الجمعة 7 يونيو 2024

داليدا مصرية تربعت على عرش العالمية

13-4-2017 | 09:51

بقلم : إيمان حمزة

مثلما كانت الإسكندرية موطن ومولد ديميس روسوس المغنى العالمى الشهير.. كانت داليدا المغنية العالمية مصرية واحدة من بنات شبرا.. هذا الحى القاهرى الذى يشكل عالما عجيبا متعدد الأجناس والأعراق يختلط فيه المهاجرون الذين من الشرق والغرب لدول شمال البحر المتوسط مع بداية القرن العشرين ليمتزجوا ويستقروا بين أبناء مصر.. الجميع فى هذا الحى المنفتح على الثقافات ومتعدد اللغات والمهتم بالتعليم كأولويات, ومن بين شباب هذه الجاليات ولدت داليدا فى 1 يناير 1933 مصرية المولد لوالدين وجدين ولدا على أرض مصر أبناء للجالية الإيطالية كأكبر جالية بعد اليونانية تسكن الإسكندرية وتنتقل منها للعيش بحى شبرا فى بيت على مقربة من كنيسة سانت تريزا وهى الكنيسة الشهيرة التى جذبت محبة المسلمين والمسيحيين من المصريين والأجانب على السواء.. وفى شارع شبرا وعلى بعد200 متر من بيتها كانت المدرسة الإيطالية التى تعلمت فيها والتى تحولت بعد الحرب العالمية الثانية إلى مدرسة فكتوريا لتكون بعد ذلك أول مقر لكلية الآداب جامعة عين شمس والتى تحولت بعد ذلك إلى مقر كلية الهندسة.. والجميل أن انخراط أبناء الجالية الإيطالية مع غيرهم من الأجانب الذين ولدوا وأجدادهم بمصر فاكتسبوا جنسيتها وانتموا إليها جعل اختيار داليدا ملكة جمال مصر لعام 1944 أمرا طبيعيا لم يعترض أحد على أنها ليست مصرية.. بعدها بدأت داليدا العمل فى السينما المصرية لتمثل أهم أفلامها عام 1954 مع سراج منير وسامية جمال وترحل بعد ذلك إلى فرنسا لتنطلق بنت شبرا المصرية إلى سماء العالمية, ولكن يأخذها الحنين لمصر من جديد فتعود لتقوم ببطولة فيلم "اليوم السادس" مع المخرج الشهير يوسف شاهين.. وتغنى أغنيتها الشهيرة "حلوة يا بلدى".. تغنى لمصرها وطفولتها وشبابها وتزور بيتها القديم بشبرا هذا الحى الذى ألقى بظلاله على الأدب المصرى المعاصر.. والعديد من روايات الأدباء مثل رواية بنت من شبرا للروائى والأديب فتحى غانم وتعود لمصر فى فترة الأربعينيات, وأيضا رواية شبرا للروائى نعيم صبرى والتى ترصد فترة الخمسينيات وبداية هجرة الأجانب من شبرا ويتناول فيها أهم المظاهر التى رصدتها الرواية وهى روح شبرا فى عصرها الذهبى هذا الحى الذى استوعب الجميع فيه قبول الآخر كمعنى وفكرة إنسانية للإخاء نوع خاص يميزه من رحابة الصدر لا يهم من تكون ومن أى الأعراق والأجناس أنت ومن أى الأديان وبأى لغة تتكلم.. المهم أنك موجود هنا.. تعيش فى حى شبرا آمنا مطمئنا تولد وتشب وتحب وتتزوج وتنجب الذرية وتربى الأبناء وتعاود الدورة حياتهم ليتزوجوا من جديد.. وترحل حين يأتى الأجل, ويتكلم نعيم صبرى فى روايته ليصف جزءا من حياته فهو من أبناء هذا الحى يسكن هذه البناية التى عاش فيها طفولته وصباه كتجمع إنسانى لشرق البحر المتوسط هذا التجمع الذى ترك بصماته على الحياة الاجتماعية بشبرا, ففى الدور الأول يسكن الفلسطينى وأسرته بجوار أسرة السيدة الأرمنية, وفى الدور الثانى يسكن فهمى أفندى المصرى بجوار أسرة هيلينا اليونانية, وتقطن الحاجة فريدة بشقة جوار الست بطة القبطية وعائلتها, ويضم الدور الأخير مارى خورى المارونية اللبنانية وأسرتها بجوار شقة أسرة نيكولاس اليونانية.. كان الجميع يجتمعون على الحب والاحتفال بكل المناسبات كعائلة واحدة وكان شم النسيم عيد الربيع عند المصرى القديم يحتفل الجميع به على الأكلات البحرية المصرية والبيض الملون والخس والبصل الأخضر.. كل هذه الحكايات يعرفنا بها الدكتور محمد عفيفى الكاتب والمؤرخ بكتابه "شبرا.. إسكندرية صغيرة فى القاهرة" والتى ضمت الكثير من النجوم والمشاهير فى حياتنا أمثال يوسف السباعى وويصا واصف باشا والصحفى أحمد حلمى جد الشاعر والنجم الشهير صلاح جاهين والطبيب النابغ نجيب محفوظ الذى ولد على يديه أديب نوبل نجيب محفوظ ليتسمى باسمه.. إنه كتاب يؤرخ حياة هذا الحى منذ أقام محمد على أول قصر ملكى لتتحول هذه المنطقة الزراعية إلى منتجع ملكى يضم القصور والسرايات والتحولات التى تمت به على المستوى الاجتماعى والاقتصادى والثقافى والتعليمى وخاصة تعليم البنات لتكون منه من بين بناته الأولى على القطر المصرى.