أثار سجنه ضجة إعلامية كبيرة .. لفتت الأنظار .. بعد أن
تم سرقة لوحة زهرة الخشخاش لـ "فان جوخ" من مُتحف محمود خليل وحرمه عام
2010 .. وعلى أثر هذه القضية تم الحكم عليه بالسجن عامًا بصفته رئيس قطاع الفنون
التشكيلية آنذاك .. لتكون الفرشاة واللوحة ملجأه منذ أن تم احتجازه وحتى خروجه من
السجن، ليقيم بعدها معرضا عن تلك التجربة أطلق عليه " القط الأسود.. تجربة
سجن" عام 2013، كأول معرض يعود به لجمهوره بعد قضاء فترة الحكم التى صدرت ضده؛
إنه الفنان الراحل محسن شعلان ، الذى ضم معرضه 112 لوحة ما بين تصوير زيتى، ورسم
بالأحبار والألوان المائية، وثّق فيها تجربة السجن منذ بداية التحقيقات وملابسات
القضية.
قابلت الفنان محسن شعلان حينها العديد من المرات سواء فى
مرحلة التحقيقات، أو فى فترة السجن، وحتى بعد الإفراج عنه، عاش خلالها الفنان مشاعرَ
متضاربة ومتناقضة .. خلال بحثه عن ما يثبت براءته كغريق يبحث عن طوق النجاة، لذا
جاء المعرض مختلفا عن معارضه المعتادة، حيث إنه يعرض قضيته الشخصية والتى أثارت
الرأى العام لألغازها الكثيرة،إضافة إلى أنه عرض تفاصيل دقيقة لشحنات تعبيرية
وضغوط عايشها لحظة بلحظة ولم يفتعلها، أو تأثرا بأزمة ليست بأزمته.
وأتذكر أنه قال لى حينها : لم يكن رسمى فى البداية منذ أن
كنت داخل قسم شرطة الدقى لعمل معرض أو ما شابه ، فقد كنت فى حالة نفسية سيئة جدا أبحث
وأحاول السعى لإثبات براءتى، فكانت هذه الأيام أسوأ أيام عشتها، لذا اقترح عليّ
ابنى أحمد أن يحضر لى أقلاما واسكتشات لأرسم، فتمسكت بالفكرة جدا، وبدأت فى تسجيل
تلك اللحظات، لم أنَم، كنت أسهر جالسا أوثق الناس والجدران، رسمت لأدين كل لحظة
عشتها فى السجن ظلما، وفى فترة النقد أردت أن أقيم معرضا لهذه الأعمال لكننى أجلته
بناء على طلب المحامى،فكان إحساسا صعبًا أن لدي أعمالا لمعرض وأعجز عن عرضها به.
ظهر القط الأسود بطلا للعديد من لوحات شعلان الزيتية
وقتها، محملا إياه كل معانى الشر خاصة عندما لفت نظره وجود كم كبير من القطط
السوداء بالسجن، ما أكد إحساسه بظلمة المكان، وكأنها وقتها هيأت له تأكيد الإحساس
الذى كان ينتابه فى البداية، وبالفعل نجح ظهور القط فى تأكيد المعنى الذى أراد
توصيله؛ كما رسم شعلان فان جوخ فى عدة أوضاع نظرا لتأثره بسرقة اللوحة التى تم
سجنه بسببها، فلن أنسى ذلك الاسكتش الذى طلبت منه أن يرسمه أثناء إحدى الجلسات
ليكون أول ما يتبادر فى ذهنه وقتها أن رسم فان جوخ، ومضيفا تعليقا على الصورة
"لابد أن تعتذر لى يا فان جوخ" حيث إنه لم يصدق أنه كفنان أكثر شخص يدرك
قيمة عمل فنان كـ "فان جوخ" .
مر شعلان برحلة طويلة وشاقة لكنها أسفرت عن إنتاج مثمر
جدا .. وكأنه استغل ضغوط القضية ليخرجها من خلال شحنة إبداعية، فلم يترك الفرشاة
واللوحة يوما حتى بعدما تم ترحيله إلى سجن طره والحكم عليه آنذاك بثلاث سنوات، خرج
بكفالة للاستئناف فى 2011، ورسم فى تلك الفترة ثلاثة أعمال زيتية عبّر فيها عن
ثورة يناير كإحدى الحالات التى عايشها، حيث صور فى اللوحة الأولى شخصا جالسا على
كرسي الحكم ويخرج من جسده الزرع تعبيرا عن بقائه طويلا على كرسي الحكم، واللوحة
الثانية تصور شخصا كأحد المواطنين الكادحين يحمل فوق رأسه طبقا فارغا مكتوبا عليه
كلمة "وطن" .. أما اللوحة الثالثة فهي عن القناصة الذين لا نعرف من أين
أتوا ليغتالوا شباب الثورة.
وعلى الرغم من أن الفنان محسن شعلان كانت معظم أعماله من
قبل تعبر عن معاناة الإنسان، والظلم، والقهر، فهو يعتبرها لا تُقارن بالأعمال التى
أسفرت عن تجربة سجنه، مشيرا لى فى آخر حديث جمعنا "لا تستطيع أن تصفه إحساس
شديد البشاعة عندما تشعر بقيد على حريتك وكل المساحة التى تتحرك فيها هى الزنزانة
والصحن الخارجى الذى يفصل بين جانبى الزنازين ..لدرجة أن تنسى شكل السماء، ولأن
الفن نعمة،تجدى حتى على جدران، سواء القسم، أو السجن رسوما وكلمات يسجلها المساجين
رغم أنهم ليسوا فنانين ، لكنها وسيلة من أهم وسائل التعبير، لذا رسمت فى كل هذه
الفترة ولم أتوقف لحظة فقد كنت مشتاقا جدا لألوانى ومرسمي .. حيث إننى منذ أن
توليت مهام القطاع كنت سجين الوظيفة ولم أكن أستطيع أن أوفر وقتا طويلا للرسم، وثقت
كل حالة عشتها، لذا رغم صعوبة تلك التجربة البالغة إلا أننى استمتعت بخوضها،
وأصبحت مثيرة لى كفنان".
واختتم شعلان حديثه معى وقتها " أريد أن أقول لكِ إن السجن لا يكسر قلم
الفنان والمبدع بل يقوم بسنّ هذا القلم ليفاجئ الفنان الناس بأعمال أكثر إبداعا وصِدقا.
تُوُفي الفنان الراحل محسن شعلان بعد معرضه بعام فى
فبراير 2014 عن عمر يناهز الـ 63 عاما إثر أزمة صحية مفاجئة، تاركا لنا أعماله
التى روت حكايته بين الفنان سجين الوظيفة وسجين القضبان.