الأحد 12 مايو 2024

الفسطاط.. لماذا؟

كنوزنا20-11-2020 | 12:40

تاريخ العالم هو تاريخ السلطة لأن التاريخ - مع الأسف الشديد. لايهتم بالشعوب، ولايحترم الضعفاء ولايتعقب المغمورين؛ ولهذا السيد أيضا ، فالتاريخ اكثرد مزيف ومزور

وأغلبه اکاذیب، لأن الذي يكتب التاريخ هو السلطة، ولذلك. ستجد أعداء السلطة دائما على خطا. والحق دانما في جانب السلطان والويل دائما للمهزوم لأن التاريخ من اتباع المنتصر وهو من حشيم السلطان. وفرد من طاقم خدم الوالي

عندما انهزم عبدالله بن الزبير نعنود بأحط النعوت ووصفود باحقر الأوصاف، عندما قتل الحاكم بأمر الله. رموه بالجنون، اشاعوا عنه انه حال بين النساء وبين ارتداء الكعب العالى : وانه حرم اكل الملوخية. وانه أمر الناس بالعمل ليلا والنوم نهارا : مع انه كان واحدا من أعظم حکام مصر، وخادما من خدام الحقيقة، وفارسا من فرسان الفكر ودرويشا من دراويش الحياة. وعندما هرب نابليون من منفاد في جزيرة البا. كانت مانشيتات صحف باريس خلال أربعة أيام متتالية على النحو التالي : هروب المجرم، الخائن يصل الى الشاطيء. المخرب يزحف نحو باريس. البطل في باريس : وهتلر يعرفه العالم الان على أنه الرجل الوحش، مصاص الدم. اكل لحوم البشر، احقر من ولدته أمراة. عدو البشرية رقم واحد 'تری كيف ستكون صورته لو انه هو الذي انتصر أغلب الظن انه كان سيصبح محرر الشعوب وحامي حمى الإسلام ' وبالقطع كان الجنون سيكون من نصيب تشرشل، والخرق هو طابع ديجول، والخيانة هي حرفة روزفلت و احيانا. ينصف التاريخ بعض المهزومين من هؤلاء مثلا عمنا المارشال رومل، صحيح انه انهزم. ولكنه ظل حتى الأن اشهر قائد انجبته الحرب العالمية الأخيرة و عبد الناصر لم ينهزم، ولم يفقد السلطة وهو حي، ولكنه فقط توفي إلي رحمة الله، ولكن لانه مات فقد لعنوا سنسفيل أجداده والصقوا به كل تهمة. ورموه بكل نقيصة. مع اننا جميعا، الذين نسمع الشتائم ونقرأ سيل الاتهامات، كنا أحياء نرزق.

ونصفق لأمجاد عبد الناصر وانتصاراته وشموخه العظيم : ومأساة عبد الناصر ليست هي المثال الوحيد على استرزاق كتبة النارية، فقد تكررت كثيرا في تاريخ مصر الحديث والقديم، وتكررت كثيرا في تاريخ الإمبراطوريات العربية ، سواء في القاهرة أو في دمشق. عندما قتل محمد بك أبوالدهب سيده على بك الكبير. الغي كل القوانين التي منها سلفه. ورد الأموال والأملاك المصادرة الى اصحابها ، عفا عن المنفيين خارج مصر. وسيه سيده واتهمة بكل رذيلة ، مع أن التاريخ الحقيلي يقول لو أن على بك الكبير استمر في السلطة لتغير تاريخ مصر، لأن على بك الكبير هو أول من حاول بناء الدولة المصرية في العصر الحديث وفي سبيل ذلك شرع في اتخاذ اجراءات اجتماعية حاسمة، فأمم الأرض الزراعية وصادر الثروات التي تراكمت نتيجة احتكار السلع والاتجار في السوق السوداء وأسس جيشا وطنيا وافقام اول مصانع للسلاح، وشهدت مصر في عدد حالة من الاستقرار والرخاء، دفعته الى التفكير في غزو تركيا نفسها وهدم الخلافة الاسلامية ونقلها الى القاهرة ، ولكن المؤامرة قطعت الطريق على على بك الكبير، وكان نائبه وساعدد وقائد جمله محمد بك أبو الدهب هو الذي تولى القيام باهم دور في المؤامرة، ولذلك ناخر نهوض مصر فترة من الزمن. حتى جاء محمد على باشا الكبير، فسار على درب على بك الكبير. واستطاع = رغم كل شيء - تأسيس الدولة المصرية الحديثة، وعندما احتدمت المعركة بين الجيش المصري وجيلي ابن عثمان في معركة مرج لایق و انهزم سلطان مصر قنصوه الغوري. وصارت مصر قيادة سلطنة. ودخلت نحت حكم السلطان أين علمان. تولى خایر بك منصب نائب السلطان العثماني. وكان يشغل نفس المنصب في أيام سلطان مشر قنصود الغورى، وذلك بسماد العامة خاين بك بينما أطلق علية كلية التاريخ وصف منقذ مصر، ووصفوه بالحكمة والحصافة ورجاحة العقل، وبقول عمنا این اباس (وبعد أن تخففت هزيمة السلطان قنصوه الفوري وضاع ملکه، التفت الحاشية القديمة حول السلطان ابن عثمان. يقدحون في سيدهم السابق ويقبحون أعماله ويسلمون ارشد، و الصقوا به كل دنية ورود بكل تفض، مع أن لحوم اكتافهم كانت من خبرة ، والخير الذي كانوا برفلون فيه من فضل نعمنه ). و عندما مات الخليفة الأموي في دمشق أبلغ الحاجب ولي العهد الوليد بن عبد الملد بنبا موت الخليفة وكان بعيش منفيا في إحدى القرى الواقعة بين العراق والشام قادر ولى العهد بان نوضع كل متعلقات دار الخلافة في حرز حريز حتى يعود الى دمشق من

مفاد ولكن الخليفة المتوفي أستيقظ فجاة في المساء وتبين أنه كان في اغساعد طويلة، وبعد أن تململ في فراشة وتلفت حوله طلب شربة ماء، فجاءه الخادم بشرية الماء في كوز من الصفيح، وكان الخليفة طاسة من الذهب الخالص بشرب فيها الماء، فطلب الطاسة الذهب ليشرب فيها، ولكن الخادم اعتذر له لأن الخليفة الجديد أمر بتحريز الطاسة مع متعلقات الخليفة، وأمر بعدم استعمال أي شيء منها، فلما سمع الخليفة القديم ما قاله الخادم شهق شهقة طويلة وفارق الحياة، وقبل أن يتمكن من أن يشرب بشرية الماء ! أنه تاريخ طويل ولا أعتقد أن أحدا لديه صورة دقيقة عن أحوال مصر لحظة دخول عمرو بن العاص. وليس بين أيدينا الا وصف لمعارك، وأخبار البطولات ! ولكن الشيء الأكيد أن فتح مصر خلصها من قبضة حكم رومانی متجير ولا يرحم. ولا ندري ما الأسباب التي جعلت عمنا عمرو بن العاص يختار هذا الجزء على ضفة النيل في مواجهة الجيزة لاقامة عاصمة الدولة الجديدة، وقيل في تبرير هذا الاختبار أنه اختار مكانا يتوسط الوادي، وقيل أيضا أنه تفاعل عندما باغت الحمامة على خيمة القائد فأمر بأن تقام العاصمة في المكان نفسه ! ولكن الحقيقة أن عمرو بن العاص اختار المكان الأفضل لقيام عاصمة ، وهو في الواقع لم يكن اختيارا ولكنه كان فرضنا ، ففي مواجهة المكان الذي اختاره. وعلي شاطيء النيل في بر الجيزة، قامت أزهر وأشهر عاصمة لمصر في العهد القديم ، متف. كما أنه على بعد مرمى حجر من المكان الذي حدده عمرو كانت تقوم عاصمة الأقباط المصريين حول قصر الشميع. واذا كان الرومان قد اختاروا الإسكندرية عاصمة لمصر فإن ذلك الاختيار لم يكن موفقا، ولم يكن نتيجة الدراسية أو بحث. وانما كان استجابة لنداء عاطفی عند الرومان. فهي مدينة ساحلية وايضا شديدة الشبه بنابولي، وشم في بلد كهذا لا يشعرون بالغربة ولايعانون الحر في داخل البلاد ! المهم أن عاصمة عمرو قامت وازدهرت بسرعة، واختار لها أسم الفسطاط، وهي كلمة رومانية، فوسطیطوس، ومعناها المعسكر ا وحول جامع عمرو بن العاص نشات المدينة وترعرعت، وكانت أسواقها عامرة وتجارتها نشطة وحركة السياحة فيها على ودنه

وشهدت فترة من الزمان كان فيها العدل المطلق هو الدستور، وعبارة لا إله إلا الله في الشعار، نعم، لا إله إلا الله، فكل الناس عبيده، الخليفة والوالي وصاحب الخراج والقاضي والجميع. وكان عمر بن الخطاب، الذي كان العدل دينه بحكم من المدينة المنورة امبراطورية مترامية الأطراف ولي عهده شهدت الفسطاط لأول مرة في تاريخها، ولأول وأخر مرة أيضا، حادثا عظيما هو جلد ابن الوالي بأمر من الخليقة لانه جلد واحدا من أبناء الرعية ؛ وهو حادث لو وقع اليوم لعده الناس علامة من علامات الأخرة، ونذيرا بنهاية الحياة ! ولكن هذا العصر الذهبي للفسطاط لم يستمر طويلا ، فسرعان ما تبدلت الأحوال وافز الى السلطة في أمبراطورية الإسلام هؤلاء الذين حاربوا الإسلام بضراوة، وقاتلوه الى أخر لحظة ولم. يؤمنوا الا عندما أصبحوا من الطلقاء ! هكذا تربع على السلطة معاوية ونقل مركز الخلافة من المدينة الى الشام، وعلى الفور شهدت الفسطاط مصرع واليها محمد بن أبي بكر، وقد وضعوه في بطن حمار وأشعلوا النار في الحمار وفي الوالي، ثم نثروا رماد الاثنين في الهواء ولم يفهم أهل مصر سعر التطورات الأخيرة، خليفة ذهب وخليفة جاء ، ولكن بين الذهاب والمجيء حدثت تطورات عميقة وأحداث عنيفة، وتقليات اجتماعية حادة. واعتبروا الأمر كله بخص هؤلاء العرب الوافدين من وراء الصحراء فقد كان أهل مصر حتى تلك اللحظة يدفعون الجزية ويعيشون في سلام : ولكن الغريب حقا أن العرب الذين يعيشون في الفسطاط لم يهنوا كثيرا بالأمر. ولم يقاوموا العهد الجديد ! عاد عمرو بن العاص من جديد واليا من قبل معاوية، وسارت الأمور سيرها المعتاد، فلا نورة ولا هبة ولا حتى مظاهرة تهتف بسقوط الخليفة !

وعادت المدينة تنمو وتتسع، وتاكل من الصحراء وتهجم على شاطىء النيل. ولكنها افتقدت الشيء الذي كان موجودا من قبل. اختفى العدل وحل محله مزيج من القيصرية والكسروية والملك العضوض ؛ وهكذا انشئت المباني وانحطم شيء ما في داخل النفس، واتسع العمران وانكمشت الحرية، وانفتح باب التجارة، وأغلق باب الاجتهاد.

ثم جاء يوم كربلاء، في رقعة ضيقة من الأرض في العراق، وقفت الثورة والثورة المضادة وجها لوجه لأول مرة في تاريخ الإسلام، في معركة الجمل ومعركة صفين كان الأمر يختلف، كان الإسلام في السلطة ممثلا لي على، وكانت الثورة المضادة تدعي حقوقا في السلطة، ولكن في كربلاء كانت الثورة المضادة في السلطة وكانت الثورة في الشارع، ولم يكن لديها من أسبي القوة إلا النذر البسمي، ومع ذلك قررت أن تخوض المعركة، وهي على يقين عن خسارتها، على الاقل لتكون قدوة مادامت لم نستطع أن تكون سلطة وعندما سقط الحسن علي الأرض رأسما بدمائه - على التراب - نهرا رفيعا من الدم، سرعان ما انسع وامتد ليصبح طريقا طويلا ، هو الطريق الوحيد لكل من يرغب = في المستقبل - في اعتراض طريق الطاغية أو الوقوف في وجه الباطل ؛ ومع أن الفسطاط على بعد عدة الآلاف من الكيلومترات من الموضع الذي سقط فيه الحسين. إلا أنها اهتزت للأمر. لم ترفع السلاح في وجه الخليفة القاتل استغفر الله، ولم تشق عصا الطاغية على الحكم المباغي الذي يتحكم من دمشق، بل اهتزت بطريقة أخرى مختلفة و ستصير طابع العاصمة بعد ذلك حتى وان غيرت اسمها من الفسطاط إلى القطائع الي العسكر الى القاهرة ؟

كان الخليفة يزيد الذي أدخل السرور الى قلبه، العبث برأس الحسين بقضيب من جديد وهو جالس يتسلى على سرير الحكم، قد امر عماله في الأقاليم بان يبعثوا اليه بنسل النبي ليتخلص منهم جميعا بضربة واحدة والى الأبد 1 لانه لن پهدا لخليقة دمشق بال اذا بقى أحد منهم ما ، أن الكفار الذين انهزموا في بدر تمكنوا من النار في كربلاء، ولكن شبح بدر الإيفارق الكفار ابدا حتى وان قبضوا على زمام السلطة، انهم يخشون من بدر أخرى. ولذلك وجبت ابادة كل أسرة النبي الذي هدم الأصنام في الكعبة، حتى لا يكون هناك أمل في بدر أخرى، وبهذا فقط يصفو الجو ویروق البال ! وكان والى الفسطاط أحد الذين تلقوا الأمر بالقبض على أهل النبي وكل من يمث الي الحسين بصلة، وان يرسل الجميع بربطة المعلم الي دمشق لكي يتسلى الخليفة بقطع رقابهم، وبعنقها على اشجار دمشق الفيحاء ! وكان على والى مصر أن ينفذ الأمر، وإلا فإن رقبته هو شخصيا ستكون الثمن. ولما كان الوالي حريصا على رقبته، وحريصا أيضا على انقاذ نفسه من غضب الآله، فقد هداه تفكيره الى حل وسط يضمن به السلطة في الحياة الدنيا، والجنة في الحياة الآخرة احل يقمن رضاء وقبول تل الجبهات والأطراف اوعل اغلب الظن انه ليس نتاج تفكير عربی و ولعله نصيحة أسداها لوالى الفسطاط کاهن مصري يدفع الجزية، وبالقطع كان أجداده بعملون کھانا في معابد رع وست واتون والعجل أنيس، وسيكون هذا الحل هو طابع مستشارى الحكم في عاصمة مضر إلا في فترات نادرة ومن النوع الذي لابد من وجوده لاثبات القاعدة التي ستصبح دستور هؤلاء المستشارين في مصر والي آخر الزمان !

ولعل أعظم ميزة في الزمن القديم في تكافؤ الفرصة بين السلطة والثوار ! لم يكن لدي الخليفة الذي يحكم أمبراطورية مباحث أمن دولة ولا مخابرات عامة، ولاقناصل ولا مخبرون بالقطعة ولاشرطة نجده، ولاشيء على الإطلاق الا ما بسوه من رجال الحاشية والخصيان، وقد الايسمع الخليفة بثورة ضده الا اذا دقت الثورة باب الخليفة نفسه ! ولقد استغل والي مصر هذا النقص الحكومي فعمد الى حيلة ذكية تخلص فيها من كل اغداند. وضمن الجنة ومرتب الحكومة بقبضه من الخارج أخر العام لقد جمع الوالى كل اللصوص الخطرين والشطار الأذكياء و القتلة السفاحين وقطاع الطريق العناة ، وأرسلهم الي يزيد في قافلة مهيبة، ومع القافلة رقعة من الوالى هؤلاء هم القارب الحسين وخلصهم من حياتهم وخلصنا من شرورهم ؛

وكان ينبغي أن تمضى القصة الى نهايتها فيصل هؤلاء الي دمشق ويسالهم الخليفة يزيد عن سبب انحيازهم الى الحسين ضده فيقسم هؤلاء المجرمون انهم لا يعرفون الحسين ولم يره أحد منهم قط، وبالطبع. لايصدق الخليفة ما يدعيه هؤلاء. الكذابون فيامر بقطع رقابهم جميعا. ثم يدخل جناح الحريم وبستريح

ولكن الذي حدث في دمشق كان أعجب اذ انه كان من المستحيل - بعد وفاة النبي ببضعة أعوام - أن يقتل أحد من الناس حفيده الحسين ويحتفظ بعقله. كان الإسلام لايزال في المهد، وكان ملايين المسلمين الذين على قيد الحياة قد شاهدوا النبي بأعينهم وصالحوه بایدیهم و أمنوا به وبرسالته، وكان عسيرا على هؤلاء جميعا أن يصدقوا دعوی بزید ضد الحسين، فهو على كل حال ابن بنت النبي و ابن ابن عمه ولقد جن بزيد بالفعل، ودخل حالة غيبوبة شديدة واختلط عقله فمزج بين الواقع والحلم، بين السلطة والإيمان، بين العرش ونعيم الجنة، ويبدو أنه استبشع منظر بدبه المخضبتين بالدم، دم الحسين في رقبته، فمن ذا يكون شایعه بوم الهول ا ولربما أراد يريد أن يقدم شيئا بيديه، ربما بغفر له ما تقدم له من ذنبه وما تأخر، ربما يشفع له عندما ينفخ في الصور ويبعث الناس ولي بين كل منهم كتابه ! ولذلك لحظة وقع بصره على القافلة المصرية الآتية بشحنتها من المجرمين العناة طلب اطلاق سراحهم وتكريمهم وان نجري عليهم رواتب لاتنقطع من بيت المال، وعاد المجرمون الذين أراد الوالي ان يتخلص منهم الى مصر، عادوا اشراقا بشهادة من الدولة، وهل هناك اشرف من نسل الرسول ؛

رواية مصرية قد تكون هي الحقيقة، وقد تكون هي رأى المصريين في هؤلاء الذين يدعون الشرف ويمارسون سلوك السوقة، ولكن حكمتها البليغة تكمن في موقف الوالي من تنفيذ أمر الخليفة ، أن بنفذ الأوامر كما هي بالحرف وان بتجنب قدر الامكان المتاعب، وأن يحقق - قدر الإمكان - المكاسب، وأن يحتفظ في كل الأحوال بالوظيفة والمرتب والبقاء الى جوار  السلطان " صفة كل موظف مخبري منذ تلك اللحظة والى الأبد وستلحظها جيدا في العصر الحديث، عندما نفذ الموظفون المصريون أمر عبد الناصر وطبقوا الاشتراكية، طبقوها بما يرضي عبد الناصر، وبما لا يحقق الاشتراكية وبما يضمن لهم في الوقت نفسه حقوقهم في المرتب والمعاش ! وعاشت الفسطاط بعد ذلك، تزدهر حينا وتتعثر حينا. وامتدت حتی وصلت الى حلوان وكانت مشقي للولاة ورؤساء الجدد وصاحب الخراج ووجوه القوم، وظلت الفسطاط هكذا حالها هكذا حياتها ، حتى سقطت دولة بني أمية في معركة الزاب، وشهدت عاصمة مصر عددا من جبابرة بني أمية يتسللون اليها في الظلام هربا من بطش الخليفة العباسي، وقد طالتهم بده بعد ذلك وقتلهم جميعا في قرى الصعيد وكان من بين الذين دخلوها فتی أعور شديد العزم شديد البأس، شديدي الأرادة، دخلها وخرج دون ان تمتد اليه يد، وواصل رحلته الطويلة الى بلاد المغرب حيث موطن اخواله ومن هناك رقا بعينه الوحيدة عبر البحر الى الاندلس، كان بحلم واستطاع أن يحقق الحلم، وعبر بجيشه الصغير البحر الى شاطيء الأندلس، ولم يلبث أن أقام فيها أعظم وأقوى دولة اسلامية شهدتها المغرب بعد فتح موسى بن نصير، هذا هو عبد الرحمن الأموی او عبد الرحمن الداخل، وصقر قريش، كما كان يحلو لتعبئه وانصاره أن يطلقوا عليه !

ولكن قبل ذلك بزمن قصير، شهدت الفسطاط لمحة عابرة من العدل السابق، ولد ومضت في حياتها كالبرق ثم لم تلبث أن اختفت ليحل محلها الظلام. فقد ارتقى السلطة في عاصمة الأمويين عمر بن الخطاب أخر، كان يدعى عمر وكان أبوه يدعى عبد العزيز، وكان مجيئه في دولة الظلم هو تاکید لها، لانه الاستشفاء الذي يثبت القاعدة ! ولو كان عمر بن عبدالعزيز هو القاعدة في دولة بني أمية لريما عانت دولة بني أمية الى اليوم ولكنها تحولت الان الى فندق في دمشق والى مطعم في بيروت وقد احست الفسطاط بالفرق حين وصل الى الوالی کتاب امير المؤمنين بحله على مقابلة فرتوتة السوداء التي تسكن الجيزة، ومعرفة شكواها وتحقيق مطلبها وتسليمها خطابا شخصيا من أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، أمير المؤمنين وفرتونة السوداء ومن هي فرتوتة السوداء و امراة أغلب الظن حبشية والبطية ولها مظلمة. لم يكن عند عمر بن عبد العزیز دیوان للمظالم، ولكنه كان ينظر في المظالم بنفسه ولدى بعض الحكام اليوم دواوين للمظالم ويبدو انها للحصر المظالم، أو للسبب الظلم للناس

بعض عرب اليوم يقتبسون الأسماء من عرب الأمس، مجرد الأسماء فقط. فهم غرب اسيما وافرنجة في الواقع، ولديهم كاتب عدل، وهو أظلم من الحجاج : وعندهم قاض وقضاه، القضاء والقدر أرحم منهم !

ولقد ظلت الفسطاط على هامش الحياة العربية حتى وفد اليها ذات يوم ولد مستعرب أرسله سيده ليحكم ولاية مصر بدلا منه، كان الخليفة العباسي فقد منح ولاية مصر لرجل من الاشراف، ولكنه كان يشكو من الم في الركبتين، فارسل الرجل المريض واحدا من حشمه ليحكم مصر، ولكن حظ مصر كان عظيما لأن السيد كان مريضا، فقد بدأت الفسطاط تدخل عصرا

جديدا بقدوم الوالي الجديد احمد بن طولون.. فقد كان طموحا وفارما وحاكما بالموهبة ومقاتلا بالغريزة ورأي أن الفسطاط لا تتسع لاصلاحه، فهجرها وأقام عاصمة أخرى على مقربة منها هي القطائع. اقتطع أرضها الجنوده فعمروا فيها الدور، واقام فيها مسجده الذي سيبقى إلى الأبد واحدا من أعظم مساجد العالم الاسلامی، وسرعان ماهجر المصريون مدينة الفسطاط و ازدحموا حول القطائع وأغرب الظواهر انهم استخدموا حجارة الفسطاط في نسير القطائع ولم تمض ستون عدة حلى كانت الفسطاط قد أصبحت أثرا بعد عين حتی جامع عمرو بن العاص هجره المصلون فصار طللا، وافتقرت الشوارع حوله وانتشرت البرك والمستنقعات في داخل الفسطاط، وبمرور الزمن تحولت الى ماوي للصوص وقطاع الطريق وعلى بعد مبلين منها كانت الانوار تشيع في عاصمة العهد الجديد، ظاهرة جديرة بالدراسة. فالحياة للاقوى والولاء للحاكم الجالس على أريكة الملك هذه اللحظة والخضوع للراكب الأن في عربة السلطة، أما الذين مضوا وذهبوا فليرحمهم المولى وقد يكون هذا موقفا مشتركا بين شعوب كثيرة و اجناس شتی. ولكن الموقف من الفسطاط مختلف ، لقد فجر الناس العاصمة عندما ابتعد عنها الحاكم. فالحاكم هو العاصمة لأن العاصمة ليست منازل ومدارس وفنادق وأسواقا. العاصمة نفوذ فإذا ابتعد عنها النفوذ ساروا وراءه !

محمود السعدني

    Dr.Radwa
    Egypt Air