النبي.. رائعة جبران الفلسفية العالمية

"النبي" كتاب لجبران خليل جبران نشر في عام 1923،ويعتبر أشهر وأهم كتاب لجبران على الإطلاق فهو رائعته الفلسفية العالمية والتي تتجلى فيها الإنسانية في أبهى صورها، وقد ترجم إلى مايزيد عن ٥٠ لغة وبيع منه ملايين النسخ.

يحتوى كتاب النبي على 26 قصيدة شعرية تتحدث هذه القصائد عن الزواج، الأطفال، الدين، المحبة والحياة، ويحكي كل ذلك على لسان الحكيم "المصطفى"

" الحكيم المصطفى " هو رجل  ظلَّ بعيدًا عن وطنه اثني عشر عامًا، وعاش بين سكان جزيرة «أورفاليس» كواحدٍ منهم، منتظرًا عودته إلى مسقط رأسه. وحينما ترسو السفينة ويحين موعدُ رحيله يرجوه سكانُ الجزيرة أن يخطب فيهم؛ فكانت خطبةُ الوداع التي لخَّصَ فيها مذهبه. 

تطلب ألمطرا منه أن يرد على أسئلة أهل البلدة، وهي عرافه وشخصية رئيسية في البلده ، وبالفعل يتشجع الحكيم ويرد عليهم ويحكي عن خبرته وفلسفته في الحياة في كافة المجالات والمواقف. 

مع اقتراب اليوم من نهايته، تُبارك ألمِطرا ذلك اليوم والمدينة وتتوجه هي، والمصطفى، وسكان البلدة إلى الرصيف نحو السفينة المنتظرة. يقدم المصطفى خطاباً آخر لسكان البلدة، يشكرهم ويخبرهم أنهم قد أعطوه أكثر مما أعاد إليهم. يطلب منهم التحلي بالصبر في انتظار كل ما يجب على الحياة أن تقدمه ووعد بالعودة إليهم مرة أخرى.

لا يوجد أي شك أن كتاب "النبي،" هو أهم ما كتبه «جبران خليل جبران»، وخلاصةُ ما توصَّلَ إليه، وعصارةُ تجارِبه الذاتية ونظرته الحياتيه، كما ترجع شعبيته إلى أسلوبه البسيط وجمال قوافيه وكلمات الزاخرة بالحكمة. إنه يركز على العلاقات الإنسانية – مع الآخرين، مع الطبيعة، ومع الله. 

ومن الطبيعي بعد هذا التعريف وبعد القراءة أن يلاحظ القارئ أن مضمون "النبي" اجتماعي، مثالي وتأملي فلسفي، وهو يحوي خلاصة الآراء الجبرانية في الحب والزواج والأولاد والبيوت والثياب والبيع والشراء والحرية والقانون والرحمة والعقاب والدين والأخلاق والحياة والموت واللذة والجمال والكرم. 

ويقول اسكندر نجار في قاموس جبران خليل جبران، أن النبي أشبه بكتاب مقدس، أسلوبه وبناؤه ونبرته أقرب إلى الكتاب المقدس والأناجيل على نحو خاص: عمل غني بالصور الموحية، بالأمثال، ونضه بناء من الجمل أشبه بالآيات التي تتردد في مطالعها عبارات بعينها: الحق الحق أقول لكم، أمّا أنا فأقول لكم، بالإضافة إلى استهلال الجمل بحرفي العطف والوصل و ولأن أو ذلك أن فالأداة المستخدمة بالإنكليزية هي for التي تستخدم عادة استهلال لعبارة وتضفي على النص قدرا أكبر من الرصانة، وتوسل المعجم الوارد في الكتاب المقدس الزوجة الخائنة، الأم.، واللجوء إلى صياغات استفهامية يستفاد منها الإيجاب والتوكيد أليس توبيخ الضمير هو نفسه العدالة التي تتواها الشريعة التي تتظاهرون بخدمتها؟.. . مثل هذا ليس طارئا على الإنشاء الجبراني.

فكتابات جبران بين 1905 و1908 كانت زاخرة بالتلميحات التوراتية والعبارات المقتبسة من سفر المزامير ونشيد الأناشيد وسفري الجامعة وأيوب، تماما كما يحفل النثر الشعري لصديقه أمين الرّيحاني بقرابة مع الأسلوب القرآني. كذلك تظهر في الأرواح المتمردة إحالات صريحة إلى العهد الجديد. وأيضاً في السابق كصورة الخبز والنبيذ على سبيل المثال أو عبارات: كما في السماء كذلك على الأرض و الحق الحق أقول لكم!"

كان مأخذ بعضهم على النبي أنه كتاب سطحي، تبسيطي، مفعم بالمشاعر المتكلفة، وزاخر بالمعاني المبتذلة الشائعة. غیر أن هذا المأخذ لا يستقيم، مما يفتر ما حق قه الكتاب من نجاح منقطع النظير. أسلوب النبي سلس، عذب. من خلاله يبلغنا جبران، بمنتهى الشاعرية، رسالة روحية تدعو إلى تفتح أكبر وإلى "تعطش أعمق للحياة" . في الطبعة الأصلية الإنكليزية يفتتن القارئ بالإيقاع الذي ينظم الآيات الجبرانية، والذي تعجز الترجمات عن الوفاء به مهما توخت الدقة والبراعة.

وفي مقدمة ترجمة الكتاب يذكر، أن هذا الكتاب من حكمة، وفلسفة، وشعر وفن؛ فلا ترى فيه جبران الثائر الذي تراه في العواصف، وفي الأرواح المتمردة، ولا جبران الشاعر الذي تراه في آلهة الأرض، وأيها الليل، وغيرهما، ولا جبران

المتألم في لكم لبنانكم ولي لبناني، وفي صورة وجه أمي وجه

أمتي، ولا جبران المعلم الحكيم في القشور واللباب، ود المجنون

والسابق، ولا جبران الرسام الرمزي في جميع ما أبرزته ریشته

الساحرة، ولا جبران الخيالي في بين ليل وصباح(، وفي )حفار

القبور(، بل ترى في هذا الكتاب جبران الذي هو من هذه العناصر

جميعها، بل هو خلاصتها المختارة، فإنك لا تقرأ فصلا من فصوله إلا وترى أمامك حكمة من خيال وفلسفة في بلاغة وجمال.

 ويقال أيضاً عن الكتاب، مامن شك في أن صدور کتاب النبي  نقطة التحول الحقيقية في حياة جبران العقلية وفي توجیه طاقته

الإنتاجية، فقد استمد جبران من تجاربه و معارفه وآلامه ما ربط به علاقة الإنسان بالإنسان. وكان لابد له أن يتطور ويتسامي بعد ما أفرغ ما في جعبته من محن تعرض لها في مختلف أطوار حياته. وحدد جبران طريق غده بعد النبي فقرر أن يتناول علاقة الإنسان بالطبيعة في حديقة النبي وعلاقة الإنسان بالله في موت النبي، وكان عليه أن يهيئ نفسه لهذه لمحاولة الكبيرة.

كان جبران في النبي، معلما يستخدم قالب نيتشه

ولكن على طريقته الخاصة وبأسلوبه الخاص، وكان لابد له

أن يهيئ نفسه كي يتمكن من تصویر علاقة الإنسان بالطبيعة

فاقتضاه الأمر ثلاث سنوات من حياته لم يطق فيها صبرا

حتى يخرج لنا حديقة النبي، فشغل نفسه بإخراج کتابیه

رمل وزید، والمسيح ابن الإنسان. ولعل تأليفه هذين الكتابين كان جهدا عقليا و وجدانيا جديدا هيأه  لإصدار حديقة النبي. على أنه مات قبل أن يصدر کتابه موت

النبي، فكان موته هو الكتاب الذي أراد أن يحدد به علاقة الإنسان بالله .