الإثنين 20 مايو 2024

أدب البحار.. سحر الأمواج ومكائدها

فن26-10-2020 | 22:31

ترجمة وإعداد: أحمد السعدني


منذ فجر التاريخ، كانت هناك رابطة غامضة بين البشر والماء. فقد استخدمنا الماء "الـمقدس" في مراسمنا الدينية. واستخدمناه أيضًا في زراعة المحاصيل التي تبقينا أحياء. لقد انتقلنا بجانب الماء، وشيّدنا المدن بالقرب من الماء، وكتبنا عن الماء، واحتفينا به منذ الأزمنة الغابرة. وهنا، سنجد بعضًا من أعظم روايات أدب البحار في الأدب العالمي، بداية من الكلاسيكيات مثل موبي ديك وإتش إم إس أوليسيس، وصولًا إلى الكتب التي ستجذب انتباه النشء مثل سجلات نارينا وسندباد. تلك الروايات هي التي يتعيّن على كل بحّار ومحب للبحر قراءتها. لقد سمعت عنها، وقرأت عنها، ولكن حان وقت قراءتها. 

"الربان والقائد"، باتريك أوبريان

الربان والقائد هو الكتاب الأول في سلسلة من الروايات البحرية، التي تقع أحداثها أثناء الحروب النابليونية عند مطلع القرن التاسع عشر. العلاقة بين الشخصيّتيْن الرئيسيّتيْن – القبطان "جاك أوبري" وجرّاح السفينة "ستيفن ماتورين" – هي ثيم مُشبع يستمر معنا خلال روايات السلسلة البالغ عددها 21 رواية. هناك أيضًا بعض الحركة والإثارة الجيدة في هذ الكتاب، والتي تستند إلى معارك ومآثر بحرية حقيقة. بالإضافة إلى بعض المكائد والمؤامرات، وقدر لا بأس به من الفكاهة.  

"موبي ديك أو الحوت"، هرمان ملفيل

بشكلٍ ما، موبي ديك هي قصة عن رجل مجنون ذي كاريزما لا تُصدق، يسعى إلى خوض حرب شيطانية ضد مخلوق كبير وواسع وخطير ومجهول، بقدر البحر نفسه. الرواية أكثر من مجرد رواية مغامرات، وأكثر من مجرد موسوعة عن علم وأساطير صيد الحيتان. حيث يمكن النظر إلى الكتاب على أنه جزء من تأملات المؤلف عن أمريكا التي قضى فيها حياته بأكملها. موبي ديك، التي كُتبت بروح فكاهية مدهشة، هي أيضًا غوص عميق في النفس البشرية، والإيمان، وطبيعة الإدراك. 

"جزيرة الكنز"، روبرت لويس ستيفنسون

جزيرة الكنز، التي تدور حول البحث عن كنز مدفون، وتناقش موضوعات مثل الجشع والعائلة والمعنى الحقيقي للكنز، تشتهر بأنها من أوائل روايات أدب القراصنة، وتقديمها لشخصية الشرير الأيقوني "لونغ جون سيلفر". وبجانب أنها رواية كلاسيكية من أدب المغامرات، فإن تُعتبر أيضًا كلاسيكية من كلاسيكيات أدب النشء، حيث إن بطلها هو الفتى المراهق "جيم هوكينز". وقد نالت حفاوة وشعبية هائلة وقت صدورها، وتبعها عدد لا يُحصى من الأعمال المُشتقة والأجزاء المُتممة والأعمال المقتبسة عنها. "ستيفنسون" نفسه أكمل خط إحدى الشخصيات في مسرحيته الأدميرال جوينا، وكتب العديد من الأجزاء التمهيدية والأجزاء المتممة. ومنذ ذلك الحين، اقتُبست الرواية في أكثر من خمسين عملًا سينمائيًّا وتليفزيونيًّا، بما في ذلك تلك الاقتباسات غير المباشرة، مثل نسخة الدُّمى المتحركة، وفيلم ديزني الذي نقل زمن الأحداث إلى المستقبل البعيد. هناك الكثير من الأعمال المسرحية المقتبسة عن الرواية أيضًا. تُعَدُّ "جزيرة الكنز" إحدى كلاسيكيات الأدب البريطاني، وما تزال تُدرّس بشكل واسع في المدارس حول العالم حتى اليوم.

"العجوز والبحر"، إرنست همينجوي

العجوز والبحر هي الرواية الأخيرة المنشورة لـ "إرنست هيمنجوي". وقد أثبتت نفسها باعتبارها أحد أكثر الأعمال الروائية الأمريكية خلودًا. إنها قصة صيّاد كوبي ومعركته الكبرى: معركته المنهكة الصعبة مع سمكة مارلين عملاقة، بعيدًا في تيار الخليج. باستخدام اللغة البسيطة القوية - التي تميز الحكاية الرمزية - يستخدم هيمنجوي ثيمات لم يُبْلِها الزمن، مثل الشجاعة في مواجهة الهزيمة، والانتصار الشخصي المنتزع من أنياب الهزيمة، ويحولها إلى كلاسيكية عظيمة من كلاسيكيات القرن العشرين. 

"عشرون ألف فرسخ تحت الماء"، جول فيرن

عشرون ألف فرسخ تحت الماء، تعتبر واحدة من أعظم روايات الخيال العلمي على الإطلاق، وتستعرض موضوعات مثل الثقافة والنظام الطبقي والحفاظ على الطبيعة. تُعتبر الرواية واحدة من الأعمال الأدبية الرائدة التي مهدت لحركة الحفاظ على البيئة، حيث تُظهر احترامًا كبيرًا للحياة البحرية. يُقال أيضًا إنها - بشكل من الأشكال - تجديد حداثي للعديد من ثيمات أوديسا هومر. حققت الرواية نجاحًا واسعًا، واحتُفي بها نقديًّا، وظلت تُقرأ على نطاق واسع، وما تزال تُطبع باستمرار منذ صدورها، وتُعَدُّ واحدة من أكثر روايات "فيرن" خلودًا. جرى اقتباسها مرات عديدة في السينما والتليفزيون والمسرح والأوبرا، والاقتباس الأشهر هو اقتباس ديزني السينمائي عام 1954 من بطولة "كيرك دوجلاس".   

"إتش إم إس أوليسيس"، أليستر ماكلين

تقع أحداث القصة على خلفية الحرب العالمية الثانية، وتقدم صورة مؤثرة عاطفيًّا لما كان يحدث في رحلات القوافل القطبية الروسية المنكوبة في الحرب العالمية الثانية. جمال هذا الكتاب لا يكمن في تصويره للمعارك البحرية أو في التكتيكات الهجومية الحربية فحسب، بل في عرضه للجوانب الإنسانية للحرب، وفي الطريقة الذكية التي بنى بها "ماكلين" كل شخصية؛ من البحّار ضئيل الشأن، إلى أدميرال الأسطول. يصف "ماكلين" الأوضاع غير الإنسانية على تلك السفن بمستوى من التفصيل يجعل القارئ يشعر بالألم. هي – إذنْ - ليست رواية مُبهجة، صحيحٌ أنك ستجد بعض الفكاهة القليلة هنا وهناك، ولكن الكتاب حزين بشكل يُدمي القلب في العديد من أجزائه. ستعاني مع معاناة كل فرد من أفراد طاقم السفن، خلال رحلتهم مع جحيم القوافل الروسية. ستبكي مع سقوط أحبائهم موتى من حولهم، وستبدأ في الدعاء من أجل أن تنتهي معاناة الشخصيات، أو تمنحهم الأقدار برهة ليرتاحوا قليلًا. ستحب الشخصيات، وستتعرف عليهم، وفي النهاية ستبكي من أجلهم. إنها قصة ستجعلك حزينًا، ولكنها جديرة بأن تُعرف، لأن ما ستقرأه هو في الواقع ما حدث، أو ما كان معتادًا أن يحدث في القوافل أثناء الحرب. 

"ذئب البحر"، جاك لندن

"همفري فان وايدن"، الذي ليس لديه خبرة بعالم البحر، يُبحر بقارب في خليج سان فرانسيسكو الذي يلفه الضباب، إلى أن يرتطم قاربه بقارب آخر ويغرق. ينقذه مركب شراعي يرأس طاقمه الربان "وولف لارسن" ذو الشخصية الاستبدادية، الذي يُجبر "وايدن" على الانضمام إلى طاقمه. ومع إبحار المركب إلى اليابان، يجد "فان وايدن" نفسه مُضطرًا إلى مصارعة ضعفه الجسدي، وتحمل الضغط النفسي الناتج عن علاقته بكابتن "لارسن". 

"ملحمة هورنبلور"، سي. إس. فورستر

يبدأ "هوراشيو هورنبلور" حياته المهنية في البحرية الملكية كضابط بحري لا يتمتع بالخبرة. وعبر سلسلة من التحديات والمغامرات التي خاضها داخل وخارج المعارك، يكتشف "هورنبلور" أنه في الواقع يتمتع بالموهبة في الملاحة والقيادة. اعتقد الناس في البداية أن "هورنبلور" أحمق، ولكنه فيما بعد يتحلى بالشجاعة، ويكتسب قوة الشخصية، مما يجعله بطلًا في عيون رجاله، وعيون إنجلترا بأسرها.

"تمرد على السفينة باونتي"، ويليام بلاي

استحوذت أسماء مثل "ويليام بلاي" و"فليتشر كريستيان" و"باونتي" على المخيلة الشعبية لمدة تزيد عن قرنين. قصة هذا التمرد الشهير لديها العديد من البدايات والعديد من النهايات، ولكنها جميعًا تشترك في أن التمرد وقع في أحد صباحات شهر أبريل عام 1789 بالقرب من الجزيرة المعروفة اليوم باسم جزيرة تونجا. في هذا الصباح، طُرد "ويليام بلاي" مع 18 بحارًا، وبدأوا رحلة سوف تُعتبر أعظم رحلة بحرية بقارب مفتوح في التاريخ، حيث يقطعون 4000 ميل إلى شاطئ النجاة في جزيرة تيمور. أما مصير المتمردين بقيادة "فليتشر كريستيان" فقد أصبح لُغزًا لم يُحَلّ بشكل كامل مُطلقًا. 

"البحث عن أكتوبر الحمراء"، توم كلانسي

في مكانٍ ما في أعماق المحيط الأطلسي، اتخذ ضابط مساعد سوفيتي قرارًا مصيريًّا وخطيرًا. كانت غواصة "أكتوبر الحمراء" تتجه غربًا. الأمريكيون يريدونها. والروس يريدون استعادتها. ومن ثم تبدأ أكثر مطاردات التاريخ إدهاشًا. ويظل البحث عن أكتوبر الحمراء تحفة من تحف الخيال العسكري، كتبها واحد من أكثر كُتّاب العالم شعبية، ممن ما تزال قصصه الواقعية قادرة على خطف ألبابنا على نحو مذهل. 

"حياة باي"، يان مارتل

"حياة باي" كتبها يان مارتل، وتحكي عن "بيسكين موليتور باتل"، المعروف باسم "باي". "باي" هو فتًى هنديٌّ بقي على قيد الحياة لمدة 227 يوم على قارب نجاة في المحيط الهادي بعد تحطم سفينته. علق "باي" في وسط المحيط مع نمر بنغالي يُدعى "ريتشارد باركر". يضطر "باي" إلى أن يتصالح مع معتقداته الروحية، ومع إيمانه بالله، ومع غريزة البقاء الإنسانية الأساسية. يفتتح المؤلف الكتاب بمقدمة قصصية تمثل إطارًا تدور في فلكه القصة الرئيسية. 

"روبنسون كروزو"، دانيال ديفو

"روبنسون كروزو"، هي الرواية الأولى للكاتب "دانيال ديفو"، نُشرت عام 1719. وقد كُتبت في شكل يوميات شخصية، وتحكي مغامرات "كروزو" البحّار الذي دفعته الأمواج إلى جزيرة غير مسكونة بالقرب من ترينداد، حيث عاش عليها وحيدًا منعزلًا طيلة 28 عامًا، يقابل خلالها مجموعة من آكلي لحوم البشر الكاريبيين، ممن يقتلون السجناء ويأكلونهم. تأخذ الرواية طابعًا اعترافيًّا صريحًا، حيث يستشرف "ديفو" بواطن نفس "كروزو" ويغوص في أعماقها، ويستعرض شكوكه الدينية، وإيمانه القوي رغم ذلك بالعناية الإلهية. وباختصار، يقدم شخصية يبدو أنها تمر بتحوّلات عديدة. 

"رحلات غوليفر"، جوناثان سويفت

قليلٌ هم الكُتّاب الساخرون الهجائيّون العظام، ممن بمقدورهم صوغ عملهم جيدًا، بحيث يخرج في النهاية في شكل مغامرة خيالية غرائبية مثيرة، تناسب الأطفال والبالغين على السواء، وفي الوقت نفسه تشكل هجومًا لاذعًا على طبيعة المجتمع. في رحلات غوليفر، لقد فعل ذلك بالضبط "جوناثان سويفت"، ومنحنا عملًا من أعظم أعمال الأدب الإنجليزي قاطبة. قصة "غوليفر" – الرحالة العملاق تارة، والقزم تارة أخرى – هي قصة مرحة وممتعة، وهي كذلك ذكية وبارعة ومثيرة للتأمل. 

"رحلة سفينة داون تريدر" (مغامرات نارينا)، سي. إس. لويس

في المغامرة الثالثة من سلسلة نارينا، نجد "لوسي" و"إدموند" يعيشان في لندن مع ابن عمهما "يوستاس"، الشخصية الباردة التقليدية التي لا تؤمن بالقصص أو بالسحر، في حين أن "بيتر" و"سوزان" يدرسان في المدرسة. وفي أحد الأيام، كان الثلاثة – لوسي وإدموند ويوستاس - يقفون أمام لوحة لسفينة ضخمة، تدب الحياة في اللوحة، وتسحب ثلاثتهم، ليجدوا أنفسهم على متن سفينة "داون تريدر". يلتقيان مرة أخرى بـ "كاسبيان"، الذي أصبح ملكًا يبحث عن أمراء نارينا السبعة الضائعين الذين أبعدهم عمه الشرير "ميراز". المُبهج في تلك القصة أن نارينا لن تتعرض للفناء، ولكنهم سيشهدون مَهمة إنقاذ بسيطة، ومغامرة تمخر عُباب البحر، حيث الحوريات والتنانين، والكنز الضائع، والقراصنة، إلى أن يصلوا إلى حافة العالم.

"سندباد البحّار، وقصص أخرى من ألف ليلة وليلة العربية"، المؤلف مجهول

قصص سندباد، والأهوال التي تعرض لها، تُعَدُّ إضافة متأخرة نسبيًّا إلى حكايات ألف ليلة وليلة، وهي تستند إلى تجارب ومغامرات تجار البصرة (العراق)، الذين كانوا يمارسون التجارة مع الهند الشرقية والصين في ظل مخاطر كبيرة، ذلك في فترة مبكرة من العصر العباسي (750 – إلى نحو عام 850 على الأرجح). وقد أسهمت المعجزات الكثيرة التي تزخر بها الحكايات في تضخيم المخاطر التي يتعرض لها التجار. 

في القصة الإطارية للحكايات، تتحطم سفينة "سندباد" بعد أن يبحر من البصرة في رحلة تجارية. وبمزيج من الدهاء والحظ يستطيع النجاة من المخاطر الشديدة التي يتعرض لها، ويعود إلى الوطن بثروة. أمّا الثيم المتكرر في كل حكايات سندباد فهو تَبَدُّل حاله بين الانتصار والهزيمة خلال رحلاته البحرية المليئة بالمغامرة، وانتصاره في النهاية، ثم عودته إلى الوطن. 


نشر المقال بالتعاون مع مجلة عالم الكتاب - عدد 47 - أغسطس 2020