تحقيق: محمد فتيان – شريف البرامونى
الأرقام بما أنها لغة حسب التوصيف العلمى لها يجب أن تجد من يستخدمها ويهتم بها وينشرها بين الناس؛ لكن هذا الانتشار متوقف على حسب رؤية الناس لأهمية الأرقام فى حياتهم العامة والخاصة، وهل تلعب دورا فى تحسين أو تغيير مسارات واختيارات ربما تكون رئيسية ومؤثرة على حياة الجموع من المواطنين.
«المصور» حاولت التعرف على أهمية الأرقام عند المصريين، والإجابة على تساؤلات عدة من بينها.. هل للأرقام دلالة يستخدمها المصريون فى تحسين حياتهم النهوض بها؟.. وهل للأرقام دلالة فى حياة جموع الشعب المصرى وماذا تعنى لهم؟.. وهل كل ما يعرفه المصريون عن الأرقام يتلخص فى زيادة الأسعار وزيادة الدخل ومعدل الإنفاق؟.. أم لها دلائل أخرى يعلمها المصريون.
وعن دلالات الأرقام فى حياة المصريين قال د. على فرغلي، أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة عين شمس: المصريون فى مقدمة الشعوب التى اهتمت بشكل عملى بلغة الأرقام عبر العصور، كما أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية التى مروا بها عبر العصور والأنظمة السياسية المختلفة ساهمت بشكل كبير فى تزايد معدلات اهتمامهم بالأرقام من أجل استمرار حياتهم اليومية ومواجهة الصعوبات التى تقف أمامهم على كل المستويات.
«د. فرغلى»، أكمل بقوله: الشعب المصرى دائما كان يمارس الدعابة والفكاهة بطبيعته للتخفيف فى الواقع الاقتصادى الذى يمر به، وهناك إحدى رسومات الكاريكاتير المعبرة عن خبرة المصريين فى التعامل مع الأرقام، والتى تعبر عن عجز الحاسب الآلى فى تقسيم الراتب الشهرى على أيام الشهر من أجل تلبية الاحتياجات حتى وصل الأمر إلى أن الحاسب تعرض إلى حريق هائل لعدم قدرته على تنفيذ الأمر، وهذا الكاريكاتير معبرحقيقى عن أوضاع الشعب المصرى وقدرتهم الإبداعية على الاستمرار وحل المشكلات.
وتابع: التاريخ الطويل من الأزمات التى عاشها الشعب المصرى منذ العصور الفرعونية جعلته يستحق جائزة نوبل بامتياز فى التعامل مع الأرقام، إلى جانب أن إبداع المصريين فى إنتاج عشرات الأطعمة من الفول والقمح دليل على استيعابهم الجيد للغة الأرقام.
كما أوضح أن ما اكتسبه الفلاح المصرى من خبرات طويلة من النضال ضد سلطات قمعية منذ الفراعنة وحجم الاستغلال الكبير الذى تعرض له، جعل لديه المقدرة على التعامل مع الأرقام بشكل سليم وواضح، ولو أنه لم يكن يمتلك تلك القدرات كانت حياته تحولت إلى جحيم لا يمكن لأى أحد تحمل نتائجها فى ظل أوضاع اقتصادية بالغة السوء.
وحول الفارق بين التعامل الشعبى مع الأرقام، وتعامل السلطات والجهات التنفيذية معها، قال أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة عين شمس: هناك فارق كبير بين التعامل الشعبى مع الأرقام وتعامل السلطات صاحبة القرار وإدارة الأمر مع لغة الأرقام، وهناك موقف ثابت عبر العصور متمثل فى غياب رقابة السلطات على بعضها بعضا، وانفراد سلطة معينة بزمام الأمور دون معارضة فى أى بلد يجعل من المسئول عندما يتحدث بلغة الأرقام كاذبا حتى لو حملت تصريحاته الصدق، على سبيل المثال السلطة الحاكمة فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أكدت فى تصريحاتها أن معدل النمو الاقتصادى تجاوز ٦٪ وبعد رحيل الزعيم تعرض الشعب المصرى لأزمة الخبز الشهيرة فى أحداث انتفاضة يناير عام ١٩٧٧، وهنا أيضا ما تقدم به الحزب الشيوعى السوفييتى خلال حكم ستالين عندما أكدت التقارير أن الشعب بأكمله داخل الاتحاد السوفيتى يميل إلى التفكير العلمىوالمنهج العقلي، وأن التأثير الدينى اختفى بشكل كامل من أدواته المستخدمة خلال حياته اليومية، لكن عندما انهار الاتحاد السوفيتى اكتشف العالم أن الشعب الروسى من أكثر بلدان العالم تدينا.
ورأى د.جودة عبد الخالق، الخبير الاقتصادى ووزير التموين الأسبق أن لغة الأرقام مرتبطة بالأساس بثقافة اجتماعية واسعة، موضحا أنه لا يمكن لأحد أن يؤكد أن الشعب المصرى يهتم بشكل كامل بالأرقام أو يهملها بشكل كامل، مشيرا إلى أن المصريين بالأساس يهتمون بشكل كبير بالأرقام المرتبطة بالحالة الدينية نتيجة سيطرة الأفكار الدينية عليهم بشكل واسع النطاق، فهناك اهتمام بالغ موعد قدوم الشهور العربية والمناسبات الدينية والدقة فى مواعيد الصلوات الخمس.
«د.جودة» تابع حديثه قائلا: هناك جوانب أخرى يتم استخدام الأرقام فيها ولا تلقى اهتماما من الشعب المصري، خاصة الأرقام المرتبطة بالحياة الدنيا مثل الأرقام المعبرة عن الأوضاع الاقتصادية، فعند الإعلان عن الدين العام وأنه قد تجاوز التريليون فهو مجرد رقم ليس له دلالة واضحة فى سياق حياتهم اليومية أو اهتماماتهم وعلاقة هذا الدين بتفاصيل الحياة الأخرى.
وأرجع السبب فى ذلك إلى ارتفاع معدلات الأمية بين المصريين والتى بلغت ٣٠٪ عند الرجال و٥٠٪ عند النساء، التى جعلت مسألة الاهتمام بالأرقام بعيدا عن كونها أمرا مهما فى حياة المصريين، مشيرا إلى أن الأزمة موجودة بين صفوف المتعلمين والمثقفين، فعلى الرغم من قلة عددهم، إلا أن مسألة الأرقام ليس قضية محورية ولا يتم الاعتماد عليها فى اتخاذ القرارات والتوجهات بشكل عام- على حد قوله.
وزير التموين الأسبق، أنهى حديثه قائلا: الاهتمام بالأرقام مرتبط بثقافة اجتماعية، يجب العمل على انتشارها بين الفئات المجتمعية المختلفة، لما لها من تأثير غاية فى الأهمية فى فهم الواقع الاجتماعى والاقتصادي، وبالتالى اتخاذ القرارات ووضع الاستراتيجيات.
من جهته قال د. أحمد فخري، أستاذ علم النفس وتعديل السلوك بجامعة عين شمس: اهتمام الشعب بلغة الأرقام يبدأ منذ مرحلة النشء، وتحديدا خلال الخمس سنوات الأولى من عمر الطفل فالأمر مرتبط بثقافة اجتماعية بالأساس، وهناك غياب واضح لأهمية الأرقام عند المصريين فى ظل أن الثقافة الاجتماعية والشعبية غير مرتبطة بلغة الأرقام، وقضية الوقت عند الشعب المصرى معبرة بامتياز عن غياب لغة الأرقام فى حياة المصريين اليومية.
«د.فخري» أكد أن الدراسة التى أجريت عقب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، عن قيمة الوقت عند المصريين وارتباطها بالعمل أكدت أن متوسط العمل اليومى فى مصر لا يتجاوز ٢٧ دقيقة من معدل الوقت المخصص للعمل، إلى جانب هذا فإن غياب التفكير العلمى الممنهج وانتشار الأفكار الغيبية فى تعامل المصريين مع بعضهم بعضا دليل دامغ على عدم اهتمام المصريين بالوقت والأرقام.
وأكمل: الأمر لا يقف عن السلوك الشعبى للمواطن المصري، لكنه ينعكس أيضا على مؤسسات الدولة وصنع القرار، نجد أن مؤسسات الدولة لا تتعامل مع الأرقام بشكل دقيق، فعند طرح قضية معينة أو أزمة ما، نجد أن بيانات المؤسسات متضاربة فى الأرقام، فكل جهة تتقدم برقم معين يختلف عن الجهة الأخرى، وهو ما يمثل أزمة كبيرة فى طبيعة وطريقة التعامل مع المشكلات، لأنه ببساطة هذا الوضع يضع الباحثين فى حيرة من أمرهم، وتحديدا فيما يتعلق بالأرقام التى يجب أن يعتمدوا عليها فى تقديم تحليلاتهم ونتائجهم.
«د.فخرى»، أوضح أيضا أن «المدقق فى بيانات الوزارات المختلفة يجد أنها تنطوى على عبارات غير محددة مثل: فى القريب العاجل أو خلال الفترة المقبلة وفى أسرع وقت ممكن، تلك العبارات غير محددة تعبر عن غياب حقيقى لقيمة وأهمية الأرقام عن الشعب المصرى سواء على مستوى السلطة أم المستوى الشعبي.
وحول الطرف الذى يتحمل مسئولية أزمة غياب الاهتمام بالوقت، قال: المسئولية لا يمكن أن يتحملها طرف واحد، فهناك مسئولية على أجهزة الدولة فى ضرورة التعامل الدقيق مع الأرقام واستخدمها بشكل يشعر المواطن بأهميته ودلالة تلك الأرقام ومردودها على حياتهم اليومية، وهناك مسئولية أخرى تقع على الجانب الشعبى فى ضرورة أن يكون للأرقام مكانة ذات شأن فى علاقاتهم الاجتماعية المباشرة وطريقة تربية النشء.
من جهتها قالت د. نوال التطاوي، أستاذ الاقتصاد ، رئيسة بنك الاستثمار العربي السابقة: الأرقام عصب الاقتصاد، وكل ما يتعلق بالحياة بشكل عام والاقتصاد بشكل خاص مرتبط ارتباط وثيق بتطور الأرقام، على سبيل المثال الموارد المصروفات المطلوبة للإنفاق، كيفية إدارة هذه الموارد بنود الإنفاق، حتى مصروف الأبناء، وهذا ما يؤكد أن كل ما يتعلق بالأقام له دلالة تتعلق بالحياة المادية للمصريين، وهناك أيضا أرقام تتعلق بالحياة الاجتماعية مثلا المواليد أرقام الهواتف المحمولة، وفي تقديري الأرقام جزء أصيل من حياة المصريين كل حسب الوعي والتراكم المتعلق بالخبرات الثقافية والاجتماعية لكل فرد في المجتمع.
وعن المسئولين وكيفية إدارة الأرقام قالت: علينا أن ندرك أن الأرقام في غاية الأهمية بالنسبة لكل مسئول كل في موقعة وأي كان مسئوليتة، لأنها تعكس الواقع وتعبر عن استراتيجيته الخاصة به ومفهوم الإدارة لدى كل مسئول، كما أن لغة الأرقام بالنسبة للمسئول تعني خارطة الطريق التي يضعها لذاته.. كما أنها تجيب عن تساؤلات عدة من نوعية.. وماذا تحقق منها؟.. وما هى اسباب الفشل والنجاح في المستقبل؟.. إلى جانب أنها تكشف نسبة المخاطر والتداعيات التي تتعلق بكل مرحلة وذلك الأمر المرتبك.
وعلى المستوى الشعبي أوضحت «د.نوال» أن «الأرقام في حياة كل فرد لها استخدام منها التضخم أو الدين العام، فكل مصطلح له خطة ودلالة عند كل فرد حسب المستوى الاجتماعي ومستوى تعليمي و درجة الاهتمام لدى كل شخص، ولذلك يجب تبسيط وتسهيل فهم هذه الأرقام لكل مواطن».