الأحد 19 مايو 2024

حولوا العالم إلى البرتقالى.. رفاعة الطهطاوى رائدا لحركة تحرير المرأة

فن1-12-2020 | 18:12

حددت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة 16 يومًا للاحتفال باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، والذي بدأ منذ يوم الخميس 25 نوفمبر، ويستمر نشاط الحملة حتى يوم الخميس الموافق 10 ديسمبر الجاري، والذي يتزامن مع اليوم العالمى لحقوق الإنسان، وقد حددت الجمعية موضوع اليوم الدولى لهذا العام وهو "تحويل العالم إلى البرتقالي: مولوا، واستجبوا، وامنعوا،واجمعوا"، وذلك من أجل رفع الوعي حول مدى المشكلات التى تتعرض لها المرأة حول العالم مثل الإغتصاب والعنف المنزلى، وغيرها من أشكال العنف المتعددة.

ويُعد تحرير المرأة من المسائل الرئيسية فى العصر الحديث والمعاصر فلم تكن مسألة زمنية عابرة، إنما هى دائمة ومستمرة، فقد كانت ذات واقع إجتماعى يحمل في طياته الأزمات والمواجهات اليومية للمرأة التي تتطلب منها الشجاعة والجرأة، والتي ما كانت تحقق جداوها إلا فى ظل الحركات التحررية التي خاضها المصلحون الأوائل مثل رفاعة رافع الطهطاوي، الذى يعد واحدا من أهم رواد المناداة بقضية تحرير المرأة

وترصد "الهلال اليوم" أفكار رفاعة الطهطاوي، واحدا من أبرز دعاة تحرير المرأة العربية في القرن التاسع عشر، وظهر ذلك جليا من خلال مؤلفاته، نستعرض منها:

تخليص الإبريز فى تلخيص باريز

صدر لرفاعة رافع الطهطاوي أول كتاب له بعد عودته من البعثة المصرية التى توجهت إلى فرنسا وهو "تخليص الإبريز فى تلخيص باريز" عام 1834، قدم فيه وصفًا للمجتمع الفرنسي، كما شاهده أثناء إقامته هناك، وقد تمت قراءة هذا الكتاب على نطاق واسع فى البلاد العربية، وأعيد نشره لأعوام متوالية حتى عام 1974، وطبعت ترجمته إلى اللغة التركية عام 1839.

اهتم رفاعة الطهطاوي، بقضايا المرأة كالتعليم والزواج، الحجاب والتحرر لأن هذه الأمور تلامس الدين، السياسة والاقتصاد وسائر جوانب الحياة الإجتماعية، فهو رائد الدعوة لحركة تحرير المرأة إذ كان ينطلق من مرجعية إسلامية، وقد نادى بحقوق المرأة الشرعية متأثرا بطبيعة الحياة الفرنسية ومن هذا المنطلق بدأ دعوته لتربية البنات وتعليمهم.

أصدر الطهطاوي، هذا الكتاب لتوعية أبناء وطنه بقضية المرأة وضرورة إحترامها وتحريرها من القيود المتعسفة كما هو الحال فى فرنسا،  فقد رأى المرأة الفرنسية التي انطلقت نحو البناء والإنتاج في المجتمع الفرنسي، فعاد إلى مصر مشدوها بما رأى فعبر في هذا الكتاب عن إعجابه الشديد بالحياة الاجتماعية في فرنسا، وبكل ما هو موجود فيها من قواعد وقوانين تضبط المواطنين وتكفل لهم حريتهم، فأعاد الطهطاوى تفسير النصوص الدينية في ضوء الحداثة والتطور الذي طرأ على المجتمع وخاصة فيما يخص المرأة.

 فيقول عن الفرنسيات: "النساء عند الإفرنج كشفنا عن حالهن الغطاء، وملخص ذلك أي أن وقوع اللخبطة بالنسبة لعفة النساء لا يأتي من كشفهن أو سترهن، بل التربية الجيدة والتعود على محبة الواحد دون غيره، وعدم التشريك في المحبة والالتئام بين الزوجين، فالعفة تستولى على قلوب النساء المنسوبات إلى التربية الوسطى دون نساء الأعيان فتقع عليهن الشبهة كثيرًا"، فهو بذلك يقوم بوصف حال المرأة الفرنسية بكل جوانبها ومستوياتها، فيلاحظ أن تربية المرأة هى أساس بناء المجتمع، فيرى الطهطاوى أن تحرير المرأة باعتبارها ضحية الأعراف السائدة ينطلق من بدء تغيير العقول الرعوية التى تمجد السلطة الأبوية فى ظل استمرار استلاب المرأة حقوقها الأولية، ذلك وقد لجأ إلى الأمور الفقهية ليعيد النظرة من جديد ويضع صورة المرأة فى ضوء أفكاره التنويرية التي حاولت مسايرة حداثة العصر ومواكبة متطلباته.

المرشد الأمين للبنات والبنين

طبع هذا الكتاب لأول مرة فى عام 1872، يدعو فيه رفاعة رافع الطهطاوى إلى مسألة تربية البنات، وتعليمهن، حيث كانت المرأة فى هذه الحقبة حبيسة الجدران، بعيدة كل البعد عن التعليم، وكانت توجد فى مصر والشام بعض المدارس التى تشرف عليها الإرساليات الدينية والجاليات الأجنبية، ولم تكن هناك أى مدرسة رسمية وطنية خاصة بتعليم البنات لذلك سعى الطهطاوى إلى تحقيق هذا الهدف من خلال تأليفه هذا الكتاب.

أكد الطهطاوى على أن التربية تكون للذكور والإناث على حد سواء، ولا فرق بينهما، فالتربية الجيدة تساعد فى تهذيب الناس، وبناء الإرادة المبنية على المبادئ الصحيحة، ويقول الطهطاوى: "إن حسن تربية الأبناء، ذكورًا وإناثًا، إنتشار ذلك فيهم، يترتب عليه حسن تربية الهيئة المجتمعة يعنى الأمة بتمامها، فالأمة التى أحسنت تربية أبنائها هى التى تعد الأمة السعيدة".

خصص رفاعة الطهطاوى، الباب الثالث من هذا الكتاب لمسألة التعلم والتعليم حيث يلح ويصر على ضرورة إشراك البنات مع الصبيان فى التعليم وكسب العلوم والمعارف قائلا: "ينبغى صرف الهمة فى تعليم البنات والبيان معًا لحسن معاشرة الأزواج، فتتعلم البنت القراءة والكتابة والحساب، ونحو ذلك فإن هذا يزيدهن أدبًا وعقلاً، ويجعلهن بالمعارف أهلاً، ويصلحن به لمشاركة الرجال الكلام والرأى، فيعظمن في قلوبهم، ويعظم مقامهن لزوال ما فيهن من سخافة العقل والطيش، مما ينتج من معاشرة المرأة الجاهلة لمرأة مثلها، وليمكن المرأة عند اقتضاء الحال أن تتعاطي من الأشغال والأعمال، ما يتعاطاه الرجال على قدر قوتها وطاقتها،  فإن فراغ أيديهن عن العمل يشغل ألسنتهن بالأباطيل وقلوبهن بالأهواء، وافتعال الأقاويل فالعمل يصون المرأة عما يليق ويقربها من الفضيلة".

هكذا، فإن رفاعة رافع الطهطاوي من دعاة الإصلاح لحال المرأة العربية، حيث دعى إلى ضرورة تعليمها وتربيتها على النهج الصحيح قصد إخراجها من الجهل التي كانت فيه، فحالها كان متأخرًا وتأخرت معه البلاد العربية، لذلك طرح دائمًا أفكاره الحداثية من أجل تحرير المرأة وإعطائها حقها فى التعليم والعمل والمشاركة فى نهضة المجتمع، وقد حاول إثبات صحة حكمه من خلال التاريخ الساحق الذي كان يحوى مئات السيدات التي كان لهن تأثير في المجتمع كملكات العصر الفرعوني مثل: "حتشبسوت"، "كليوباترا"، "شجرالدر"، والملكة "بلقيس" فى اليمن و"زنوبيا" ملكة تدمر، وعقد "طهطاوي" مقارنة بين مقومات الرجل والمرأة التي تؤهل كلاهما للحكم، فقد حاول تخليص العقل العربي من غفلة الجمود وفيض الظلام، وانتشاله من وطأة التخلف عن ركب الحضارة.

    الاكثر قراءة