الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

فن

ننشر الحلقة الـ19 من كتاب «خطاب العنف والدم» لـ"حسام الحداد"

  • 21-11-2020 | 17:33

طباعة

تنشر "الهلال اليوم" فصلًا جديدًا من كتاب "خطاب العنف والدم في الفقه الإسلامي"، للكاتب حسام الحداد، الصادر عن دار ابن رشد للنشر والتوزيع، وجاء الفصل بعنوان "مفهوم الجهاد وأحكامه"، ونقرأ فيه:


مفهوم الجهاد وأحكامه

شرع الجهاد في أوائل السنة الثانية من الهجرة وأول آية نزلت فيه قوله تعالى "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا.." الآية، والجهاد هو استفراغ الوسع في مدافعة العدو، وهو ثلاثة أضرب، مجاهدة العدو الظاهر ومجاهدة  الشيطان ومجاهدة النفس، وقتال العدو هو لتأمين حرية نشر الدعوة وتوطيد أركان السلام مع مراعاة الاحتفاظ بالعهود المقطوعة والتزامها وهو من الفروض الكفائية عند جمهور العلماء.

ويصبح الجهاد فرض عين إذا التقى الجيشان وتقابل الصفان وإذا هاجم الكفار بلدا من بلاد الإسلام أو نزلوا فيه تعين على أهله قتالهم ودفعهم بما استطاعوا ووجب على إخوانهم المسلمين في كل قطر أن يخفوا إليهم بالعون والمساعدة أداءً لحق الأخوة الإسلامية وإذا استنفر ولي الأمر خليفة كان أو ملكا أو رئيسا قوما لزمهم الخروج وتعين عليهم الجهاد، والاستنفار في معناه التعبئة العامة بالمفهوم الحديث ودعوة الأمة للجهاد.

ويشير المؤلف الدكتور عمر عبد الرحمن إلى أن الجهاد هو ضرورة لحماية التوحيد، والقتال ليس هو أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم، فالسلم في الإسلام هو القاعدة الثابتة والحرب هي الاستثناء (5)، والإسلام لا يدعو لحروب عنصرية عصبية أو لحروب تثيرها المطامع  والمنافع والاستعمار والاستغلال والبحث عن الأسواق والخامات واستعباد المرافق والرجال، وليس من أهداف الحرب في الإسلام الإكراه على الدين أو الإبادة، وإنما أهداف الجهاد هي حماية حرية نشر الدعوة والانتصاف للمظلوم من الظالم.

ويدافع المؤلف عن تشريع الجهاد في الإسلام فيقول "إن تشريع الجهاد في الإسلام لم يكن لإرغام أحد على الدخول في الإسلام -كما زعموا- وإنما كان للدفاع عن العقيدة وتأمين سبلها ووسائلها وتأمين المعتنقين للإسلام ورد الظلم والعدوان وإقامة معالم الحق.

والإسلام لم يقف عند حد أن من سالمنا سالمناه بل لم يمنع البر بغير المسلمين والعدل معهم وعدم الجور عليهم إذا لم يقاتلوا المسلمين، أما إذا قاتلوهم فلم يأمر بظلمهم أو البغي عليهم وإنما نهى عن توليهم بإفشاء الأسرار إليهم أو نصرتهم أو إخلاص الود لهم فإن حاربونا حاربناهم وإن كفوا عنا كففنا عنهم.

وغاية الجهاد في الإسلام إعلاء فكرته وتعميم منهاجه وإقامة الحكومات وتوطيد دعائمها على أساس هذه الفكرة، فهو لا يألو جهدا في القضاء على نظام الحكم التي أسس بنيانها على غير قواعد الإسلام واستئصال شأفتها، وأن يستبدل بها نظاما للعمران والاجتماع مؤسسا على قواعد القانون العدل الوسط الذي يسميه القرآن "كلمة الله"، وينقل المؤلف عن أبي الأعلى المودودي أن غاية الجهاد في الإسلام هي هدم بنيان النظم المناقضة لمبادئه وإقامة حكومة مؤسسة على قواعد الإسلام في مكانها واستبدالها بها، وهذه المهمة هي إحداث انقلاب إسلامي عام  (6) وقبل أن ينهي المؤلف كتابه الضخم يشير إلى نقطة مهمة، هي أن المجاهدين الذين يخرجون للقتال هم أولى الناس بفقهه بما يتكشف لهم من أسرار ومعانيه والقاعدون خلفهم هم المحتاجون إلى من خرجوا للجهاد ليتفقهوا منهم وليتعلموا من خبراتهم، وهذا في تفسير قوله تعالى "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين".

فالنافرون المجاهدون هم أنفسهم المتفقهون في الدين العالمون بأحكامه، "ففقه الدين كما يذهب المؤلف لا ينبثق إلا في أرض الحركة ولا يؤخذ عن فقيه قاعد حيث تجب الحركة.. والذين يعكفون علي الكتب والأوراق في هذا الزمان لكي يستنبطوا منها أحكاماً فقهية (يجددون) بها الفقه الإسلامي أو (يطورونه) كما يقول المستشرقون، وهم بعيدون عن الحركة التي تستهدف تحرير الناس من العبودية للعباد بتحكيم شريعة الله وحدها وطرد شرائع الطواغيت.

هؤلاء لا يفقهون طبيعة هذا الدين ومن ثم لا يحسنون صياغة فقه هذا الدين.. إنه هزل فارغ لا يليق بجدية هذا الدين أن يشغل ناس أنفسهم بتنمية الفقه الإسلامي أو(تجديده) أو(تطويره) في مجتمع لا يتعامل بهذا الفقه ولا يقيم حياته عليه.

فلا بد من وجود مجتمع مسلم ناشئ من الدينونة لله وحده مصمم على تنفيذ شريعته وحدها، ثم بعد ذلك وليس قبله ينشأ الفقه الإسلامي وهو يستنبط من قوله تعالى "قاتلوا الذين يلونكم من الكفار" قاعدة "أولوية قتال العدو القريب" (7)

وعلاقة الفقه بالواقع بالصورة التي عرضها الشيخ عمر عبد الرحمن في كتابه هي صدى لأفكار "سيد قطب" إن لم تكن منقولة عنه -وهنا نكتشف أحد المصادر التي نقلت تأثير "سيد قطب" إلى التيار السلفي الجهادي الذي يمثله الدكتور عمر عبد الرحمن، كما أن قاعدة "أولوية العدو القريب عن البعيد" مثلت إستراتيجية للتنظيمات والحركات الجهادية حتى العام 1998 حين تحول اهتمامه إلى العدو البعيد الذي أصبح قريبا جدا وهو أميركا.

ويبدو أن الملاحظة الأساسية النقدية هنا تتمثل في نقل أحكام الجهاد في ميادين الحرب مع العدو الخارجي كما أوضحها القرآن الكريم والفقه الإسلامي إلى ميادين العلاقة مع الداخل والنظم الحاكمة والمجتمعات، رغم أن كليهما يمثل مجالين مختلفين في القواعد والأحكام، وفي الفقه الإسلامي تمييز بين قتال المحاربين في جبهات القتال وصياغة قواعد التعامل مع نظم الحكم والمجتمعات في الداخل. ويبقى الكتاب يمثل أحد المصادر المهمة لمعرفة تاريخ الأفكار ومصادرها وتحولاتها بالنسبة للحركات الجهادية في العالم التي يعد المؤلف واحدا من أهم رموزها.