تقرير: إيمان كامل
رغم ردود الأفعال الغاضبة داخل الأوساط القضائية، وحالة من الاحتقان التى سيطرت على رجال القضاء عقب تصديق رئيس الجمهورية، على تعديل مادة اختيار رؤساء الهيئات القضائية من قانون السلطة القضائية، إلا أن رؤساء الهيئات والجهات القضائية أعلنوا احترام القانون والالتزام به إلى حين الطعن عليه، والفصل فى مدى دستوريته، مع التأكيد على احترام التقاليد والقيم القضائية، التى كانت متبعة قبل صدوره فيما يتعلق بضرورة تغليب مبدأ الأقدمية، حيث قرر المجلس الخاص لمجلس الدولة برئاسة المستشار الدكتور محمد مسعود تحديد السبت الموافق ١٣ مايو المقبل، موعدا لانعقاد الجمعية العمومية لمستشارى المجلس لترشيح الأعضاء الثلاثة الذين من المقرر أن يختار رئيس الجمهورية من بينهم رئيس مجلس الدولة.
كما أعلنت هيئة النيابة الإدارية عن اتفاقها على ترشيح النواب الحاليين للهيئة لشغل منصب رئيس الهيئة، اعتبارًا من أول يوليو المقبل، بحسب ترتيب الأقدمية، وإرسال تلك الترشيحات لرئاسة الجمهورية، والأمر ذاته أعلنته هيئة قضايا الدولة فيما يتعلق بالترشيحات المطلوبة لشغل منصب رئيس الهيئة، حسب ترتيب الأقدمية، وإرسال الأسماء لرئيس الجمهورية، إعمالا بنص القانون الجديد، ومن المقرر أن يعقد مجلس القضاء الأعلى جلسة لاختيار أقدم ثلاثة من نواب محكمة النقض وإرسال تلك الترشيحات للرئاسة لاختيار أحدهما لرئاسة المجلس ومحكمة النقض.
على صعيد آخر تقرر تأجيل عقد جمعية عمومية طارئة الجمعة الموافق ٥ مايو المقبل، لبحث أزمة تعديل هذا القانون، الذى يعتبرونه غير دستورى، وتتجه أنظار القضاه إلي إختيارات الرئيس علي ضوء ترشيحات الهيئات القضائية.
من جانبه قال المستشار عادل الشوربجى، النائب الأول لرئيس محكمة النقض، عضو مجلس القضاء الأعلى: قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية صدر من البرلمان ومصدق عليه من رئيس الجمهورية، وأصبحنا ملزمين بتطبيقه، ومن لا يعجبه القانون فليطعن عليه، كما أن مبدأ الأقدمية فى اختيار رؤساء الهيئات القضائية يعد عُرفًا جرى العمل به فى القضاء بأكمله منذ سنوات طويلة، ولم يعرض على مجلس القضاء الأعلى أى شيء حتى الآن، ونحن فى انتظار ما ستسفر عنه ردود الأفعال خلال الأيام المقبلة.
فى حين قال المستشار محمد محجوب، أمين عام مجلس القضاء الأعلى: طالما صدر قانون من الجهة صاحبة الولاية، فإننا أصبحنا مخاطبين به وملزمين بتنفيذه، ولا تستطيع أى جهة أن تؤجل تنفيذه، ورغم رفضى لهذا التعديل وكل ما حدث، لكننى هنا أتحدث من الناحية القانونية فلا يستطيع قاض أن يمتنع عن تطبيق القانون، ومن الواجب احترامه إلى أن يبت القضاء فى مدى دستوريته.
وحول حقيقة وجود خلافات بين مجلس القضاء الأعلى، ونادى القضاة، بعد التصديق على القانون، وإعلان «النادى» أن المجلس استسلم للأمر الواقع، قال «محجوب»: هذا قول غير حقيقى على الإطلاق، فمجلس القضاء رفض تعديلات القانون، وكذلك النادى رفضه، أما فيما يتعلق بعقد محكمة النقض لجمعية عمومية لمناقشة هذه الأزمة، فهذا أمر يعود لرئيس المحكمة المستشار مصطفى شفيق فهو من يحدد ضرورة انعقاد جمعية عمومية بموافقة ثلث أعضاء المحكمة، وقد انعقد المجلس ليرشح ثلاثة من أقدم نواب النقض، تمهيدًا لرفع أسمائهم لرئيس الجمهورية.
وفى حالة إذا ما تخطى رئيس الجمهورية اختيار الأقدم من بين الثلاثة مرشحين لرئاسة أى هيئة أو جهة قضائية، أوضح «محجوب» أن المادة ٤٤ فقرة ٢ المعمول بها حتى صدور التعديل تنص على أن يصدر رئيس الجمهورية قرار جمهورى بتعيين رئيس محكمة النقض من بين نوابه بعد أخذ رأى مجلس القضاء الأعلى، فلا يوجد حق قانونى لأى نائب للطعن.
من جانبه رأى د. إبراهيم درويش، الفقيه الدستورى، أن الإشكالية تكمن فى هدم تقاليد قضائية، حيث قال: النظام قائم على الأقدمية حتى تشكيل الدائرة الابتدائية يقضى بأن أقدم قاض يترأس الجلسات، وسرى هذا النظام فى المجلس الخاص لمجلس الدولة ومن حق مجلس القضاء الأعلى أن يعزل رئيس محكمة النقض بجمعية عمومية، إذا لم يكن الأقدم، كما أنه ليس هناك داع لخلق أية مشكلة مع القضاء، فمجلس النواب أسوأ برلمان فى تاريخ مصر، كما أن مجلس الدولة رفض التعديل.
الفقيه الدستورى، أكمل قائلا: هناك مشكلة خطيرة وقع فيها الرئيس، فالقضاة قالوا أنهم سيلجأون إليه باعتباره حكمًا بين السلطات، لكنه لم يلتفت إليهم وصدق على القانون بإسراع دون الاستماع لوجهة النظر الأخرى، كما أن القانون مخالف للدستور وللمحكمة الدستورية، التى تنص على أن تختار المحكمة واحد من أقدم ثلاثة والقضاء استقر أن الأقدم فى مجلس القضاء الأعلى هو الذى يترأس محكمة النقض، وكذلك الأمر فى مجلس الدولة.
وفيما يتعلق بإجراءات الطعن الواجب اتباعها تجاه القانون الجديد، قال «درويش»: من الممكن الطعن على القانون أمام مجلس الدولة، وستكون المشكلة أكبر لأننا نحاول إطفاء حريق المشكلة، ولا نريد أن نعود إلى عهد «مبارك» باختلاق الأزمات، وفى تصورى أن مجلس الدولة سيقضى بعدم دستورية القانون لمخالفته قوانين السلطة القضائية، مثلما تصدى للحكم بمصرية جزيرتى تيران وصنافير دون إحالته للمحكمة الدستورية، وأن يتضمن الطعن طلب وقف تنفيذ نشر القرار متضمن القانون أمام مجلس الدولة ليحكم بوقف تنفيذه ونفاذه، وإحالة الدعوى للمحكمة الدستورية لنظر الطعن على القانون.
من جهته قال المستشار عبد العزيز أبو عيانة، رئيس نادى قضاة الإسكندرية، رئيس المجلس الاستشارى لأندية قضاة الأقاليم: رغم أننا غير موافقين حتى اللحظة على هذا التعديل، لكنه أصبح قانونا يجب احترامه، وهناك طرق للطعن عليه وستتقدم كافة أندية القضاة بتعديل كامل لقانون السلطة القضائية، تمهيدًا لعرضه على مجلس النواب، ولو كان النص فيه عوار سيتم تعديله، وسنقترح فى تعديلنا لنص المادة ٤٤ التى عدلت مؤخرًا بأن يتم تدعيم مستشارى الاستئناف فى تشكيل مجلس القضاء الأعلى دون الاكتفاء فقط بمستشارى محكمة النقض.
وحول موقف مجلس النواب من القانون الجديد، قال: البرلمان استخدم حقه الشرعى، لكن بطريقة تعسفية، كما أننى أرفض اللجوء أو التلويح بـ»تدويل القضية»، لأن هذا الأمر سيكون بمثابة «سُبة»، إلى جانب أننى أرفض اللجوء أيضًا إلى إيقاف عمل المحاكم حرصًا على مصالح المواطنين.
بدوره قال المستشار أحمد عبد الرحمن، النائب الأول لرئيس محكمة النقض، عضو مجلس القضاء الأعلى سابقا: الدستور نظم اختصاصات السلطات الثلاث، ورئيس الجمهورية هو رئيس السلطات الثلاث، وهو ما يعنى أن ينسق العمل بينهم، وفى حالة وجود نزاع بين السلطات يتولى عملية إيجاد الحل المناسب له، أما فيما يخص قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية، الذى صدق عليه الرئيس فلا مجال للاعتراض عليه بعد تصديقه، ومن يرى عدم دستوريته يتم الطعن عليه أمام محكمة القضاء الإدارى، وفى حال إذ رأت المحكمة جدية لهذا الطعن فعليها إحالة الدعوى للمحكمة الدستورية لتقرر مدى دستورية هذا القانون من عدمها.
وأكمل: طالما الرئيس صدق على القانون، فمن المؤكد أنه لديه قناعة به وبدستوريته، مع الأخذ فى الاعتبار أن سبب الاحتقان والغصة الموجودة فى حلق القضاة هو الخروج على القاعدة المعمول بها وهى الأقدمية المطلقة.
أما المستشار فؤاد عبد الرحيم، أمين عام مجلس الدولة، فقد عقب على الأمر بقوله: القانون صدر وسنحترمه، رغم إصرار مجلس الدولة على رفضه، وبالفعل اجتمع المجلس الخاص لمجلس الدولة، واعتبر أن القانون صدر ويجب احترامه ومن له مصلحة من حقه أن يختصم القانون دستوريا أمام مجلس الدولة، ويطعن على القرار بوقف الدعوى ويتم إحالتها للمحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية القانون.
وأضاف: سيتم عقد جمعية عمومية للمستشارين بالمجلس يوم ١٣ مايو لاختيار ثلاثة من القضاة ممن يتولون رئاسة مجلس الدولة إعمالا بما نص عليه القانون الجديد.
من جهته قال المستشار محمد ضيف، رئيس دائرة فحص الطعون الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، نائب رئيس مجلس الدولة: القانون صدر ولم نطلع على النوايا، وهناك ترشيح للمستشار يحيى دكرورى لرئاسة مجلس الدولة، فلننتظر ما فى النوايا، وعلينا إلا نتعجل الأمور، إذا لم يكن المقصود أسماء بعينهم فى هذه الفترة فلما العجلة فى تمرير هذا القانون، وأرى أنه بدلا من تعديل هذا النص، وهو من الثوابت فى القضاء، كان من الأفضل أن يتم أخذ رأى القضاة، فكما يقال «أهل مكة أدرى بشعابها»، ومشروع قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية تم «سلقه» فى نصف ساعة من البرلمان فلما العجلة فى تمريره فالنوايا ستتضح عند اختيار المستشار يحيى دكرورى لرئاسة مجلس الدولة، وهو قيمة وقامة كبيرة، وأذكر أنه فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك حينما رحل المستشار سيد نوفل وحل الدور على المستشار نبيل ميرهام خلفا له، حدث صراع كبير لتعيينه وحدثت اتصالات برئاسة الجمهورية وقتها وقال: «مبارك» أنا لم أكسر قاعدة الأقدمية حتى لو رفضت الجمعية العمومية، وكان وقتها الخلاف على أن المستشار نبيل «كفيف».
وتابع: علينا أن ندرك أن القاضى من نسيج هذا الشعب، ولا يعيش فى برج عال ورئيس مجلس الدولة لا ينفرد بقرار، وإنما القرارات جماعية فالقضاء لا يعرف القرارات الفردية، وبعد مرور ٧٠ عاما على إنشاء مجلس الدولة يأتى اليوم لنقول بأن اختيار رئيسه من بين ثلاثة قضاة يختار أحدهما الرئيس، وفى حالة إذا تخطى الرئيس المستشار يحيى دكرورى لرئاسة مجلس الدولة، وتم اختيار من بعده، فسيرفض هذا القاضى حفاظا على مبدأ الأقدمية، ومن حق المستشار دكرورى الطعن أمام دائرة رجال القضاء بالمحكمة الإدارية العليا، كما أن اختيار قاض من بين ثلاثة قضاة تؤدى لشرذمة القضاة، وتجعل القاضى ينظر للتقارير الأمنية حوله، كما أن كل هذا يجعل القاضى يخشى إصدار أحكام ضد الدولة خوفا من منعه من رئاسة هيئته.
ووجه المستشار ضيف نداء لرئيس الجمهورية بألا يستعدى السلطة القضائية، وقال: القانون صدر وعلينا تطبيقه، لكن قاعدة الأقدمية راسخة وليس من المنطقى أن يرأس الأحدث الأقدم، وسيحدث ذلك شرخ داخل الهيئات القضائية، ولا بد من احترام استقلال القضاء من أجل مصالح المواطنين.
«ضيف» عقب على الأصوات، التى نادى بـ»تدويل الأزمة»، بقوله: أرفض هذا الأمر، وعلينا إلا ننشر غسيلنا أمام الخارج، ويكفى ما تعانيه الدولة، كما أننا مطالبون أن نظهر للخارج فى صورة الدولة، التى تقف بجوار رئيسها.
من جانبه قال عصام الإسلامبولى، الفقيه الدستورى: يمنح الدستور للرئيس حق التدخل إذا خالفت سلطة ما الدستور وتغولت على سلطة أخرى، لكننا نرى الرئيس يوافق على قانون فى أقل من ٢٤ ساعة، كما نتابع تأمر السلطة التشريعية والتنفيذية على السلطة القضائية، فهناك قانون مجلس الدولة والجمعيات منذ فترة ولم يتم تعديله، وهذه من أسباب الانحراف فى استعمال التشريع سلطة، خاصة أن هذا القانون يستهدف أشخاصا بعينهم منهم المستشار يحيى دكرورى لمجلس الدولة والمستشار أنس لهيئة قضايا الدولة، وهذه الأسباب جعلتنى أطعن على هذا التعديل، فالحكومة صدرت بعض نواب البرلمان، وتعقد جلسات سريعة غير معلنة وفجأة تتم الموافقة وتدار جلسة التصويت بموافقة الثلثين من أعضاء البرلمان بالمخالفة للقانون.
وتساءل «الإسلامبولى» كيف يمكن أن يقبل رئيس الجمهورية أن يعين من يحاكمه إذا ما واجهته اتهامات من مجلس النواب؟.. وأكمل: هناك نص بالدستور من حق مجلس النواب اتهام الرئيس بانتهاك القانون، ومن يحاكمه رئيس محكمة النقض».. فكيف يختار الرئيس من يحاكمه؟.. كما أن رئيس مجلس الدولة هو رئيس الدائرة الأولى، التى تطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، ولو كان رئيس الدولة خصما فى الدعوى فكيف يختار من يحاكمه.. «هذا عبث».
«الإسلامبولى» أنهى حديثه بقوله: سأتقدم بطعن على القانون أمام مجلس الدولة، وسيتضمن طلب وقف تنفيذ نشر القرار متضمن القانون ليحكم بوقف تنفيذه ونفاذه وإحالة الدعوى للمحكمة الدستورية لتنظر الطعن على القانون.