الإثنين 1 يوليو 2024

أحمد مراد لـ«الهلال اليوم»: أنا كاتب بطيء.. وأؤمن بالتغيير (حوار)

فن21-10-2020 | 22:02

"كل إنسان حي لو تم استئناسه بيتسمَّى داجن".. جملة قيلت في مقدمة فيلم "الأصليين". فكرةٌ ربما كانت تختمر داخل عقل أحمد مراد لسنوات، حتى خرجت على الشاشة. هي تجربة اختبرها بنفسه منذ أكثر من عشر سنوات، في لحظة محورية من عمره، حين كان الشاب أحمد مراد يقاوم الثبات، ويجنح إلى التغيير، في تلك اللحظة بالذات قرر أن يكتب. 


في عام 2007 أتمَّ مراد خمس سنوات في وظيفته كمصور للرئيس الأسبق، متزوج ومستقر في حياته، تخرج من معهد السينما برصيد ثلاثة أفلام قصيرة، وبعدها كمصور في أربعة أفلام مصرية مهمة، "في اللحظة دي كنت بسأل نفسي إيه اللي جاي"، كان لا بُدَّ من التغيير. يحكي مراد في حواره مع "عالم الكتاب" أنه امتلك فكرة، وعرضها على صديقه المخرج: "كتبت وقتها فكرة رواية فيرتيجو في أربع صفحات، وقلت له يلَّا نعملها فيلم"، جاءته الصدمة في رد فعل صديقه: "أنت مبتعرفش تكتب". 


عاد مراد إلى منزله مُحبَطًا غاضبًا، فوجئ بزوجته تُشير عليه: "طب ما تكتب يا أحمد، أنا شايفة عندك خيال حلو". التقط العرض، فكر فيه. وعندما قالت له زوجته: "أنا مؤمنة بيك"، حينها فقط قرر أن يخوض التجربة دون انتظار النتيجة، فكانت رواية فيرتيجو. 


في ذلك العام كان السوق الأدبي في انتظار عمل ينتشله من الملل، وقتها كان الكُتَّاب الكبار في عوالمهم الخاصة، بعيدين عن الشباب. والكُتَّاب الشباب أنفسهم ليس من بينهم من له جماهيرية كبيرة. تمكن مراد عبر رواية فيرتيجو وما بعدها من تكوين جمهور له، بنفس سرعة العصر الذي عاشه. نجح مراد في تقديم نفسه: "ماكانش فيه النوع ده من الروايات اللي بتحركها الجريمة"، ورغم أنه لم يتوقع النجاح، لكن القدر منحه نصيبه الأجمل.


في بداية طريق النجاح قابل مراد الكاتب صُنع الله إبراهيم، تحمّس له صاحب رواية "ذات" واللجنة، وأقام ندوة لروايته فيرتيجو داخل فيلّا الناشط المصري دكتور محمد أبو الغار. هناك تعرف مراد على الوسط الأدبي، من بينهم الروائي بهاء طاهر، الذي قال لمراد كلامًا لم ينسه: "قال لي النوع ده من الروايات أنا معرفوش، مش دي الرواية اللي اتعلمناها من نجيب محفوظ". كثيرون لم يُعجبوا بروايات مراد، هاجموه، لكنه لم يلتفت: "أنا لا أسعى لنشر دين جديد، أنا عارف إني مش هرضي كل الناس".


جاء مراد في زمن تتحكم فيه التكنولوجيا، وتُسَرِّع من وتيرة إيقاعه، لذا مثّلت أزمة انتشار فيروس كورونا المُستجد بالنسبة لمراد فرصةً جيدةً للانعزال، فرصةً لإنهاء روايته الجديدة "لوكاندة بير الوطاويط"، التي عكف على كتابتها سنتين، لم ير مشهد أزمة كورونا كمادة للكتابة: "لازم أسيب الحدث يعدي، أهضمه عشان أعرف أكتب عنه". 


مدة أي عمل جديد عند مراد تبلغ عامين: "أنا كاتب بطيء".. هكذا يقول عن نفسه. في بداية المخاض لا يلمس مراد القلم، يقضي شهورًا في القراءة فقط: "بتعرّف على العالم اللي أنا هكتب عنه"، ثم يقرر خوض التجربة بنفسه، العيش في الحيوات الأخرى، وتسجيل تلك التجارب بالصوت والصورة، ثم تأتي مرحلة الكتابة في النهاية، فَعَلَ مراد ذلك في رواياته السبع. 


"أنا معرفش أحمد مراد اللي من 14 سنة" 

مع كل رواية، ثمّة تغيير يشهده مراد داخل نفسه: "أنا معرفش أحمد مراد اللي من 14 سنة، حقيقي معرفوش، أنا لو قابلته هتفاجئ". تغييرات عدّة يلمسها مراد بنفسه في كل تجربة كتابية يخوضها، يرى نفسه كشخص مرن، بإمكانه أن يردم جميع أفكاره القديمة، مقابل الانتصار للتغيير، سواء داخل نفسه أو على مستوى الكتابة، لذا لا يوجد لديه عمل أدبي يُشبه الآخر، فمن رواية الجريمة التي كتبها في فيرتيجو وتراب الماسن إلى الفانتازيا والإثارة في الفيل الأزرق، ثم إلى التاريخ في 1919 وأرض الإله، ومنها إلى الديستوبيا في موسم صيد الغزلان. 


يؤمن مراد بأن أساس الإنسان هو الشك، لذا كان قادرًا على إثارة أكبر قدر من الأفكار التي تتحدى عقل الإنسان: "أنا مؤمن أن الأدب منوط به تقليد كل الأفكار والثوابت"، وهو ما يُثير حوله عاصفة من الجدل تثور مع نشر كل رواية جديدة، وذلك ما حدث أيضًا في عمله الأخير "موسم صيد الغزلان"، حيث اتُّهِمَ بالإلحاد، كون بطل روايته مُلْحِدًا. ورغم الاتهامات إلّا أن موسم صيد الغزلان تُعتبر الأعلى مبيعًا من بين روايات مراد جميعها، كما قال. 

تربّع مراد على عرش الأعلى مبيعًا، بمرور السنوات صار اسمه "تريند" قبل أن يصبح المُسَمَّى رائجًا. كلمة "الأعلى مبيعًا" جرّت عليه العديد من المعارك، كان آخرها في نوفمبر 2019 حينما ذكر اسم نجيب محفوظ. لم تكن هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مراد عن محفوظ، يكرر دومًا أنه متأثر بكتاباته، حتى إن الرواية الوحيدة التي قرأها مرتين هي "الحرافيش"، كما ذكر لعالم الكتاب. لكن في هذه المرة، في معرض الشارقة الدولي للكتاب 2019، كان مراد يتحدث عن المعالجة السينمائية، وأن الإيقاع الزمني لرواية مثل "السراب" لا يمكن تحويلها لفيلم بدون المعالجة السينمائية. اقتُطع حديث مراد، وقيل إنه يرى أن روايات محفوظ لا تناسب العصر.


اعتاد مراد على الجدل الذي يُحيط به، لا يملك تحريكه أو السيطرة عليه، يُحاول بين تلك العواصف أن يرى النقد الحقيقي له، لذا يذهب إلى القارئ، القارئ الحقيقي في نظره هو من لا يُحبه بشكل مطلق، بل الذي يُفنّد ما قرأه ويناقشه فيه. يرى مراد أن قارئه غير مقتصر على فئة بعينها، ليسوا الشباب فقط، بل إنه تمكّن عبر الأدب والسينما من الوصول إلى شرائح عديدة: "أنا بقابل ناس من أعمار مختلفة، فيه اللي عنده سبعين سنة، واللي عنده 14 سنة". 


لجنة قراءة مصغرة 

ولأن مراد يضع أمامه الوصول إلى شرائح عريضة، فلا بُدَّ له قبل النشر من لجنة قراءة مصغرة تمتلك نفس التنوع، لذا تحتوي على اثنين مراهقين "ولد وبنت" في سن الـ16، وآخرين في سن العشرين والأربعين، كذلك يجب وجود عدد من الكُتَّاب الذين يختلفون من رواية إلى أخرى، ومن بين الأسماء التي ذكرها مراد: لينا النابلسي، ووحيد حامد، ومروان حامد، ووليد فكري، وتامر إبراهيم، وحسن كمال، والأديب الراحل دكتور أحمد خالد توفيق. 


 تَعَرَّفَ مراد إلى وحيد حامد قبل سنوات، منذ أن عمل كمصور في فيلم "معالي الوزير"، وهو قصة وسيناريو وحيد حامد، وقتها قام مراد بعمل بوستر الفيلم أيضًا، ومنذ ذلك الحين لم تنقطع صلته بوحيد حامد، صارت علاقة متينة مع الوقت، يتقبل آراءه مهما كانت في رواياته: "هو من أكتر الناس الصريحة، وعارف الفرق بين السينما والرواية". 


أما عن علاقة مراد بمروان حامد فقد أثمرت نتاجها عددًا من الأفلام أثرت السينما المصرية، وما زال بينهما تعاون مُستمر، فالنجاح الذي وصل إليه الثُّنائي بأفلام "الفيل الأزرق 1و2" ثُمَّ "تراب الماس"، لن ينتهي عند ذلك الحد، لكنه صنع مسئولية كبيرة صار مراد يشعر بها: "انتشار أكبر، وجمهور يتضاعف، وتضخم أكبر في الآراء"، مما يجعل عينه على العمل أكثر أكثر: "وإني أتقن شغلي أكتر". 


"صُنع الله إبراهيم أبويا" 

ومن العلاقات طويلة الأمد لمراد، كانت علاقته بصُنع الله إبراهيم، "ده أبويا".. هكذا يقول مراد عنه. ما زال مراد يتذكر كيف شجعه في بداية مشواره مع الكتابة، سواء عبر الندوة التي أقامها له، أو حينما كتب تقديم رواية تراب الماس على ظهر الغلاف. يتحدث مراد عن صُنع الله باحترام شديد، ويقول عنه: "بعتبره شاب صغير في جسد رجل كبير، لما بكلمه بكلم صديق في سني، بس عنده خبرة في الكتابة والحياة رهيبة". 

حتى إن صنع الله لا تعجبه بعض روايات مراد: "ينتقد الروايات عادي"، وهو ما يراه مراد شيئًا صحيًّا، وفي الوقت نفسه يؤمن بأن "مفيش حاجة أصلًا نستند عليها في فن الحكي"، فرواية مثل "زينب" لمحمد حسين هيكل - كما ذكر - مرتبطة بإيقاع عصرها "الجيل اللي خلفيته جاية من السينما ميقدرش يفهمها". 


بعد نتاج سبع روايات يجد مراد أنه لا بُدَّ أن يضع الكاتب جزءًا من روحه داخل أعماله: "ممكن يكون كلمة أو لازمة أو شعور"، وحين يفكر مراد في أقرب شخصية إليه يجد أنها "يحيى راشد" من رواية الفيل الأزرق.


بعدما أخلص مراد للكتابة، فأنتج ست روايات، وفي طريقه لنشر السابعة، لا يرى أن هناك ضمانة لنجاح أي عمل في سوق النشر: "وقت ما الرواية بتنزل دايمًا بعاني من التوتر، وأتساءل يا ترى الناس هتقول إيه". وفي ظل وجود مراد داخل سوق النشر يرى أن السوق احتوى بداخله العديد من الأعمال "المرطرطة" على حدّ وصفه، مَوْجَةٌ من الغثّ والرخيص اجتاحت سوق النشر، ضايقت مراد، جعلته يقلق من نفور القراء من الكتب: "لأن المُنْتَج الأدبي اللي موجود بيكون مِتْكَرْوِتْ، وعلى مستوى وِحِشْ من الكتابة". انشغل تفكيره بكيفية التعامل مع كثرة تلك الأعمال غير الأصيلة، غير أنه بعد حين آمن بأن "البحر ينظف نفسه"، وسيلفظ الأعمال السيئة بمرور الوقت، ولن يبقى سوى الكتب ذات التجارب الأصيلة. 


نصائح كاتب شاب 

بنفس الإيمان ينصح مراد أي كاتب جديد، عليه أوّلًا أن يعلم أن العالم مُثير بشكل كافٍ: "ما تتوقعش الناس تدفع تمن رواية وتقرا حاجة متوقعة". فالنصيحة الأولى هي "اجنح للخيال"، وليس المقصود هو الخيال العلمي فحسب، بل شئون الحياة الواسعة: "الكاتب مينفعش يكون فاضي من جُوَّة، لازم يخوض التجارب".

النصيحة الثانية هي الكتابة يوميًّا، وقبل الكتابة يجب أن توجد خريطة طريق: "لازم تكتب كل اللي أنت عاوزه في الرواية في خمس ورقات"، حيث يؤمن مراد أن تلك الخريطة هي الدليل على طول طريق الكتابة: "من غيرها هتضيع؛ لأن الكاتب بيتعرض لقفلة أحيانًا". 

الأمر الثالث المهم هو طَرْقُ باب دور النشر، خاصة المُحتملين لقبول فكرة الرواية. يؤمن مراد أن سوق النشر يحتوى على عدد من الناشرين الذين يتمنون إيجاد عمل أدبي جيد: "لو روحت لهم ورفضوا النشر، يبقى لازم تفكر أن يمكن الغلط عندك أنت ككاتب"، وعلى الكاتب الشاب أن يُعيد التفكير حينها في العمل الأدبي. وأما في حالة الإيمان الشديد بالعمل فلن تنتهي سبل النشر: "يبقى ينشر إليكتروني ويبيعها"، وفي تلك الاحتمالية إذا نجحت الرواية ربما تتحمس لها إحدى دور النشر.


ثلاثة عشر عامًا مرت مع أول ظهور لمراد في عالم الأدب، خاض فيها الكثير من التحديات. حتى أفكاره تغيرت، وعلى رأسها الكتابة، حتى تَيَقَّنَ أن الكتابة ليست بالموهبة فقط، بل إن تراكم الخبرات والتجارب هو ما يُصقل النفس: "لازم الكاتب يُجيد فن المرمطة في الحياة". 


نشر الحوار بالتعاون مع مجلة عالم الكتاب - عدد 48 - سبتمبر 2020