بقلم – ماهر فرغلى
عبد العزيز المقرن أحد منظرى التنظيمات المتطرفة، فى أحد كتبه بعنوان: «الدليل العملى لحرب العصابات» تحدث عن مراحل الحرب على الأنظمة وقال هى:
المرحلة الأولى: الاستنزاف أو (الدفاع الاستراتيجى)، عن طريق تنفيذ عمليات مفاجئة ومذهلة، والتى سوف تخلق تأثيرًا إيجابيًّا. المرحلة الثانية: «التوازن الاستراتيجى النسبى»، عندما يتمكن الجهاديون من بناء جيش والسيطرة على المناطق التى استطاعوا انتزاعها من النظام الحالى. فيقول المقرن: «سيكون على المجاهدين إقامة معسكرات القاعدة، والمستشفيات، والمحاكم الشرعية، ومحطات البث، فضلًا عن نقطة انطلاق للجيش والسلطة السياسية». المرحلة الثالثة: «الفتن والاضطرابات السياسية الداخلية»، وهى التى يصفها المقرن «بالمرحلة الحاسمة».
يشرح المقرن تلك المرحلة بقوله: «من خلال استخدام المجاهدين لتلك القوات التقليدية، سوف يبدأ المجاهدون بمهاجمة المدن الصغيرة واستغلال تلك النجاحات والانتصارات فى وسائل الإعلام من أجل رفع معنويات المجاهدين والشعب بصفة عامة، وتحطيم معنويات العدو»، وهو ما يعيد إلى الأذهان ما تفعله داعش فى شمال العراق وسوريا.
بعد عام ٢٠٠٨ بدأت داعش بإعداد خطط جديدة، وكان ممن وضع الخطة تماز تيمور باتيراشفيلى الشقيق الأكبر لطرخان باتيراشفيلى المعروف باسم أبو عمر الشيشانى فقامت خطتهم على ثلاث استراتيجيات فرعية هى:
١- استراتيجية الذئاب المنفردة
٢- استراتيجية شد الأطراف وبترها
٣- استراتيجية مسك المدن
تتلخص الاستراتيجية الاولى على مبدأء أن كل عضو فى التنظيم يجب يجب أن يمثل جيشا من رجل واحد وتعتمد على زرع مايطلق عليه «الذئاب المنفردة»، أو الجنود التائهة داخل المدن والمراكز الحيوية مع التركيز على المساجد والمؤسسات الدينية، لسهولة الاختلاط والتأثير باللعب على العواطف الدينية، فى محاولة لتشكيل جماعات صغيرة العدد، أو حتى أفراد يعتنقون الافكار الجهادية، ويرتبطون أيديولوجيا بالتنظيم الأم، ويكونون مستعدين للتحرك بصورة منفردة، لتكوين خلايا نائمة، وتنفيذ عمليات إرهابية بصورة منفردة مستغلين امكانيات بسيطة، لإحداث ضجة اعلامية، وتحقيق اهداف تخدم التنظيم بصورة أكبر، بالاضافة إلى التأثير على الروح المعنوية للأنظمة الموجودة فى المنطقة.
الاستراتيجية الثانية أى شد الأطراف ثم بترها تعتمد على المبادئ الأساسية التالية:
١- العمل ضد التخوم والأطراف والتركيز عليها فى العمليات العسكرية والهجمات لما تختزنه من نقاط ضعف بشرى واجتماعى واقتصادى وأمنى.
٢ - إضعاف واستنزاف الأطراف والتخوم كمرحلة أولى فى إطار إستراتيجية شد الأطراف ثم تصعيد هذه الإستراتيجية إلى مستوى البتر أى السيطرة عليها والتموضع فيها وتحويلها إلى إمارة أو ولاية.
٣- إضعاف الأطراف والتخوم سيؤثر أمنيا وسيكولوجيا وعملياتيا على المركز العاصمة، وعلى منظومات السلطة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وعلى أدائها.
من خلال ما كتبه منظرو هذا التنظيم، فقد تبين لنا التالى، أنه دائمًا ما يعتمد على المفاجأة فى اختيار الأهداف، كما أنه سريع فى التحرك نحو الاهداف المحددة، وهذا يعنى مهاجمة الاهداف فى المناطق المنبسطة وتفادى المعارك فى المناطق الجبلية أو الوعرة، كما يفضل القيام بعمليات خاطفة، يكون فى المقدمة منها الانتحاريون، كما يعتمد على طابور خامس فى المدن الكبرى، يثير الفوضى ويمهد لهجوم خلاياه، ويعتمد على أسلوب الصدمة والرعب وذلك بالهجوم الخاطف وارتكاب المجازر وتصويرها وتعميمها على مواقع التواصل الاجتماعى وتشجيع بثها فى شاشات الفضائيات.
فى كتاب (دعوة المقاومة الإسلامية) يذكر المنظر الاستراتيجى للتنظيمات الجهادوية، أبو مصعب السورى، نظرية أخرى تسمى «استراتيجية الردع بالإرهاب»، تقوم على أساس ردع الأنظمة بالخوف.
يقول السورى فى نظريته:
(١) لا بد من فتح إمكانية المشاركة أمام آلاف وقل مئات آلاف أو ملايين المسلمين من المتعاطفين مع الجهاد وقضايا أمتهم، حيث لا يمكن أن تستوعبهم إمكانيات التنظيمات الجهادية المحدودة من جهة، ولا يريد أكثرهم الارتباط بهذا الالتزام وتداعياته الأمنية والشخصية.. وكذلك لا يستطيعون أو لا يرغبون إحراق أنفسهم أمنيًا باللحاق بالجبهات المفتوحة والمحدودة القدرة على الاستيعاب أيضًا.
(٢) - إيجاد طريقة للعمل السرى نستطيع فيها تجاوز مشكلة العلة الأمنية فى القضاء على كافة التنظيم جراء اعتقال بعض أفراده بفعل التعذيب للأسرى والمطاردات الأمنية التى انتقلت من المستوى القطرى للإقليمى للدولي، وأجهضت بذلك نهائيا فكرة حرب العصابات المدنية السرية من أساسها.
(٣) - إيجاد طريقة تحول المبادرات الفردية الرائعة التى تمت عبر العقد المنصرم من نبضات عاطفية وردود أفعال مبعثرة إلى ظاهرة يتم توجيهها واستثمارها، ودفع مشروع الجهاد بذلك ليكون معركة أمة وليس صراع نخبة.
(٤) - إضفاء صفة حالة الوحدة العامة على الأعمال الفردية لتيار جهادى مقاوم يناسب المرحلة بحيث تلتف حوله جماهير الأمة ويجمع ما بين شكل من أشكال المركزية على صعيد الانتماء والشعارات والرموز والأفكار، وبين عدم الارتباط المركزى بحيث لا يمكن إجهاضه أمنيًا.
عقب كل هذه النظرياتن أصبحنا فى مواجهة نوع من الخلايا الجديدة، من أهم ملامحها أنها:
١- نظام لا تنظيم:
فهى نظام عمل لا تنظيم مركزى للعمل، حيث تقوم الفكرة على أن يتم ربط كافة أطياف المقاومين أفراد وخلايا وسرايا وجماعات محدودة بثلاثة روابط مركزية فقط وهي:
١- الاسم المشترك والعهد الشخصى على الانتماء.
٢- المنهج السياسى الشرعى والعقيدة المشتركة.
٣- الهدف المشترك وهو وهو تقويض الأنظمة.
وذلك بالطريقة التالية:
(١) - نشر فكر تنظيم داعش والشركاء له، ومنهاجها وبرامج عملها وطريقة أدائها ونظريات عملها فى مناحى (العقيدة القتالية – النظرية السياسية – طريقة التربية المتكاملة للمقاومين – النظرية العسكرية – نظرية الإعلام والتحريض ثم نظرية الحركة التى تشتمل على أساليب التدريب والتمويل والتنظيم وأمن الحركة).
(٢) - توجيه الشباب إلى ضرب أية أهداف للأنظمة السياسية.
(٣) - إرشاد العناصر إلى أن تعد كل مجموعة نفسها بنفسها، على ما يلزم من العمل العسكرى وتقوم بالعمليات المتناسبة مع ما حققته من إمكانيات التدريب والإعداد المختلفة، بدءًا من أساليب المقاومة الشعبة، وانتهاءً بالعمليات الاستراتيجية المعقدة، ومرورًا بكل أشكال ومستويات عمليات العصابات سواءً كانت فى المدن أو الأرياف أو سوى ذلك من أنواع حروب العصابات السرية.
(٤) - تعتبر كل سرية وخلية مكونة من فرد أو أكثر وحدة مستقلة يرأسها أميرها ويدبر شؤونها، وتتجه للعمل العسكرى مباشرة ولا تتجه لأى شكل من أشكال التنظيم والدعوة والتحريض وسوى ذلك من أعمال الجماعات السرية. بل تكون نفسها وتختار هدفها وتهاجمه، وتبلغ أى وسيلة إعلام بأنها سرية (كذا).
من هنا وجدنا فى بلادنا مصر، أكثر من تنظيم وجماعة، نشأت عقب ٢٥ يناير، وعقب ثورة ٢٥ يناير بعدة أشهر صدر كتاب «مصر والطريق إلى أمة الخلافة»، بقلم «أبى بكر أحمد»، ليقدم رؤية تحليلية للوضع فى الدولة المصرية، مشيرًا لأهمية مصر بالنسبة لتنظيم الدولة الإسلامية، داعش.
ونظرًا لمحورية الدولة المصرية وقوتها فى ذات الوقت كان السؤال الذى يتردد من قادة التنظيم «كيف نفتح مصر؟»، وصدرت رسائل متتالية بثها هؤلاء عبر مقاطع فيديو موجهه إلى ما سموه «المجاهدين فى مصر».
المفتاح الحقيقى لمصر فى عقل داعش هى صناعة بيئة الفوضى، وهذا يرتكز على عدة محاور: الأول: إدراك حقيقة من يحكم مصر؟ وماذا تريد أمريكا والنظام العالمى من مصر؟ والطريق الموصل الاستقرار أم الفوضى؟، وفق ما ورد فى مقالة بعنوان «سر الأحجية المصرية» كتبها المنظر الداعشى أبو مودود الهرماسذى نشر ى، مقالا على مؤسسة البتار التابعة للتنظيم اعتبر فيه أن «مصر ستظل محور اهتمامات القاصى والداني، الشرقى والغربي، البر والفاجر، المسلم والكافر، فهى رمانة ميزان الاستقرار للغرب الكافر ببلاد المسلمين ومنطلق فوضى الانهيار العالمي، لذلك هى أم الدنيا فعند استقرارها تستقر الدنيا وعندها انشطارها تنشطر الدنيا وهنا تكمن أحجية الساسة والعامة من مثقفين وسياسيين ومنظرين»، وفق قوله.
فى إحدى المحاور تساءل «الهرماسي» كيف نفتح مصر؟ مشيرا إلى أنها الدولة العربية الوحيدة التى يتمتع جيشها بالتماسك والبعد عن الطائفية كما أن شعبها يميل إلى الاستقرار ويكره الفوضى، ثم يسرد خطوات محددة لما يسميه النكاية والإنهاك المبدأي.
أولا: اثارة الفوضى بين الجهات المنوطة بحمل السلاح وهي: (الجيش والشرطة والنصارى والبلطجية) باستدراج عناصر منهم لعمل عمليات ضد فريق آخر وتأليب فريق على آخر بالإعلام والحرافيش والمال وتذكير أناس موحدين صادقين من داخلهم بشرعية العمل وفضله.
ثانيا: إنهاك الدولة بإسقاط منظومة المال باستهداف الموانئ وممرات الملاحة والمبانى الاقتصادية والمالية مثل البنك المركزى ومقرات البورصة والبنوك واضعاف الجنية أمام العملات الأخرى ومنظومة الطاقة من كهرباء ونفط وغاز.
ثالثًا: تطفيش كل الاستثمارات الأجنبية، والعربية من مصر باستهداف الشركات والمؤسسات الخليجية والأجنبية استهداف مباشر من خلال اختطاف الرعايا، وحرق المصانع والشركات متعددة الجنسيات.. ألخ.
رابعا: اغتيال أئمة الكفر ممن لا يرافقهم حراسة من القضاة وضباط الشرطة والجيش والإعلاميين بما لا يوقع إخواننا المجاهدين فى شبكة العدو بأن يضع لك فريسة ليصطادك بها ولا تستثنى المتقاعدين منهم إلا من تبين لك حيادتيه فقد تم تجنيدهم أخيرا برفع تأميناتهم عشرة بالمائة زيادة مقابل عملهم مع أجهزة الامن.
خامسا: إشعال المناطق القبلية فى مطروح ووادى النطرون وما خلفهم من مناطق بالقتل العنصرى للنصارى.
سادسًا: تكوين مجموعات من الشباب وخاصة أبناء الجامعات الخاصة وتدريبهم على الاختراق ورفع مستوى أمنياتهم.
واعتمدت استراتيجية التنظيم على استخدام النخبة المتأثرة بالفكرة الجهادية، التى تشكِّل العمود الفقرى لبنيتها السياسية والعسكرية، مع رفدها بحلفاءٍ محلَّيين من مصر.
كما تلخصت استراتيجية التنظيم فى خلق الفوضى بمصر على مبدأء أن كل عضو فى التنظيم يجب يجب أن يمثل جيشا من رجل واحد وتعتمد على زرع مايطلق عليه «الذئاب المنفردة» أو الجنود التائهة داخل المدن والمراكز الحيوية مع التركيز على المساجد والمؤسسات الدينية لسهولة الاختلاط والتأثير باللعب على العواطف الدينية فى محاولة لتشكيل جماعات صغيرة العدد أو حتى أفراد يعتنقون الافكار الجهادية ويرتبطون ايديولوجيا بالتنظيم الام ويكونون مستعدين للتحرك بصورة منفردة وتكوين خلايا نائمة وتنفيذ عمليات ارهابية.
ورأى توفيق فريج زيادة، أن المرحلة الأولى فى جماعته هى صراع فكرى ثم تأتى بعدها العمليات النوعية من مهاجمة أو تدمير منشآت أو اغتيالات، ليبدأ الإسلاميون فى التعرف على نتائج عمل المجاهدين، وفق قوله.
أما المرحلة الثانية، فهى المرحلة الخاصة بالشرطة، وهى مرحلة استثمار غضب الثوار، وتحويلها إلى قوة سيطرة على الأرض، تتحرك لقتل ضباط وجنود الشرطة عمومًا، حتى يبدأ الأمن فى فقدان السيطرة على الشوارع فتبدأ تدريجيا مرحلة الفوضى، وتبدأ المرحلة الثالثة - وهى التى تختص بالنصارى - لأن المجتمع ساعتها سيكون إما مسلما وإما كافرا يقاتل ويقتل، وستعتمد هذه المرحلة على الصراع الاقتصادى من خلال تدمير المحلات التجارية، ومن ثم الدخول فى المرحلة الرابعة، وهى الخاصة بالقوات المسلحة، وهى أصعب مرحلة، حيث سينتهى الصراع الفكرى وتبدأ السيطرة على مخازن سلاح الجيش، لتبدأ مرحلة التمكين، وإنشاء إمارة، لكن هجوم الجيش على مقرات التنظيم، عجل بتقديم مرحلة على أخرى.
الخلاصة، أن هذه التنظيمات، تعمل فى مصر من خلال استراتيجية واضحة، معروفة، لكننا غفلنا عن دراستها، لذا فقد أصبحت عمليات قتل الأقباط واستهداف كنائسهم مفاجأة لنا، رغم أنها معروفة، وهذا ما دفعنى للتذكير بتلك السياسات الإرهابية.