في حوار ثري مع الشاعر
والمترجم المصري عبده الريس مرشح القائمة القصير لجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع
الترجمة سنة 2015 كانت له آراء وتوجهات فيما يخص مشواره في الترجمة وكان معه هذا الحوار .
- الشاعر
والمترجم والباحث عبده الريس، بدأت شاعرا، ثم استهوتك الترجمة، كيف جاءت تلك
النقلة؟
- بالفعل
لقد بدأت شاعرًا ولي ديوان وحيد صدر سنة 2000 تحت عنوان "فقط يربي حمامًا
ويصنع برجًا حصينًا من العزلة"
لكن البداية كمترجم
كان لها إرهاصات
أولا وقبل كل شيء
حبي للغة الإنجليزية
ثانيًا كوني أكتب بالفعل والمسألة لا شك متصلة ،
لأني أعتقد فيما أعتقد أن الترجمة جنس أدبي.
ثالثًا أثناء تأدية
الخدمة العسكرية أسند لي قائد الكتيبة مهمة ترجمة كتاب عن معدة عسكرية ولا أدري
كيف توسم فيما لم أكن أتوسمه أنا شخصيًا في نفسي وبالفعل قمت بترجمة الكتاب كما
ينبغي.
أما النقلة من
الشعر للترجمة فلا أشعر بها لأنني مترجم بحمولة الكتابة والمسافة بين الكتابة
والترجمة تكاد تكون معدومة على الأقل بالنسبة لي .
- المترجم عبده الريس لماذا تحديدا الترجمة عن
الإنجليزية؟
- لأنني
كما أسلفت أحب اللغة الإنجليزية الأمر الذي جعلني أتقدم في معرفتها وإدراكها حتى دون
أن أقصد ذلك .
-
المترجم عبده الريس ما البداية الفعلية لك في الترجمة وما ملابساتها؟
كانت البداية ترجمة
رواية لهرمان هسة تحت عنوان "دميان" التي صدرت عن سلسلة
آفاق عالمية بالهيئة العامة لقصور الثقافة وهذه الترجمة لها ظروف خاصة،حين مشروعها على
الأستاذ طلعت الشايب رحمه الله وكان ساعتها رئيس تحرير السلسلة وبعد قراءة ترجمة
الفصل الأول رحب باستكمال ترجمة الرواية وحين أكملتها تفاجأنا بوجود ترجمة أخرى
لها وهي ترجمة الشاعر ممدوح عدوان.. فتوقف نشر الترجمة
لحين وقوع نسخة من ترجمة ممدوح عدوان في يدي فاكتشفت بأن الرجل وقع في أخطاء كثيرة
في الترجمة ما يقارب مئة خطأ في الفصل الأول فقط.. طبعًا أخذت كل هذا للأستاذ
طلعت وقمت بالتخطيط على أخطائه في ترجمته مع النسخة الأصل وبالفعل اكتشف الأستاذ
طلعت صحة ما أقول وهكذا تمت طباعة ترجمة رواية دميان سنة 2004
- ترجمت عدة أعمال روائية مهمة منها "
دميان " لهرمان
هسة ، و" شارع بريك لين "
لمونيكا علي ، و " مولوي "
لصمويل بيكيت ، كيف تختار العمل الذي تترجمه ؟ ولماذا هذا
الاهتمام بالرواية؟
- لابد أن يكون هناك علاقة بينك وبين العمل الذي تترجمة كأن تكتشف
مثلا أن هذه الرواية أو تلك كان من المفترض أن تكتبها أنت وليس مؤلفها.
وإذا اكتشفت هذا الأمر فأنت بذلك تجاوزت العقبة الرئيسية في طريق نجاح
ترجمتك لتلك الرواية.
وفي واقع الأمر إن الرواية الإنجليزية التي تعجبني أحب أن أقرؤها جيدًا لذا
أقوم بترجمتها.
- ثمة انعطافة
ما في مسار ترجماتك تتمثل في الاتجاه نحو ترجمة الإنسانيات بدأت بترجمة كتاب
اليسار الفرويدي ثم تاريخ الأنثروبولوجيا ثم المفاهيم الأساسية في فلسفة الفن هل
يمثل هذا انعطافة مؤقتة أم مسار جديد؟
- في واقع الأمر ربما تمر بعدة تجارب في الترجمة قبل أن تكتشف المسار
المحدد لك وهذا ما حدث معي تمامًا.
لقد بدأت بترجمة الرواية ثم انعطفت كمسار جديد نحو ترجمة الإنسانيات وهذا
مجال أحبه تماما،بل يمكن أن يزيد تخصصي فيه أكثر وأكتفي بترجمة الكتب الأنثروبولوجية لأنه
كلما زاد تخصصك كلما كان معدل تراكم الخبرة أكبر وفي المقابل منجزك أكبر ،بدأت ذلك بكتاب تاريخ
الأنثروبولوجيا لتوماس هيلاند إريكسن ثم كتاب أماكن صغيرة وقضايا كبيرة لنفس
المؤلف وهو كتاب تحت الطبع ثم أعمل حاليًا في نفس الخط في ترجمة لكتاب فجر الثقافة
البشرية ،من ناحية أخرى أنا شخصيًا لا أرى مسافة كبيرة بين ترجمة الأدب وترجمة الإنسانيات
ففي تصوري أن كليهما ينتمي لفضاء واحد.
- ترجمت أكثر من
كتاب لصالح المركز القومي للترجمة ما رأيك في أدائه كمؤسسة؟
- معك حق لقد ترجمت أكثر من كتاب لصالح المركز القومي للترجمة وفي رأيي أنه
من أهم المؤسسات الثقافية ليس في مصر فقط بل في الوطن العربي بأكمله،وهذا رأي ليس معلقًا في
الفضاء لأنه يستند إلى منجزات على سطح الأرض ، أولها أن هذا المركز تجاوزت كتبه
المترجمة أربعة آلاف كتاب، ثانيًا هذا مركز منوط بعمل الترجمة فقط وفي تصورى أن
الترجمة النشاط المعرفي الأهم الذي يجب أن نمارسه في اللحظة الحالية لأننا تعلمنا
من الدرس التاريخي أن الأمم في لحظات تدهورها واضمحلالها يجب أن تترجم كل معارف
الأمم المتقدمة حتى تستطيع أن تقف على قدميها ويكون لها إسهامها الحضاري الخاص في
السياق الحضاري العام.
- رشحت للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع
الترجمة سنة 2015 عن ترجمة كتاب تاريخ الأنثروبولوجيا،ما
رأيك في هذه الجائزة وهل هي عادلة؟
- جائزة الشيخ زايد في واقع الأمر من أهم الجوائز الثقافية في
الوطن العربي وربما العالم أيضًا،فهي جائزة تحتفي بالمنجز
الثقافي ولها أفرع كثيرة كما أن لجنتها في تصوري من أكثر لجان الجوائز استقلالية
ونزاهة،أقول هذا الكلام رغم أنني لم أفز بها حين رشحت لقائمة فرع الترجمة القصيرة،وهي جائزة يجب أن تحتذي
بها جميع الجوائز في الوطن العربي لتلك الأسباب التي ذكرتها آنفاً.
- ما أهم الصعوبات التي تواجه المترجم في عالمنا العربي؟
- إن الفحص الإكلينيكي لصعوبات الترجمة يسفر عن أن هذه الصعوبات لا
تخرج عن نوعين من الصعوبات لا ثالث لهما:
الصعوبات المؤسسية والصعوبات الفنية.
وأعني بالصعوبات المؤسسية تلك الصعوبات التي تتجاوز طاقة الأفراد، سواء
كانوا مترجمين أو أناساً مهتمين بمهنة الترجمة بوصفها منشطًا ثقافيًا، وتقع على
مسؤولية المؤسسات الثقافية والمنوط بها عمل الترجمة سواء كانت هذه المؤسسات حكومية
أو غير حكومية،مثل صعوبات جلب حقوق النشر والصعوبات الخاصة بأجور المترجمين وعدم وجود
قاعدة بيانات دقيقة بالكتب المترجمة،أما الصعوبات الفنية
فأعني بها تلك الصعوبات التي تنشأ على ساحة نص ما حال ترجمته إلى اللغة العربية .
- في أحد مؤتمرات شرق الدلتا الثقافي قدمت ورقة بحث تحت
عنوان " حول تاريخ حركة الترجمة" ما أهم النقاط الرئيسية التي طرحت في هذه الورقة؟
- كانت هذه الورقة البحثية تتناول هذه اللحظة التاريخية الخاصة في العصر
العباسي التي كانت معرفية بالدرجة الأولى على صعيدي التأليف والترجمة وكيف نشأت
حركة الترجمة خلال هذه الفترة وكيف قام مترجمو هذه الحقبة بترجمة كتب أفلاطون
وأرسطو تلك التي كانت الكنيسة وضعتها في حجر لأنها كانت ترى أنها ضد اللاهوت
المسيحي.. بل ينسب الفضل للعرب في تعريف أوروبا على هؤلاء الفلاسفة عندما ترجمت كتبهم
إلى العربية،وهذه الورقة اعتبرها نواة لكتاب يتناول بالتفصيل والتحليل كل ملابسات تلك
الفترة الزاهية في تاريخ الحضارة الإسلامية.
- المفاهيم الأساسية في فلسفة الفن " لتايجر س روهولت، كتابك الأحدث الصادر مؤخرا عن المركز
القومي للترجمة، لماذا هذا الاهتمام بالفن في اختياراتك التي تترجمها؟
- في واقع الأمر ينتمي هذا الكتاب للانعطاف في مسار الترجمة الذي تحدثنا
عنها آنفًا ولا تنسى أنني شاعر في المقام الأول أهتم بالضرورة بهذه النوعية من
الكتب وهناك بالمناسبة كتاب آخر تحت الطبع ينتمي لهذه النوعية من الكتب تحت عنوان " الفن والمعرفة" لجيمس أو. يونج سوف يصدر قريبًا عن
المركز القومي للترجمة.. لكنني أنتوي بعد ذلك أن أتخصص في ترجمة الأنثروبولوجيا لأنه مجال ثري
ويتقاطع بدرجة كبيرة مع الأدب بصفة عامة.
- الشاعر والمترجم عبده الريس، أين الشعر من ترجماتك؟
ولماذا بحجم المترجمون - غالبا - عن
ترجمة الشعر؟
- لم أحجم عن ترجمة الشعر ولكن من اتجاه العربية إلى الإنجليزية
فقد ترجمت "أنثولوجيا الشعر المعاصر " وهو كتاب ضمن إصدارات مؤتمر أدباء
مصر سنة 2013 وهو عبارة عن ترجمة لقصائد بالعامية المصرية من جميع ربوع مصر إلى
الإنجليزية،أما اتجاه ترجمة الشعر من الإنجليزية إلى العربية لم أقدم عليها بعد
والمسألة لا تتضمن رفض مبدئي لهذا التوجه بقدر ما تعني اهتمامي بترجمة إنسانيات
أكثر .
-
ما الجديد الذي يعمل عليه الآن المترجم عبده الريس؟
- الآن
أرسخ للتخصص في ترجمة الأنثروبولوجيا وأقوم بترجمة كتاب تحت عنوان " فجر
الثقافة البشرية " من تأليف كل من ريتشارد ج. كلاين وبليك إدجار وهو كتاب يتناول لحظة تاريخية خاصة جدا في تاريخ البشرية
وهي تلك اللحظة التي تحول فيها البشر إلى كائنات مثقفة وبالمناسبة سوف يصدر أيضا
عن المركز القومي للترجمة .