السبت 1 يونيو 2024

تحت شعار حولوا العالم إلى برتقالي.. نورا ناجي تكتب: التمسك بالقضية هو الحل لإيقاف العنف ضد النساء

فن2-12-2020 | 17:56

بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، بدأت فعالياته في 25 من نوفمبر الجاري وتستمر لمدة 16 يوم تحت شعار "حولوا العالم إلى البرتقالي".

"تنشر الهلال اليوم"، عددًا من المقالات الصحفية لمبدعات يُقدمن شهادتهن حول ما تتعرض له المرأة من أشكال عنف في المجتمعات العربية.

 

التمسك بالقضية هو الحل لإيقاف العنف ضد النساء

في فترة الحظر الصحي بسبب انتشار فيروس كورونا في مصر في موجته الأولى، كتبت صديقة على الفيسبوك، أنها عاجزة عن التصرف، صراخ سيدة في عمارة مقابلة لعمارتها يصلها كل ليلة، تراها من الشباك الموارب وهي تلصق وجهها على الزجاج وتستنجد بأحد، أي أحد، بينما يجذبها زوجها من شعرها ليكمل الضرب، يطرحها أرضا فلا تعد تراها، لكنها تسمع الصراخ المستمر الذي يسكت بعد دقائق طويلة. تقضي الصديقة كل ليلة وهي تفكر يا ترى ماذا حل بالمرأة؟ ماتت؟ فقدت وعيها؟ أم تمكنت من الهرب؟.

حاولنا مساعدة هذه الصديقة، اقترحنا الاتصال بالشرطة، برقم نجدة الأسرة أو بجمعيات حقوق المرأة، لم تتمكن من فعل أيّ شيء مُجدي في النهاية، ثم توقفت الصرخات بعد أيام على كل حال، أو أنها اعتادتها إلى درجة التوقف عن التقاط ذبذباتها، أو أن المرأة نفسها اعتادت الضرب فتوقفت حتى عن الصراخ.

إذا كتبنا على محرك البحث "جوجل" جملة مثل: "رجل يلقي زوجته من البلكونة" لن نصل لنتيجة واحدة لحادث واحد، بل سنجد مئات النتائج لمئات الحوادث، ليس أكثرها إدهاشًا إلقاء رجل لزوجته بسبب إصابتها بفيروس كورونا، وليس أقلها غرابة إلقائها بسبب مصروف البيت. هناك الكثير من الأسباب التي يلقي فيها رجل بكامل وعيه زوجته من شرفة بيتها، أحيانا بدافع الملل وأحيانا بدعوى التأديب، وفي كل الأحوال تصاب المرأة بعاهة مستديمة أو تموت، ويحاكم الرجل بالقتل الخطأ ويخرج بعد سنوات من الحبس إن تم الإثبات.

ما يواجه المرأة من عنف ليس مقتصرا على مكان واحد أو زمان واحد، في بريطانيا تعاني امرأة من أصل ثلاث نساء من العنف، وتشير البيانات التي نشرها مكتب الإحصاء الوطني البريطاني إلى مقتل 80 امرأة على يد الشريك الحالي أو السابق في الفترة الممتدة بين أبريل 2018 ومارس 2019، وقد زادت هذه النسبة خلال فترة الحجر الصحي بشكل دعا الناشطين للتظاهر والكتابة على الجدران في الشوارع شعارات تدعولإيقاف العنف ضد النساء.

ويشير موقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، إلى أنّ نسبة العنف ضدّ النساء في بعض البلدان تبلغ نحو 70%. كما يؤكّد أنّ 37% من النساء في العالم العربي تعرّضن لعنف جسدي أو جنسي لمرّة واحدة في حياتهن على الأقلّ، ويضيف أنّ الإحصائيات تشير إلى أنّ النسبة قد تكون في الحقيقة أعلى، إلا أنّ العديد من النساء اللاتي يتعرضن للعنف يمتنعن عن الكلام أو طلب المساعدة.

الزوجات لسن فقط من يعانين من العنف الجسدي، الفتيات الصغيرات يعانين كذلك، في اليمن، ألقى رجل ابنته "مآب" البالغة من العمر عشر سنوات بعد إطلاق النار عليها بسبب اتهامه لها بالانحراف ومصادقة الصبيان، بعد أن انتزع منها اعترافات تحت التعذيب بالإقرار بذلك، وخرج من السجن دون أن ينال أي عقوبة.

وفي فلسطين ماتت فتاة تبلغ من العمر 21 عاما بعد وصولها إلى المستشفى من إثر الضرب المبرح من قبل والدها بعد خلاف عائلي. كما قتلت إسراء غريب في المستشفى الذي دخلته بسبب الإصابة بكسور في العمود الفقري، وإدعاء عائلتها بأنها سقطت من الشرفة، ليستكملوا جريمتهم تحت أعين الطاقم الطبي، بدعوى أن الفتاة مسكونة بالجن، وأن الضرب الطريقة الوحيدة لإخراجه، حتى ماتت بين أيديهم.

هذه الحادثة بالذات اشعلت الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبروا أن ما حدث لإسراء هو جريمة قتل ارتكبها أهلها بسبب مشاكل اجتماعية وتحريض من الأقرباء.

وفي مصر سلط رجل على زوجته شخصا لاغتصابها وتصويرها ليتمكن من طلاقها دون منحها حقوقها، وكان أن ماتت الزوجة وهي تقاوم القاتل.

القصص عن تعنيف النساء لن تنتهي، وربما لا يتسع لها مقال واحد أو عشرة أو عشرين، القضية متجذرة منذ سنين طويلة، وإنهائها لن يكون سهلاً، طالما أن هناك من لا يزال مؤمنأ بختان البنات لدرء شهواتهن، ومنع الفتيات من التعليم، وزواج القاصرات، والحبس والضرب والإجبار. هذا لا يحدث في الأفلام والمسلسلات فقط كما يعتقد البعض، الواقع أشد قسوة، والقصص الحقيقية ربما لا يمكن حتى نقلها للشاشة.

ما علينا فعله، كفنانين، مثقفين أو ناشطين في المجال العام،  هو الاستمرار في التوعية، هو التمسك بالقضية وعدم مبادلتها بأيّ شيء آخر، هو التمسك بالمطالبة بقوانين تنصف المرأة، ضد التحرش، العنف الأسري، الانتهاك، الاغتصاب، التحرش اللفظي، الحبس، الإجبار والتزويج دون السن القانونية والختان. علينا جميعا ألا نتوقف عن التنديد بهذه الممارسات التي يمارسها البعض وكأنها حق مكتسب دون إحساس بالندم أو الذنب، وبثقة من يعرف أن لا أحد قادر على ردعه.

ربما أنا وأنت وكل من تقرأ هذا المقال اليوم، في زمن آخر أو عالم آخر، كنا سنقع في نفس الوضع، ربما كنت أنا أو أنت سنتعرض لمثل هذه المهانة، ربما يتعرض لها أحبائنا، صديقاتنا، بناتنا أو شقيقاتنا، ربما كلمة واحدة اليوم، دعم وتنديد ونشر للقضية، تفعل مثل فعل تأثير الفراشة لتكوّن ذات يوم تسونامي عملاق يبتلع هذه الممارسات المتوحشة وينهيها.