الإثنين 3 فبراير 2025

فن

«بقايا دولة أوباما فى أرمينيا القوقازية» جزء جديد من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»

  • 1-12-2020 | 17:10

طباعة
تنشر بوابة «الهلال اليوم» جزءً من الفصل الثالث من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار "سما" للنشر والتوزيع، وجاء فيه:

بقايا دولة أوباما في أرمينيا القوقازية

تحت حكم رئيس الوزراء (سيرج ساركسيان) الذي تولى مهام منصبه عام 2008، أصبحت أرمينيا عضوًا أساسيًّا في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الشريك الاستراتيجي لروسيا والصين على طريق الحرير، منذ عام 2014، وقد حانت ساعة الصفر لهذه الدولة.

أرمينيا واحدة من دول القوقاز الثلاث: (أرمينيا – جورجيا –أذربيجان) وقد رفضت موسكو فكرة خلق اتحادٍ قوقازيٍّ موحد عقب تحلل الاتحاد السوفيتي، فهذه الدول لا تختلف كثيرًا عن دول وسط آسيا، من حيث كونها ضحية صراع النفوذ، بين العديد من اللاعبين الاستراتيجيين على رقعة الأوراسيا.

اندلاع الحرب الدينية ما بعد السوفيتية، بين أرمينيا المسيحية، وأذربيجان المسلمة، على الحدود المشتركة المتنازع عليها، أوجد المبرر للوجود العسكري والسياسي الروسي في أرمينيا، ولنظيره التركي في أذربيجان الناطقة بالتركية، التي وقعت في الشمال تحت ضغوطٍ روسية لفصل آسيا الوسطى عن سيطرة الغرب، ومن جانبٍ آخر لتعزيز سيطرة موسكو على أرمينيا وجورجيا.

وبوجهٍ عام، دول القوقاز الثلاث تحظى بأهميةٍ جيوسياسية بالنسبة للولايات المتحدة، إذ يمكنها التأثير إيجابًا على بقاء الهيمنة الأمريكية على رقعة الأوراسيا، أو إضعاف نفوذها، اعتمادًا على نجاح روسيا في بسط نفوذها على هذه المنطقة، ومن ثم فصل آسيا الوسطى عن الجانب الغربي لرقعة الأوراسيا، وعلى هذا لا تختلف أرمينيا عن جورجيا كثيرًا، من حيث الأهمية الجيوسياسية لأمريكا.

نجح جورج سوروس في اختراق المجتمع الأرمني، بفرعٍ جديدٍ في العاصمة (يريفان) لمؤسسة المجتمع المفتوح، تم تأسيسه باسم (منظمة المجتمع المفتوح – أرمينيا) كنموذج يوضح طرق الاختراق الأمريكي للمجتمعات المستهدفة بخططٍ طويلة المدى مستغلة حالة التردي الإنساني، فدائمًا ما تجد هذه المنظمات الأرض الخصبة التي تستطيع أن تنفذ منها من أجل ترسيخ دعائم أنشطتها الهدامة، حيث تقرأ من الموقع الإلكتروني للمنظمة ما يلي:

"عندما فتحت مؤسسة (المجتمع المفتوح – أرمينيا) أبوابها عام 1997، كان سكان أرمينيا في عزلةٍ وفقرٍ بسبب الحرب في (ناغورني كاراباخ) ونتيجة الحصار الاقتصادي الذي فرضته أذربيجان وتركيا، ومع انهيار نظام الرعاية منذ الحقبة السوفيتية، كان العديد من المؤسسات الأساسية بحاجةٍ إلى التمويل والإصلاح."

فبراير من عام 2018، في عهد الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) أي قبل ثلاث شهور على اندلاع ثورة ملونة في أرمينيا، أعلنت مؤسسة سوروس (المجتمع المفتوح – أرمينيا) عن برنامج مشترك مع الاتحاد الأوروبي، يهدف إلى التركيز على تفعيل دور الشباب، والناشطين الصحفيين، ويعد هذا البرنامج بمثابة جسر بين المدافعين عن حقوق الإنسان في أرمينيا، والشباب من نشطاء الديمقراطية.

بالتأكيد هذه البرامج كانت مفعلة منذ فترةٍ طويلة داخل أرمينيا، بينما هذا البرنامج تحديدًا كان يهدف إلى تحديد رؤوس قيادات الثورة القادمة، وطبيعة عملها، والمهام المكلفة بها، والأهم كان توفير الحماية الدولية لهذه القيادات عبر المنظمات الحقوقية خوفًا من بطش حكومة يريفان.

(المجتمع المدني –أرمينيا) ليست المؤسسة الوحيدة التي اخترقت المجتمع الآرمني، فهناك أيضًا (لجنة هلسنكي –أرمينيا) التي تأسست عام 1996  في العاصمة (ياريفان) كفرعٍ للجنة هلسنكي الأم المنتشرة في العديد من دول أوراسيا وفي أمريكا.

مكتب (هلسنكي – أرمينيا) يقوم بتمويله أيضًا جورج سوروس، ويعلن عن نفسه على الموقع الرسمي كمنظمةٍ غير حكومية تدافع عن حقوق الإنسان.

أيضًا منظمة (حماية الحقوق بلا حدود) كمنظمةٍ غير حكومية، تمول من قبل (منظمة المجتمع المفتوح – أرمينيا) ومن قبل الاتحاد الأوروبي، ووزارة الخارجية الأمريكية، كانت واحدة من هذه الكيانات التي نجحت في اختراق المجتمع الأرمني(9).

أما الصندوق الوطني للديمقراطية (نيد) واجهة وكالة الاستخبارات المركزية؛ فيخترق المجتمع الأرمني عبر تمويل البرامج الخاصة بنشر الديمقراطية ومساءلة الحكومة الأرمنية، كما أتت تمويلات (نيد) السخية عبر برنامج مسيس للصحفيين الأرمن عام 2017، والذي لا علاقة له بنشر الديمقراطية والحكم الرشيد، وأيضًا تمويل (نيد) المسيس لصحيفة تايمز الأرمنية في نفس العام بمبلغ ( 40ألف دولار).

جميعها تمويلات جاءت من أجل تسويق فكرةٍ واحدة لا غير، إلى شعب أرمينيا، مفادها:

(هذه الحزمة من المميزات التي تجنيها جورجيا المجاورة، نتيجة ارتباطها بالاتحاد الأوربي، في مقابل ما لا تجنيه أرمينيا من انضمامها للاتحاد الاقتصادي الأوراسي).

وقد لعب السفير الأمريكي في أرمينيا الداهية (ريتشارد ميلز) دورًا بارزًا في هذه الحملة عبر وسائل الإعلام الأمريكية التي تبث باللغة الأرمنية.

اندلعت الثورة الملونة في أرمينيا، يوم 13 أبريل من عام 2018، في ساحة الجمهورية بالعاصمة يريفان، من قبل مواطنين تعالت أصواتهم الرافضة لتدني مستويات التنمية الاقتصادية، وانتشار الفساد في ظل نظام رئيس الوزراء (سيرج ساركسيان).

كشفت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون، عن الوجه الديمقراطي سريعًا، وإلى أي مدى يصل إيمانهم بحرية الرأي والتعبير، حينما تم إرسال وثيقة إلى حكومة ساركسيان، مذيلة بتوقيع جميع المنظمات التي تم ذكرها سابقًا، تطالبها بمنع أي حشودٍ موالية للنظام، من النزول إلى الشوارع!! وكأن حرية الرأي والتعبير تقتصر على قوى المعارضة، والجمعيات الأهلية الموالية لواشنطن فقط، وما دون ذلك يستوجب كتم أصواتهم.

آنذاك أُجبر (ساركسيان) على الاستقالة، بعد أيامٍ قليلة من بداية الاحتجاجات التي قادها المعارض الأرمني المشبوه (نيكول باشينيا) والذي كان على اتصالٍ وثيق بوزارة الخارجية الأمريكية قبل وأثناء الاحتجاجات، وقد أقر (ويس ميتشل) مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية والأوراسية بهذه الاتصالات، قبل التصويت النهائي على أوراق ترشح باشينيا كرئيسٍ للوزراء، خلفًا لساركسيان.

مع ذلك لم يصل زعيم الثورة الملونة إلى الأغلبية المطلوبة داخل البرلمان الأرمني، إذ لم يتمكن من الحصول على(53) صوت، من أصل (105) صوت، من أعضاء البرلمان، رغم امتناع ساركسيان وحزبه عن خوض الانتخابات.

بمجرد إعلان هزيمة باشينيا، قام بالدعوة إلى العصيان المدني وفق أدبيات جين شارب، ودعا أنصاره الموجودين خارج البرلمان إلى قطعٍ تام لحركة المرور، والمباني الحكومية، والاتصالات، ومترو الأنفاق، والمطارات، إلى أن تم انتخاب أرمين سركسيان رئيسًا جديدًا للبلاد، في الأسبوع الأول من مايو عام 2018.

 وعلى هذا سجلت واشنطن نقطة جديدة للحفاظ على الهيمنة الأمريكية على رقعة الأوراسيا.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة