يعتبر هنرى برجسون من أهم فلاسفة
العصر الحديث؛ حيث حاز على شهرة واسعة الانتشار في فرنسا، كما كانت ركيزة أعماله تدور
حول الفكر المتحرك والتي اعتبرها البعض كثورة فلسفية؛ لذلك حصل على جائزة نوبل فى
الآداب عام 1928.
وُلد هنرى لوى برجسون 18 أكتوبر عام 1859، في باريس من أم ذات أصل
إنجليزي وأب فرنسي الجنسية، منذ صباه فأتقن اللغة الإنجليزية، وكان لوالدته أثر
كبير في رعايته وتعليمه وتثقيفه، فمن خلال عينها عرف معنى الحياة، وقد كان محبًا
للحياة، دؤوبًا نشيطًا فكان نزوعه المستمر نحو اللا نهائية انعكاسه على تأسيس
فلسفته الخاصة التي أثارت الجدل حوله كثيرًا.
تلقى برجسون ثقافاته الإنجليزية خلال دراسته في "ليسيه
كوندرسيه" ثم مدرسة المعلمين العليا والتي كانت سببًا وجيهًا في توجيهه نحو دراسة
الفلسفة؛ لذا دخل شعبة الآداب في مدرسة المعلمين العليا في 1878، وكان زميلًا لكل
من "موريس بلوندل" و"جان جوريس".
عُين "برجسون" أستاذاً للفلسفة بـ"ليسيه أنجيه" في
عام 1881، ثم انتقل منها إلى "ليسيه كليرمون فران" في عام 1883، وهناك
بدأ ينتبه إلى رؤية جديدة في نظرية الزمان؛ الأمر الذى جعله يتوجه إلى الدراسات
السيكولوجية.
اُنتخب "برجسون" عضوًا بأكاديمية العلوم الأخلاقية
والسياسية بالمعهد، ثم عضوًا بالأكاديمة الفرنسية، ثم جاءت الخطوة الكبرى التي
جعلته في مصاف المشهورين، وكانت لها بالغ الأثر في انتشار فلسفته وإثارة الجدل
حولها، وهى فوزه بجائزة نوبل في الآداب في عام 1928.
تسائل برجسون عن معنى الموت من خلال كتابه "معنى الحرب" الذي صدر عام 1915، وذلك في خضم الحرب العالمية الأولى فطفق يسأل عن مصير
الإنسانية ويذهب بأفكاره نحو ما وصل إليه الإنسان من تكنولوجيا تجعله يسحق الآخرين
دون أن يجفل رمشه، وبالرغم من ذلك كان لديه أمل في انتصار القيم الإنسانية
والأخلاقية والمثل العليا.
كانت فلسفة "بركسون" انعكاسًا واقعيًا عن اللا عقلانية، فقد
وضع مقابل الجدل مذهبه في "التطور الخالق"، والذي كان يرتكزعلى كلية
المفاهيم التي يستمدها من المذهب الحيوي، فكان يرى أن الحياة وتطوراتها تسير في
إتجاهات مختلفة ومتنوعة وبرغم إختلافها إلا أنها تلتقى في نقطة واحدة لتصبح
متكاملة تمامًا، فهو يفرق بين نوعين من الاتجاهات: الأول يفرق بين عالمين النبات
والحيوان، والثانى يقسم عالم الحيوان إلى نوعين هما الحيوان الغير ناطق والإنسان،
فيرى في نظريته هذه أن النبات ينزع إلى السكون والركود، أما الحيوان فلديه الحركة
والغريزة والعقل الذي ينعم به الإنسان والتمايز بين الإثنين هو الطبيعة فقط.
تتسم فلسفة "برجسون" بالطابع الروحاني الذي ينزع إلى
الصوفية التي تتجاوز المجال الأنطولوجي والنفسي، فعندما أصدر كتابه "ينبوعا
الأخلاق والدين" أحدث ثورة هائلة في الأوساط الثقافية والفلسفية خاصة؛ حيث
وجد الناس فيه نزعة صوفية لم يعهدوها من قبل لدى "برجسون" ، فكانت تلك
التجربة الصوفية جعلت البعض يدرك ماهية الديمومة بوصفها طاقة خلاقة فهى الحب بحد
ذاته فالحب الإلهى ليس شيئًا آخر غير الإله، بل هو الإله نفسه.
ومن
أشهر مؤلفاته: فكرة المكان عند أرسطو الصادرعام 1889، المادة والذاكرة الصادرعام
1896، الديمومة والمعية 1922 ، منبعا الأخلاق والدين 1932، الفكر والمتحرك 1934 وتوفي
"برجسون" في 4 يناير 1941، تاركًا وراءه أعمالاً خالدة فقد كان آخر
المفكرين الذين يكرسون حياتهم إلى خدمة العلم بشكل معمق فقدم لنا صورة نقية واضحة
وخالدة عن أفكاره المستنيرة التي مازال ينهل منها المهتمون.