منذ أن بدأ تشغيل خطوط السكة الحديد في مصر عام 1854؛ حيث كانت السكة الحديد في مصر هي الأولى في الشرق الأوسط وأفريقيا بعد بريطانيا؛ إلا أن مصر لم تدخل عصر صناعة السكك الحديد بمعناه الحقيقي حتى كتابة هذه السطور، حيث ظلت معتمدة على الاستيراد من الشركات العالمية المختلفة؛ فيما اقتصرت محاولاتها على إسهامات مصنع سيماف التي لم تتجاوز تطوير بعض العربات المتهالكة، أو أعمال الصيانة.
الدكتور عمرو شعت نائب وزير النقل السابق اعتبر- في تصريحات خاصة لـ"الهلال اليوم"، أن مصر رغم قدم دخولها عصر السكك الحديدية؛ حيث تمثل الدولة الثانية في استخدام السكك الحديدية بعد المملكة المتحدة؛ إلا إنها لم تقتحم مجال صناعة السكة الحديد، وظلت علاقتها بصناعة السكك الحديدية قاصرة على إسهامات الهيئة العربية للتصنيع ممثلة في مصنع سيماف الذي اقتصرت إسهاماته على تطوير وصيانة عربات الركاب، وبعض عربات البضائع وليس كلها.
توجيهات القيادة السياسية كانت واضحة وحاسمة لوزير النقل الفريق مهندس كامل الوزير منذ توليه مسئولية حقيبة النقل في منتصف مارس 2019؛ بأن تكون هناك سكة حديد تليق بمصر كدولة رائدة في المنطقة لها تاريخ عريق في عالم السكة الحديد.
فيما كانت هناك حلقة هامة في سلسلة تطوير السكة الحديد، تتمحور في توطين صناعة السكة الحديد في مصر، لتلبية احتياجات هذا المرفق الهام الذي ينقل ملايين الركاب؛ باعتباره الوسيلة التي تتمتع بأعلى درجات السلامة والأمن.
كانت اللبنة الأولى لدخول مصر صناعة السكة الحديد وتوطين الصناعة في مصر باتفاقية مع شركاء أجانب، على أن يكون المكون المحلي بنسبة 40%، مع موافقة مجلس الوزراء في أكتوبر الماضي على تأسيس الشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بهدف تصنيع وإصلاح عربات السكك الحديدية، وإحلالها، وتجديدها، وتوطين هذه الصناعة من خلال المساهمة بين الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس وكل من صندوق مصر السيادي، والقطاع الخاص، مع مراعاة وضع آلية تسمح لوزارة النقل بالتأكد من ملائمة سعر المنتج النهائي؛ ما يسهم في توطين هذه الصناعات، وزيادة الدخل القومي وأيضًا إتاحة فرص تصنيعية جديدة للمصانع العاملة في هذا المجال.
وزير النقل الفريق مهندس كامل الوزير، أكد أن مشروع الشركة الوطنية المصرية لصناعات السكك الحديدية "نيرك"، يأتي تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، بضرورة توطين صناعة مستلزمات السكك الحديدية لخدمة الأسواق المحلية والإقليمية.
مستشار وزير النقل السابق، أوضح أن توقيع عقد تأسيس الشركة يمثل خطوة جيدة على الطريق، ونقلة نوعية كبيرة في مجال توطين صناعة السكك الحديدية في مصر؛ حيث جاء توقيع عقد تأسيس الشركة الوطنية المصرية لصناعات السكك الحديدية بين الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وصندوق مصر السيادي، والقطاع الخاص متمثلًا في المساهمين؛ وهم شركة بورسعيد للتنمية، وشركة سامكريت للاستثمار، وشركة حسن علام القابضة، وشركة أوراسكوم للإنشاءات، وشركة كونيكت للتكنولوجيا والمعلومات، يوم الثلاثاء الماضي.
وتابع مستشار وزير النقل، أن نوعية الصناعات، من وحدات متحركة، ومستلزمات وحجم الإنتاج يتوقف على الشريك الأجنبي؛ بما يحقق الالتزام بنسبة المكون المحلي، وإمكانية التصدير للمنطقة العربية، والدول الأفريقية.
وزير النقل كشف- في تصريحات صحفية- أن حجم المشروعات القومية التي تنفذها الدولة في مجال تحديث وتطوير وسائل النقل بالسكة الحديد ومترو الأنفاق يتيح التعاون مع الشركات العالمية المتخصصة لنقل وتوطين صناعة الوحدات المتحركة أنواعها كافة؛ بما يؤمن متطلبات الدولة المصرية في هذا الشأن، وزيادة القدرة على التصدير إقليميًا ودوليًا، لافتًا إلى أن الدولة تستهدف إنشاء قاعدة صناعية مجهزة تكنولوجيًا ولوجيستيًا في هذا القطاع لاستقبال الشركات العالمية من أصحاب التكنولوجيا في مجال صناعة وحدات السكك الحديدية ومستلزماتها وإنتاجها محلياً بنسبة تصل إلى٤٠% بموجب عقود تصنيع لتلبية الاحتياج المحلي والإقليمي والأفريقي في ظل الاحتياج القادم والتغيرات الجديدة في هذا المجال.
عضو مجلس إدارة الهيئة القومية لسكك حديد مصر السابق، أوضح أن توطين صناعة الوحدات المتحركة للسكك الحديدية في مصر ينعكس إيجابيًا على الخدمة المقدمة للمواطنين، موضحًا أن توطين تلك الصناعة ضرورة ملحة لاستدامة الخدمة المقدمة في هذا القطاع؛ خاصة مع التزايد السكاني، والتوسع العمراني الكبير، كما أن له قيمة مضافة تتمثل في المكون التكنولوجي العالي الذي سينعكس على حجم النمو في مصر بشكل إيجابي.
مشروع التصنيع المحلي، تبلغ تكلفته الاستثمارية التقديرية نحو ٢٤٠ مليون دولار؛ إضافة إلى موقعه الاستراتيجي داخل المنطقة الصناعية في شرق بورسعيد بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وسيتم تنفيذه على مرحلتين؛ بحيث تشمل المرحلة الأولى إنشاء مصنع للوحدات المتحركة؛ بينما تشمل المرحلة الثانية إنشاء مصانع للصناعات المغذية للقطاع.
ويقع المشروع على مساحة ٣٠٠ ألف متر مربع بالمنطقة الصناعية؛ حيث سيتم إقامة مجمع صناعي لتصنيع الوحدات المتحركة للسكك الحديدية بطاقة إنتاجية تبلغ ٣٠٠ عربة سنويًا.
الدكتور أحمد الحكيم الخبير في شئون النقل، أوضح- في تصريح خاص لـ"الهلال اليوم" أنه منذ إنشاء مصنع سيماف في الخمسينيات بمنطقة حلوان، ضمن استراتيجية الدولة فى الاعتماد على التصنيع المحلي، بدلاً من الاستيراد، لتلبية المطالب المحلية والعربية والأفريقية من أنواع الوحدات المتحركة للسكك الحديدية، لم تكن هناك تجارب مماثلة، واصفًا اتجاه الدولة نحو تصنيع الوحدات المتحركة للسكك الحديدية بالخطوة القوية.
وأضاف الخبير في شئون النقل، أن مشروع شركة "نيرك" يستهدف تلبية الاحتياجات الكبيرة لهيئة السكك الحديدية من الوحدات المتحركة، كما يمثل أهمية اقتصادية كبيرى فى مثل هذه النوعية من الصناعات بما يخدم أهداف التنمية المستدامة.
الدكتور عاطف حرز الله الخبير الاقصادي، رجح أن يساهم مشروع التصنيع المحلي للسكك الحديدية في خلق فرص عمل مباشرة، وغير مباشرة للشباب المصري؛ خاصة من أبناء مدن القناة في المجمعات الصناعية الجديدة التي تضاف إلى القلاع والمدن الصناعية التي تم إنجازها في عهد الرئيس السيسي.
وأضاف الخبير الاقتصادي، أن هذا المشروع سيكون نواة لإقامة الكثير من المصانع الأخرى للصناعات الأخرى التكميلية والمغذية لهذا المشروع الضخم، كما سيتم تصدير منتجاته في مجال السكك الحديدية للدول الأفريقية والعربية؛ ما يسهم في زيادة الدخل القومي، ويؤدي إلى توفير العملة الصعبة التي يتم إنفاقها في شراء مثل هذه الصناعات من الشركات العالمية؛ حيث بلغت صفقة شراء 1300 عربة سكة حديد من شركة ترانسماش الروسية بقيمة مليار و16 مليونا و50 ألف يورو.