السبت 18 مايو 2024

في ذكرى رحيلها.. نعيمة عاكف ودموع أم كلثوم عند الوداع

23-4-2019 | 20:24

من المؤكد أن حياتها كانت تصلح قصة سينمائية تظل خالدة في وجدان الجماهير، فهي من أثرت السينما المصرية بلون جديد من الفن، وهو الإستعراض الذي أدخلته في العديد من أفلامها، فبرغم بداية حياتها الفنية كراقصة، إلا أنها كانت تجد في حركات الراقصات ابتذال لم ترض عنه نعيمة عاكف أسطورة الفن الاستعراضي والتي تمر ذكرى رحيلها اليوم، فاستبدلت الرقص بتابلوهات استعراضية راقية وصلت مسامعها إلى إوربا.

 

الكسار مكتشف النجوم

من حياة السيرك انتقلت نعيمة عاكف للإقامة بشقة متواضعة بشارع محمد على مع والدتها وشقيقاتها الثلاث، وكان على الشقيقات الأربع تدبير نفقات الحياة، فعملن في أكروبات الشوارع بعد أن استفدن من حركات السيرك، لتكون البداية مع مكتشف النجوم الفنان على الكسار، الذي شهدت المسارح والسينما أمجاده لتكون نهاية أمجاده متوازية مع نهاية مشوار نعيمة عاكف أيضاً، فقد أعجب على الكسار بنعيمة عاكف وشقيقاتها وقرر ضمهن إلى فرقته المعروفة ليقدمن فقرات على مسرحه مقابل 12 جنيه شهرياً، وعلى الفور قبلت الشقيقات العمل، وكانت عين الفنانة بديعة مصابني على نجوم فرقة الكسار، وعرفت بزوغ نجم نعيمة فعرضت عليه العمل بمسرحها مقابل 15 جنيهاً، فانتقلت نعيمة للعمل لديها.

 

السينما تلتقط نعيمة

برعت نعيمة عاكف في أداء أدوارها الراقصة بمسرح بديعة، وقد كان ذلك المسرح ملتقى مخرجي السينما ومكتشفو النجوم، ففتحت السينما ذراعيها للوجه الجديد نعيمة عاكف لتشارك كراقصة في فيلم حب لا يموت قصة وإخراج محمد كريم والذي عرض لأول مرة بسينما الكورسال في 4 أكتوبر 1948، ليلتقطها المخرج حسين فوزي في نهاية نفس العام ويختارها لبطولة فيلم العيش والملح الذي عرض في 17 يناير 1949، ليشهد لها نفس العام مشاركتها في فيلم ست البيت الذي عرض في 11 أبريل 1949 ثم بطولة فيلم لهاليبو وقد عرض في 26 سبتمبر 1949، ونلحظ من ذلك إيمان حسين فوزي بموهبتها ومنحها البطولة في فلميه، مما دعا فوزي لاحتكار نجمة المستقبل نعيمة عاكف فنياً وشخصيا، فقد تقدم فوزي للزواج منها، ورغم الفارق في العمر فقد وافقت نعيمة وانتقلت للإقامة معه وتركت حياة الشقاء.

 

السفر بتعليمات الرئيس

من المؤكد أن الثنائي الفني حسين فوزي ونعيمة عاكف قدما للسينما روائع الأعمال التي ستظل خالدة أبد الدهر، ففي أول عام 1950 قدم حسين فوزي ونعيمة عاكف أول فيلم بالألوان الطبيعية وهو فيلم بابا عريس لتشهد السينما بعد ذلك روائع لا تنسى منها فيلم فتاة السيرك وفرجت وبلدي وخفة ويا حلاوة الحب ونور عيوني وبحر الغرام وأحبك يا حسن وتمر حنة، ونظراً لما أضفته نعيمة عاكف من لون استعراضي جديد فقد كلفت نعيمة من قبل رئاسة الجمهورية بتمثيل مصر فنياً في موسكو لعرض ثلاث لوحات استعراضية شرقية وهي مذبحة القلعة وحياة الغجر ورقصة أندلسية، وكان الترشيح لها من قبل الرئيس جمال عبد الناصر لتوطيد أواصر الصداقة مع روسيا ونشر الفنون الشرقية بها، وكانت نعيمة قد أطلعت حسين فوزي بشأن سفرها وأيضاً قد تحدثت معه في أمنية رأت أنه آن الآوان لتحقيقها وهي فكرة الإنجاب، فقد رأت أنها حققت الشهرة والنجومية والإستقرار فما المانع بأن تعيش حياة الأمومة، ووافق فوزي على طلبها الأول وهو السفر، وأرجأ الرد على طلبها الثاني.

 

انفصال بدون أسباب

عادت نعيمة من رحلتها بعد أن حققت نجاحاً باهراً، حيث حصلت على لقب أفضل راقصة في العالم ولم يكتف الرئيس الروسي بذلك بل أمر بصنع تمثال لها في البلوشوي، وهو الأمر الذي شرف مصر، وقد سبقت أخبار نعيمة عودتها إلى مصر لتتناقل الصحف والمجلات خبر نجاحها وانجازها، ولكن عند لقائها بحسين فوزي لم تجد على وجهه فرحة نجاحها، وبعد التمهيد البسيط أخبرها بقرار انفصالهما، وكان ذلك أولى الضربات التي تلقتها نعيمة من الحياة، فهل كان قرار انفصاله عنها بسبب عدم رغبته في الإنجاب أم بسبب نجاحها الساحق الذي حققه مؤخراً وفي السينما أيضاً؟ ولم تشأ نعيمة المبيت في شقة الزوجية بعد أن حضر المأذون ليكتب آخر لقاء بينهما، وانتقلت للعيش في فيللا في الزمالك بجوار فيللا أم كلثوم .

 

حياة جديدة مع وليدها

عامان ابتعدت فيهما نعيمة عاكف عن الفن، وقد عهدت إلى شئونها بمحاسب اهتم كثيرا بحالتها وحاول إخراجها من حالتها، وكأنما ولدت في قلبه عاطفة نحوها، فلم يكن يرحل من بيتها حتى يطمئن على حالتها وتناولها الطعام، وحرص أن يخرجها في بعض السهرات التي قد تعيد إليها البهجة، وشعرت نعيمة بعاطفة نحو هذا الرجل، خصوصاً وأن خيوط أمل عودتها إلى حسين فوزي قد انقطعت زواجه ولإخراجه عدة أفلام لم يطلب فيها أن تشاركه نعيمة البطولة، فتأكدت أن انفصالها عن حسين فوزي أصبح شخصياً وفنياً، وهنا عرض عليها مدير أعمالها والذي يهتم بها الزواج وهو المحاسب صلاح عبد العليم، فوافقت على الفور، لتبدأ نعيمة حياة جديدة عام 1959 مع زوج حرص ألا تقوم نعيمة بأدوار الرقص، ولا يمانع بأن تشارك بأدوار تمثيلية في السينما، ورزقت نعيمة عاكف بإبن وحيد وهو محمد الذي حرصت أن توليه كل الإهتمام .

 

ناصر يأمر بعلاج نعيمة

عادت نعيمة عاكف إلى السينما في عدة أدوار في بداية الستينيات منها بياعة الجرائد كدور ثان مع ماجدة ثم شاركت في فيلمين عام 1964 وهما من أجل حنفي وأمير الدهاء، وبعد انتهاء تصوير مشاهدها في أمير الدهاء سقطت نعيمة عاكف أثر آلام حادة في البطن صاحبها نزيف مما استدعى نقلها إلى المستشفى، وبعد قضاء ليلة فيها، جاء التقارير بخبر صادم وهو إصابتها بمرض خبيث في الأمعاء، وتقبلت نعيمة وزوجها الصدمة، ففكرت بأن أيامها أصبحت معدودة ومن الأولى أن تمنح ما تبقى منها لإبنها، فلم يكن أحد يعلم شيئاً عن مرضها، ووصل إليها العديد من السيناريوهات التي كانت ترفضها بعد أن تبقيها لديها فترة بحجة القراءة، وحدث أن رآها أحد الصحفيين وهي تترد على المستشفى لتتلقى العلاج، وهنا شاع خبر مرضها بعد أن أعادها فيلميها الآخيرين إلى الساحة، وقد قد علم الرئيس جمال عبد الناصر فأمر بسفرها الفوري للعلاج على نفقة الدولة.

 

دموع أم كلثوم في وداع نعيمة

ما إن علمت نعيمة بذلك الخبر الذي نتج عن تقدير الرئيس لها والدولة إلا وارتفعت معنوياتها، ولكن كانت يد القدر أسبق، فقد أصيبت نعيمة بنزيف حاد في 6 أبريل 1966 وكان مقرراً لها السفر للعلاج في 11 أبريل، فقضت نعيمة عدة أيام في العناية المركزة بعد أن تغلب الأطباء على النزيف، وتم نقلها إلى فيللتها لتبكير سفرها إلى إوربا .. وقبل أن تكمل نعيمة عامها السادس والثلاثين لفظت أنفاسها الأخيرة وهي ترد كلمة "محمد" ثلاث مرات، وفي صباح اليوم التالي التفت حشود الجماهير حول الفيللا ومعهم العديد من نجوم الفن لوداع لهاليبو التي أضفت على السينما لوناً جديداً مبهجاً .. وحول جثمان نعيمة عاكف التف محبوها ونجوم الفن ليودعوها .. ووقفت أم كلثوم في شرفة فيللتها تتمتم بكلمات والدموع تملأ عينيها وهي تلوح بمنديلها في وداع نعيمة التي أسعدت العالم العربي بجمال فنها وخفة ظلها.

 

    الاكثر قراءة