الجمعة 7 يونيو 2024

في ذكرى رحيل «بهيجة حافظ».. أول من ألفت الموسيقى التصويرية بالسينما المصرية

فن13-12-2020 | 11:40

تحل اليوم ذكرى وفاة فنانة مصرية، اضطهدتها أسرتها ومجتمعها، بسبب عشقها للفن، ورغم العراقيل والتحديات التي تعرضت لها في مشوار حلمها، إلا أنها استطاعت المضي قدما في طريق حلمها، بالمشاركة في صناعة أفلام سينمائية، ناقشت خلالها بعض القضايا النسائية المهمة، إنها إحدى رواد فن الزمن الجميل، «بهيجة حافظ»، تلك التي لم تحظ بنصيب من اسمها، فما لاقته من عناء معنوي، وخسائر مادية كبيرة لحقتها بسبب اضطهادها، ربما عكّر صفو حياتها.

 

بهيجة حافظ الأرستقراطية بنت الذوات:

ولدت بهيجة حافظ، في 4 أغسطس 1908 بحي محرم بك بمحافظة الإسكندرية، لعائلة أرستقراطية، ووالدها هو إسماعيل باشا حافظ الذي كان ناظراً للخاصة السلطانية في عهد السلطان حسين كامل، وكان إسماعيل صدقي رئيس وزراء مصر في عهد الملك فؤاد الأول من أقربائها، ودرست في مدرسة الفرنسيسكان، بالإضافة لدراستها في مدرسة المير دي ديو، قبل أن تسافر إلى فرنسا، وقتما كانت تبلغ من العمر 15 سنة، وحصلت على شهادة جامعية من الكونسرفتوار في الموسيقى عام 1930، وحصلت على دبلوم الموسيقى من باريس، ودرست الإخراج والمونتاج السينمائي في برلين.

 

سر عشقها للموسيقى:

لم تعشق بهيجة حافظ الموسيقى هباء، وإنما كانت هناك أسباب كثيرة دفعتها لعشقها الممنوع، فهي من أسرة موسيقية، كان والدها «إسماعيل باشا» هاوياً للموسيقى، ومارس تأليف الأغاني وتلحينها، كان يعزف على العود، والقانون، الرق، والبيانو، أما والدتها كانت تحب آلة الكمان والفيولنسيل وكانت مغرمة بالعزف عليهما، والأمر نفسه بالنسبة لأخوتها الذين تمتعوا بالموهبة الموسيقية الفذة أيضا، وكانوا يعزفون على الآلات المختلفة، وأحبت بهيجة العزف على البيانو منذ الرابعة من عمرها.

 

الموسيقار الإيطالي جيوفاني في حياة بهيجة:

أحبت بهيجة الموسيقى منذ نعومة أظافرها، وكان الموسيقار الإيطالي «جيوفاني بورجيزي»، صديقًا لوالدها، وكان قائد الفرقة الموسيقية وقتئذٍ بالإسكندرية، وكان يتردد على قصر والد بهيجة بحكم الصداقة بينهما، ودرست بهيجة على يده الموسيقى الغربية، ولم يكن غريبا عليها تأليف مقطوعة موسيقى وهي بعمر التاسعة، فنبوغها منذ الطفولة في الموسيقى، يسر عليها تأليف 3 مقطوعات موسيقية وهي في سنٍ صغيرة، أطلق والدها على أول مقطوعة موسيقية اسم «بهيجة»، والثانية أسمتها «من وحي الشرق»، بينما اختارت اسم «معلهشي» للمقطوعة الثالثة، لتكون أولى درجات سلم المجد، الذي صعدته في عالم التمثيل والموسيقى.

 

الموهبة والدراسة:

بعد حصولها على دبلوم الموسيقى من فرنسا، وبعد مشوار حافل من التدريب على الموسيقى الغربية والشرقية، درست الإخراج والمونتاج في برلين، وبهذا كانت «بهيجة حافظ»، أول مصرية تنضم لجمعية المؤلفين في باريس، وظهرت أول أسطوانة موسيقية لها في عام 1926، وأنشأت أول نقابة للمهن الموسيقية في عام 1937، لم تكن محبة للموسيقى فحسب، بل كانت امرأة ذات شخصية مؤثرة في المجتمع، فعمدت إلى مناقشة قضايا مجتمعية نسائية في أفلامها السينمائية، وسعت للوقوف على حلها في مواقف عديدة، ومن حبها للفن وإيمانها البالغ به، شاركت في التأليف، الإنتاج، المونتاج، الإخراج والموسيقى، وقامت ببطولات جسدت خلالها شخصيات محورية في بعض هذه الأعمال الفنية.

 

بدايتها مع السينما:

بدأت بهيجة حافظ، حياتها مع السينما ببطولتها في الفيلم الصامت «زينب» عام 1930، أمام سراج منير وزكي رستم، كان الفيلم من إخراج محمد كريم، وكانت أول وجه نسائي يظهر على شاشة السينما المصرية، كان دورها في الفيلم تحديا، لنظرة أسرتها الأرستقراطية للفن والفنانين بنظرة دونية، فاعتادت منهم رفض ممارستها للعزف والموسيقى والتأليف، وبعد نجاح الفيلم، تعرضت لمقاطعة جماعية واضطهاد، من أسرتها بل وسكان الإسكندرية جمعاء، حتى أنهم لم يلقوا عليها التحية، حسبما جاءت تصريحاتها بعد النجاح الساحق والجوائز التي نالها الفيلم وقتئذ.

 

أول من ألفت الموسيقى التصويرية:

لم يكن طريق الفن أمام بهيجة ممهدا، كان مليئا بالعراقيل والصعوبات، عانت كثيرا، لتحقيق حلمها وانتصار قضاياها النسائية مستخدمة الموسيقى والتمثيل أسلحة قوية للدفاع عنهم، واستطاعت حفر بصمتها في السينما المصرية، بأعمال ربما أثارت الجدل، إلا أنها كانت تستحق الظهور للنور والجمهور، وهي أول من ألف الموسيقى التصويرية لأفلام السينما، وأبرزها موسيقى تصويرية لأفلام «ليلى بنت الصحراء، الاتهام، زينب، الضحايا وليلى البدوية، لتتوالى موسيقاها التصويرية في السينما تباعا وتحقق نجاحا كالمعتاد، وبذلك تكون أولى النساء الرائدات في صناعة السينما في مصر، وكانت متعددة المهام الفنية من حيث التمثيل، الموسيقى، الإخراج والإنتاج كما أنها عملت بتصميم الأزياء السينمائية.

 

اضطهاد وخسائر مادية:

عانت بهيجة من مقاطعة أسرتها الارستقراطية لها بسبب الفن، وبدأت المقاطعة بعد فيلم زينب، وطلبت الطلاق من زوجها الذي تزوجته في عمر ال12، لعدم انسجامهم سويا في حب الموسيقى، وغادرت الإسكندرية واستقرت في القاهرة، وبقيت وحيدة واختارت الفن، وأنفقت نحو 18 ألف جنيها، على إنتاج فيلم «ليلى بنت الصحراء»، الذي أوقف عرضه الملك فاروق في السينما، بسبب الأزمة التي حدثت بين الأميرة فوزية وشاه إيران، وكانت القصة تدور حول حرب دائرة بين العرب والفرس، وبطلة الفيلم كانت بهيجة التي جسدت دور أسيرة عذبها ملك الفرس، وخسرت بهيجة حافظ كل ما تملك، لتتوقف عن الإنتاج لعقد من الزمان، بسبب إفلاس شركتها، وعلى الرغم من حصوله على جوائز ذهبية في مهرجان برلين الدولي، إلا أنه عندما أعيد عرضه باسم ليلى البدوية، لم يحقق الصدى والنجاح الجماهيري المرجو منه.

 

وكان آخر ظهور لها على الشاشة من خلال فيلم "القاهرة 30"، وجسدت خلاله دور الأميرة شويكار في مشهدين، وبقيت رائدة الفن المصري «بهيجة حافظ»، وحيدة تعاني العزلة بمرارة وألم، إلى أن توفيت عن عمر يناهز 75 عاما، ورحلت عن دنيانا تاركة رصيدا كبيرا من أعمال فنية خالدة وتراثا كبيرا ما زال يشار إليه بالبنان من قبل عمالقة الفن، رحلت وحيدة إثر تعرضها لأزمة قلبية، وترددت أقاويل حول العثور عليها بعد وفاتها بيومين، في 13 ديسمبر من عام 1983.