السبت 18 مايو 2024

د. محمود شريف يستعيد ذكريات ٥٠ عاماً من المعارك لتأسيس معهد الأورام

6-4-2017 | 11:59

حــوار : إيمـان رسـلان

 

حينما يؤرخ لتاريخ معهد الأورام وبجانب الآباء الأوائل المؤسسين للمعهد وعلى رأسهم د. لطفى أبو النصر الذى خاض المعارك لخروج المبانى وتخصيص الأموال إلى حيز التنفيذ إلى زميله د. السباعى صاحب نظرية الاهتمام بالبشر قبل الحجر أى تأسيس المدرسة العلمية إلى تحفظ د. محفوظ زميلهما الثالث فى القصر العينى على فكرة إنشاء معهد متخصص للسرطان.

إلا وسيذكرالتاريخ أسماء الجيل الأول للأطباء الذين في ذلك الوقت على يدهم خرجت الفكرة للنور وعلى رأسهم يأتى اسم د .محمود شريف الذى يعرفه البعض كوزير منذ التسعينيات ولكن الأكثر يعرفونه كطبيب وجراح الأورام الشهير والعميد الخامس بعد جيل الرواد الذى علمه.

د. محمود شريف كان أول من حصل على درجة الدكتوراه فى تخصص جراحة الأورام أى التخصص الدقيق وليس فى الجراحة فقط، دعامة الفكرة منذ ولادتها عام ١٩٥٤ عندما كان طبيباً بالقصر العينى حتى وضع حجر الأساس عام ١٩٥٩ ثم بداية العمل التجريبى فى المعهد عام ١٩٦٧.

التقيت د. محمود شريف صباحاً فى نادى اليخت فى الجهة المقابلة من النيل لمعهد الأورام وتعود علاقتى به إلى سنوات طويلة مضت أثناء تغطيتى لقضايا التعليم، ولكن فى هذا الحوار الإنسانى المتدفق الذى استعاد فيه حكاوى الماضى الجميل بحلم التأسيس وتذكرنا أنه كان الطبيب المعالج لأمى ؟؟؟؟؟ من الجيل الأول أيضاً فى العلاج.

• متى التحقت بمعهد الأورام؟

بعد تخرجى من كلية طب قصر العينى فى الخمسينيات وتعينت به، عملت فى الجراحة وكان د. لطفى أبو النصر ود.السباعى هما من أساتذتى وتخصصت فى جراحة الأورام كما أطلق عليها بعد ذلك وكانت الأورام وجراحتها أحد الفروع فى قصر العينى ولأنى كنت معاصراً لأساتذتى فبجانب الجهد العلمى والتميز كانت هناك أيضاً المنافسة الشديدة بينهم وهو ما انعكس بعد ذلك فى تأسيس المعهد.

• كيف ذلك؟

من المعروف أن الآباء المؤسسين لمعهد الأورام هما د. لطفى أبو النصر ود. السباعى وللحقيقة أن كلتا الشخصيتين على اختلافهما الشديد كانا كأن أحدهما يكمل الآخر فمثلا د. أبو النصر يملك رؤية واضحة للهدف ويصمم عليه فهو كان من أنصار ضرورة أن تستقل الأورام فى معهد أكاديمى مستقل وهذا كان اتجاهاً عالمياً فى ذلك الوقت وحينما زار جوستاف جوسية مدير معهد الأورام فى فرنسا مصر فى منتصف الخمسينيات تقريبا استثمر د. لطفى أبو النصر الزيارة الكبيرة وسعى لدى الدولة المصرية والحكومة وكانت الثورة المصرية فى بدايات حكمها بعد عام١٩٥٢ فسعى لتخصيص أموال لإنشاء المعهد.

وأذكر أن فى ذلك الوقت كانت هناك أيضاً معركة لتأسيس معهد مستقل لأمراض البلهارسيا وكان د. أحمد حافظ الطبيب والأستاذ المشهور فى أمراض البلهارسيا يسعى جاهداً لتأسيس معهد مستقبل هو الآخر للبلهارسيا ولكن نجحت جهود د. أبو النصر فى الفوز بالتوصية والأموال فى إنشاء معهد مستقل للأورام وحينما زار المدير الفرنسى مصر سعى د. أبو النصر لتأسيس معهد الأورام بعد أن أعطى المدير الفرنسى الدفعة المعنوية للتأسيس وبالفعل تم تخصيص المبالغ لذلك وتخصيص الأرض فى فم الخليج بالقرب من قصر العينى على اعتبار أن المعهد الجديد سيكون تابعاً للقصر العينى ولكن هذه الخطوة أشعلت الخلافات داخل تخصص الأورام تحديداً مع د. السباعي.

• لماذا اشتعلت الأمور؟

بجانب المنافسة الشديدة بين أبو النصر والسباعى لأن د. أبو النصر يسبق السباعى بعام تقريباً فى الأقدمية بجانب أن د. السباعى كان من المدرسة التى تهتم بالبشر والاهتمام والعناية بهم فهو من مدرسة البشر قبل الحجر وكان يرى ضرورة أولاً لتأسيس نهضة علمية فى الأورام وإرسال البعثات للخارج وتأهيل المتخصصين هو الخطوة الأولى قبل أن تذهب المخصصات المالية لإنشاء المبانى، ورغم أهمية الاثنين معاً لأنه بدون المبنى المستغل كمعهد بحثى وعلمى فلن يساعد ذلك على تنمية التخصص وبالفعل نجح د. أبو النصر وعلاقاته مع الحكومة والحكم خاصة علاقته الوثيقة للغاية بمحمد أحمد سكرتير الرئيس عبدالناصر فى انتزاع قرار الموافقة على إنشاء المعهد وتخصيص الأموال لذلك، لأن د. أبو النصر بجانب علمه كان شخصية قوية جداً ومحددة الأهداف وتسعى إلى تحقيقها على عكس د. السباعى رغم أن الجميع كان يخشاه فى القسم، إلا أنه كان شخصاً ليبرالى الفكر ولم يسع لاستثمار علاقته بيوسف السباعى «ابن عمه» وصلته فى ذلك الوقت كانت قوية بالضباط الأحرار.

ولكن يبدو أن د. السباعى استراح بعد ذلك لفكرة إنشاء المعهد المستقل وأخذ يركز جهده العلمى فى إنشاء المدرسة العلمية المستقلة له فتم إرسال البعثات، بل ولأنه جراح ماهر فقد استعان بالمتخصصين فى التأسيس مثل د. نازل جاد المولى وهى كانت الوحيدة المتخصصة فى العلاج الكيماوى لتأسيس قسم العلاج الكيميائى كذلك استعان د. حسن عواض من الإسكندرية لتأسيس قسم العلاج بالأشعة وهكذا تأسس المعهد بالمبانى والبشر فى نفس المسار ولكن هذا لم يمنع المشاحنات اليومية العادية ولكن كليهما كان يحترم الآخر وعمله وإنجازه.

• وأين كنت سيادتك فى ذلك الوقت؟

كنت معهم فى القسم فى قصر العينى وكنت النائب خاصة للدكتور السباعى فى الجراحة أى على مقربة منه ولكنى كنت أحترم للغاية د. أبو النصر ود. السباعى صاحب ومؤسس مدرسة للجراحة فى القصر العينى ولن نبالغ إذ نقول إن مدرسة الجراحة المصرية من أمهر وأشهر مدارس الجراحة على مستوى العالم كله ولأن د. السباعى كان ماهراً للغاية ويعتبر أحسن جراح فى عصره كان شديد الاعتزاز بنفسه إلى أقصى حد والذى يصل إلى حد الشراشة «معنا» فمثلا حينما كنا نلتفت حوله فى العمليات كان يقول أنا «لا أعلم أحداً» ولكن إذا كنتم كنواب تريدون التعلم فى فراقبونى جيداً أى ركزوا فيما أعمل جيداً، وهكذا كنا نركز معه تماماً وهو يعمل فى ذلك الوقت بعد قرار إنشاء المعهد كان لى اهتمامات سياسية بالبلد وأحوال الوطن وقضايا التنمية والعدالة الاجتماعية، لأن عصر الثورة وعبدالناصر كان يلهم الشباب وكنت أذهب إلى المعهد والقسم أمارس عملى وأمارس السياسة أيضاً اتخذت قراراً بعد ممارسة السياسة العملية والتفرغ التام للمعهد والطب وأذكر أنه جاءت لجنة للتحقيق معى من أجهزة الدولة نظرا لوجود شكوى ضدى من الإدارة وأنى أسبب المشاكل، حيث كانت مصر كلها اضطرابات شديدة فى الجامعات وغيرها وعرفت وقت التحقثيق أن الشكوى كانت مقدمة من د. أبوالنصر وأن الاتهام كان بأن المعهد كان هادئاً حتى عدت مرة أخرى له وكانت هذه مفاجأة تامة لى ولكن تم حفظ التحقيق معى .

•ولكن كانت هناك آراء معارضة لإنشاء معهد الأورام؟

نعم كان هناك معارضة كبيرة ليس من تخصص الباطنة فقط ولكن حتى تخصص الأورام مثل موقف د. محفوظ رحمه الله وهو أستاذنا جميعاً فى الأورام وكان د. محفوظ من قبل أن يصبح وزيراً للصحة ضد تـأسيس معهد مستقل للأورام وكان يرى أنه يكفى أن يكون قسماً داخل القصر العينى، ولذلك حارب بشدة إنشاء معهد مستقل وخضنا فى تخصص الأورام المعركة حتى النهاية، وبالفعل انتصرت وجهة نظر د. أبو النصر فى تأسيس معهد مستقل وكنت فى هذه الفترة أسانده بشدة وللحقيقة هذا الخلاف وليس «الخناقة» كانت غير قاصرة على مصر فقط بل كل الجامعات التعليمية وكليات الطب، حيث نستطيع أن نقول إنه كان هناك خلاف تاريخى داخل تخصص الأورام أحدهم يطالب بأن يستقل تماما التخصص فى معهد وأكاديمية بحثية مستقلة وكان د. أبو النصر من أنصار هذا الاتجاه وبعده د. السباعى، وكان د. محفوظ من أنصار أن يظل تخصص الأورام يتبع الكلية الأم حتى إن الخلاف بين المدرستين استمر فى وسائل العلاج للسرطان فأحدهما يؤيد تماما التدخل الجراحى كحل أساسى والآخر يعطى الفرصة للعلاج الإشعاعى والعلاج الكيماوى ولكن فى النهاية انتصرت فكرة العلاج المتكامل الجراحة مع العلاج الكيماوى .

ولا ننسى أن هذا الخلاف بين د. أبو النصر ود. محفوظ داخل التخصص الواحد كان أصلاً امتداداً لخلاف الأساتذة الكبار فى الجراحة والأورام د. أحمد شفيق ومعه د. إسماعيل محرز باشا وسوف أذكر واقعة مهمة، فقد كنت النائب للدكتور إسماعيل محرز باشا فى الجراحة وكان معى جداول ومواعيد العمل للعمليات وهكذا، وكان الأستاذ المساعد فى القسم أيامها أى الذى يلى د. محرز هو د. السباعى والذى كان يحضر مبكرا جدا فى السابعة صباحا ويختار العملية من جدول العمليات المخصص لذلك اليوم حتى لو كانت للدكتور محرز، للحقيقة كان التنافس شريفاً بينهما، رغم أننى كنت «؟؟؟» وسطهم فى هذا التنافس الشريف بل واستمر أمر التنافس حتى بعد إنشاء المعهد سواء فى بدايته التجريبية عام ١٩٦٧ أو الافتتاح عام ١٩٦٩ واستمرت المناوشات مع د. محفوظ حتى بعد أن تولى منصب وزير الصحة ولكن كان الأمر قد حسم نهائياً وخرج معهد الأورام للنور وهذه نقطة مهمة وناصعة فى تاريخ الطب المصرى، لأن المعهد يتضمن أكاديمية بحثية وعلمية، ولذلك ساهم المعهد فى تخريج الكوادر البشرية التى تعمل الآن فى كل المراكز للسرطان .

• لماذا لم يحدث توسع كبير للمعهد فى المحافظات لاسيما الصعيد؟

عندما توليت مسئولية عمادة معهد الأورام اتخذنا قراراً بأن يتم دعم إنشاء ٨ مراكز للأورام فى المحافظات وذلك حتى تكون هذه المراكز هى المرحلة الأولى للعلاج والكشف المبكر عن الأورام لأن هجزء من استراتيجية العلاج هو الكشف المبكر ثم بعد ذلك يتم تحويل الحالات إلى المركز الرئيسى بالقاهرة ولكن الجمهور وطبيعة الشعب المصرى متعلقة للغاية بالمركز الأصلى للمعهد فى القصر العينى، ولذلك اشتد الاقبال والزحام عليه حتى أنك تجدىن الكثيرين «ينامون» خارجه ويأتون من مختلف المحافظات كعائلة متكاملة لمرافقة المريض وهذا يزيد العبء على المعهد لأنه لا يغلق بابه أمام أحد فهو علاج للجميع بالمجان .

• وماذا عن العلاج الخاص بالمستشفيات ولم نجد قطاعاً خاصاً يقتحم هذا الملف المهم؟

أسوأ ما ابتلى به الطب فى مصر هو المراكز الطبية الخاصة وهذه أفسدت الطب، بل أراها سبب البلاء الكبير فى منظومة الطب والعلاج، وهذه المراكز غير العيادات الطبية الخاصة بالطبيب، لأن العيادة طوال عمر الطب موجودة ولم تساهم فى تدهوره ولكن مع ظهور المراكز الطبية الخاصة ظهرت مساوئ العلاج فى مصر وبدأوا يجذبون الشباب الجديد من الأطباء للعمل فيها مما أثر على التواجد والتفرغ للمنظومة العلاجية داخل المستشفيات .

ومرض السرطان تحديدا مرض مكلف جدا للغنى والفقير على السواء، لذلك لايمكن أن نجد مؤسسات خاصة لمواجهة السرطان، بل هى للأسف تعمل العلاج الأولى ثم يحول الأمر إلى معهد الأورام وعادة ما تصل إلينا الحالات المتأخرة جدا فى المرض وهذا ما يرفع نسب الضغط على معهد الأورام القومى الذى لابد من تضافر كل الجهود لدعمه، لأنه قبلة الجميع فى العلاج الغنى والفقير ولابد من حملة مستمرة لجمع التبرعات له لأنه الأصل وليس لبعض الأسماء أو المراكز، خاصة أن العلاج الآمن مرتفع الثمن ونستورده على عكس أيامنا الماضية، حيث كنا ننتج ثلاثة أدوية محلية لعلاج السرطان.

• عملت بالسياسة بجانب الطب فهل أثر أحدهما على الآخر؟

السياسة والطب قضيتان متداخلتان للغاية، لأن معالجة الفقراء وتوفير العلاج لهم وللجميع قضية سياسية فى المقام الأول قبل أن تكون طبية أو مهنية، وتعلقى بالسياسة بدأ منذ وقت مبكر ولكن أبداً لم يؤثر على عملى كطبيب، فكنت أول طالب يحصل على درجة الدكتوراه فى جراحة الأورام أى فى التخصص الدقيق وقبل ذلك كنت فى قسم الجراحة بالقصر العينى واستمررت فى أداء واجب الطبى حتى وصلت إلى عمادة المعهد وحينما عدت للسياسة وأصبحت وزيرا عام ١٩٩١ تفرغت لها، ولكن لم أهمل أبدا اهتمامى وتخصصى فى الأورام، والسياسة علمتنى أن أحتك بالناس ولا أخشى منهم فكانت علاقتى طيبة مع الجميع لاسيما العمال والممرضين وهنا تدخل الطب والسياسة معا لاسيما أن علاقتى بالمعهد استمرت لأن زوجتى التى تزوجتها عن قصة حب كانت زميلة وأستاذة بالمعهد أى أن العلاقة أبدية مع المعهد منذ الفكرة وحتى الآن.

قبل أن أغادره سألته ما هى العلاقة بين السياسة والطب وكلاهما احترفه على مدار حياتك؟

السياسة والطب وجهان لعملة واحدة فتوفير العلاج والعدالة فن للمرضى لا يهم غنياً أو فقيراً هو شأن سياسي.

    الاكثر قراءة