الثلاثاء 21 مايو 2024

القديس البابا كيرلس السادس: أبوة .. رعاية .. وطنية

فن25-10-2020 | 20:48

هذا الرجل ليس من هذا العالم؛ نعم، لم يكُن من هذا العالم، فقد قال: «أود أن أعيش غريبًا، وأموت غريبًا»، لكنّ الله أراد «للقمص مينا البَرَموسيّ المتوحد» أن يصبح «البابا كيرلس السادس»، بابا وبطريرك الكرازة المَرقسية السادس عشَر بعد المائة.


سيرته:


   وُلد «عازر يوسف عطا» ببلدة «طوخ النصارى» فى الثامن من أُغسطس عام ١٩٠٢م، من أبوين مَسيحيَّين أرثوذكسيَّين، وكان الثانى بين إخوته، وعاشت أسرته فى «دمنهور»، ثم فى «الإسكندرية» حيث حصل على «البكالوريا»، وفى عام ١٩٢١م، عمِل فى شركة «كوك شيبينج» للملاحة بـ «الإسكندرية»، فكان مشهودًا له فيها بالأمانة والإخلاص، ونال ثقة رؤسائه وتقديرهم فى العمل، حتى قال عنه المدير العام للشركة، وكان أستراليًّا متشددًا يخشاه الموظفون: «إن هذا الشاب علَّمنى كيف أحترمه، وأعجبنى فيه رِباطة جأشه، وحُسن تصرفه، ولم يتجنب مقابلتى كما يفعل زملاؤه»، وفى تلك الأثناء، درَّب نفسه على حياة النسك تمهيدًا لدُخول الرهبنة، وكان يشعر بآلام الآخرين وحاجاتهم، وقد حدث يوم رفاع «الصوم الكبير» أن وجد المائدة ممتلئة بأفضل أنواع الطعام، فطلب من والديه تقديم الطعام لإحدى العائلات الفقيرة المجاورة لهم، وكان له ما أراد.


   وفاجأ «عازر» الجميع بتقديم استقالته، التى أدهشت مديره فحاول صرف عزمه عنها لكنه لم يُفلِح، وقد زكاه «البابا أنبا يوأنِّس» (الـثالث عشَر بعد المائة) للرهبنة بـ «دير السيدة العذراء» الشهير بالـ «بَرَموس»، فسيم راهبًا فى الخامس والعشرين من فبراير عام 1928م باسم «مينا البَرَموسيّ»، ثم التحق بالمدرسة اللاهوتية بـ «حُلوان» ليدرُس بها، ثم سيم قَسًا فى يوليو عام ١٩٣١م، وفى عام ١٩٣٤م، أراد «البابا يوأنس» سيامته مِطرانًا للغربية والبحيرة، فما أن علِم بذلك حتى هرب إلى «دير القديس أنبا شنودة رئيس المتوحدين» بسوهاج، وبعد عودته إلى ديره، توحد فى مغارة فى الصحراء تبعد عن الدير مسافة ساعة سيرًا على الأقدام.


   وعندما طُرد سبعة من رهبان الدير، خرج معهم لخدمتهم، وقابل البطريرك وأوضح له الأمر، فعاد الآباء إلى ديرهم، وانتقل هو ليعيش فى طاحونة بصحراء «مصر القديمة»، وفى الطاحونة، بدأ كثيرون يسعَون للتبرك من «الراهب مينا البَرَموسيّ المتوحد»، وأُسندت إليه رئاسة «دير أنبا صموئيل المعترف» بجبل القَلَمون، ورُقِّى قمصًا، فاهتم «القمص مينا البَرَموسيّ» بالدير، وعمَّره ورمَّم الأسوار المتهدمة، كما عمَّر كنيسة الدير ببلدة «الزورة»، وكان يتنقل بين الطاحونة والدير.


   ومع بَدء الحرب العالمية الثانية، ترك الطاحونة وعاش متنقلاً بين «دير الملاك القبلى» و«كنيسة العذراء ببابليون الدَّرَج»، ثم بنى كنيسة على اسم القديس الشهيد «مار مينا العجائبيّ» الذى كان يحبه كثيرًا، وأقام مسكنًا للطلبة، وأعاد إصدار مجلة «ميناء الخلاص»، وكان مرشدًا للشباب والخدام ذلك الوقت.


تزكية واختيار 


وبعد نياحة «البابا يوساب الثانى»، الـخامس عشَر بعد المائة، وعلى الرغم من محاولات «الراهب مينا البَرَموسى» الهروب من العالم سعيًا فى حياة التعبد والصلاة والوَحدة التى أرادها طريقه فى الحياة ـ حتى إنه دُعى «القمص مينا المتوحد»، فإن الله كان له رأى آخر؛ قام «أنبا أثناسيوس» مِطران بنى سويف القائم مقام البطريرك آنذاك بتقديم تزكية فى القمص «مينا المتوحد» دون علمه، ولم يوقع على ورقة الترشيح والتزكية أىٌّ من الأساقفة، بل كانت موقعة من اثنَى عشَر عضوًا من المجلس الملى فقط!!، بل جاء خامسًا فى الترتيب!!، أمّا ترتيبه بالانتخابات التى أُجريت فى السابع عشَر من إبريل ١٩٥٩م، فكان الثالث!!، ثم كان أن أعلنت القرعة الهيكلية اختياره بطريركًا للكرازة المَرقسية فى التاسع عشَر من إبريل عام ١٩٥٩م؛ لقد أراد القديس «البابا كيرِلُّس» الوَحدة وأراد له الله الرعاية، ما دعاه أن كان يردد: «كنت أود أن أعيش غريبًا وأموت غريبًا؛ ولٰكن لتكن إرادة الله»، ليصير البابا «كيرلس السادس» السادس عشَر بعد المائة، ولهذا قصة: فقد ظهر له فى حُلم «البابا» يوأنس التاسع عشر، وقال له: «انظر يا (أبونا مينا): عصا الرعاية انكسرت مني أثناء صُعودي الجبل، فأنا حزين عليها جدًّا»، فقال له: «يتفضل سيدنا ويتركها لي قليلاً»، فأعطاه إياها، فأصلحها وأعادها له، ففرِح البابا وقال له: «خُذها يا (أبونا مينا)، قد وهبتُها لك»، فتسلمها من يده، وأيضًا ظهر له في حُلم البابا كيرلس الخامس وأعطاه طفلاً للاعتناء به، وهذه إشارة لرعاية شعب الكنيسة، قضى البابا كيرلس السادس على الكرسى المَرقسيّ ١١ سنة و٩ أشهر و٢٩ يومًا، وتنيح فى التاسع من مارس عام ١٩٧١م.


رعاية ومحبة


اتسمت حياة «القمص مينا البَرَموسىّ المتوحد» برعايته لكل نفس تلتقيه؛ فكانت الجموع تذهب إليه قاصدةً ذلك الراهب المتوحد الذى يعيش فى طاحونة الجبل، حاملةً له محبة كبيرة، ساعيةً إلى الصلاة معه كل يوم، وقد اهتم «القمص مينا المتوحد» بالطلبة المغتربين وبنى لهم بيتًا يقيمون فيه، وكان يشملهم بعنايته وبرعايته فى جميع أمور حياتهم.


وعندما صار الراهب المتوحد «بطريركًا» وجده شعبه راعيًا ذا قلب عظيم، يهتم بكل نفس، ويصلى كل مساء وصباح، ثم يصافح كل شخص مستمعًا إلى جميع طلباته وشكاواه مصليًا؛ وكثيرًا ما كان الناس يخرجون من عنده فرحين شاعرين بالسلام وقد حُلت مشكلاتهم أو وجدوا إجابات لتساؤلاتهم؛ فبالحق هو أب وراعٍ: يطلب الضالّ، ويبحث عن المطرود، ويَجبُر الكسير، ويَعصِب الجريح، ويرعى أبناءه بعدل، مهتمًا بالجميع.


لم تتغير محبة القديس «البابا كيرِلُّس السادس» لأىّ إنسان، حتى نحو من أساء إليه! فيُذكر أنه فى وقت انتخابات البطريركية، هبّ أحد الرهبان ـ وكان مندوبًا لأحد المرشحين للبطريركيةـ يسُب «الراهب مينا البَرَموسىّ» لدى الناخبين، طالبًا منهم عدم اختياره للبطريركية، وبعد الاختيار الإلهىّ له ورسامته بطريركًا، أخذ قداسته يهتم بذلك الراهب وأوكل إليه خدمة «بيت المغتربين بمصر القديمة»، ثم رسمه أسقفًا على إحدى الإيبارشيات؛ ولم يكُن ذلك الموقف هو الوحيد لمحبة البابا للجميع، فقد حدث أن وزّع بعضهم منشورات ضده على أبواب الكنائس مدة عام ونصف العام، وعلى الرغم من معرفة «البابا كيرِلُّس السادس» بما يفعلونه، فإنه كان يصلى من أجلهم وقد سامحهم جميعًا، وبفضل محبته واتساع قلبه تحولت العداوة فى قلوبهم إلى محبة وخدمة وإخلاص وتفانٍ عظيم،

ولم تكُن حياة القديس «البابا كيرِلُّس السادس» بالسهلة، بل قدم فيها كثيرًا من الرعاية والمحبة والسهر على رعايته لشعبه، وكان قداسته يتمتع بوطنية كبيرة خاصة تجاه قضية «القدس»، والأزمة التى مرت بالبلاد بعد عُدوان عام 1967م، ظهرت فى رسائله البابوية والبيانات التى أصدرَها فى اللقاءات التى شارك فيها من ندوات ومؤتمرات شعبية.


وكانت آخر زياراته فى «دير مار مينا» بمريوط، فى مايو عام ١٩٧٠م، ويذكر تلميذه «القمص رافائيل آڤا مينا» عن وداع قداسته: «ودَّع البابا (دير مارمينا) ورهبانه بطريقة تختلف عن كل مرة: فقد استدعى الرهبان، ووجْهه مطرِق إلى الأرض، ويحاول أن يمسك دموعه حتى لا تغلبه، وسلَّم كل واحد من الرهبان قُلُنْسُوَة بيده، وبعدها عمِل تمجيدًا للشهيد (مارمرقس الرسول) والشهيد (مارمينا)، وانصرف من الدير».


   وقد تنيح البابا فى قلايته بالبطريركية بالأزبكية، وكانت كلماته الأخيرة: «الرب معكم، الرب يدبر أموركم»، وتبارك منه الشعب، ودُفن تحت مذبح الكاتدرائية بالعباسية جوار الشهيد «مار مرقس الرسول»، ونُقل إلى «دير مارمينا» بمريوط حسب وصيته، وفى يونيه ٢٠١٣م  اعترفت به «الكنيسة القبطية الأرثوذكسية» قديسًا.


فضائله:

تعددت الصفات والفضائل «للقديس البابا كيرلس السادس»:


■ الجِد والالتزام فى كل ما يعمله، منفِّذًا قول الكتاب: «أرأيتَ رجلاً مجتهدًا فى عمله؟ أمام الملوك يقف، لا يقف أمام الرَّعاع!».


■ كان أمينًا فى الحياة مع الله، فنال أمانة الله على رعاية شعب بأسره، فربِح ثقة كل من قابله كقول الكتاب: «كنتَ أمينًا فى القليل فأقيمك على الكثير».


■ متواضعًا يخدُم الجميع، فمنحه الله نعمًا كثيرة لأجل تواضعه كقول الكتاب: «يقاوم الله المستكبرين، وأمّا المتواضعون فيعطيهم نعمة»، ومن أقواله عندما رُشح للبطريركية: «من أنا الدودة الصغيرة حتى أتطلع إلى هذه المُهمة العظيمة الخطيرة، وأحمل هذه الأمانة العظمى التى تُعطى لمن يختاره الله، وليس لمن يشاء أو يبغى؟!».

■ ناسخًا وباحثًا فى كتابات وأقوال الآباء، وحفَظ معظمها، منفِّذًا قول الكتاب: «فتِّشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية»، فتفتحت أمامه أبواب المعرفة.


■ راهبًا فى مَلبَسه ومأكله حتى بعد أن أصبح بطريركًا.


■ وديعًا، مسامحًا مقدِّمًا الإحسان أمام الإساءة كوصية الكتاب: «كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين».


■ شاهدًا للحق، فمن أقواله: «إن الله علَّمنا أن نجاهد عن الأمانة حتى الدم، والذى لا يدافع عن الحق يكون مثل شيطان».


■ أبًا وراعيًا: يطلب الضال، ويبحث عن المطرود، ويجبر الكسير، ويَعصِب الجريح، ويرعى أبناءه بعدل مهتمًا بالجميع.


وبالحق لُقب «القديس البابا كيرلس» برجل الصلاة، ولم تكُن حياته سهلة ناعمة بل تعرض لكثير من المتاعب والضيقات التى كان يجتازها بإيمان وصلاة لا مثيل لهما، فدائمًا ما كان يقول: «لا يوجد شىء تحت السماء يكدرنى أو يزعجنى، لأنى مُحْتَمٍ فى ذلك الحصن الحصين، داخل الملجأ الأمين، مطمئنًا فى أحضان المراحم، حائزًا على ينبوع من التعزية».


امتلأت حياة «البابا كيرِلُّس السادس» بالمواقف الوطنية؛ فعلى الرغم من محبته لحياة التوحد والصلاة، فإنه كان يقدم مثلاً مشرقًا عن «مِصر» والمِصريِّين لكل من عرفه أو التقاه: فنجد مثلاً شَهادة د. «حسن فؤاد» مدير الآثار العربية الذى التقاه برفقة مدير «كلية اللاهوت بنيويورك» حين كان يجمع المعلومات عن الرهبنة القبطية وتاريخها فيقول: «يا أبى: لقد رفعتَ رأس الرهبان، وشرَّفتَ الرجل المِصريّ، فلك منى تحية حارة! وأرجو أن أبرهن عن عمق تقديرى واحترامى لك يومًا ما»،.. وبعد أن صار بطريركًا صار أبًا للمِصريِّين جميعًا، حتى إنه كان يأتيه المِصريُّون من كل صوب وجهة تبركًا بدعواته، سائلين نصائحه ومشورته.


وعندما حاول العدُو الخارجىّ تفتيت وَحدة الأمة، قام فضيلة «الإمام حسن مأمون»، شيخ الأزهر، مع قداسة «البابا كيرِلُّس السادس» بإصدار بيان تاريخىّ مشترك يؤكد تضامن المِصريِّين جميعًا فى القضايا التى يخوضها الوطن، مؤكدين وَحدة الهدف والموقف تجاه جميع ما يخص «مِصر» و«الشرق الأوسط»، وقد كانت أهم قضايا ذٰلك البيان هو موقف المِصريِّين من قضية «القدس»، كما كان لذلك البيان أثر مُدَوٍّ فى أرجاء العالم، كذٰلك تجلت الوَحدة المِصرية فى تلك المسيرة الشعبية التى اتفق عليها فضيلة «الإمام الأكبر المأمون» وقداسة «البابا كيرِلُّس» حين تقدماها تعبيرًا عن رفضهما لما حدث من اعتداءات على «فلسطين»، وعُدوان «إسرائيل» على «بيت المقدس» بمقدساته الإسلامية والمَسيحية، كذلك أرسل «البابا كيرِلُّس السادس» رسالة إلى «البابا بولس السادس» بابا روما قائلا: «لا يَخفَى ما أحدثه القرار الذى اتخذته «إسرائيل» – بضم «القدس» القديمة إليها – من حُرقة عميقة فى مشاعر العرب عمومًا مسلمين ومَسيحيِّين، وليس أشقّ على ضمير الإنسان ووجدانه من عمل عُدوانىّ يَمَس عقيدته ومقدساته، عندئذ تهون عليه روحه ودمه ويحلو له أن يموت شهيدًا فى سبيل الذود عن تراثه الخالد ومجده التليد (القديم)…»، ثم يسأله فى كلمات رسالته مساندة الموقف العربىّ فيقول: «إننا طالبنا وما زلنا نطالب، متجهين إلى الله، وإلى الضمير العالمىّ، ونسأل الله؛ لمساندة قداستكم ومعاونتنا لنكون صفًّا واحدًا فى نصرة هذه القضية العادلة…»، أيضًا يُذكر «للبابا كيرِلس» قيامه بإدلاء عدد من الأحاديث الصحفية، وإجراء بعض الحوارات للتليفزيون الفرنسىّ من أجل «القدس» وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، مع إصدار قداسته آنذاك قرارًا بعدم زيارة الأقباط إلى «القدس» احتجاجًا على ما يحدث من عُدوان.


وتأتى رياح العُدوان على أرض «مِصر» عند احتلال «إسرائيل» لـ «سيناء» عام 1967م، ليقدم «البابا كيرِلس السادس» دورًا وطنيًّا فى مساندة البلاد من خلال رسائله البابوية، وبيانات أصدرَها فى اللقاءات التى شارك فيها من ندوات ومؤتمرات شعبية؛ من أجل لمّ شمل المِصريِّين معًا لأجل اجتياز الأزمة التى تتعرض لها البلاد وقتذاك، ولتدعيم موقف الرئيس «جمال عبدالناصر»: وكيف لا يكون موقف البابا هكذا، وهو الذى قال ذات يوم للرئيس «عبدالناصر»: «إنى – بعون الرب – سأعمل على تعليم أبنائى معرفة الرب، وحب الوطن، ومعنى الأخوّة الحقة؛ ليشب الوطن على وَحدة قوية لديها الإيمان بالرب والحب للوطن…»؟! وكان من أدوار قداسته المأثورة أن طلب من الإمبراطور الإثيوبىّ «هَيلاسِيلاسي» أن يتخذ موقفًا مؤيدًا لقضية «مِصر» فى «الأمم المتحدة».


ولا يمكن لذاكرة التاريخ المِصرىّ أن تضعف عن موقف «البابا كيرِلس» وقت أن أعلن الرئيس «جمال عبدالناصر» تنحيه عن الرئاسة فى مساء 8 /6 /1967م إثر النكسة والهزيمة: ففى صباح اليوم التالى، بينما هو يصلى قداسًا كعادته اليومية، إذا به يذكر «مِصر» ورئيسها وشعبها، ثم عقب القداس تحرك مباشرة من الدار البطريركية يصحبه وفد من الآباء المطارنة وعدد من الآباء الكهنة إلى قصر الرئاسة، حيث التقى السيد «مُحمد أحمد» سكْرِتير الرئيس «عبدالناصر»، الذى أرسل سيارة لفتح الطريق أمام سيارة «البابا كيرِلس»، إذ كانت الشوارع ممتلئة بالمظاهرات، وعند وصول «البابا كيرِلس»، لم يجد الرئيس فى قصر الرئاسة بل كان ملازمًا منزله، فترك رسالة للرئيس مع السيد «محمد أحمد»، قائلاً: «قُل له إن الأقباط متمسكين به كرئيس، ويريدونه فى مركز القائد والزعيم للبلاد»، ثم غادر قداسته بعد وعد بتوصيل رسالته، وكان بعد عودة البابا إلى مقره بالأزبكية أن طلب الاستعداد لقرع أجراس الكنيسة وسط دهشة الحاضرين؛ إلا أن دهشتهم لم تستمر طويلاً: فقد أعلن بعد ذلك بقليل رئيس مجلس الأمة آنذاك السيد «محمد أنور السادات» أن الرئيس «جمال عبد الناصر» نزل على إرادة الشعب!! وفى صباح العاشر من يونيو 1967م، توجه البابا إلى القصر الجمهورىّ ليخُطّ كلماته فى سجل الزيارات، معلنًا سعادته وارتياح الأقباط بقرار الرئيس واستجابته لنداء الشعب فى استكمال دوره رئيسًا للبلاد.


ولم يتوقف دور «البابا كيرِلس» فى تلك المرحلة الحرجة من تاريخ «مِصر»، إذ نجد محبته لـ «مِصر» تتجلى فى إصدار قداسته أمرًا بأن يقيم الشعب صلوات القداس فى جميع الكنائس القبطية من أجل «مِصر» حتى يعطيها الرب الحماية والصمود، وإذا بإذاعة «إسرائيل» الموجَّهة باللغة العربية تتهكم على ذلك قائلة: «أبشِر يا «عبدالناصر»! فإن معك «كيرِلس السادس»، أما نحن فمعنا الأسطول السادس»، إلا أن تلك الروح الوطنية سرت فى المِصريِّين جميعًا، إذ بدأت إعادة بناء القوات المسلحة، ثم «حرب الاستنزاف» لتخسر «إسرائيل» كثيرًا من العتاد والأفراد و…


أختِم بكلمات مثلث الرحمات «البابا شنودة الثالث»: «حياة أبينا قداسة «البابا كيرِلس» مملوءة بالعمل وبالبركة فى كل ناحية، ومهما تكلمنا عنها لا نشبع».