الإثنين 3 فبراير 2025

فن

«عطايا بكين لا تنتهي».. جزء جديد من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»

  • 5-12-2020 | 11:29

طباعة

تنشر بوابة «الهلال اليوم» جزءً من الفصل الرابع من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار "سما" للنشر والتوزيع، وجاء فيه:


الاتحاد الأوروبي على طريق التحلل

ارتفع حجم الدين العام لبلدان منطقة اليورو، في المتوسط بنسبة (90%) من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يتجاوز بكثير سقف (60%) الذي أقرته (معاهدة ماستريخت) تلك الاتفاقية المؤسسة للاتحاد الأوروبي، والتي شكلت أساس الدستور الأوروبي، حددت من خلال الشروط المالية، نسبة عجزٍ في ميزانية الدولة العضو، لا تقل عن حاجز (3%) ونسبة دين عام لا تتعدى (60%) كأهم الشروط. 

في اليونان، تبلغ النسبة (179 %) تليها إيطاليا رابع أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي بنسبة (133%) والبرتغال بنسبة (130 %) وقبرص بنسبة (107%) وبلجيكا بنسبة (106%).

كما ارتفعت البطالة في منطقة اليورو، إلى أكثر من (19 مليون عامل) عاطل عن العمل؛ تستحوذ (اليونان، وإيطاليا، والبرتغال، وإسبانيا) على نصيب الأسد بمجموع (11 مليون عامل) عاطل عن العمل، وفي فرنسا وإيطاليا، تزيد البطالة عن (13%) من القوة العاملة، وفي إسبانيا (20%) وفي اليونان(25%).

وعلى هذا انطلقت عملية (بريكست) من قبل تيار القوميين الصاعد بقوةٍ في الشارع السياسي بأوروبا بزعامة (ماري لوبان) من فرنسا، ويتزعمه الرئيس (دونالد ترامب) في أمريكا؛ كموجة احتجاجٍ غربيٍّ ثلاثي ضد: 

- ارتفاع الهجرة المتوحشة من الشرق الأوسط إلى أوروبا، والتي انعكست سلبًا على نسب البطالة، وغيرت من الثقافة الغربية.

 - جشع الأسواق المالية ( لندن - وول ستريت) أي ضد الكوربوقراطية.

- اختلال مؤسسات الاتحاد الأوروبي، التي وقفت عاجزة عن حل العديد من الأزمات، وقادت إلى توتر منطقة اليورو بشكلٍ حاد. 

ولهذا صوت جمهور الناخبين في بريطانيا عام 2016، على الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويضغط تيار بريكست في جميع أنحاء أوروبا بعنف، ليس من أجل تغيير نمط الحياة في منطقة اليورو فحسب، بل لإيجاد نمطٍ جديد للعولمة، يمكن أن يحول استراتيجية الحروب التي أدمنتها الولايات المتحدة، وورطت معها شعوب القارة العجوز، في قضايا خاسرة، إلى استراتيجية التنمية المستدامة، وكأنما تتشوق بريكست للمبادرة الصينية (الحزام الاقتصادي وطريق الحرير). 

ولا يوجد أبلغ من الكلمات التي صرح بها رئيس وزراء المجر (فيكتورأوربان) أثناء حضوره فاعليات منتدى الحزام والطريق، المنعقد في بكين، مايو من عام 2017 حيث صرح قائلًا:

«إن نموذج العولمة القديم عفا عليه الزمن.. إن جزءًا كبيرًا من العالم عانى من المحاضرات المستمرة من قبل بعض البلدان المتقدمة، في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية واقتصاد السوق.. إن هذا النموذج القديم من العولمة قد فقد زخمه». 

السترات الصفراء

ارتفاع حجم الدين العام لبلدان منطقة اليورو، وارتفاع معدلات البطالة بين مواطني أوروبا بصورةٍ غير مسبوقة نتيجة الهجرة غير الشرعية من الشرق الأوسط، وجشع الأسواق المالية، في لندن و(وول ستريت).

وأيضًا اختلال مؤسسات الاتحاد الأوروبي، التي وقفت عاجزة عن حل العديد من الأزمات التي قادت إلى توتر منطقة اليورو بشكلٍ حاد، بعد أن عجزت لسنواتٍ مضت عن تخطي الأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008.

 بالإضافة إلى سلطوية بروكسل على سيادة الدولة الوطنية، وإجبار دول اليورو على الانصياع إلى سياساتها النقدية، وكأنما تم خصخصة مؤسسات ومرافق دول اليورو، لصالح الكوربوقراطية.

كل ما سبق يُعد من العوامل الرئيسية التي قادت إلى ظهور السترات البيضاء من قلب شارع الشانزيليزية في العاصمة الفرنسية باريس.

لا أخفي القارئ العزيز سرًّا، فقد توقعت اندلاع ثورات الغضب من شرق وجنوب أوروبا على المدى المتوسط، ولم أتوقع أن تبدأ من فرنسا بهذه السرعة! مما دفعني إلى استعادة المؤلف قبل الطبع، لنلقي الضوء على بداية سقوط قطع الدومينوز، فقطار الربيع الأوروبي انطلق من فرنسا بنهاية العام 2018، ودارت العجلة دورتها ولن تتوقف، حتى لو تعطلت لفترةٍ وجيزة.

غضب الشارع الفرنسي، وقد تجسد في مشاهد دامية، تحرق السيارات الفارهة، وتتلف الممتلكات، وتنهب متاجر الشانزيليزية، وتضطرم النيران في كل ما يطوله أيادي الثوار أصحاب السترات الصفراء، وتغلق أبواب البرلمان الفرنسي بالإسمنت، وترمي بمياه الصرف الصحي على نوافذ قصر الإليزية، نتيجة القرارات الرئاسية التي فرضت ضرائب جديدة على الوقود، ومعاشات المتقاعدين؛ يبدو في ظاهره غضبًا موجهًا إلى الرئيس (ايمانويل ماكرون) التلميذ النجيب في مدرسة الكوربوقراطية، والمصرفي السابق في بنك روتشيلد الفرنسي، وقد أتوا به من خارج الأحزاب السياسية الفرنسية، إلى سدة الحكم في الانتخابات الفرنسية عام 2017، بعد أن خشي الشعب الفرنسي، من فوز زعيمة اليمين (ماري لوبان).

أما باطن بركان الغضب هذا، فيجسد حقيقة انقلابٍ ناعم من قبل الشعب الفرنسي على أدبيات اقتصاد السوق الحرة، وقوانين الكوربوقراطية، أي على الديمقراطية الليبرالية؛ ونموذج الكونية، الذي عاش العالم بأسره تحت رحمة قوانينه ومبادئه، وفق عقيدة البوريتانية الكالفينية، وبمفهوم الخطاب الموحد لأمةٍ قامت في عام الاستقلال 1776، قيل فيها على لسان جورج واشنطن:

«إن أمريكا هي النموذج الديمقراطي المختار بالعناية السماوية، وهي لا تستطيع أن تكون سوى تلك الأمة التي تدل على الطريق الذي يجب السير عليه، وعليها أن تسير هي في مقدمة ركب أمم الأرض كافة».

الآن يعلن الشعب الفرنسي رفضه الانصياع إلى الكوربوقراطية، والسير في ركابها، بعد أن رفع شعار (بداية التاريخ وتطور الإنسان الجديد) في مواجهة أفكار فرانسيس فوكوياما (نهاية التاريخ وبداية الإنسان الأخير) التي لم تحقق ما وعدت به من رفاهية الإنسان.

صياح الفرنسيين في باريس، ومن بعده باقي شعوب أوروبا، سيشكل نظامًا ماليًّا عالميًّا جديدًا، يرفض القبول بالديمقراطية الليبرالية، كآخر مراحل التطور الأيديولوجي، والشكل النهائي لأي حكمٍ إنساني.

 هو صياح يبحث عن نمطٍ جديد للعولمة، يدور خارج مدارات نظريات الفيلسوف الاقتصادي الاسكتلندي (آدم سميث) والفيلسوف الألماني (هيجل) و(كارل ماركس) وأفكار الاقتصادي الأمريكي (ميلتون فريدمان) عراب الليبرالية الجديدة، وأول من نادى عام 1962، بضرورة رفع يد الدولة عن الاقتصاد، وضرورة خصخصة كل مؤسسات الدولة ومرافقها.

العجلة دارت وتساقطت قطع الدومينوز وتمدد الغضب بالسترات الصفراء من فرنسا إلى إيطاليا حتى بروكسل أمام مقر المفوضية الأوربية، والرسالة واضحة لا جدال فيها من أحد، وبات تفكك الاتحاد الأوروبي على يد تيار القوميين من اليمين الأوروبي الصاعد على مرمى البصر.


    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة