السبت 18 مايو 2024

الموسيقى والثقافة وحقوق الإنسان

فن25-10-2020 | 13:20

تشكل الموسيقى جزءًا أساسيا من الإرث الثقافي ،ولا يعود دور الإنسان الأساسي في ابتكار هذا الإرث الثقافي الملموس ونقله ،و تأليف تلك الموسيقى و ممارستها إلى شعب واحد أو ثقافة واحدة فحسب، بل إلى البشر جميعا.

لفتت حركة الحقوق الثقافية الانتباه إلى حماية حقوق جماعات الناس و ثقافتهم، و ذلك بطريقة مماثلة لتلك التى جذبت بها حركة حقوق الإنسان الاهتمام باحتياجات الأفراد في جميع أنحاء العالم.

الحقوق الثقافية هي الحقوق المتعلقة بالفن متضمنا "الموسيقى" التى هي موضوع حديثنا والثقافة، ويُفهم كلاهما من منظور واسع. والهدف من هذه الحقوق ضمان أن الناس والمجتمعات يمتلكون إمكانية الوصول إلى الثقافة، ويمكنهم المشاركة في ثقافة انتخابهم. والحقوق الثقافية هي من حقوق الإنسان التي تهدف إلى ضمان التمتع بالثقافة ومكوناتها في ظل ظروف المساواة وكرامة الإنسان وعدم التمييز. وهي حقوق تتعلق بموضوعات مثل اللغة والإنتاج الثقافي والفني والمشاركة في الحياة الثقافية والتراث الثقافي وحقوق الملكية الفكرية وحقوق المؤلف والأقليات ووصولهم إلى الثقافة، بالإضافة إلى موضوعات أخرى.

لابد أن تأخذ الحقوق الثقافية مكاناً محوریاً في مجال العمل الحقوقي، والسعي لإقامة نظام عالمى عادلٍ  لا یشمل فقط عدالة التوزیع بل يعكس رؤیة تراعي التجليات الكثيرة المتنوعة للثقافة، إلى جانب فهم ترابط الحقوق الثقافية مع حقوق الإنسان الأخرى.

إلا أن الحقوق الثقافية تحظى بأقل قدر من الفهم والاهتمام بين جميع الحقوق التي یكفلها القانون الدولي لحقوق الإنسان.،ویرجع هذا التناقض الظاهري إلى تعقد هذا المجال وإلى أن الاهتمام لم یوجه إلى الحقوق الاقتصادیة والاجتماعية والثقافية إجمالاً إلا منذ فترة قصيرة.

ومن بين أسباب هذا التفاوت طرق فهم معنى "الثقافة"،التي تتضمن التعاریف المتداولة لها , وهو الإلمام بالفنون الجميلة والإنسانيات وتذوقها، وبالجوانب الأساسية للعلم في مقابل المهارات المهنية والتقنية و وجود نمط متكامل من السلوك الإنساني یتضمن الفكر والكلام والفعل والمصنوعات اليدویة ویعتمد على قدرة الإنسان على التعلم ونقل المعرفة للأجيال التالية.

وینعكس هذا التعريف من ضمن تعاریف في النصوص المختلفة ذات الصلة الواردة في الصكوك أو المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، و إلى أن المدافعين عن حقوق الإنسان قد تناولوا الثقافة بعدة طرق، من خلال الاهتمام بحریة التعبير وحریة الحصول على المعلومات وحقوق الأقليات، فإن النظر إلى الثقافة على النحو الوارد في التعریفات المتنوعة یجعل من قضية الحقوق الثقافية أمراً معقداً وصعباً.

من المؤكد أن انخراطنا في ثقافة ما أو نمط معين من التفكير والحديث والفعل أمر لا شعوري إلى حد كبير ،فمن لحظة الميلاد ينشأ الإنسان في إطار ثقافة ما؛ وإذا لم تتح للمرء الفرصة للتعرف على ثقافات أخرى على نحو عميق نسبياً، فنادراً ما ینشأ لدیه وعي بكثير من الخصائص المميزة لثقافته نفسها، إذ تكون بالنسبة له عندئذ مجرد "مسلمات". ومن هنا فهناك صعوبة جوهریة في التعامل مع الحقوق الثقافية، وهي أن التفكير فيها یحتاج من المرء إلى أن یتعامل تعاملاً واعياً مع شيء یمثل جانباً لا شعوری عند أغلب الأشخاص.

ویرى علماء الأنثروبولوجيا الثقافية أن الثقافة تنتقل من خلال عملية بالغة التعقد تتكون من خليط من العناصر المادیة وغير المادیة. فالثقافة قد تنعكس ویُعبر عنها من خلال نوعية المسكن الذي نختار العيش فيه، والأشخاص الذین یتشاركون معنا في محل السكن، ونوعية الغذاء الذي نزرعه ونتناوله، زراعته وتناوله، ونوعية "الموسيقى "التي نعزفها أو نستمع إليها، وآلية عزفها والاستماع إليها، والدیانة التي نعتنقها، وأنماط حد الأرض في المجتمع. لذا تنعكس الثقافة ویُعبر عنها من خلال علاقاتنا مع الآباء والأطفال والأقارب والأصدقاء والغرباء إلى جانب الثقافات الأخرى والعالم من حولنا.

كل هذه الجوانب المادیة وغير المادیة من الثقافة تتخللها قيم تتناقلها الأجيال المتعاقبة. ومن هنا فإن التعامل مع الحقوق الثقافية یمكن أن یكون مثاراً للخلاف، وهو ما یرجع جزئياً إلى أن الحقوق الثقافية ترتبط ارتباطاً حميماً بهذه القيم، أي بما نؤمن بأنه مهم أو غير مهم، أو صالح أو طالح، بالإضافة إلى ذلك، فلكي نفهم القيم الثقافية في سياق محدد ،حيث یصعب دراسة القيم الثقافية خارج إطار محدد .

 وترتبط القيم الثقافية ارتباطاً حميماً بمفهومنا عن الهویة. وهكذا یصبح أي تحد لثقافتنا تحدیاً لكرامة الإنسان وتحدیاً للقيم الأثيرة لدیه، وتهدیداً لفهمنا لذواتنا ولعالمنا، ونتيجة لذلك، فإن التحدیات الموجهة للثقافة تؤدي إلى خلق ردود أفعال شدیدة محملة بشحنات عاطفية للخلاص من هذه التهدیدات.

وجرى العرف على اعتبار أن القضایا المتعلقة بهُویة الذات وفهم الذات تدخل تقليدیاً في نطاق اهتمامات علماء النفس والاجتماع والأنثروبولوجيا.

من الصدمات الناجمة عن انتهاكات حقوق الإنسان، فنادراً ما یتعامل دعاة حقوق الإنسان بشكل مباشر مع المشكلات التي تظهر في هذا المجال من مجالات التعبير عن هویة الذات وقيمة الذات، وهو مجال حيوي ولكنه لا يزال حتى الآن مجالاً مبهم الملامح. ومن باب المفارقة أن عدم الألفة بما یحرك مشاعر الأفراد وعدم فهمه أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الدعوة إلى الحقوق الثقافية عملية محفوفة بالمشكلات.

 یتسم تناول الحقوق الثقافية بالتعقيد لأن الثقافة تشتبك تاریخياً مع قضایا السلطة. فعلى مدى تاریخ البشریة، كانت الثقافات المسيطرة في جميع أنحاء العالم تفرض أو تحاول فرض أنماطها الخاصة بالفكر.

الحقوق اقتصادیة وثقافية واجتماعية :

الحديث عن الشعوب التي تتعامل معها أو الأفراد الأضعف حالاً في مجتمعاتها هي نفسها التى أصبحت قضایا الثقافة والحقوق الثقافية ترتبط غالباً بالأحقاد التاریخية الناجمة عن فرض تلك الأنماط.

ویقع القانون الدولي لحقوق الإنسان في خضم هذه الظروف التاریخية المعقدة، فبالرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نتاج لجهود الأمم المتحدة، التي تمثل الدول الأعضاء فيها مجموعة واسعة من الثقافات، وعلى الرغم من أن معظم القيم الممثلة في الإعلان تشترك في تبنيها ثقافات من مختلف أنحاء العالم، فإن القوى المسيطرة في الأمم المتحدة وقت صياغة الإعلان كانت قوة  الدول الغربية.

ولذلك، فإن الإعلان یجسد إلى حد كبير القيم الثقافية لهذه القوى. ومن هنا فعندما نناقش مسألة الحقوق الثقافية من الضروري أن نأخذ في الاعتبار مسائل التصنيع والاستعمار الاستيطاني والصراع من أجل التحرر من الاستعمار في أجزاء عدیدة من العالم. ویجب أن نضع في الاعتبار دائماً إلى أي مدى كانت قيما ثقافية معينة نتاجاً لهذه الملابسات التاریخية.

نصوص الصكوك الدولية والإقليمية المتعلقة بالحقوق الثقافية :

الصكوك الدولية

تتناول النصوص القانونية التالية الحقوق الثقافة على نحو عام؛ أما النصوص المتعلقة بالحقوق الثقافية لجماعات معينة فسترد الإشارة إليها فيما بعد:

تعكس الصكوك الدولية الصادرة بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فهما أشمل للحقوق الثقافية، وتعد الإشارات المباشرة إلى الحقوق الثقافية الواردة في هذا الإعلان الصادر عام 1948 ضيقة إلى حد كبير، فالمادة 27 منه تنص على أنه أولا لكل شخص حق المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية، وفي الاستمتاع بالفنون، والإسهام في التقدم العلمي وفي الفوائد التي تنجم عنه.

ثانياً لكل شخص حق في حمایة مصالحه المعنویة والمادیة المترتبة على أي إنتاج علمي أو أدبي أو فني من صنعه.

ولا تزید على ذلك كثيراً المادة 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادیة والاجتماعية والثقافية، حيث یرد فيها

إقرار للدول الأطراف في هذا العهد بأن من حق الفرد أن یشارك في الحياة الثقافية، و أن یتمتع بفوائد التقدم العلمي وبتطبيقاته، أما بالنسبة للحقوق الثقافية،  فعليه أن یفيد من حمایة المصالح المعنویة والمادیة الناجمة عن أي أثر علمي أو فني أو أدبي من صنعه، و يجب على الدول الأطراف في هذا العهد، في التدابير التي ستتخذها بغية ضمان الممارسة الكاملة لهذا الحق، أن تشمل تلك التدابير التي تتطلبها صيانة العلم والثقافة وإنماءها وإشاعتها.

وهناك صكوك دولية أخرى تناولت الحقوق الثقافية منها، اتفاقية منع التدمير المتعمد لثقافة أي جماعة قومية أو اثنية أو عنصریة أو دینية، وإعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة

(اليونسكو)، حيث تنص مادته الأولى على أن :

لكل ثقافة كرامة وقيمة یجب احترامهما والمحافظة عليهما.

ومن حق الشعب ومن واجبه أن ینمي ثقافته.

إضافة إلى أن جميع الثقافات،تشكل بما فيها من تنوع خصب وبما بينها من تباین وتأثير متبادل، جزءًا من التراث الذي یشترك في ملكيته البشر جميعاً.

غير إعلان الحق في التنمية، حيث تنص المادة الأولى منه على أن الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف وبموجبه یحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادیة واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي یمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحریات الأساسية إعمالاً تاماً.

 فضلا عن إعلان مكسيكو سيتي بشأن السياسات الثقافية، حيث ینص المبدأ الثاني منه على أن تأييد الهُوية الثقافية... یسهم في تحریر الشعوب. وأن أي شكل من أشكال السيطرة یمثل إنكاراً لهذه الهویة أو إخلالا بها ،و إعلان وبرنامج عمل فيينا، الذي یشير في سياق تناوله لواجبات الدول في تعزیز وحمایة حقوق الإنسان إلى أنه "في حين أنه یجب أن توضع في الاعتبار أهمية الخاصيات الوطنية والإقليمية ومختلف الخلفيات التاریخية والثقافية والدینية، فإن من واجب الدول، بصرف النظر عن نظمها السياسية والاقتصادیة والثقافية، تعزیز وحمایة جميع حقوق الإنسان والحریات الأساسية"

النصوص الإقليمية:

تنص المادة 17 من الميثاق الأفریقي لحقوق الإنسان والشعوب على ضمان حق الأفراد في المشاركة في الحياة الثقافية في مجتمعاتهم. وتنص على أن "النهوض بالأخلاقيات العامة والقيم التقليدیة التي یعترف بها المجتمع وحمایتها واجب على الدولة".

حقوق اقتصادیة وثقافية واجتماعية "إقليمياً"

فيما تنص المادة 22 على حق الشعوب في التنمية الثقافية وفي التمتع المتساوي بالتراث المشترك للإنسانية.

وتنص المادة 13 من الإعلان الأمریكي لحقوق الإنسان وواجباته على أنه "لكل شخص الحق في المشاركة في الحياة الثقافية للمجتمع، وفي الاستمتاع بالفنون، وفي المشاركة في جميع الفوائد المترتبة على التقدم الفكري، وخصوصاً الاكتشافات العلمية".

ترابط الحقوق وعدم قابلتيها للتجزئة

نظراً لأن الثقافة تؤثر على جميع جوانب حياة الإنسان فإن الحقوق الثقافية تعد نموذجا واضحا لما تتسم به حقوق الإنسان من ترابط وعدم قابلية للتجزئة. بل إنه من الصعب، وقد یكون من المستحيل، دراسة الحقوق الثقافية بمعزل عن غيرها من الحقوق؛ فالحقوق الثقافية غالباً ما لا یمكن فصلها عن بقية الحقوق.

وفي نفس الوقت، تتسم الحقوق الثقافية غالباً بوجود توتر أو صراع بينها وبين حقوق الإنسان الأخرى، يجعلها دائما الحقوق المهضوم حقها و التي دائماً ما تمر مرور الكرام ،نظرا لوجودها بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التى طالما حظيت بكل الاهتمام والنقاشات والمحاولات للنهوض بها وتعزيزها

    الاكثر قراءة