤولين أمام مجلس الشيوخ".

  • ·    ثانيا: استقلال القضاء وحصانته:

وفيما يخص القضاء، اقترحت التعديلات إعادة تنظيم إجراءات اختيار وتعيين رؤساء الهيئات القضائية بما يسمح بدور أكبر لرئيس الجمهورية في هذه المسألة، لكن قيدت دور رئيس الجمهورية في كل من هذه الإجراءات بضرورة أن تتولى المجالس العليا للهيئات القضائية عملية الترشيح والموافقة على أي المركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة من شاغلي هذه المناصب الحساسة في المؤسسة القضائية، كما أن أي من التعديلات المقترحة لم يمس مطلقا بالمواد 012 و 012 و 020 و 024 التي تنص صراحة على استقلال القضاء واستقلال القضاة وحصانتهم ضد العزل واستقلال النائب العام واستقلال المحكمة الدستورية العليا، وتنص بوضوح على أن "التدخل في شئون العدالة والقضاء جريمة لا تسقط بالتقادم".

  • ثالثا: مهام مضافة على عاتق القوات المسلحة:

أما القوات المسلحة فقد أكدت التعديلات المقترحة على منحها صلاحيات تمكنها من إدارة شئونها الداخلية بشكل أكثر استقلالاً بما سيصب في النهاية في ضمان الاستقرار طويل المدى للدولة المصرية ككل، نظراً للدور التاريخي المهم للقوات المسلحة في حفظ ميزان الأمور الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية داخل مصر.

فلا يمكن لأحد أن ينكر أن انحياز القوات المسلحة الدائم لإرادة الشعب في مواجهة أي سلطة، وتدخلها في الوقت المناسب لضبط إيقاع التفاعلات السياسية قد أنقذ مصر من مصير مظلم وقع فيه جيراننا في أعقاب ثورات الربيع العربي.


ومن هذه التعديلات أن أصبحت المادة 432 الخاصة ب "موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تعيين وزير الدفاع" مادة دائمة بعد أن كانت مادة انتقالية في الدستور الحالي، وبالرغم من أن رئيس الجمهورية وفقا للمادة 094 يعتبر هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلا أنه لا يستطيع "إعلان الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة فى مهمه قتالية إلى خارج حدود الدولة، إلا بعد أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى، وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثى الأعضاء، وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجب أخذ رأى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وموافقة كل من مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطنى."


كما أضافت التعديلات المقترحة نص جديد للمادة 411 يوسع من مهام القوات المسلحة إلى جانب مهمتها التقليدية في "حفظ أمن البلاد وسلامة أراضيها"، ليشمل أيضا مهمة "صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد"، وبالرغم من أن هذا هو الدور البطولي المعهود للقوات المسلحة على مدار تاريخها، وهو الدور الذي نريد كمواطنين أن تستمر القوات المسلحة في تأديته للأبد، إلا أن نص التعديلات المقترح بهذه الصورة يعرض القوات المسلحة كمؤسسة مستقلة لأضرار محتملة لا تقتصر فقط على شئونها الداخلية ولكن تمتد أيضا للإضرار بعلاقات القوات المسلحة مع حلفاء مصر حول العالم.


فليس سراً أن مصر تتلقى مساعدات عسكرية واقتصادية سنوية من الولايات المتحدة الأمريكية في إطار البرنامج الأمريكي المشترك بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع الأمريكيتين الخاص بتقديم المساعدات العسكرية للدول الأجنبية، سواء في صورة معدات أو تدريبات، وهذا البرنامج تحكمه مجموعة من القوانين، أشهرها قانون "ليهي" بنسختيه العسكرية والدبلوماسية، والقانون العام الأمريكي، وبعض اللوائح الخاصة بلجنة الاعتمادات في الكونجرس فيما يتعلق بالمساعدات الأجنبية، وبعض لوائح وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع الخاصة بالمراقبة على أوجه استخدام المساعدات. 


وجميع هذه القوانين واللوائح يحظر تقديم الولايات المتحدة المساعدات العسكرية أو الاقتصادية لأي دولة تمارس فيها القوات المسلحة سلطة سياسية دائمة بما يتنافى مع المبدأ الأمريكي المعروف بشأن التزا القوات المسلحة بالسيادة العليا للحكم المدني في إطار الدولة الديمقراطية، وهذا يتناقض بوضوح مع نص التعديل المقترح والذي يفرض على القوات المسلحة المصرية ممارسة العمل السياسي بشكل متواصل، وليس في أوقات الأزمات فقط، كمهمة إضافية يضعها الدستور على عاتقها، تضاف إلى مهام الجيش العسكرية التقليدية في حفظ الأمن والمهام غير التقليدية في توفير الخدمات الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، وتقديم المساعدات الإنسانية في أوقات الأزمات.

 

كما أن هذه الصياغة الجديدة للمادة 411 ستجعل القوات المسلحة في مواجهة مباشرة مع نيران المنظمات الدولية والمتربصين بمصر عبر ملف حقوق الإنسان، وما أكثرهم، وستصبح القوات المسحلة بهذه المهمة الجديدة هي المتهم الأول في أي إدعاء يخص انتهاكات حقوق الإنسان ضد مصر، بشكل يضر بهيبة القوات المسلحة المصرية في أعين العالم، ويضر بعلاقاتها مع حلفاءها العسكريين حول العالم خصوصا الحليف الأمريكي بسبب قانون ليهي، ويجعل القوات المسلحة في حالة دفاع عن النفس أمام تلك الاتهامات، والتي لن تتوقف هذه المنظمات عن توجيهها لمصر للإضرار بمصالحها، فعندما توجه هذه الاتهامات إلى القيادة السياسية والسلطة التنفيذية يكون التعامل معها ودحضها في إطار سياسي أسهل بكثير من أن تكون المؤسسة الأهم على الإطلاق في مصر، وهي القوات المسلحة، عرضة لها لهذا نأمل أن تعيد اللجنة التشريعية في البرلمان النظر في التعديلات المقترحة على هذه المادة بشكل يحافظ على مكانة القوات المسلحة الكبيرة في أعين العالم، ولا يضر بهيبتها ومصالحها الداخلية والخارجية، ولا يجعلها فريسة سهلة للمتربصين بمصر عبر ملف حقوق الإنسان.

  • ·    رابعا: منصب رئيس الجمهورية:

أما فيما يخص التعديلات المقترحة بشأن فترات الرئاسة والسماح لرئيس الجمهورية الحالي بإعادة الترشح بعد إنقضاء مدته، فإنها لا تخدم الرئيس السيسي ولا تضمن بقاؤه في السلطة للأبد كما يدعي البعض، فقد نص التعديل المقترح على الفقرة الأولى من المادة 021 على زيادة فترة الرئاسة الواحدة من المركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة أربع إلى ست سنوات، دون أن يمس بإمكانية بقاء الرئيس في السلطة لأكثر من مدتين رئاسيتين فقط، وأضافت التعديلات المقترحة مادة انتقالية تعطي ميزة استثنائية للرئيس السيسي، بوصفه رئيس الجمهورية الحالي، تسمح له بإعادة ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية وفق النص الدستوري الجديد بعد انقضاء مدته الرئاسية الثانية .


وكما هو واضح، لم تنص أي من هذه المقترحات على البقاء الأبدي للرئيس السيسي في الحكم حسب إدعاء بعض الرافضين للتعديلات، فأولاً لا يمكن للرئيس السيسي تمديد فترته الرئاسية الحالية لأكثر من أربع سنوات لأنه ملتزم بنصوص الدستور الحالي الذي تم انتخابه وفقا لها وأقسم على احترامها، والتي تحدد المدة الرئاسية بأربع سنوات فقط، وحتى الميزة الاستثنائية التي تمنحها المادة الانتقالية المقترحة بإعادة ترشيح رئيس الجمهورية الحالي لنفسه بعد إنقضاء مدته وفق النص الدستوري المعدل، لا يضمن للرئيس السيسي الاستمرار في الحكم بعد 4144 ، لأنه مشروط بأن يتم اختياره عبر انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة. بمعنى أخر فإن التعديلات المقترحة بشأن منصب رئيس الجمهورية لا تضمن للرئيس السيسي أي استمرار في إدارة البلاد لو لم يعلن غالبية الشعب ذلك عبر انتخابات ديمقراطية وحرة.

 

كما تقترح المواد المستحدثة تعيين نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، وبالرغم من أن رئيس الجمهورية هو من سيكون له الحق في اختيار وتعيين نوابه، إلا أن نواب الرئيس يكونون مسؤولون أمام مجلس النواب مثلهم في ذلك مثل رئيس الوزراء والوزراء وفقا للمادة 023 من الدستور الحالي، وجدير بالذكر أن تعيين نائب لرئيس الجمهورية كان أحد أشهر مطالب ثورة يناير، وقد أعطت التعديلات المقترحة لنائب رئيس الجمهورية صلاحيات بديهية تسمح له بحل محل رئيس الجمهورية في حين تعذر على الرئيس مواصلة عمله لأي سبب، لكنها في نفس الوقت منعته – أثناء شغله المؤقت لمنصب الرئيس – من اتخاذ أي قرارات مؤثرة مثل تعديل الدستور أو حل البرلمان، ولا تسمح له بالترشح في الانتخابات الرئاسية التالية.

 

لا يمكن لعاقل أن يتصور أن هذه التعديلات المقترحة والتي تأخذ من صلاحيات الرئيس دون أن تضيف إليها هي تعديلات تمهد لدولة ديكتاتورية بأي حال من الأحوال، كما أن قصر النظر على التعديلات المقترحة على المادة الوحيدة، من بين عشرين مادة أخرى، والخاصة بالمدة الزمنية لمنصب رئيس الجمهورية والتي هي مشروطة بانتخاب الشعب له بإرادة حرة، في محاولة لتصوير أن التعديلات تخدم الرئيس السيسي بشخصه وتؤسس لدولة ديكتاتورية، هو محض افتراء حسب ما أوضحناه بالتفصيل في هذه الدراسة.


ما زالت مصر ترسم ملامح النظام السياسي الأكثر ملائمة لطبيعة وثقافة وتاريخ الدولة المصرية، وهذا أمر سيستغرق وقت، وربما يشمل كثير من الاخفاقات التي تتطلب التدخل من وقت لأخر لإصلاحها أوتعديلها وفقا للمتغيرات السياسية، فإن بناء دولة ديمقراطية ليبرالية مستقرة هو عملية متواصلة ومستمرة ولن تنقضي بين يوم وليلة أو بمجرد كتابة نص دستوري أو إجراء انتخابات، كل هذه مجرد خطوات صغيرة في اتجاه الهدف الأسمى وهو أن تكون مصر وطن يتمتع فيه المواطن بحقوقه وحرياته في إطار حياة كريمة، وأفضل ما يميز الدولة الديمقراطية هو قدرتها على إصلاح نفسها بنفسها بمرور الوقت والتجارب.


والخبر الجيد هنا أن هذه التدخلات الإصلاحية، في صورة تعديل نصوص دستورية أو استحداث قوانين حاكمة، لا تقوم بها مؤسسات الدولة بمعزل عن المواطن، بل إن للمواطن المصري العادي الكلمة الأخيرة في كل منها، ولا يمكن تمرير أي منها دون موافقة الشعب، ولهذا فإن المشاركة الشعبية في التصويت على الدستور أمر في منتهى الأهمية، وذلك بعد أن ينتهي البرلمان خلال ستين يوما من مناقشة التعديلات وإجراء حوار مجتمعي حولها، والوصول بها إلى الصيغة النهائية.