السبت 1 يونيو 2024

بعد رحلة امتدت لأكثر من ٧٣ عامًا الطلب انخفض على خريجى البترول فى السنوات الأخيرة

26-4-2017 | 13:11

تقرير: أحمد جمعة

مرحلة جديدة يعيشها قسم هندسة البترول والتعدين بجامعة القاهرة، تزامنت مع الاحتفال بمرور ٢٠٠ سنة على إنشاء كلية الهندسة، لمواكبة التغيّر الذى جرى فى مقررات أقسام البترول على مستوى العالم، فالقسم الذى تم إنشاؤه لمواكبة النهضة الصناعية التى طمحت لها الدولة أوائل خمسينيات القرن الماضى، قرر إعادة النظر فى المناهج نظرًا للتطور الذى حدث فى الصناعة خلال السنوات الطويلة الماضية.

 

مع بشائر ظهور البترول فى مصر والمنطقة، قررت كلية الهندسة افتتاح قسم للبترول.. بدأت الدراسة بالقسم عام ١٩٤٤، وكان وقتها تحت مسمى قسم التعدين فى تخصصى هندسة المناجم وهندسة البترول، حيث استقبل بعض الطلبة المنقولين من السنة الأولى بالكلية “كانت الدراسة فى السنتين الإعدادية والأولى مشتركة بين جميع طلبة الكلية”، والتحق هؤلاء الطلبة بالسنة الثانية بالقسم، وهم الذين أكملوا دراستهم وتخرجوا عام ١٩٤٧ ويمثلون أول دفعة تخرجت فى القسم وكان عددهم ١٠ مهندسين مناجم و٦ مهندسين بترول، وكان إجمالى عدد خريجى كلية الهندسة - جامعة فؤاد الأول فى ذلك العام ٢٢٧ مهندسا.

فى أكتوبر من العام ١٩٥٩ تمت إضافة قسم هندسة الفلزات، حيث بدأت الدراسة لبعض الطلبة المنقولين من السنة الأولى تعدين، وتخرجت أول دفعة مهندسى الفلزات فى يوليو من العام ١٩٦٢ وكان عددهم ٢٢ مهندسًا، بينما كان إجمالى عدد خريجى كلية الهندسة جامعة القاهرة فى نفس العام ٤٩٨ مهندسًا من جميع التخصصات.

استمر عدد خريجى القسم من التخصصات الثلاثة فى التزايد حتى سبعينيات القرن الماضى، وكان عدد خريجى قسم هندسة المناجم والبترول والفلزات فى ذلك الوقت يمثل حوالى ١٠٪ من إجمالى الخريجين، ومنذ ذلك الحين بدأ عدد الخريجين فى التناقص، كما حدث مع بعض التخصصات الأخرى نتيجة لمتطلبات سوق العمل بمصر والدول العربية حتى عام ١٩٩٥، حيث بدأت أعداد الخريجين فى تزايد مرة أخرى. ويمنح القسم ثلاث درجات مختلفة فى تخصصات هندسة المناجم وهندسة البترول وهندسة الفلزات.

من جانبها قالت د. إيمان المحلاوى، رئيس قسم هندسة البترول والتعدين بجامعة القاهرة: نحاول مواكبة التوسعات الكبيرة فى المناجم، إضافة إلى الاكتشافات البترولية خلال المرحلة الحالية، فاللوائح للبرامج العلمية تسمح بتطويرها كل فترة زمنية، ونقوم بالتطوير بعد طلب المجلس الأعلى للجامعات ذلك.

“نعلّم الطلاب كيف يفكرون بشكل علمى، وهذا دورنا فى الجامعة، ولذا نطور المناهج”.. هذا ما أكدت عليه رئيس قسم هندسة البترول، نافية ما يُقال أن تطوير المناهج يعتمد على حذف أجزاء من المقررات، حيث أكملت: “المجتمعات غير المتخصصة أحيانا ما تقول كلاما غير صحيح، الشهادات فى بريطانيا أكبر من مصر، ولم يغيروا المناهج كل سنة، كما يحدث حاليًا مهما بلغت نسبة الرسوب، والحشو لا يعنى كثرة المقررات، بل يعنى الاعتماد على الحفظ وليس الفهم، ونحن نعلمهم المنطق فى العمل، لكن إلغاء المقررات ليس الحل الوحيد للتعلم، فالطرق الحديثة لوضع المناهج العلمية تبنى على تخصص الخريج للعمل فى سوق العمل، ولابد أن يعرف كل طرق تخصصه والتأثيرات عليها، والتكنولوجيا الحديثة فى هذا المجال”.

وأضافت: رغم ما تمر به أوضاع البترول فى العالم كله، إلا أن قسم البترول سيظل موجودا لكنه يجب التطوير، ففى الماضى كانت ٩٠٪ من الصناعات تعتمد على الصلب، ثم دخل الألومونيوم، ثم دخلت عناصر جديدة، وهذا يتطلب تحديث المناهج لزيادة وعى الطلاب، وبالنسبة لنا لا توجد مشكلة فى عمل الخريجين، لأن عددهم قليل وهناك الكثير من الوظائف المتاحة فى مجالات عدة، لكن الأمر يتوقف على إيصال الطالب إلى سوق العمل، وينتقل من مرحلة التدريس إلى العمل.

“بنساعد ولادنا علشان يلاقوا شغل”، هكذا تحدثت رئيس قسم هندسة البترول عن توظيف الخريجين، وتابعت: “من خلال البحث هناك من وجد فرص عمل، لأنه سعى ودوّر على شغل، وبنساعدهم لأنهم ولادنا حتى من الكليات التانية، وأى جهة عمل تطلب خريجين نمدهم بتلك السيّر الذاتية للطلاب، والقسم يخرج سنويًا ٤٠ طالبا من تخصصى الفلزات والبترول، و١٠ طلاب لقسم المناجم، وهذا العدد انخفض عن السنوات الماضية نتيجة انخفاض الطلب بسوق العمل”.

إلى جانب تعليم الطلاب فإن للقسم مهمة خدمة الصناعة- حسبما أوضحت د.إيمان المحلاوى، بقولها: الجامعة لها ٣ أدوار، الأكبر هو التعليم لاستمرار وجود خريجين بإمكانهم مساعدة البلد فى مجالات عملهم ويغطون كافة الاحتياجات، ثم البحث وهناك الكثير من الجهات موكلة إليها كلية البحث، وجامعة القاهرة لا تقل عن جامعات عالمية فى مجال البحث العلمى، وتطوير الصناعة جزء أصيل من دور كلية الهندسة.

الدور الثانى – والحديث لا يزال لـ”د. إيمان”- هو البحث لخدمة الصناعة، حيث نتعامل مع الشركات فى مجال بحوث التطوير ونستطيع أن نقول إننا لم نغطها فى مصر بشكل كبير أن تطلب الشركات التطوير لأمد كبير، لأن حركة الصناعة سريعة وهم يريدون حلولًا وقتية، والأمر الثانى العائد السريع فى حال وجود مشكلة بالشركة وتقوم المراكز البحثية بدرسها ويعمل الفريق منفصلا على التدريس لحل مشكلة الشركة، ما زالت الصناعة تحاول الوقوف على قدميها.

كما أكدت أن هناك طلبًا مطردًا على الحصول على اعتماد مواصفات للشركات مؤخرًا، وهذا يعزو إلى تفعيل الدور الرقابى من الحكومة، مضيفة: “هناك صحوة كبيرة وأى أمر يحتاج مطابقة مواصفات ولم يكن هناك طلب فى الوقت السابق على تلك الأوراق، مؤخرا يأتى الكثير من الشركات لطلب اعتماد مواصفات، ونلاحظ وجود صحوة فى ذلك”.

تلك الأدوار تخدم الصناعة من جانب، كما أنها تُضيف إلى الحصيلة المالية للقسم، كما تقول رئيسته: “هذا مقابل مبالغ مالية ويساعدنا كثيرا لرفع الأداء للطلاب، وعمل أنشطة، واستقدام عمالة، ووجود دخل للكلية للمساهمة فى الأبحاث، ومفيش جامعات حريصة على تمويل من الصناعة، وهذا له عدة مزايا”.

فى الدور الثانى للقسم جلس الأستاذان المتفرغان بقسم هندسة البترول، عبد الستار دهب وفؤاد خلف يتحدثان لـ”المصور” عن نشأة القسم وطبيعة الاكتشافات البترولية حاليًا، وقال “دهب”: الطلاب بدأوا يشعرون بتقليص فرص العمل وبدأ الإقبال يقل حتى وصل لـ ٢٥ طالبًا وهذا مؤشر إيجابى وليس سلبيا ارتباطا بسوق العمل، وهذا أحدث رد فعل للدراسات العليا، وعدد المسجلين لدرجة الدكتوراه والماجستير ١٠٠ حتى ١٥٠ رسالة وهذا عدد ضخم، كما أن أمور مساهمة القسم فى تطوير الصناعة بالشركات تقلصت مع وجود الإمكانيات العالية فى الشركات، والمنخفضة فى الجامعات، باستثناء برامج الحاسب الآلى التى يتميز بها أعضاء هيئات التدريس، ويبقى التعاون مع الشركات بحضور ورش قصيرة للعاملين ونقل ملخص المؤتمرات والأبحاث العلمية، والمشاركة فردية وشخص معين هو من يستطيع التعامل فى هذه الظروف.

“دفعة عام ١٩٤٧ هم عماد تشكيل القسم بعد ذلك، وكانت لهم أياد بيضاء على صناعة البترول فى مصر والدول العربية عامة”.. حسبما يرى الدكتور عبد الستار دهب، الذى أكمل: بدأ القسم ينمو والأعداد تزيد، وكانت فرص العمل ممتازة جدا حتى السبعينيات، حتى أصبح هناك الكثير من أقسام البترول بالجامعات بدلا من ٣ جامعات للبترول: القاهرة والأزهر والسويس، وتم تخريج نحو ٦٠٠ مهندس لا يعمل منهم أكثر من ١٠٪، وتم تقليص فرص العمل فى الخليج وبدأت الاستعانة بالعمالة الآسيوية بدلًا من مصر، وبدون تحيز فإن مهندسى البترول من مصر أفضل كثيرًا من غيرهم.

وعن الاكتشافات البترولية الحديثة قال د. فؤاد خلف: “هناك آمال للبحث فى المياه العميقة بالبحر، إنما خليج السويس والصحراء الغربية قتلت بحثا وهناك معوقات فى البحث بالمناطق السياحية ومناطق النزاعات، فى وقت ما كان الإنتاج يربو على المليون برميل، حاليًا دون الـ٦٠٠ ألف برميل، والغاز يبدو مجالًا واعدًا، لكن استهلاكنا يزيد أكبر كثيرًا من معدلات الاستكشاف، حيث نستهلك رصيد الأجيال القادمة وسنحاسب عليه فى يوم من الأيام، ولابد من النظر إلى التنمية المستدامة”.