السبت 1 يونيو 2024

قراء القرآن الجدد.. يجددون شباب دولة التلاوة المصرية

فن18-10-2020 | 14:41

دولة تلاوة القرآن الكريم المصرية ذات جذور راسخة وبستان يسع عشرات الورود , وصدق القائل: (نزل القرآن في مكة وطبع في إسطنبول وقرئ في مصر), هذه حقيقة فالمصريون هم من حولوا قراءة القرآن إلى فن أصيل , هو فن التجويد, وليس الشيخ محمدرفعت أولهم بل كان ثمرة لعصر سبقه ضم نجوما كثيرة من أحمد ندا وعلى محمود , وانفردت مصر بقارئات القرآن في البيوت, وكانت العادة أن يستعين كل بيت بقاريء للقرآن مرة في الأسبوع خاصة يوم الجمعة, وكان أجر القارئ بحسب حال صاحب البيت من الجنيهات الذهبية إلى القروش القليلة, وتوالت مدرسة التلاوة في العصر الحديث وظهر الخمسة الكبار (أبو العينين شعيشع ومصطفى إسماعيل ومحمد صديق المنشاوي وعبد الباسط عبد الصمد ومحمود على البنا) ومعهم الرزيقي  ثم ظهر الطبلاوي كظاهرة مع عصر الكاسيت وخلفه أحمد نعينع, وتواكب مع هذا الجيل عشرات القراء.. فتحي الجمل وعبد الواحد زكي راضي ومحمد ضيف وعبد الوهاب الطنطاوي وسيد متولي ومصطفى غلوش والشحات أنور ومحمد حصان وغيرهم ممن أثروا دنيا التلاوة في مصر والعالم. والسؤال: هل تتواصل الأجيال في دولة التلاوة المصرية, وهل يشغل الساحة قراء جدد من الموهبين, من أبرزهم, وماذا يقولون, وكيف يرون موقعهم كحلقة أو محطة مهمة في دولة التلاوة في عصر تميز بالتغيرات الكبرى؟..

هذه الأسئلة وغيرها إجاباتها في التحقيق التالي من خلال عدد من القراء الجدد.. المعروفين والمجهولين, فإلى التفاصيل   ...

ولكن قبل الدخول في الموضوع دعونا نعترف أننا في (الهلال) التزمنا بعدم ذكر أولاد القراء ممن يواصلون مشوار آبائهم من أمثال: (طارق عبد الباسط ومحمود الطبلاوي وأنور الشحات أنور ومحمد الرزيقي وأحمد البنا وعلاء حفيد مصطفى إسماعيل) لأن أمثال هؤلاء مقلدون لآبائهم, علاوة على أنهم ركبوا حصان الشهرة الجاهزة لأسماء صنعت بصمتها بعرق السنين كما يقول الطبلاوي نقيب القراء, لذلك ابتعدنا عنهم وبحثنا عن أسماء أخرى ممن يشقون طريقهم بسواعدهم وحناجرهم دون اتكاء على مجد أب أو شهرته, والملاحظة المؤكدة التي اكتشفناها أثناء إعداد التحقيق أن مصر عامرة بمئات القراء الموهوبين من جنوبها لشمالها, وكان من المستحيل أن نحصي كل القراء الشباب لذلك ركزنا على عينة تبرز ملامح دولة التلاوة في أحدث طبعاتها أو آخر قطفة معاصرة منها.

طه النعماني

لعل أبرز اسم بين القراء الشباب الموهوبين هو القارئ الشيخ طه النعماني نقيب قراء الفيوم وقارئ مسجد عمرو بن العاص والوجه الدائم في كل المناسبات الرسمية تقريبا والذي يرى في نفسه الامتداد الطبيعي لمدرسة التلاوة المصرية, التقيناه في أمسية برحاب مسجد سيدنا الحسين ودار معه هذا الحوار ..

يقول الشيخ طه النعماني بداية: إنني أعتبر نفسي امتداد مدرسة التلاوة المصرية فقد ولدت في 17 فبراير 1980 وتخرجت في كلية علوم  القرآن الكريم في طنطا بجامعة الأزهر ثم تأثرت بالشيخ محمد رفعت وبالخمسة الكبار من مصطفى إسماعيل وعبد الباسط والبنا والمنشاوي, أخذت عنهم علم التجويد وفن الأداء التقن والأحكام حتى أصبح لي لوني الخاص ولساني الذي أعرف به وسط القراء.

ما رأيك في أبناء جيلك من الشباب ومن تثني على صوت منهم؟

كل من تعلم على مدرسة التلاوة القديمة واتقن فن الأداء بدراسة ويراعي الله في كل شيء عند القراءة من إعطاء أحكام التلاوة حقها فهو جدير أن يذكر ويشار إليه في مدرسة التلاوة المصرية  بدون ذكر أسماء محددة, سواء كان من المعاصرين أو الشباب الناشئ.

كيف ي

تميز القارئ ببصمة خاصة برأيك؟

إذا تحلى بأخلاق القرآن الكريم كالسابقين ثم يأتي بعد ذلك الإتقان والإحساس في الأداء.

هل أنت متفائل لمستقبل التلاوة في مصر؟

إن شاء الله مستبشر جدا وليس كل الشباب الجديد متميز بل بعض الرموز منهم الذين يراعون الله ويتلمسون طريق العلم وليس طريق الشهرة فقط.

كم سنة لك وأنت قارئ بالإذاعة والتليفزيون؟

تسع سنوات.

إلى أي البلاد سافرت؟

سافرت لبلاد كثيرة عربية وأجنبية وأعتبر نفسي سفيرا للقرآن ولمصر في الخارج بأدائي وملابسي وسلوكي.

متعتي أن أرى الرضا والاستحسان في أعين المستمعين الذين لا أعرفهم, عندها أتجلى وأتسلطن, كذلك في مساجد آل البيت مثل سيدنا الحسين والسيدة زينب أشعر بالطمأنينة والراحة والخشوع, أفضل تلاوة تلك التي أسميها (جبران الخاطر) إذا دعيت للقراءة عند انسان فقير أو شخص عادي في عزاء أو في مناسبة ما عندها أقرأ أجمل تلاوة بالساعات وأتجلى لأنها قراءة بدون غرض أو شهرة أو مال بل لوجه الله تعالى. 

الشيخ الأنيق

أعرف عنك حرصك على مظهرك بكل التفاصيل فهل المظهر مهم لقارئ القرآن ؟

نعم, المظهر الأنيق أساسي لقارئ القرآن, وبالفعل أنا أحب النزاهة والأناقة وهذا طبع في شخصيتي بغض النظر عن كوني قارئا للقرآن, وأحرص على التفاصيل في اختيار الترزية ولون وجودة القماش, وعندي عشرات الطرابيش أو العمائم وأتعامل مع صنايعي ماهر في أول الغورية اسمه صابر مشهور في صناعتها, لدرجة أني حريص على جودة ولون الحذاء - لا مؤاخذة - وأعتبر أن المظهر الأنيق جزءا من شخصية قارئ القرآن فيجب أن يرى جميلا عطرا مهندما, كما أنني أحضر حفلات على مستوى العالم كسفير لدولة التلاوة في مصر ولابد أن أمثلها كما ينبغي.

جمهور المستمعين

برأيك كيف اختلف الجمهور اليوم عن زمان وكيف يختلف من العاصمة والمدن للقرى بالصعيد وبحري؟

الجمهور اليوم مختلف عن زمان وأستطيع أن أقول إن 60% من جمهور المستمعين لا يستمعون للقرآن بل للأداء الغنائي والتهليل, و40% ينتهجون نهج قدامى المستمعين من الحرص على الاستماع للقرآن الكريم بأحكامه وحسن الأداء وبيان مواضع التلاوة. أما مستمع القاهرة فهو لا يتفاعل مع القراءة بل ينصت فقط بعكس أهالينا في قرى الصعيد وبحري يتفاعلون بذكر الله وبالتهليل وعبارات الاستحسان لدرجة أني أنفعل معهم وأتجلى وأقرأ بالساعات وأنا لا أريد أن أتوقف وأنهي القراءة.

الشهرة

كيف أثرت فيك الشهرة؟

الشهرة سلاح ذو حدين بمعنى أن القارئ كلما زادت شهرته وصيته كلما زاد خوفه على نفسه لإرضاء الناس والوصول للمستمع, مثل أم كلثوم كانت تقول إن آخر حفلة لها مثل أول حفلة من الخوف والقلق, فكلما زادت شهرتي خفت وكلما كبر اسمي خفت عليه وأصبح لدي ما أخاف عليه غير القارئ المبتدئ, وبالتالي لا يجوز إطلاقا أن تفلت ليلة وتفشل, الفشل ممنوع.

هل لك سور معينة تحب قراءتها عن سواها؟

لا بل أحب أن أقرأ من القرآن كله ومن كل السور والمواضع سواء في صلاة الفجر بالترتيب أو في عزاء أو مناسبة أو في أي مكان.

هل لك طقوس معينة قبل القراءة؟

لا أتناول أي طعام قبل القراءة بساعتين على الأقل وأمتنع تماما عن الحادق والحراق وعن التراب والتلوث ولا آكل أو أشرب أي شيء قبل التلاوة بل بعدها.

من تحب الاستماع لتلاوته من القراء؟

الخمسة الكبار لا أملّ من الاستماع لهم لأنهم مدارس نتعلم منها من رفعت ومصطفى إسماعيل وعبد الباسط والبنا والمنشاوي, وأيضا أحب أصوات محمود محمد رمضان والليثي و شعبان الصياد والشحات أنور والطبلاوي.

ما رأيك في القراء الذين (يزعقون) وأنت منهم؟

الأمر يختلف لأن هناك زعيقا بفن غير الزعيق لمجرد الزعيق لأنه ليس هو المقياس عند التلاوة.

من تحب من أصوات المطربين؟

أحب صوت عبد الوهاب جدا خاصة في تسجيلاته القديمة وكذلك أم كلثوم.

ما هواياتك بعيدا عن قراءة القرآن؟

القراءة في كل المجالات لأن الثقافة مهمة لكل إنسان, وأحب قيادة السيارات جدا وهي عندي مزاج وعندي معرفة بالسيارات وكل شيء عنها.

أخيرا ما طموحك الأكبر؟

أن أظل أقرأ القرآن لآخر نفس في حياتي فهذا عشقي.

أحمد الغرباوي

الشيخ أحمد الغرباوي أحد القراء من جيل الشباب والمسجلين بالإذاعة والتليفزيون ويقول عن نفسه: اسمي أحمد فهيم الغرباوي ولدت في قرية (طليمة) بسمنود في محافظة الغربية وتخرجت في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالمنصورة سنة 2005 والتحقت بالإذاعة والتليفزيون قبل عامين, وحفظت القرآن من صغري وكنت أقلد الكبار في التلاوة مثل مصطفى إسماعيل وعبد الباسط ومحمد صديق المنشاوي وحمدي الزامل, ولا أزال أعتبر نفسي على أول الطريق ولم أحقق شيئا بعد, ومن الأصوات الجديدة أحب صوت الشيخ عبد الفتاح الطاروطي والشيخ طه النعماني, وعن نفسي أستبشر خيرا بالجيل الجديد ومتفائل به لأن به كل الألوان وسيحقق نفسه بمرور الوقت, وعن نفسي أعتبر القراءة فتحا من الله وبحسب الأحوال والاستعداد وأتمنى أن أحقق نصف ما حققه الكبار من الجيل السابق, والحقيقة أن جيل الشباب فيه مئات الأصوات وسوف يحدث الفرز الطبيعي بعد ذلك وحاليا نحن أكثر حظا من الأجيال السابقة لأن ثورة الإنترنت والسوشيال ميديا تمنح القارئ اليوم ما عجز عنه قارئ زمان من شهرة سريعة إذا كان يستحق ذلك.

محمود الرفاعي

محمود الرفاعي شاب من القراء الجدد يقول عن نفسه: اسمي محمود خلف الله الرفاعي, عمري 29 سنة, من مواليد حجازة قبلي بقوص في محافظة قنا وحاصل عل ليسانس دراسات عربية وإسلامية بجامعة الأزهر وأعمل إلى جانب قراءة القرآن كمشرف علمي ومدرس للغة العربية للطلبة الوافدين بالأزهر.

حفظت القرآن في صغري فأنا رفاعي النسب والعهد, نسبة للشيخ أحمد الرفاعي, وكنت أقرأ القرآن في الإذاعة المدرسية بالمرحلة الإعداية في الثانوية ثم بالجامعة وفي المناسبات وفي احتفالات الطريقة الرفاعية, ولي مجلس قراءة أسبوعيًا بمسجد الرفاعي بالقلعة كل يوم جمعة وكذلك في مساجد آل البيت وفي مناسبات أدعى لها وفي العزاءات, وطريقتي في القراءة هي امتداد لمدرسة الشيخ مصطفى اسماعيل وتلميذه أحمد نعينع, هذا في القاهرة لكن بالصعيد أقرأ بطريقة الشيخ محمود صديق المنشاوي لأنهم في الصعيد يحبون التفاعل مع القارئ ويحبون القراءة الحماسية التي تهيج مشاعر الجمهور خاصة أني بدأت أتعلق بالقراءة لما سمعت الشيخ محمود المنشاوي في الاحتفال بمولد محمود الخرمي الرفاعي بحجازة قبلي, وتختلف القراءة في حفلة عامة عن القراءة في الجمعة أو في حفلة رسمية, ومثل القراء الكبار أحب القراءة من سور (الكهف ومريم ويوسف) لأن أذن الجمهور أخذت عليها وفيها قصص مصدر للتشويق, ومن القراء الجدد أحب صوت الشيخ محمود الشحات أنور والشيخ صديق محمود صديق المنشاوي الذي جمع بين صوت أبيه وعمه.

ويضيف القارئ الشاب محمود الرفاعي: ليس بالزعيق يقرأ يقرأ القرآن بل أنفعل مع المعنى في مشهد تصويري للآية, وهناك آية تقرأ بشجن لتقدم نفس المشهد التصويري ليعيشه المستمع, وأنا لا أزال هاويا في معرفة المقامات ولكني أنوي دراستها, وبالفعل أدرسها حاليا مع الشيخ إسماعيل عثمان, والمهم أن تكون القراءة بروح لأنه مهما جوّد القارئ وأتقن المقامات وقرأ دون روح فلن يؤثر في الجمهور وستخرج قراءته جافة, والمهم الشعور بالآية ومعناها.