الأربعاء 26 يونيو 2024

لا أحد فى مصر يعرف تكلفة أى سلعة عشوائية التسعير تعرقل الرقابة على الأسواق

19-4-2017 | 15:23

 

تحقيق: أميرة جاد

حالة من الفوضى تضرب السوق المصرى، و هناك أكثر من شاهد ودليل، فالارتفاعات التى رصدها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية أيضا خلال مارس وعلى مدار الشهور الماضية، تدل على هذه الحالة.

الجهاز مثلا أعلن فى آخر بياناته حول الأسعار، عن ارتفاع معدل التضخم السنوى لشهر مارس إلى ٣٢.٥٪ مقارنة بمارس ٢٠١٦، فيما كانت نسبته ٣١.٧٪ خلال فبراير الماضى.

تلك الفوضى الناتجة بالأساس عن عشوائية التسعير وغياب المعلومات الحقيقية عن التكلفة النهائية والحقيقية للإنتاج، وهو الأمر الذى يعوق عملية الرقابة بالتأكيد، فكيف يتم محاسبة المحتكرين والتجار الجشعين دون وجود بيانات تثبت احتكارهم أو جشعهم، هذه البيانات متعلقة بالأساس بتكلفة الإنتاج التى يتم على أساسها تحديد السعر وحول وجود جهة رسمية مسئولة عن تحديد تكاليف إنتاج السلع المختلفة وتشريعات تجبر المنتجين على إعلان تكلفة منتاجاتهم وهوامش ربح كل حلقة يفجر الدكتور محمد أبو شادى وزير التموين الأسبق مفاجأة من العيار الثقيل فى تصريحاته «للمصور»، حيث قال أبو شادى إن وزارة التموين لديها بالفعل إدارة تختص برصد تكاليف إنتاج السلع المختلفة وهى «إدارة الخبراء والتسعير»، وأكد أبو شادى أن هذه الإدارة بكامل طاقتها التوظيفية ولكنها لا تمارس مهماها والتى تتمثل فى التسعير العادل للسلع المختلفة (المحلى والمستورد) فى ضوء احتساب التكلفة الحقيقية لإنتاج كل سلعة على حدة، وأكد أبو شادى أن مهمة «الخبراء والتسعير» تقوم فى الأساس على تسجيل واحتساب تكلفة إنتاج السلع المختلفة بناء على المستندات التى يقدمها كل منتج لسلعته إلى الإدارة بعد التحقق منها بوسائل مختلفة، وبعد تحديد تكلفة الإنتاج تقوم اللجنة باحتساب السعر بعد وضع هوامش ربح عادلة وكافية لكل حلقة من حلقات التداول على أن يكون الحد الأقصى للأرباح فى مجمل المراحل الإنتاجية والتوزيعية المختلفة هو ٣٠٪، وأكد أبو شادى بالرغم من وجود الإدارة وكذلك التشريع الذى ينظم عمل هذه الإدارة إلا أن وزارة التموين فى مختلف عهودها أهملت عمل هذه الإدارة بدعوى حرية السوق والنظام الرأسمالى.

وأكد أبو شادى أن هناك فرقا شاسعا بين حرية السوق والفوضى لافتا إلا أن وزارة التموين لم تهمل فقط عمل إدارة الخبراء والتسعير الموجودة لديها وإنما أهملت كذلك التشريعات الخاصة احتساب تكاليف إنتاج السلع، حيث عطلت الوزارة عمل المرسوم بقانون ١٦٣ لسنة ١٩٥٠ والخاص بالتسعيرة الجبرية وتحديد هوامش الربح وتكلفة الإنتاج، مشيرا إلى أن أغلب جهات الدولة المختلفة المنتجة والمستهلكة لسلع تستخدم القانون، ما عدا وزارة التموين وهى الأولى باستخدامة وتفعيله لضبط السوق، مشيرا إلى أن وزارة الصحة تستخدمه فى تسعير الدواء واحتساب تكاليف إنتاجه أو استيراده وكذلك وزارة الزراعة وأيضا شركات قطاع الأعمال.

وحول قرار رئيس مجلس الوزراء ٢٦٤٨ لسنة ٢٠١٦ بشأن تشكيل لجنة لتحديد هامش الربح بناء على تكلفة الإنتاج الحقيقة للسلع المختلفة، وعما إذا كان عمله بديلا لعمل إدارة الخبراء والتسعير التابعة لوزارة التموين قال أبو شادى «أنا أشفق على رئيس الوزراء لأنه لو يعلم بوجود مرسوم القانون ١٦٣ لسنة ١٩٥٠ ووجود إدارة الخبراء والتسعير بوزارة التموين ما كان أصدر هذا القرار».

وأكد أبو شادى أن تكتلات من بعض رجال الأعمال العاملين فى القطاع الخاص وقفوا بقوة ضد عمل إدارة الخبراء فى التموين وهم أنفسهم من عطلوا عمل لجنة هامش الربح الصادر بها قرار فى التاسع من أكتوبر ٢٠١٦ لأنهم مستفيدون وبقوة من حالة فوضى الأسعار بشكل عام، لأنهم يسعون من خلالها لتحقيق أرباح وثروات كبيرة.

وكان رئيس مجلس الوزراء قد أصدر قرارا فى أكتوبر الماضى بتشكيل لجنة برئاسة شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، لتحديد هامش الربح من المنتجات والسلع الأساسية، سواء المحلية أو المستوردة.

 وبحسب نص القرار، فإن اللجنة ستختص «بوضع الأساليب المناسبة لتحديد هامش الربح من المنتجات والسلع الأساسية سواء المحلية أو المستوردة، مع ارتباط ذلك بنظام متطور لتسعير هذه المنتجات بالتنسيق مع اتحاد الصناعات المصرية والاتحاد العام للغرف التجارية».

 ونص القرار، على أن اللجنة ستقدم تقريرا بنتائج أعمالها وتوصياتها لرئيس الجمهورية. وتضم اللجنة فى عضويتها وزراء التنمية المحلية والمالية والاستثمار والتجارة والصناعة والتموين.

بالإضافة إلى رئيس جهاز الأمن القومي، وممثل عن هيئة الرقابة الإدارية ورئيس جهاز حماية المستهلك، وممثل عن وزارة الدفاع، ورئيس جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار.

وللجنة الاستعانة بمن تراه فى سبيل إنجاز المهام المسندة إليها، على أن يكون وزير التجارة والصناعة هو مقرر اللجنة، بحسب القرار.

 فى الوقت نفسه قالت الدكتورة أمنية حلمى مدير مركز البحوث الاقتصادية والمالية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية إنه إذا كانت الحكومة تتحدث عن انخفاض الأسعار بنهاية العام الجارى وتقدم بوعود لتراجع معدلات التضخم رفعا للمعاناة عن كاهل متوسطى ومحدودى الدخول فعليها قبل أن تسعى قبل تخفيض الأسعار أن تسعى لتحديد تكلفة إنتاج السلع والخدمات المختلفة، لأن الأسعار لن تنخفض إلا إذا تم تحديد التكاليف الفعلية للإنتاج والتى يتحدد على أساسها السعر العادل للسعلة، وأشارت إلى أن السعر العادل للسلعة يمكن تحديده من خلال القطاعات المختلفة بشكل استرشادى، فعلى سبيل المثال تقوم وزارة الزراعة بالتعاون مع الاتحادات الزراعية المختلفة بتحديد تكلفة إنتاج السلع الزراعية والمحاصيل المنتجة منها لاستبيان السعر النهائى فى السوق، والأمر نفسة بالنسبة للقطاع الصناعى والسياحى وغيره، على أن يتم تجميع هذه البيانات كلها لدى جهاز مستقل وحيادى ليراعى المصلحة الوطنية، المستهلك والمنتج فى نفس الوقت، وأوضحت حلمى أن الحاجة لهذا الجهاز المستقل باتت ملحة وخاصة بعدما أصبح الدولار شماعة ما تشهده الأسواق حاليا من ارتفاعات غير مبررة فى الأسعار حتى المحلى منها، وقالت حلمى حول وجود تشريع ملزم للمنتجين لإعلان تكاليف الإنتاج الفعلية «فى حدود علمى لا يوجد تشريع يلزم المنتج بالإفصاح عن تكلفة إنتاج السلع والخدمات التى يقدمها للسوق وطالبت بسن تشريع يجبر المنتج والمستثمر على الإعلان عن تكلفة إنتاج كل السلع لاستبيان السعر العادل وتسهيل المحاسبة على الممارسات الاحتكارية والممارسات الضارة بالسوق والمستهلك، وأشارت حلمى إلى أن الحكومة استسلمت لهجمات رجال الأعمال والمنتجين غير الشرفاء الذين عطلوا مبادرات الدولة المختلفة للرقابة على الأسواق. (فى إشارة منها إلى تعطيل عمل لجنة شريف إسماعيل لتحديد هامش ربح عادل).

فى السياق نفسه تؤكد سعاد الديب رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك أنه لا توجد فى مصر جهة معلوماتيه ترصد تكاليف إنتاج السلع المختلفة وتحديدا الاستراتيجى منها، وأوضحت الديب أنه فى جلسة على هامش أحد المؤتمرات اجتمعت ورئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء سألته عن جهة ترصد تكاليف إنتاج السلع وتحديد السعر العادل ولكن الإجابة جاءت بأنه لا توجد جهة معينة ترصد تكاليف الإنتاج وإنما يقوم الجهاز برصد الأسعار فقط ارتفاعا أو انخفاضا للإعلان عن معدلات التضخم بأقسامها المختلفة، وأكدت الديب أن الفقاعة التضخمية قد حدثت لكل السلع فى الشهرين التاليين لتحرير سعر الصرف وتطبيق قانون القيمة المضافة ولا يوجد مبرر حالى للزيادات السعرية المتكررة فى ظل استقرار سعر الصرف، وطالبت رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك أن تخصص الحكومة جهة بعينها لفحص ورصد تكاليف الإنتاج السلعى للوقوف على السعر العادل وإلزام المنتجين بتدوين السعر النهائى على العبوات، لتسهيل مراقبة الأسواق وقالت الديب إن كثيرا من الدول العربية لديها قواعد بيانات فاعلة عن أسعار المنتجات المختلفة المبينة على حسابات تكاليف الإنتاج مثل عمان التى تمتلك حكومتها قاعدة بيانات إلكترونية عن الأسعار النهائية بتكاليف إنتاجها.

ومن جانبه يقول الدكتور جودة عبدالخالق وزير التموين الأسبق إن هناك ضرورة ملحة لضبط الأسعار لارتباطها بشكل أساسى بالأمور الحياتية للمواطنين، وغياب الرقابة والانضباط للسوق من شأنه إفراز ممارسات حياتية تتسم بالعنف، سواء عنف موجه للذات أو المجتمع.

وأشار عبدالخالق أن التاريخ يرصد وجود جهاز لتخطيط الأسعار وكان جزءا من وزارة التخطيط ولكن تم إلغاؤه بعد التحول للنظام الرأسمالى، ولا يوجد لدى الحكومة جهاز بديل حاليا والسبب أنه لا توجد إدارة لوضع الضوابط على الأسعار، وذلك لأن الحكومة ترفع شعار اقتصاد السوق الحر ولا توجد إرادة حتى هذه اللحظة للرقابة على الأسعار، وبناء عليه تكون الأهمية الأولى فى قضية الأسعار هو تغيير مفهوم الحكومة لاقتصاد السوق الحر، وأكد عبدالخالق أنه لا يمكن فى أمريكا وهى بلد الرأسمالية تحريك أسعار الخبز مثلا دون إذن الحكومة، مشيرا إلى أن الإرادة السياسية غائبة تماما عن التصحيح للمفهوم المنضبط لاقتصاد السوق.

وأضاف عبدالخالق أنه لا يوجد ادوات لدى الحكومة لفرض ما يسمى الأسعار العادلة من خلال تكاليف الانتاج وعليه، كان يجب أن نعمل بالتوافق المجتمعى فى قضية الأسعار وهو ما قمت به فى وزارة الثورة حيث اجتمعنا بمنظمات الأعمال واتفقنا على إعلان تكاليف الإنتاج من خلال لجان فنية وهى ليست طلاسم وبعد تحديد تكاليف الإنتاج يتم احتساب هوامش الربح والسعر النهائى للسلع على أن يتم هذا كله من خلال التشاور الجماعى وأعمال السياسة فى الاقتصاد، لم أسمع عن إدارة «الخبراء والتسعير» حينما كنت فى وزارة التموين، وهذا لا يعنى أنها لم تكن موجودة وإنما يمكن أن تكون موجودة ولكنها فقدت القدرة والأهلية بسبب التعطيل لفترات طويلة.

وقال عبدالخالق إن تحديد تكلفة الإنتاج الفعلية للمنتجات ليست أمرا صعبا وليست مستحيلة، بل على العكس الأمر يتسم بالسهولة الشديدة، وخاصة فى السلع المستوردة، حيث تسجل كافة تكاليف السلعة وقت دخولها للبلاد من الجمارك وهو ما يسهل تحديد تكلفة الاستيراد ومن ثم السعر النهائى للسلعة، والأمر نفسه بالنسبة للمحلى، حيث إن أعمال نظام الفواتير يسهل جدا احتساب تكلفة الإنتاج المحلية.