الجمعة 21 يونيو 2024

رهانات الأصابع الخارجية.. فصل من كتاب الوثائق السرية لحكم الجماعة الفاشية لـ"خالد حنفي"

أخبار5-11-2020 | 10:41

"الهلال اليوم"، تنشر فصلًا من كتاب "الوثائق السرية لحكم الجماعة الفاشية"، للكاتب خالد حنفي، وجاء الفصل بعنوان "رهانات الأصابع الخارجية"، وجاء فيه:


لم تكن الجماعة الفاشية عدوا حقيقيا لأمريكا كما تدعى دائما.. الجماعة كانت دائما مع الأمريكان فى لقاءاتهم السرية قبل 25 يناير، وفى لقاءاتهم المعلنة بعدها.. كانت على وفاق معها وهو ما تكشفه الخطابات المتبادلة.. قبل 25 يناير كان يحلو للجماعة أن تهاجم أمريكا فى محاولة لكسب الشارع.. كانت تنظم المظاهرات ضدها فى الجامعات والنقابات كلما كانت طرفا فى أزمة تخص المنطقة العربية.. كانت تنظمها فقط من باب جلد الأنظمة الحاكمة وإحراجها أمام المواطنين.. لكن ما تحرمه الجماعة على الآخرين تحلله لنفسها.. هى من تمد يدها للغرب وللأمريكان.. تدعى ما ليس فيها من أنها جماعة داعمة للحرية لكى يرضى عنها الغرب ويؤمن بها.. بعد 25 يناير جرى استخدام الجماعة جيدا من قبل الأمريكان.. عمت الفوضى وكانت الجماعة القوة الوحيدة المنظمة على الأرض.. تلقت الضوء الأخضر من إدارة أوباما فنزلت بكامل قوتها بعد جمعة الغضب لإزاحة نظام مبارك.. نزلت واختطفت كل شيء وحدها.. ضحكت على الجميع وفازت هى بالبرلمان ومن بعده كرسى الحكم فى انتخابات لم يكن الأمريكان بعيدين عنها.. كانوا فاعلين ومحركين ومؤثرين وداعمين بإرسال كبار المسئولين لمقابلة قيادات الجماعة..

كان هناك لقاء مؤثر أشبه بالبروتوكول بين أمريكا والجماعة وهو اللقاء  الذى جمع  بين «آن باترسون» السفيرة الأمريكية ومحمد بديع المرشد العام.. اللقاء الذى حضره الدكتور محمود حسين الأمين العام للجماعة، ودونالد بلوم مدير المكتب الاقتصادى والسياسى بالسفارة الأمريكية.. فى هذا اللقاء - وكما جاء فى وثائق الإخوان - سعى المرشد لأن يحصل على الأمان من الأمريكان، قال للسفيرة: «تريدون منا طمأنة فأين رسائل الطمأنة لنا.. عندما تطمئنون الشعوب ستجدون تعاونًا جيدًا منهم وعليكم ترك سياسة الكيل بمكيالين».. لم يفوت المرشد هذا اللقاء وحاول أن يطمئن الأمريكان أنه يحترم حقوق الأقباط وحقوق المرأة وأنه يتعاون مع حكومة كمال الجنزورى بالرغم من رفض بعض الليبراليين التعاون معه والأغرب ما قاله «نحن ليبراليون أكثر منهم فإن كنا لسنا شركاء فى السلطة فنحن شركاء فى المسئولية».. حدث هذا بعد رحيل نظام مبارك .. لم تكن الجماعة تمد يدها فقط لأمريكا بل لدول أجنبية أخرى منها إيطاليا مثلا.


فقد أرسل سفير ايطاليا بالقاهرة خطابا إلى محمد بديع مرشد الإخوان يدعوه إلى حفل غداء على شرف رئيس الوزراء الإيطالي.. وهى الدعوة التى تلقفها المرشد وقبلها مرسلا خطابا يعرب فيه عن شكره للسفير ولجهوده الملموسة لدعم الصداقة الحقيقية بين الشعبين المصرى والإيطالي.. نفس الدعوة تلقاها محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان.. أيضا هناك دعوة تلقاها المرشد من ماسيو دى الما رئيس مؤسسة الإيطاليين الأوروبيين للثقافة السياسية لحضور مؤتمر عن الحضارات إقامته المؤسسة وجاء رده بأن موعد المؤتمر لا يناسبه فهو يأتى فى الفترة التى تقام فيها انتخابات الرئاسة، ثم قال إن الموعد الذى يناسبه هو 21 مايو ليتمكن من العودة قبل بدء الانتخابات. 


هناك أيضا وثيقة سرية بتاريخ 8 مارس 2012هى خطاب من نبيل الكوفخى عضو مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامى وجهه إلى محمد مرسى وعصام العريان عضوى مكتب الإرشاد، جاء فيها: بعد التحية والسلام» نود أن تتكرموا لنا بلقائكم يوم السبت القادم 10 مارس حيث سنكون مع الأصدقاء من أمريكا الدكتور براين فوكس والدكتور تيم اللذين كانا معنا بزيارتكم فى شهر نوفمبر الماضي.. حيث سنكون فى القاهرة يوم السبت فقط لترتيب اللقاء المقترح الذى تحدثنا فيه فى لقاء سابق.. ونتمنى أن يكون معكم عدد طيب من الإخوة المعنيين والمهتمين بالموضوع وجزاكم الله خيرا». انتهى الخطاب ولم تكشف الوثائق التى معنا عن طبيعة اللقاء أو الموضوع الذى جرى التحدث فيه ولا طبيعة الزيارة. 

ما سبق يؤكد أن هذه الجماعة تلعن أمريكا علنا لكنها فى الخفاء تطلب ودها وأبناء قادتها يحملون جنسيتها ويتفاخرون ويحتمون بها.


تبدل الحال تماما عندما وصلت الجماعة للحكم.. أمريكا الكافرة من وجهة نظرها هى صديق وحليف..  مدت أمريكا يدها فارتمت الجماعة فى أحضانها.. قدمت لها ما لم يقدمه أى حاكم مصري.. طمأنتها على أمن إسرائيل وتعهدت بحفظه أكثر مما قدمه أنور السادات بتوقيعه معاهدة السلام.. ما كانت تعاير به الآخرين أصبح من دواعى الفخر.


باعتراف قادة جماعة الإخوان المسلمين فقد تحالفوا مع أمريكا للوصول إلى السلطة.. أمريكا قدمت دعمها الكامل فقد كانت ترى أن الجماعة هى الأكثر تنظيما حتى لو كانوا أقلية.. أمريكا دعمت الإخوان حرصا على مصالحها وليس حبا فى جماعة تعرف جيدا أن كل دعواتها عن الحرية والديموقراطية واحترام الأقباط والمرأة مزيفة.. دعوات هدفها تجميل الصورة وعدم إخافة الغرب منهم.. قدمت أمريكا دعمها ووصلت الجماعة إلى الحكم.. لكن سريعا ما انقلب المصريون على محمد مرسى وجماعته.. سريعا ما تبين لهم كذب الجماعة وتضليلها للناس وبيعهم الوهم تحت عنوان»النهضة».. سريعا ما خرج المصريون فى مظاهرات حاشدة يطالبون بإسقاط حكم هذه الجماعة.. ازداد الغضب وانفجر مع العنف.. ازداد الغضب فازداد بطش الجماعة الفاشية سحلا وتعرية واغتصابا وقتلا.. وهنا وجدت أمريكا نفسها فى ورطة.. دعم هذه الجماعة بهذا الشكل يعنى أنها تخلت عما ترفعه من شعارات عن الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان حتى لو كانت شعارات غير حقيقية.. يعنى أنها كانت تضحك على كل شعوب العالم.. الجماعة فى ورطة حقيقية وأمريكا تريدها حتى ولو لفترة مؤقتة إلى أن تقضى مصالحها من ورائها وساعتها لن تتوانى فى أن ترفع يدها عنها وتتركها لمصيرها أمام هذا الغضب الشعبى الجارف.. إذا لا بد من التدخل.. لابد من حل ينقذ الجماعة من ورطتها.. لذلك لم يكن غريبا أن ترسل إلى القاهرة مايكل بوزنر مساعد وزير الخارجية.. التقى بوزنر عددًا من الشخصيات السياسية منهم على جمعة المفتى السابق وسعد الدين إبراهيم ومنى مكرم عبيد ونجاد البرعى وناصر أمين.. كما التقى بوزنر عمرو موسى والسيد البدوى ومحمد البرادعى من جبهة الإنقاذ وممثلين عن شباب الثورة.. بالإضافة إلى قيادات إخوانية منهم خيرت الشاطر وسعد الكتاتنى وقيادات سلفية منهم نادر بكار.. عنوان زيارة بوزنر هو إنقاذ الجماعة من أزمتها والتى لم تجد لها مخرجا.. كان الهدف أن تعرف الإدارة الأمريكية كيف تفكر القوى السياسية بعيدا عن حسابات الإخوان ورؤيتها.. كانت تريد أن تقف على المطالب والمبادرات التى أطلقتها القوى السياسية لحل الأزمة الطاحنة التى تمر بها مصر ومنها مبادرة حزب النور السلفي، وهى المبادرة التى أثنى عليها بوزنر وباركها وطلب من الجماعة الفاشية  تبنيها، وهو الكلام الذى منح حزب النور قوة ظهرت فى تصريحات قياداته، ويبدو أن المبادرة وصلت إلى أمريكا قبل أن يعلن عنها حزب النور، ويبدو أيضا أنها باركت المبادرة وهو ما تأكد لنا بلقاء محمد مرسى مع يونس مخيون رئيس حزب النور.. مباركة أمريكا لمبادرة النور هى التى جعلت مخيون يقول كلاما قويا لمحمد مرسى منه أنه يجب أن يكون رئيسا للمصريين وليس لجماعته فقط، وأن جماعته تريد أن تسيطر على كل مفاصل الدولة وتنفرد بها.. مباركة أمريكا لمبادرة النور لم تكن لوجه الله والوطن فهى أولا ربما تكون مخرجا للإخوان من الأزمة وثانيا تمنح السلفيين إحساسا بأهميتهم لدى أمريكا، وأنهم يمثلون قوة لا يستهان بها، وأمريكا ترى ذلك فى السلفيين.. ترى انهم شوكة فى ظهر الإخوان وان حشودهم الضخمة لابد أن يتم وضعها فى الحسبان.

حرص بوزنر على أن يلتقى قيادات سلفية أزعج الإخوان.. أزعجهم أكثر حرصه على لقاء عدد من قيادات جبهة الإنقاذ خوفا من دعم الجبهة فتمنحها قوة ليست فيها.. كانت أمريكا تضع هذه القوى أمامها ونسيت الشارع.. الشارع الذى يجب أن تدرك أمريكا انه يسبق كل القيادات التى تجلس وستجلس معها.. الشارع اقوى من كل قيادات الجبهة والمعارضة الفشنك واقوى من قيادات السلفيين والإخوان. 

   كان على مائدة الحوار بين بوزنر والقوى السياسية إمكانية أن تكون هناك انتخابات رئاسية مبكرة وتأجيل انتخابات مجلس الشعب.. لكن بوزنر أعلن أن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة من عدمه فى يد المصريين لا يد أمريكا.. قال ذلك لأنه يعرف جيدا أن الجماعة لن تقدم على هذه الخطوة مهما جرى ومهما كانت الضغوط.. لن تدخل معركة انتخابية نسبة الخسارة فيها كبيرة.. هم يملكون الآن كرسى الحكم فما الداعى للمقامرة به..  أما تأجيل الانتخابات البرلمانية فقد حسمه سعد الكتاتنى رئيس حزب الحرية والعدالة عندما قال إنه لا تعارض بين الحوار والانتخابات وهو ما يعنى أن الانتخابات ستجرى حتى لو فشل الحوار.. حتى لو سالت الدماء فى كل شوارع مصر.. لكن الانتخابات البرلمانية لم تتم ولا شيء آخر.. فقد نجح المصريون فى إزاحتها.

لقد جاء بوزنر إلى القاهرة لينقذ الإخوان، تماما كما فعل مع نظام مبارك بعد 25 يناير بأيام.. جاء لكنه لم يفعل شيئا فالغضب الشعبى كان قد وصل إلى ذروته.. غضب لا تنفع معه أى حلول دولية، وهى الدرس الذى علمه المصريون وقتها لمن يحكمون أمريكا.. ففى البداية كانت أمريكا تريد الإبقاء على نظام مبارك لذلك أخرجت المتحدث الرسمى باسم البيت الأبيض فقط ليعلق على الأحداث بينما التزم أوباما الصمت.. مع تصاعد الأحداث خرجت هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية السابقة لكن مع وصول الأحداث إلى ذروتها خرج اوباما بنفسه ليقول:على النظام أن يرحل الآن».. لقد أدركت أمريكا انه من الخطر عليها أن تدعم النظام أمام هذا الغضب الشعبى الكبير، ورحل النظام وبدأت أمريكا تدرس ما يجرى من أحداث فى مصر إن لم تكن فاعلة ومشاركة ومدبرة لها، وان كانت تعرف مسبقا من سيكون حليفها الجديد فى مصر.. كانت تعرف أن الجماعة هى بديل حكم مبارك.. كانت الاتصالات بينهما مستمرة.. بدأت أصلا فى ظل حكم مبارك، وكان الدكتور سعد الدين ابراهيم هو من قام بالتنسيق بينهما كما أعلن بنفسه.. كان الهدف من هذه اللقاءات التعرف على هذه الجماعة عن قرب.. ليس معنى هذا أن أمريكا بجلالة قدرها وبكل ما تملكه من أجهزة استخباراتية لا تعرف الجماعة لكن اللقاءات المباشرة تكشف لها مدى استعداد الجماعة للاستجابة  لما تريده.. تكشف لها عن نوايا الجماعة الحقيقية تجاه أمريكا وإسرائيل بعيدا عن التصريحات العنترية التى ترضى الجماهير وبعيدا عن مظاهرات «خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود».. لم تكن هذه اللقاءات معلنه وإن كانت أجهزة الدولة المخابراتية على علم بها.. بعد 25 يناير كانت اللقاءات بين المسئولين الأمريكيين وقادة جماعة الإخوان علنا، وتفاصيل اجتماعاتهم كانت تخرج فى بيانات صادرة من الجماعة نفسها مدعمة بالصور ثم تجد طريقها إلى النشر فى كل وسائل الإعلام.. كانت اللقاءات من دواعى فخر الجماعة بل كانت تتعمد هى النشر من باب إضفاء القوة عليها.

لم تفلح زيارة بوزنر ولا هيلارى كلينتون ولا اوباما نفسه فى إنقاذ الجماعة.. فشلوا جميعا فى الإبقاء عليها ونجح المصريون بانحياز الجيش فى إزاحة جماعة لم تكن تفكر أبدا فى أن تترك الحكم ما دامت وصلت إليه. موجود ذلك فى وثائقها ومطبوع فى وجدانها.

فشلت أمريكا لكنها لم ترفع يدها عن الجماعة وظلت بجوارها حتى آخر نفس.. أوباما يهدد مصر بقطع المعونة والجماعة تناشده وتناشد غيره بتوجيه ضربة عسكرية موجعة لمصر.. هدد أملا فى أن يتراجع الجميع عن خطوة إزاحة الجماعة.. ظل أوباما يراقب وعن قرب ما جرى قبل 30 يونيه وصدم وهو يتابع بيان عزل مرسى وإزاحة الجماعة.. تجاوز صدمته وعاد إلى تهديداته مرة أخري، وامتنع عن تسليم مصر طائرات كانت قد اتفقت عليها، وقامت إدارته باستضافة بعض قيادات الجماعة الفاشية للضغط على مصر.. فعلها وهو يعرف طبيعة الجماعة وأهدافها.. يعرف أن التيارات الدينية المتطرفة تغازلها لتأمن جانبها فقط.. لكنها أبدا لن تكف عن إيذاء أمريكا وغيرها من الدول.. لن تكف عن تحقيق أهدافها داخل مصر وخارجها..الجماعة نفسها تعمل ومنذ زمن بعيد على غزو أمريكا على جميع المستويات.. وجود أوباما فى الحكم كان يضمن للجماعة الفاشية الكثير ومن ذلك عدم وضعها على قوائم الإرهاب.. لقد رفض مشروع قانون اقرته اللجنة القضائية فى الكونجرس الأمريكى يطالب وزارة الخارجية باعتبار الإخوان جماعة ارهابية.. اللجنة التى رأت أن «الهدف الاستراتيجى لجماعة الإخوان المسلمين فى أمريكا هو نوع من الجهاد الأكبر فى تدمير الحضارة الغربية والقضاء عليها»، وهى الجملة التى وردت نصا فى مذكرة مرفوعة لمجلس شورى الإخوان، وقال رئيس اللجنة النائب بوب جودلاتي: إن «تبنى الإخوان المسلمين للإرهاب والتهديد الذى تشكله لأرواح الأمريكيين والأمن القومى الأمريكي، يجعل من تصنيفها منظمة إرهابية متأخرا جدا».. لم يتم تصنيف الجماعة على أنها إرهابية فقد كانت تحظى بحماية من أوباما.. رغم أن الجماعة -وكما قلت- تعمل منذ زمن بعيد لغزو أمريكا بطريقة ناعمة.. تعمل على اختراق مؤسسات أمريكا لكى تحكم قبضتها عليها بهدف التأثير على ما تتخذه من قرارات. هناك وثائق عن الغزو الناعم لأمريكا تؤكد علي ما خططت له الجماعة.. ربما تدرك مؤسسات أمريكا خطر هذه الجماعة والخارجين من رحمها.. المؤسسات التى تستخدمها فى تفتيت المنطقة وإثارة الفتن وهز أمنها القومى واستقرارها.. كل مرة تظن أمريكا أنها لن تكتوى بنار التنظيمات المسلحة أو التيارات المتشددة، وتكتوى من نارها وتذوق من عملياتها الإرهابية.. هناك مذكرة كتبها محمد أكرم، مطلع عام 1991 وهو أحد ابرز قيادات الإخوان المسلمين فى الولايات المتحدة الأمريكية، وعضو مجلس شورى الجماعة، وقيادى نشط فى 5 اقسام تتعلق بالتخطيط والمتابعة، وكان أيضا أمين اللجنة الفلسطينية وأحد القيادات المؤثرة فى حركة حماس، كما شغل منصب أمين عام مؤسسة القدس العالمية فى لبنان وقت أن كان يرأسها الداعية الإخوانى الشهير يوسف القرضاوي.

المذكرة تتكون من 13 صفحة، وتحمل عنوان «مذكرة تفسيرية»، وتحوى اربعة محاور، الاول مقدمة فى التفسير، والثانى تفسير التوطين، والثالث عملية التوطين، والرابع مـؤسسات التوطين الشاملة، وتم توجيهها إلى المسئول العام للجماعة، وأمين مجلس شورى الإخوان، وأعضاء مجلس شورى الجماعة، وتضمنت تأكيدا على ضرورة الاهتمام بمضمونها، باعتبارها محاولة من كاتبها  للمشاركة فى المسئولية الملقاة على عاتق قيادة الجماعة فى هذه البلاد، خاصة أنها تأتى فى الوقت الذى يشعر فيه «ببارقة أمل» وإشراقة خير تبشر بأن الجماعة بدأت تدخل مرحلة جديدة من مراحل العمل الإسلامى فى هذه القارة.

ودعا صاحب المذكرة قيادات التنظيم واعضاء مجلس شورى الجماعة أن يقرأوا المذكرة واصفا إياها بأنها «محاولة لتفسير وشرح بعض ما جاء فى الخطة بعيدة المدى والتى اعتمدناها وأقررناها فى مجلسنا ومؤتمرنا عام 1987»، وقال: أرجو من أخى الكريم أمين المجلس حفظه الله أن يدرج موضوع المذكرة على جدول أعمال المجلس فى اجتماعه القادم.

المذكرة تضمنت فى محورها الأول تفسيرا للهدف الاستراتيجى العام للجماعة فى أمريكا الشمالية الوارد فى الخطة بعيدة المدي، استنادا إلى الهدف الاستراتيجى العام للجماعة فى أمريكا والمعتمد من قبل مجلس الشورى والمؤتمر التنظيمى لعام 1987 وهو تمكين الإسلام فى أمريكا الشمالية أى إيجاد حركة إسلامية فعالة ومستقرة بقيادة الإخوان المسلمين، تتبنى قضايا المسلمين محليا وعالميا، وتعمل على توسيع القاعدة الإسلامية الملتزمة، وتهدف إلى توحيد وتوجيه جهود المسلمين، وتطرح الإسلام كبديل حضارى، وتدعم دولة الإسلام العالمية أينما كانت.

وأكدت المذكرة على أن الأولوية المعتمدة من قبل مجلس شورى الجماعة فى دورته الحالية والسابقة هى التوطين، إضافة إلى تطور العلاقة إيجابيا مع الإخوة فى الحلقة الإسلامية فى محاولة الوصول إلى الوحدة الاندماجية، مع التنبيه على الحاجة الدائمة للتفكير والتخطيط المستقبلى ومحاولة استشراقه والعمل على «تطويع» الحاضر ليستجيب ويتلاءم مع احتياجات وتحديات المستقبل، واستعرضت المذكرة ورقة المسئول العام التى أرسلها مؤخرا إلى أعضاء المجلس.

وورد فى مقدمة المذكرة هذا التفسير: لكى نبدأ بالتفسير لابد من استحضار السؤال الآتى «كيف تحب أن ترى حركة الإسلام فى أمريكا الشمالية بعد عشرة أعوام؟» أو «العمل الإسلامى فى أمريكا الشمالية عام (2000): رؤية استراتيجية»، ولابد -أيضا- من استحضار واستصحاب «عناصر» الهدف الاستراتيجى العام للجماعة فى أمريكا الشمالية وسأكررها «موقعة» متعمدا وهى:  إيجاد حركة إسلامية فعالة ومستقرة بقيادة الإخوان المسلمين، تبنى قضايا المسلمين محليا وعالميا، توسيع القاعدة الإسلامية الملتزمة، توحيد وتوجيه جهود المسلمين، طرح الإسلام كبديل حضارى، دعم إقامة دولة الإسلام العالمية أينما كانت.

واوضحت المذكرة أنه لابد من التأكيد على أنه من الواضح ومن «المعلوم من الواقع بالضرورة» أن الجميع متفقون على أننا نريد أن «نوطن» أو «تمكن» الإسلام وحركته فى هذه البقعة من الأرض، وهو ما يعنى أنه لابد إذن من تبنى فهم مشترك لمدلول التوطين أو التمكين، نفسر فى سياقه وعلى أساسه الهدف الاستراتيجى العام بمناصرة الجماعة فى أمريكا الشمالية.

وشرحت المذكرة مفهوم التوطين. كالتالي: وردت هذه الكلمة فى «معجم» ووثائق الجماعة بمصطلحات متعددة، بالرغم من أن الجميع قصد بها أمرا واحداً. ونعتقد أن الفهم فى المضمون مشترك. وسنحاول هنا تفسير الكلمة و«مرادفها» تفسيرا عمليا ذا دلالة حركية واقعة وليس تفسيرا لغويا فلسفيا. مع التأكيد أن تفسيرنا لا يكتمل إلا بعد استيعاب تفسيرنا «لعملية» التوطين ذاتها والتى ترد فى الفقرة اللاحقة. فنقول باختصار ما يلى: التوطين: أن يكون الإسلام وحركته جزءا من الوطن الذى يحيا فيه، التأسيس: أن يتحول الإسلام إلى مؤسسات ثابتة الأركان تقوم عليها قواعد الحضارة والبناء والشهود، الاستقرار: أن يكون الإسلام مستقرا فى الأرض التى يتحرك عليها أهله، التمكين: أن يكون الإسلام متمكنا من نفوس وعقول وحياة أهل البلد الذى يتحرك فيه. التأصيل: أن يكون أصيلا وليس طارئا أى متأصلا «متجذرا» فى تربة البقعة التى يتحرك عليها وليس نبتا غريبا عنها.

وتطرقت المذكرة إلى  تفسير عملية التوطين كالتالي: لكى يكون الإسلام وحركته جزءا من الوطن الذى يحيا فيه ومستقرا فى أرضه ومتأصلا فى نفوس وعقول أهله ومتمكنا من حياة مجتمعه وله مؤسسات ثابتة الأركان يقوم عليها البناء الإسلامى ويتحقق بها الشهود الحضارى، فلا بد أن تخطط الحركة وتجاهد من أجل امتلاك مفاتيح وأدوات هذه العملية لإنجاز المهمة العظيمة كمسئولية «جهادية حضارية» تقع على عاتق المسلمين وعلى رأسهم الإخوان المسلمين فى هذه البلاد.

وحددت المذكرة مفاتيح وأدوات تحقيق هذه الاهداف من خلال: تبنى مفهوم التوطين وإدراك دلالاته العملية، وركزت المذكرة التفسيرية على البعد الحركى والواقعى لمفهوم عملية التوطين وعلى دلالاتها العملية دون الالتفات إلى الاختلاف فى الفهم بين من هو المقيم وغير المقيم؟ أو من هو المستوطن أو غير المستوطن؟

ولفتت المذكرة إلى أن ما جاء فى الخطة بعيدة المدى بهذا الصدد يتضمن: إحداث نقلة نوعية فى منهجية تفكيرنا وعقليتنا لتتناسب مع تحديات مهمة التوطين، مع التأكيد على أن المقصود باحداث النقلة- وهو تعبير ايجابي- هو الاستجابة للتحديات الكبيرة لمهمة التوطين، ونعتقد أن اية استجابة تغييرية تبدأ بمنهج التفكير ومركزه العقل أولاً، ولكى يتضح ما نقصد بالنقلة التى ننادى بها كمفتاح يؤهلنا لخوض ميدان التوطين، بما يحقق الانتقال من عقلية التفكير الجزئى إلى عقلية التفكير الشمولي، والانتقال من عقلية التخطيط الجزئى «المبتور» إلى عقلية التخطيط الشمولى «المتواصل»، والانتقال من عقلية الحذر والتحفظ الى عقلية المجازفة والتحرر المنضبط، و الانتقال من عقلية  تنظيم النخبة الى عقلية التنظيم الشعبي، والانتقال من عقلية  الوعظ والارشاد الى عقلية البناء، والانتقال من عقلية  احادية الرأى الى عقلية تعددية الرأي، والانتقال من عقلية  التصادم الى عقلية الاستيعاب، والانتقال من عقلية  الفرد الى عقلية الفريق، والانتقال من عقلية  الترقب الى عقلية المبادرة، والانتقال من عقلية  التردد إلى عقلية الحسم، والانتقال من عقلية المبادئ إلى عقلية البرامج، والانتقال من عقلية الافكار المجردة إلى عقلية المؤسسات الحقيقية «وهنا بيت القصيد ولب المذكرة».

ونبهت المذكرة إلى ضرورة فهم المراحل التاريخية التى مر بها العمل الإسلامى الإخوانى فى هذه البلاد، حيث يعتقد كاتب المذكرة أن فهم واستيعاب المراحل التاريخية للعمل الإسلامى الذى قاده ويقوده الإخوان المسلمين فى هذه القارة مفتاح مهم جداً فى العمل من اجل التوطين، تلحظ من خلال الجماعة سيرها واتجاه حركتها ومنحنيات ومنعطفات دربها، وهذه المراحل تتمثل في:  مرحلة البحث عن الذات وتحديات الهوية، ومرحلة البناء الداخلى وإحكام التنظيم، ومرحلة المساجد والمراكز الإسلامية، ومرحلة انشاء المؤسسات الإسلامية- الطور الأول، ومرحلة انشاء المدارس الإسلامية- الطور الأول، ومرحلة التفكير فى الحركة الإسلامية العلنية- الطور الأول، ومرحلة الانفتاح على الحركات الإسلامية الاخرى ومحاولة الوصول إلى صيغة للتعامل معها- الطور الأول، ومرحلة احياء واستكمال انشاء المؤسسات الإسلامية- الطور الثاني.

ونبه صاحب المذكرة إلى أن الجماعة على أبواب هذه المرحلة فى طورها الثانى وعليها أن تدلف الباب وتدخله كما دخلته اول مرة، مع التأكيد على ضرورة فهم طبيعة دور الأخ المسلم فى امريكا الشمالية، لأن عملية التوطين «عملية جهادية حضارية» بما تحمل الكلمة، ولابد أن يستوعب الإخوان أن عملهم فى امريكا هو نوع من انواع الجهاد العظيم فى ازالة وهدم المدنية أو الحضارة الغربية من داخلها و«تخريب» بيوتها الشقية بأيديهم وأيدى المؤمنين لكى يتم جلاؤهم ويظهر دين الله على الدين كله، ودون هذا المستوى من الاستيعاب فإننا دون التحدى ولما نعد انفسنا للجهاد بعد، فقدر المسلم أن يجاهد ويعمل حيثما كان وحيثما حل حتى قيام الساعة ولا مفر من هذا القدر إلا لمن اختار القعود.. ولكن هل يستوى القاعدون والمجاهدون.

وشدد صاحب المذكرة على ضرورة إدراك أن الجماعة لا تستطيع أن تقوم بمهمة التوطين بمفردها أو بمنعزل عن الناس لأن مهمة بهذه الجسامة والضخامة كمهمة التوطين.. تحتاج إلى جهود عظيمة ومضنية، ولن يستطيع الإخوان - بامكاناتهم ومواردهم البشرية والمالية والعلمية- أن يقوموا بهذه المهمة بمفردهم أو بمعزل عن الناس، والذى يعتقد هذا فهو مخطئ والله اعلم، اما دور الإخوان فهو المبادرة والريادة والقيادة ورفع الراية ودفع الناس بهذا الاتجاه، ثم يعملون على توظيف وتوجيه وتوحيد جهود وقوى المسلمين لهذه العملية، ومن اجل ذلك لابد أن يتعمق عنده فقه «التحالفات» وفن «الاستيعاب» وأدب «التعاون».

وأكد صاحب المذكرة على ضرورة تحقيق المزاوجة والاندماجية المتدرجة المتوازنة بين العمل الخاص والعمل العام قائلا: نظن أن ما كتب حول هذا الموضوع كثير وفيه الكفاية ولكن يحتاج منا إلى تأطير زمنى وعملى بحيث يتحقق المطلوب بشكل متدرج ومتوازن ومتواكب مع متطلبات عملية التوطين، مع الإشارة إلى القناعة بأن نجاح توطين الإسلام وحركته فى هذه البلاد هو نجاح للحركة الإسلامية العالمية واسناد حقيقى للدولة المنشودة بإذن الله تعالي.

واوضح صاحب المذكرة أن هناك فهمًا - تخالفه هذه المذكرة- وهو أن تركيز عملنا فى محاولة توطين الإسلام فى هذه البلاد سيؤدى إلى تقصيرنا واخلالنا بدورنا فى اداء واجبنا تجاه الحركة الإسلامية العالمية فى دعم مشروعها فى قيام الدولة، نعتقد أن الاجابة من شقين: الاول- أن نجاح الحركة فى امريكا باقامة قاعدة إسلامية ملتزمة ذات قوة وفعالية وتأثير سيكون خير عون ودعم واسناد لمشروع الحركة العالمية.. لافتا إلى أن الحركة العالمية لم تنجح بعد فى «توزيع الادوار» على فروعها فتحدد لهم المطلوب منهم كأحد المشاركين أو المساهمين فى مشروع قيام الدولة الاسلامية العالمية، ويوم أن يتم هذا فسيكون لابناء الفرع الإخوانى الامريكى أياد ومواقف بيضاء يفخر بها الآباء.

مؤكدا أن استيعاب المسلمين وكسبهم بكل فئاتهم وألوانهم فى امريكا وكندا لصالح مشروع التوطين وجعله قضيتهم ومستقبلهم واساس حياتهم الإسلامية فى هذه البقعة من العالم.

واضاف صاحب المذكرة أن هذه المسألة تحتاج منا إلى «فقه للتعامل مع الآخرين» فالناس معادن، نحن نحتاج إلى اعتماد المبدأ الذى يقول: «خذ من كل الناس.. أفضل ما عندهم» افضل ما عندهم من تخصصات وخبرات وفنون وطاقات وكفاءات، والمقصود بالناس هنا من داخل الصف أو خارجه من الافراد والمؤسسات، وسياسة الأخذ تكون بما يحقق خدمة الهدف الاستراتيجى وعملية التوطين، ولكن التحدى الكبير الذى أمامنا هو: كيف نربطهم جميعاً فى «فلك» خطتنا «ودائرة» حركتنا لتحقيق مناط مصلحتنا؟ وليس لنا خيار- فى ظني- إلا التحالف والتفاهم مع من يرغب فى ملتنا، ويرضى بمذهبنا فى العمل، والساحة الإسلامية الأمريكية مليئة بهؤلاء ينتظرون الرواد.

 مشددا على أن المهم أن نوصل الناس إلى مستوى ادراك التحدى الذى امامنا كمسلمين فى هذا البلد والاقتناع بمشروعنا فى التوطين، وادراك مصلحة اللقاء والتعاون والتحالف، حينها لو طلبنا المال سيأتى طائلاً، ولو طلبنا الرجال لجاءوا صفوفاً، المهم أن تكون خطتنا هى «المعيار والميزان» فى علاقاتنا مع الآخرين، وهنا ينبغى تسجيل نقطتين الأولي: نحن بحاجة إلى ادراك وفهم موازين القوى الإسلامية على الساحة الأمريكية «ولعل هذا يكون مشروع دراسة مستقبلية»، والنقطة الثانية: أن الذى توصلنا إليه مع الإخوة فى «اكنا» يعتبر خطوة فى الاتجاه الصحيح وبداية الخير وأول الغيث، يحتاج منا انماء وترشيداً.

المذكرة تطرقت إلى ضرورة إعادة النظر فى هياكلنا التنظيمية والإدارية ونوعية القيادات واساليب اختيارها بما يتلاءم مع تحديات مهمة التوطين، وضرورة تنمية وتطوير مصادرنا ومواردنا وامكانياتنا المالية والبشرية بما يتناسب مع ضخامة المهمة الكبيرة.

واستعرضت المذكرة الموارد البشرية والمالية التى يملكها الإخوان وحدهم فى هذا البلد مدعيا أنها تدعو إلى الفخر والاعتزاز، ولو ضممنا إليها موارد اصدقائنا وحلفائنا ومن هم فى فلكنا يسبحون ولرايتنا ينتظرون، لادركنا أننا يمكن أن نخوض بحر التوطين ونستعرضه لاعلاء كلمه الله سبحانه، مع التأكيد على اعتماد المنهج العلمى فى التخطيط والتفكير واعداد الدراسات التى تحتاجها عملية التوطين وابرزها: تاريخ الوجود الإسلامى فى أمريكا، وتاريخ العمل الإسلامى الإخوانى فى أمريكا، والحركات والمنظمات والمؤسسات الإسلامية.. وتحليل ونقد، وظاهرة المراكز والمدارس الإسلامية.. تحديات واحتياجات واحصاءات، والاقليات الإسلامية، والجاليات الإسلامية والعربية، والمجتمع الأمريكي، تركيبة وسياسة، ونظرة المجتمع الأمريكى إلى الإسلام والمسلمين.. وغيرها كثير من الدراسات التى يمكن أن نوجه إليها اخواننا وحلفاءنا لاعدادها إما من خلال دراستهم الاكاديمية أو من خلال مراكزهم العلمية أو من خلال تكليفاتهم الحركية، المهم أن نبدأ.

ونبهت المذكرة إلى ضرورة الاتفاق على «آلية» مرنة وموازنة وواضحة لتنفيذ عملية التوطين ضمن «اطار زمني» محدد ومتدرج ومتوازن ومتواكب مع متطلبات وتحديات عملية التوطين، لفهم المجتمع الأمريكى من جوانبه المختلفة فهماً يؤهلنا للقيام بمهمة توطين دعوتنا فى وطنه واستنباتها على ارضه، مع تبنى «فقه» مدون يتضمن قواعد ومبادئ وسياسات وتفسيرات شرعية وحركية تتلاءم مع حاجات وتحديات عملية التوطين، والانفاق على معايير وموازين تكون بمثابة «حاسة الاستشعار» أو «برج المراقبة» للتأكد من أن اولوياتنا وخططنا وبرامجنا وهياكلنا وقياداتنا واموالنا ومناشطنا كلها تسير باتجاه عملية التوطين، وتبنى صيغة عملية مرنة يتكامل فيها عملنا المركزى مع عملنا المحلي.

وقال صاحب المذكرة إنه يجب ادراك دور وطبيعة عمل «المركز الإسلامي» فى كل مدينة بما يحقق عملية التوطين، لأن المركز الذى نسعى له هو الذى يمثل محور حركتنا ومحيط دائرة عملنا ونقطة ارتكازنا وقاعدة انطلاقنا، ودار ارقمنا لتربيتنا واعدادنا وانفاذ أبناء الجماعة، بالاضافة إلى أنه محراب عبادتنا حتى يتحول المركز الإسلامى - بالفعل- لا بالقول إلى نواة لمجتمع إسلامى صغير يكون انعكاسا ومرآة لمؤسساتنا المركزية، وينبغى أن يتحول المركز إلى خلية نحل يخرج شهداً حلو المذاق فيتحول بذلك المركز الإسلامى إلى مكان الدرس والاسرة والكتيبة والدورة والندوة والزيارة والرياضة والمدرسة والنادى الاجتماعى وملتقى المرأة ومحضن الناشئة والناشئات، ومكتب صنع القرار السياسى المحلى ومركز توزيع صحفنا ومجلاتنا وكتبنا واشرطتنا السمعية والمرئية.

مؤكدا أن الجماعة تريد أن يصبح المركز الإسلامى «دار الدعوة» و«المركز العام» بالمضمون اولاً قبل الاسم، وعلى قدر امتلاكنا وتوجيهنا لهذه المراكز على مستوى القارة، على قدر ما يمكننا القول إننا نسير بنجاح نحو توطين الدعوة فى هذه البلاد، أى أن يكون دور «المركز» كدور «المسجد» على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما انطلق يباشر «توطين» الدعوة فى عهدها الاول فى المدينة المنورة، ومن المسجد استأنف الحياة الإسلامية وقدم للعالم اروع وابهى حضارة عرفتها الإنسانية، وهذا يحتم أن تتحول -بعد حين- المنطقة والشعبة والاسرة إلى غرف عمليات للتخطيط والتوجيه والمراقبة والقيادة للمركز الإسلامى ليكون مثلاً ونموذجاً يحتذي.

واوضح أن اعتماد النظام يؤكد على أن فرز العاملين وتوزيع الادوار وتقلد المناصب والمسئوليات يكون على اساس التخصص والرغبة والحاجة وبما يحقق عملية التوطين ويسهم فى انجاحها.

لافتا إلى ضرورة تحويل مبدأ التفرغ لمسئولى المواقع الرئيسية فى الجماعة إلى قاعدة واساس وسياسة فى العمل، وبدونه قد تتعطل عملية التوطين «والكلام حول هذا الموضوع يحتاج الى تفصيل وتأصيل»، وادراك اهمية النقلة المؤسساتية فى عملنا الحركي، والجهاد من اجل تحقيقها على ارض الواقع بما يخدم عملية التوطين ويعجل نتائجه بإذن الله عز وجل.

وقال إن سبب تأخير هذا البند على اهميته القصوى هو لأنه يمثل سر ولب هذه المذكرة، ويمثل أيضا المظهر العملى والمعيار الحقيقى لنجاحنا أو اخفافنا فى سيرنا نحو هدف التوطين، والحديث عن المؤسسات العقلية أو الظاهرة المؤسساتية لا يحتاج منا إلى تفصيل كثير.. ويكفينا أن نقول إن اول رائد لهذه الظاهرة كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذ أنه وضع الاساس لأول مؤسسة حضارية وهى المسجد فكانت بحق «المؤسسة الشاملة» ثم هكذا كان فعل رائد الدعوة الإسلامية المعاصرة الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله عندما أحس هو وإخوانه بضرورة إعادة تأسيس الإسلام وحركته من جديد، فأقام المؤسسات بكل انواعها الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والكشفية والمهنية وحتى العسكرية، ويجدر القول إننا فى بلد لا يفهم إلا لغة المـؤسسات ولا يحترم ويحسب وزناً لأى مجموعة بدون مؤسسات فاعلة ومؤثرة وقوية.

واضاف، أنه من حسن الطالع أن بيننا من اخواننا من سبقونا بالقول والعمل من عند هذه النزعة أو العقلية او الميل لانشاء المؤسسات، مما يدفعنا إلى القول بشجاعة وصراحة- كما قالها ذات مرة السادات فى مصر «نحن نريد أن نقيم دولة المؤسسات» كلمة حق اراد بها الباطل.. وأنا اقول لإخوانى دعونا نرفع شعار الحق لاقامة الحق «نحن نريد أن نقيم جماعة المؤسسات». إذ أن بدونها لن نضع اقدامنا على الطريق الصحيح.

ولفت إلى أنه من اجل أن تتم عملية التوطين لابد ان نخطط ونعمل من الآن على تهيئة واعداد انفسنا واخواننا واجهزتنا واقسامنا ولجاننا لكى تتحول إلى مؤسسات شاملة بشكل متدرج ومتوازن ومتواكب مع الحاجة والواقع، والذى يشجعنا على ذلك- بالاضافة إلى الذى ذكر سابقاً- هو أننا نملك «اندية» لكل مؤسسة من المؤسسات التى ننادى بوجودها.

واستطرد قائلا: كل الذى نحتاجه هو ان نحكم ربطهم وننسق عملهم ونجمع عناصرهم ونوحد جهودهم مع غيرهم ثم نصلهم بالخطة الشاملة التى نسعى إليها، فعلى سبيل المثال: عندنا نواة  لمؤسسة «إعلامية وفنية شاملة»: نملك مطبعة + جهاز صف حروف متطور+ مركز سمعيات وبصريات+ مكتب إخراج فني+ مجلات وصحف بالعربية والإنجليزية «الافاق والأمل والسياسى وإلى فلسطين والمقتطفات الصحفية والزيتونة والراصد الفلسطينى ومجلة العلوم الاجتماعية» + فرقة فنية+ مصورين+ مخرجين+ مقدمى برامج+ محررين+ بالاضافة إلى خبرات إعلامية وفنية أخري».

واورد صاحب المذكرة مثالا آخر جاء فيه: عندنا نواة لمؤسسة «دعوية تربوية شاملة» عندنا قسم الدعوة الإسلامية فى الاسنا+ مؤسسة الدكتور جمال بدوي+ المركز الذى يديره الاخ حامد الغزالي+ مركز الدعوة الذى تسعى له لجنة الدعوة الآن والاخ شاكر السيد+ بالاضافة إلى جهود دعوية هنا وهناك».

وقال: هكذا يمكن أن نقيس على جميع المؤسسات التى ننادى بايجادها، لافتا إلى أن التحدى الكبير الذى امامنا هو أننا كيف نجعل من هذه الانوية أو العناصر «المبعثرة» مؤسسات شاملة مستقرة «متوطنة» مرتبطة بحركتنا وتدور فى فلك خطتنا وتأتمر بتوجيهنا، ولا يمنع - بل ينبغي- أن يكون لكل مؤسسة مركزية فروعها المحلية ولكن ارتباطها بالمركز الإسلامى فى المدينة شرط.

منبها إلى أن المطلوب أن نسعى لتهيئة الاجواء والسبل لتحقيق الاندماج بحيث تكون الاقسام واللجان والمناطق والشعب والاسر هى لب وجوهر المؤسسات- بعد حين، أى أن تحصل النقلة والتحول كما يلي: قسم التنظيم+ قسم الأمان -المؤسسة التنظيمية والإدارية- المركز العام، وقسم التربية+ لجنة الدعوة- والمؤسسة الدعوية والتربوية، وقسم الإخوان- المؤسسة النسوية، وقسم المال+ لجنة الاستثمار+ الوقف- المؤسسة الاقتصادية، وقسم الناشئة+ قسم المنظمات الشبابية- المؤسسة الشبابية، واللجنة الاجتماعية+ لجنة الزواج+ م.الرحمة- المؤسسة الاجتماعية، واللجنة الأمنية- المؤسسة الأمنية، والقسم السياسي+ لجنة فلسطين -المؤسسة السياسية، ومحكمة الجماعة+ اللجنة القانونية -المؤسسة القضائية، وقسم العمل المحلى -تتوزع اعماله على بقية المؤسسات، ومجلاتنا+ المطبعة+ قرقنا الفنية -المؤسسة الإعلامية والفنية، ومؤسسة الدراسات+ دار النشر+ دار الكتاب -المؤسسة الفكرية والثقافية، والجمعيات العلمية والطبية -المؤسسة العلمية والتعليمية والمهنية، والمؤتمر التنظيمى -المؤتمر التأسيسى الإسلامى الأمريكي، ومجلس الشوري+ لجنة التخطيط -مجلس شورى الحركة الإسلامية الأمريكية، والمكتب التنفيذى -المكتب التنفيذى للحركة الإسلامية الأمريكية، والمسئول العام -رئيس الحركة الإسلامية والناطق الرسمى لها، والمناطق + الشعب + الاسر - القيادات الميدانية للمؤسسات والمراكز الإسلامية.

واستعرض صاحب المذكرة مؤسسات التوطين الشاملة قائلا: نسعى ونجاهد من اجل أن تصبح كل مؤسسة من هذه المؤسسات المذكورة أعلاه «مؤسسة شاملة» على مدى الايام والسنين وما قدر لنا أن نكون فى هذه الديار.. المهم يكفينا اعتزازاً أننا وضعنا اللبنات ويأتى من بعدنا أقوام واجيال تكمل المسيرة والطريق ولكن بهدى سابق واضح المعالم، ولكى يتضح القول بمقصدنا من المؤسسة الشاملة المتخصصة، نذكر هنا ملامح ومظاهر كل مؤسسة من المؤسسات «الواعدة»، وهى كالتالي: دعوياً وتربوياً «المؤسسة الدعوية والتربوية»: بحيث تشمل مؤسسة نشر الدعوة «مركزية وفروع محلية»، ومعهدًا لتخريج الدعاة والمربين، وعلماء ودعاة ومربين ومبشرين ومقدمى برامج، وفنون وتقنية الاتصال والتبليغ والدعوة، ومحطة تليفزيونية، ومجلة دعوية متخصصة، ومحطة إذاعية، والمجلس الإسلامى الأعلى للدعاة والمربين، والمجلس الأعلى للمساجد والمراكز الإسلامية، وجمعيات الصداقة مع الاديان الاخري.. وما شابه ذلك.

أما الجانب السياسى «المؤسسة السياسية»: فتشتمل علي: حزب سياسى مركزي، ومكاتب سياسية محلية، ورموز سياسية، وعلاقات وتحالفات، والمنظمة الأمريكية للعمل السياسى الإسلامي، ومراكز معلومات متطورة.. وما شابه ذلك.

فى حين تضمن الجانب الإعلامى «المؤسسة الإعلامية والفنية»: علي: جريدة يومية، ومجلات اسبوعية شهرية وفصلية، و إذاعات، وبرامج تليفزيونية، ومركز سمعيات وبصريات، ومجلة للطفل المسلم، ومجلة للمرأة المسلمة، ومطبعة واجهزة صف حروف، ومكتب إخراج، واستديو تصوير وتسجيل، وفرق فنية للتمثيل والانشاد والمسرح، ومكتب تسويق وإنتاج فني.. وما شابه ذلك.

بينما تضمن الجانب الاقتصادى «المؤسسة الاقتصادية»: بنكًا إسلاميًا مركزيًا، وأوقافًا إسلامية، ومشاريع استثمارية، ومؤسسة للقروض الحسنة.. وما شابه ذلك.

اما الجانب العلمى والمهنى «المؤسسة العلمية والتعليمية والمهنية» فتشتمل علي: مراكز بحث علمي، ومعاهد تقنية وتدريب مهني، وجامعة إسلامية، ومدارس إسلامية، ومجلس للتعليم والبحث العلمي، ومراكز لتدريب المعلمين، وجمعيات علمية فى المدارس، ومكتب للتوجيه الاكاديمي، وجهاز للتأليف والمناهج الإسلامية.. وما شابه ذلك. 

وعلى المستوى الثقافى والفكرى «المؤسسة الثقافية والفكرية»: بحيث تشتمل علي: مركز للدراسات والبحوث، ومنظمات ثقافية وفكرية مثال: «جمعية العلماء الاجتماعيين- جمعية العلماء والمهندسين..»، ومعهد للفكر والثقافة الإسلامية، ودار نشر وترجمة وتوزيع للكتاب الإسلامي، ومكتب للتدوين والتوثيق، ومشروع ترجمة معانى القرآن الكريم والحديث الشريف.. وما شابه ذلك.

 فى حين يتضمن الجانب الاجتماعى «المؤسسة الاجتماعية الخيرية» بحيث تشتمل علي: نواد اجتماعية للشباب وابناء وبنات الجاليات، وجمعيات محلية للرعاية الاجتماعية والخدمات مرتبطة بالمراكز الإسلامية، والمنظمة الإسلامية لمكافحة الامراض الاجتماعية للمجتمع الأمريكي، ومشاريع المساكن الإسلامية، ومكاتب الزواج والقضايا العائلية.. وما شابه ذلك.

بينما يتضمن الجانب الشبابى «المؤسسة الشبابية»: منظمات شبابية مركزية ومحلية، وفرق ونوادى رياضية، وفرقًا كشفية.. وما شابه ذلك. أما الجانب النسوى «المؤسسة النسوية»: فيجب أن تشتمل علي: جمعيات نسوية مركزية ومحلية، ومعاهد التدريب والتشغيل الفنى والتدوير المنزلي، ومعهد لتدريب الداعيات، ودور الحضانة الإسلامية.. وما شابه ذلك.

ونبهت المذكرة إلى ضرورة تطوير الجانب التنظيمى والإدارى «المؤسسة الإدارية والتنظيمية» بحيث تشتمل علي: معهد للتدريب والتنمية والتطوير والتخطيط، وخبراء بارزين فى هذ المجال، وانظمة عمل ولوائح ودساتير تصلح لإدارة اعقد الاجهزة والمؤسسات، ومجلة دورية فى التنمية والإدارة الاسلامية، وامتلاك مخيمات وقاعات للانشطة البشرية، وشبكة اتصالات متطورة، وارشيف متطور لتراثنا وإنتاجنا.. وما شابه ذلك.

ولفتت إلى ضرورة أن يشتمل الجانب الأمنى «المؤسسة الأمنية» علي: نواد للتدريب وتعلم وسائل الدفاع عن النفس، ومركز يعنى بالشئون الأمنية «فنياً وفكرياً وتقنياً وبشرياً.. وما شابه ذلك، اضافة إلى تطوير «المؤسسة القانونية» بحيث تشتمل علي: مجلس فقهى مركزي، ومحكمة إسلامية مركزية، وجمعية المحامين المسلمين، والمنظمة الإسلامية للدفاع عن حقوق الإنسان.