يبدو أن ترشيح الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، للدبلوماسي المخضرم في وزارة الخارجية وليام بيرنز لمنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، يدل على نهج بايدن فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
إنه لمن الواضح أن فريق الأمن القومي لبايدن بات لديه الآن كل اللاعبين الرئيسيين الذين يحتاج إليهم لتقديم المعلومات الاستخبارية النزيهة، والتحليلات القيمة التي سيحتاجها الرئيس المنتخب.
واختيار بايدن لبيرنز له دلالات أعمق من ذلك بكثير، فهو عنصر مكمل لاختيارات بايدن لمناصب وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي في الوقت الذي تنشط فيه الدبلوماسية كأداة حاسمة للقوة الوطنية الأمريكية.
وهنا علينا أن نتساءل ما هو دور الاستخبارات لخدمة الدبلوماسية؟ الدبلوماسي المخضرم دائما يلعب دور كبير في تحقيق التكافؤ بين وظيفة الاستخبارات وجمع المعلومات وتوظيفها سياسيا في حل القضايا وإدارة الأزمات السياسية الدولية، وبالتالي من المتوقع في عهد بيرنز توظيف الاستخبارات لخدمة الدبلوماسية خاصة في قضايا الشرق الأوسط والإرهاب والديمقراطية وملفات حقوق الإنسان، فضلا عن السعي لتعزيز العلاقات الأمريكية – الأوروبية لخدمة المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
ويعكس تعيين الرئيس الأمريكي بايدن لـ« بيرنز»، أننا أمام دبلوماسي ماهر قادر على التفاوض بشأن موقف حكومته وأننا أمام ملامح جديدة ليس فقط لمستقبل للعلاقات المصرية –الأمريكية بل لمستقبل العلاقات الأمريكية مع منطقة الشرق الأوسط بأكمله، قد تبدو العلاقات في مستهلها ناعمة لكن الواقع سيفرض نفسه في التعامل مع القضايا رغم اختلاف الخلفيات السياسية المتعلقة بمفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فقد قال بيرنز، خلال محاضرة له أمام مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بواشنطن تحت عنوان (أجندة متجددة للشراكة الأمريكية الخليجية) في وقت سابق، إنه "فيما يخص مصر فإننا يمكننا، بالرغم من الاختلافات بيننا، علينا العمل سويا لدعم الإصلاحات".
ويعترف بيرنز بأنه واقعي على المدى القصير ومتفائل على المدى البعيد، ويؤمن بأهمية استمرار المساعدات الأمريكية لمصر وغيرها من الدول، وفي هذا السياق، نشر بيرنز في منتصف الثمانينات كتاب بعنوان "المساعدة الاقتصادية والسياسة الأمريكية صوب مصر"، حول دور المساعدات الأمريكية وأهميتها في خدمة المصالح الأمريكية في مصر.
وحتى لو تم تحويل جزء صغير من جهود الاستخبارات إلى محاولة الإجابة عن الأسئلة الدبلوماسية، مثل مدى استقرار نظم الخصوم وتحديد أفضل السبل للضغط عليها، والإمكانيات المتاحة للدبلوماسية للتعامل مع صراع طويل الأمد، ورصد المعلومات المهمة حول أوضاع حقوق الإنسان وتغير المناخ، وتوافر المياه أو الأمن الغذائي، يمكن أن تكون الفوائد المحتملة لمصالح الولايات المتحدة هائلة.
وأخيراً، متى تنجح الدبلوماسية؟ يجيب بيرنز في كتابه القناة الخلفية : «عندما تنجح الدبلوماسية، يكون ذلك عادةً بسبب تقدير حدودها، بدلاً من تجاوزها».
فعلينا تقدير حدود الدبلوماسية المصرية والعودة لتفعيل دور رجال الدولة المخضرمين في مجال العلاقات المصرية –الأمريكية وأن ندرك بخبرتنا الواسعة ما يحتاج صناع القرار السياسي إلى معرفته من أجل مساعدتهم على اتخاذ قرارات ذكية في مجال السياسة الخارجية لمواجهة التحديات وحل الأزمات السياسية الدولية قبل حدوثها.