الأحد 19 مايو 2024

822 عاما على رحيل ابن رشد.. ومازال العالم يحتفي بإرثه إلى الآن

فن10-12-2020 | 18:43

اليوم، ذكرى رحيل الفيلسوف المسلم أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، الذي رحل عن عالمان منذ 822 عاما، لكنه إلى الآن، وحتى هذه اللحظة، يعد واحدا من أهم وأكبر الفلاسفة في الحضارة الإسلامية.

ولد ابن رشد، في قرطبة في الرابع عشر من عام 1126، وهو شخصية علمية متعددة التخصصات؛ فهو فيلسوف، فقيه، طبيب، فلكي، قاضي وفيزيائي عربي مسلم أندلسي، نشأ في أسرة بارزة في الأندلس مارست الزعامة الفقهية والفتوى، حيث كان جده المعروف باسم ابن رشد الجد شيخ المالكية، وإمام جامع قرطبة وقاضيا، كما أنه كان من كبار مستشاري أمراء الدولة المرابطية، وكان والده أبو القاسم أحمد بن أبي الوليد فقيها في جامع قرطبة، وكان قاضيا أيضا، وله شرح على سنن النسائي، وتفسير للقرآن.

تعلم ابن رشد درس على يدي الفقيه الحافظ أبي محمد بن رزق، وحفظ كتاب الموطأ للإمام مالك على يدي أبيه، كما درس على أيدي العديد من الفقهاء؛ ومن أبرزهم: أبي جعفر بن عبد العزيز الذي أجاز له أن يفتي في الفقه، وفي الفلسفة تأثر ابن رشد بابن لجة، وكان صديقا لابن طفيل.

 خدم ابن رشد في البلاط، حيث تولى القضاء في إشبيلية، ثم في قرطبة سنة 1169، عندما استقال ابن طفيل من طبابة اقترح أن يكون ابن رشد خليفة له في منصبه، ثم استدعاه الخليفة الموحدي أبو يعقوب إلى مركش وعينه طبيبا له، وقاضيا في قرطبة، كما استعان به في القيام بالعديد من المهام الرسمية، ما ساهم في تنقله في مختلف أنحاء المغرب.

 أما عن فكر ابن رشد، فهو يرى أنه لا تعارض بين الفلسفة والدين، كما آمن بسرمدية الكون، وقال أن الروح منقسمة إلى قسمين؛ أحدهما شخصي يتعلق بالشخص، والثاني إلهي، وبما أن الروح الشخصية قابلة للفناء فإن جميع الناس سواسية، كما ادعى أن لديه نوعين من معرفة الحقيقة، الأولى: استنادا إلى الدين المعتمد على العقيدة التي لا يمكن إخضاعها للتدقيق والتمحيص، والثانية: استنادا إلى الفلسفة، وتنطلق بآرائه الأخلاقية من مذهبي أفلاطون وأرسطو، واتفق مع أفلاطون بالفضائل الأربع الأساسية: العدالة، الحكمة، الشجاعة والعفة.

 وللفيلسوف ابن رشد، العديد من المؤلفات في أربعة أقسام؛ وهي: الفلسفة، الطب، الفقه والأدب اللغوي، كما اختص بشرح التراث الأرسطي، وأحصى جمال الدين العلوي له 108 مؤلفات، 58 منها بنصها العربي.

 ومن أهم كتب ابن رشد: "أرسطو تهافت التهافت"، "شرح أرجوزة ابن سينا"، "جوامع سياسة أفلاطون"، "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" و"الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة".

 كان ابن رشد مغرما بعلوم الفلك منذ صغره، فكان يلاحظ الفلكيين حوله يتكاتفون لمعرفة بعض أسرار هذه السماء في وقت الظلام، وحين بلغ الخامسة والعشرين من عمره بدأ ابن رشد يتفحص سماء المغرب من مدينته مراكش والتي من خلالها قدم للعالم اكتشافات وملاحظات فلكية جديدة، واكتشف نجما لم يكتشفه الفلكيون الأوائل، حيث أنه قدم للعالم تفسيرا جديدا لنظرية رشدية جديدة سميت "اتحاد الكون النموذجي".

 ومن بعض انتقاداته لنظريات بطليموس حول حركة الكواكب قال: "من التناقض للطبيعة أن نحاول تأكيد وجود المجالات الغريبة والمجالات التدويرية، فعلم الفلك في عصرنا لا يقدم حقائق ولكنه يتفق مع حسابات لا تنطبق مع ما هو موجود في الحقيقة"، ثم انطلق ابن رشد في آرائه الأخلاقية من مذهبي أرسطو وأفلاطون، فقد اتفق مع أفلاطون أن الفضائل الأساسية الأربع هي "الحكمة، العفة، الشجاعة والعدالة"، لكنه اختلف عنه بتأكيده على أن فضيلتي العفة والعدالة عامتان لكافة أجزاء الدولة الحكماء، والحراس والصناع، وهذه الفضائل كلها توجد من أجل السعادة النظرية، التي هي المعرفة العلمية الفلسفية، المقصورة على "الخاصة".

لم يتبع ابن رشد الأسلوب الاستقرائي في الفيزياء، والذي طوره البيروني في ظل العالم الإسلامي، بل كانت طريقته أقرب إلى الفيزياء الحديثة منه إلى طريقة البيروني، بل كان كما وصفه مؤرخ العلوم روث جلاسنر، عالما مفسرا استحدث عدة فرضيات جديدة عن الطبيعة عن طريق مناقشة الكتابات القديمة، ولا سيما تلك التي ألفها آرسطو، ونظرا إلى منهجه وأسلوبه، فقد صوره الكثيرون على أنه مجرد تابع ممتثل لأرسطو وليس مبتكرا أو مجددا، ولكن يرى جلاسنر أن أعمال ابن رشد كانت مهدا لنظريات وأفكار مبتكرة في الفيزياء، ولا سيما شرحه لنظرية أرسطو المعروفة بـ"الطبيعة الصغرى" لوصف الحركة وصارت لهما أهمية كبيرة في تطور الفيزياء ككل.

 شروح ابن رشد لكتاب أرسطو "عن الروح"، مخطوطة فرنسية، الربع الثالث من القرن الثالث عشر من شروحاته وتلاخيصه لأرسطو: تلخيص وشرح كتاب ما بعد الطبيعة "الميتافيزياء"، "تلخيص وشرح كتاب البرهان أو الأورغنون"، "تلخيص كتاب المقولات قاطيفورياس"، "شرح كتاب القياس"، وله مقالات كثيرة ومنها: "مقالة في العقل، مقالة في القياس، مقالة في اتصال العقل، المفارق بالإنسان، مقالة في حركة الفلك، مقالة في القياس الشرطي"، وله كتب كثيرة وأشهرها: "كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه، كتاب مناهج الأدلة، كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال ".

توفي ابن رشد سنة 1198، في مراكش ودفن فيها وبعد ثلاثة أشهر نقل جسمانه إلى قرطبة، تاركا خلفه إرث عظيم من العلوم التي ما زال العالم يقتضي بها إلى الآن.