الخميس 2 مايو 2024

الشائعات.. تاريخ مظلم وحاضر مأساوي

مقالات22-6-2021 | 13:18

 

الشائعات؛ هي خبر أو عدة أخبار مزيفة يتم تداولها بين عموم الناس، وتؤثر بشكل أو بآخر على الحركة الوظيفية التلقائية التي يقوم بها المجتمع لتدوير شتى نشاطاته وينعكس بالضرورة على سلوك الحكومة المنوط بها ضبط تلك الحركة - حركة وإيقاع المجتمع - بشكل سليم .

 الشائعات ليست وليدة العصر الحديث إنما هي ظاهرة تاريخية ارتبطت بوجود أول مجتمع قائم لو بشكله البدائي .

 وفي العصور التالية لتطور المجتمعات صارت تأخذ في طريقها البُعد السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي، تستهدف ضرب استقرار الكيان الإنساني بشتي صوره، بغرض تحقيق مكتسبات إيجابية أو إلحاق ضرر بجهة أو تشويه الوجه القيادي والنيل من أشخاص بعينهم .

 في المجتمعات المتخلفة كليةً أو بشكل نسبي عادةً ما تتحول الشائعات بعد وقت قصير من إطلاقها إلي حقائق غير قابلة للنفي أو الجدال، ينبني عليها نظم سياسية تنبت لها أفكار معصومة من طرح بذور ثمارها المغلوطة.

 تطورت تاريخيًا الشائعات، أخذت نمط استدام لفترة طويلة، استهداف الرمز الروحي أو الديني أو السياسي مثلما أشاعت قريش في غزوة "أُحد" موت النبي صلي الله عليه وسلم، ما كان له أثر سيء علي الروح المعنوية للمسلمين فكانت الهزيمة، ثم إطلاق حملات التخويف من المغول باعتبارهم ليسوًا بشر إنما وحوش ما بث في النفوس فكرة استحالة مواجهتهم وهزيمتهم.

 أخذت الشائعات بعدًا آخر هو قُدرتها علي تأسيس نظام سياسي بل وأيديولوجي أيضا مثل النظام "الشيعي" كنظام حكم "الملالي" في إيران من إشاعة قديمة سرت بين الناس جاءت من حكاية بلا أساس تداولها العامة عن اختفاء الإمام الثاني عاشر والأخير في الجبل وهم في انتظار عودته بعد ولو بعد آلاف السنين، ثم نجد الشائعة في زمن آخر وعصر آخر تؤدي ذات الدور الخبيث فيما ما نسب زورًا إلي الملكة ماري أنطوانت ملكة فرنسا التي قامت عليها وزوجها لويس السادس عشر الثورة الفرنسية " إذا لم يجد الفقراء خبزًا دعهم يأكلون كعكًا" وكانت هذه العبارة المزورة علي لسانها سببًا من أسباب قيام الثورة الدامية وفي إعدامها بالمقصلة فيما بعد، وصولا إلي قيام النازية في ألمانيا بعد أكاذيب ابتدعها "جوبلز" صاحب مقولة " أكذب أكذب .. حتي يصدقك الناس" .

في الفترة التالية علي الحرب العالمية الثانية وبعد الدور الهام الذي لعبته أجهزة الاستخبارات في الحرب الباردة، صارت الشائعات جزءًا أصيلًا من أسلحتها ، يتم توظيفها بشكل منهجي ومؤثر ومدعوم بشكل كبير للتأثير علي الخصوم السياسيين والدوليين، إذ تم الترويج إعلاميًا في العالم وبشكل واسع عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق، المسوغ الشرعي أمام العالم لتدميرها وغزوها عام 2003، ليثبت بعد ذلك عدم صحة ذلك الادعاء.. ليطفو علي مسرح الأحداث العالمية اصطلاح كان يتم نفيه فيما سبق والتنصل منه هو الحرب الإلكترونية أو "السيبرانية" التي تستخدمها الدول فيما بعضها، كمخلب قط، في حروبها الهجين (وهي الحروب التي تتلاقي فيها الحرب التقليدية بالقنابل والصواريخ ، مع حروب الفضاء الرقمي) وتكون الشائعات عبر الفضاء الإلكتروني عنصرًا أساسيًا فيها يتم تداوله في نطاق مؤثر وعلي نطاق واسع .

إذ أنه في الفترة بين عامي 2011:2008 استخدم قادة الضباط الأمريكيين مصطلحات مثل الحرب "السيبرانية والهجين"، لتوصيف الأساليب التي يستخدمها الجيش الأمريكي في العراق وأفغناستان، في صناعة المتمردين وجبهات المعارضة، لإيقاع خسائر فادحة بالخصوم الوطنيين .

 وتأكيد الجنرالات علي هذا النمط من الحروب أنه سيصبح هو السائد في المستقبل القريب، كما يحدث في سوريا الآن، إذ نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد دشنت علي الصعيد العالمي في سبتمبر عام 2014 "التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة"، وبذات الوقت أطلق البنتاجون عام 2015 برنامج "دعم وتدريب المعارضة " المناهضة لنظام بشار الأسد، وكلاهما يعتمد علي استراتيجية "الحرب الهجين". ورغم ذلك تبقي التهم السيبرانية مثل: التجسس، والاختراق، والتأثير السلبي في الأمن القومي للدول المستهدفة، تهمًا صعبة الإثبات، يكتنفها القدرة علي التملص والإنكار، ولو أبرزت محاولات إثباتها، لا تشكل إدانتها مصداقية كبيرة لدي الرأي العام العالمي، وتبدو مطاطية وغير مقنعة .

Dr.Randa
Dr.Radwa