الجمعة 21 يونيو 2024

صالون الهلال الثقافي .. الفن التشكيلي .. الواقع والتحديات

20-5-2017 | 12:56

أداره : أحمد البكري - أعده للنشر: مصطفى أبو عايد

عدسة : عمرو فارس - ناجى فرح

فى ليلة قاهرية مفعمة بالحب انتظم عقد الهلال فى صالونه الشهرى متضمنا كوكبة من المهتمين بالفن التشكيلى نقادا وكتابا وفنانين على رأسهم الفنان التشكيلي حلمى التونى، والفنان محمد عبلة، والناقد الفنان د. مصطفى يحيى عميد كلية الفنون الجميلة الأسبق، والناقد الفنان د.محمد تاج الدين، ود.حسن يوسف أستاذ علم الجمال بأكاديمية الفنون، ود.سلوى حمدى مدير عام متاحف الفن الحديث، والفنان مجدى عثمان، والفنانة منى عبداللطيف، والفنانة إيمان إبراهيم، ود.نرمين شوقى والكاتب الصحفى سعد القرش وأداره الكاتب الصحفى أحمد البكرى مدير تحرير مجلة الهلال.

وبدأ البكري قائلا إن الفن التشكيلى هو الضلع الثالث لثقافة أى مجتمع: الثقافة المرئية، والمقروءة، والبصرية. ويندرج تحت الثقافة البصرية فنون أخرى غير الفن التشكيلى ولكنه يعتبر أهمها، والفن التشكيلى لغة بصرية عالمية لها أدواتها وركائزها وتطورها وتساءل: ما حال الفنون التشكيلية الآن؟ وما وضع الفنان التشكيلى الآن؟ وما مدى معاناته، وسط ما يحيط به من أخطار وتحديات تكاد تصل لدرجة التربص بالفنون الحقيقية وخاصة الفنون التى ترتبط بالهوية، ونحاول الآن طرح التحديات التى تواجه الفنون التشكيلية والحلول الممكنة للخروج من هذا المنعطف، وتساءل البكرى بداية عن تحديد لمصطلح لثقافة الفن التشكيلى..

. فأجاب الناقد والأكاديمى د. مصطفى يحيى أن لغة الفن التشكيلى بدأت منذ حياة الكهف فلغة التشكيل سبقت الحرف الأبجدى فالإنسان عبر عن واقعه تشكيلياً من خلال الرسم، فرسالة الإنسان البدائى وصلتنا مشفرة بالتشكيل وعبر بها عن واقعه المعيش، وأذكر ما ذهب إليه جورج غاشتاف فى فكرة الوعى بالفن ذكر أنها تتكون من : “فكر - مادة - فعل” وأرجع ذلك الجانب الإبداعى لدى إنسان الكهف للعلاقة المحمومة التى كان مشحوناً بها نتيجة صراعه مع الحيوانات فعندما يرجع لكهفه تحت ضغط تلك الشحنة يصور ذلك على جدران الكهف، وجعل كذلك من فينوس الجميلة المتضخمة تمثالاً يرمز لعلاقته بالمرأة التى كانت تلبى حاجاته البيولوجية حيث الإنجاب والمتعة وغيرهما، ثم تطورت الفكرة لديه بمعرفته الزراعة ووصوله للحضارة فتغير واقعه، وبالتالى تغير النموذج لديه فى الجمال، فكلما تغير الواقع كلما عدل وغير الفنان من أسلوبه، وهكذا نجد البدائى قد مارس الحداثة دون أن يدرى، ونصل كذلك إلى أن التشكيل الذى وجدناه لدى الإنسان البدائى كان مرتبطاً بمراحل حياته المختلفة، ومن هنا بدأت مدارس الفن التشكيلى، وكذلك نجده تأثر بالمعتقد الذى آمن به فكان لا يرسم الحيوانات أو الطيور كاملة خشية عودة الروح إليها وبهذا نجده مرآة عاكسة للواقع الثقافى الذى يحيط به. فهو توثيق علمى وثقافى لرحلة الإنسان وتحضره وثقافته كما رأينا مثلا فى لوحات فنانى أوروبا بالقرن الرابع عشر.

وأشار الفنان حلمى التونى إلى أن الفنان البدائى عمد إلى الفن التشكيلى والرسم لسببين.. وهذان السببان لا اختلاف عليهما بكل الحضارات القديمة، وهما أنه رسم عندما يخاف وأيضا عندما يتمنى، ففي الصور التى على جدران الكهوف بفرنسا صور حيوانات مطعونة بالرماح فيتصور نفسه عندما يقتل الوحش فى رسمه كي يستطيع قتله حقيقة، وأيضا للتمنى فكان كالمصرى القديم عندما رسم “سوبك” أو “سخمت” فكان بمثابة رشوة لاتقاء شرها، وكذلك فكرة عروس البحر من أجل تمنى رضا الإله.

وأنتقل إلى حاضر الفن التشكيلى الآن فنراه مهملاً بشكل كبير فللأسف ننظر إليه كأنه ابن الجارية السوداء فنجد اهتماما بكل الفنون تقريبا والفن التشكيلى دائما يأتى فى ذيل القائمة، حتى وزير الثقافة نفسه الآن ليس له علاقة بالفن التشكيلى ولايهتم به، ومن المؤسف أننا نجد عندنا الآن عدداً كبيراً من الفنانين بدون جمهور تقريبا، وذلك راجع لعدم اهتمام الدولة به، فهى لم توفر وسيلة للتواصل مع الجمهور، فنجد طوابير الجماهير على المتاحف بكل دول العالم تقريباً حتى العالم الثالث وعندنا نجد قليلاً ممن يتجهون للمعارض والمتاحف، وأذكر فى لقاء سابق جمعنى بالفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق وهو فنان تشكيلى طلبت منه أن يجعل المتاحف المصرية مفتوحة للشباب ليرسموا ويتعلموا فيها أسوة بالمتاحف الأخرى بالدول المتقدمة فاستنكر ذلك بشدة، فنحن فعلاً بحاجة ماسة لوسائل الإعلام ووسائل الميديا لتوصيل تلك الرسالة للجمهور فبالماضى القريب كانت هناك برامج تليفزيونية خاصة بالفن التشكيلى وكذلك الصحف كالأهرام كانت تنشر أعمالاً كثيرة وهذا ما لايحدث الآن، فهناك فعلاً مؤامرة لحرمان هذا الشعب من الفن التشكيلى، ومن مصلحتنا جميعاً الاهتمام بهذا الفن، فالفن هو أبو العلم، فكل إبداع كان نتيجة حلم، والحلم ذاته فن، وكذلك من ميزات الفن أنه لايقنع بل يسعى للتطور، والقناعة ورضا الفنان عن ذاته يضره، والفن أكبر معلم لهذه الفضيلة ويدفعنا للتقدم بكافة الميادين.

وعن دور المتحف من أجل جذب الجماهير وتنمية الثقافة الفنية والتشكيلية لدى الجمهور المتلقى قالت د.سلوى حمدى مدير عام متاحف الفن الحديث إن فكرة الفن التشكيلى توثيق وتسجيل الواقع منذ البدايات، بل يتعدى لكل حياتنا تقريباً، فيدخل فى كل تفاصيل حياتنا حتى لدى غير المتخصصين، فيمارسونه دون قصد من خلال اختيار ملابسه أو طريقة حياته، فهو عنصر أساسى لدى الجميع، ودور المتحف أنه يسجل حقباً تاريخية للفن التشكيلى، مثل دور الكهف قديماً، فنحن نسعى لجذب طلاب المدارس وغيرهم، وكذلك نعمل على إعارة الأعمال الفنية للمؤسسات الثقافية ليستمتع بها الجمهور بدلاً من تركها بالمخازن، ولكن للأسف كثير من المؤسسات لم تعد تطلب ذلك، وللأسف حتى هذه المؤسسات عندما تستلم هذه الأعمال لاتعرف قيمتها فتسلمها لأحد العاملين بها كعهدة دون إدراك حقيقى لقيمتها فيتم إهمالها والكتابة عليها وأحيانا قطعها، فنضطر لسحبها بالطبع. فتساءل الفنان حلمى التونى عن حقيقة هذا الدور الحيوى للمتاحف، وهل يتم بالفعل؟

فأضافت د.سلوى بأن هناك بروتوكولات تعاون مع وزارة التربية والتعليم إلا أن الوزارة للأسف الشديد لا تقوم بتفعيل هذه البروتوكولات ولا تنفذها غالباً رغم أن هذه الرحلات مجانية، وقمنا بعمل بروتوكول مع اتحاد الغرف السياحية وكان هناك توافد كبير، ولكن فى الفترة الأخيرة نسبة لتردى الوضع الأمنى صرنا نغلق المتاحف خوفاً على ما فيها من كنوز فنية، وكان لهذا الدور المبذول مردوده الجيد، ولكن الآن للظروف المذكورة وكذلك بعض البيروقراطية والروتين العقيم صار العدد ضئيلاً حوالى مائتين بالشهر.

وتساءل البكرى عن الدور التوعوى الذى يقوم به المتحف.

فأشارت د.سلوى أن دور المتحف للأسف يكون كبيراً في المنطقة المحيطة به، والمقياس الحقيقى لدور المتحف ليس بعدد التذاكر ولكن بكم الإقبال وهو كبير نوعاً ما بالنسبة لتلاميذ المدارس، ولكن الفكرة هى أين الفن الحديث الآن، فالجمهور يأتى ولكن ما الذى يجده بالفعل، وكذلك أين الدور الإرشادى لجذب الجمهور وهو ما نعانيه بالفعل وعندنا مشكلة أخرى كذلك تتمثل فى العنصر الأمنى الذى يمنع التصوير بكل أشكاله، وكذلك غلق المتاحف يومى الجمعة والسبت وهما أهم وقت حيوى لحضور الجمهور، مع العلم أن لوحة زهرة الخشخاش سرقت يوم الجمعة وقت الصلاة تحديداً، فهناك أمور للأسف تحدث دون إرادتنا،

وأضاف الكاتب الصحفى سعد القرش أن اهتمام الإعلام بالفن التشكيلى محدود للغاية فما ينشر غالباً يهتم بأخبار الفنانين ولا يهتم بالأعمال الفنية ذاتها ولايساعد على جذب المتلقى، وتساءل القرش عن دور فرد الأمن الحقيقى المنوط به، ومدى تدخله وإعاقته للمتلقى.

فأشارت د.سلوى إلى أن فرد الأمن للأسف يتدخل فى هذه الجزئية فيمنع التصوير حتى لو كان غير مضر بالعمل الفنى، ولا توجد أية استجابة لنا بهذا الصدد.

وتساءل البكرى عن المشكلة الحقيقية التى صرفت الجمهور عن التواصل مع الفن التشكيلى وأسباب الفجوة التى حدثت بين الجمهور والفنان.

فأكد د.ياسر منجي أن الأنماط التى نلاحظها هى نتيجة للظروف المعيشية للمجتمع، وأنه لايأتى شخص ما ويقرر إيجاد مدرسة فنية ما، ولكنها تأتى نتيجة السياق المجتمعى والظروف السياسية والاكتشافات العلمية الحديثة، وكم من مدرسة فنية نشأت نتيجة تطور العلم التطبيقى، وبعضها نتج عن تطور الفلسفة بالمجتمع، ومنها ما ارتبط بحركة الأدب ،،، إلخ، فهذه الاتجاهات التى نراها من المعميات ومن الطلاسم هى بنت مجتمعاتها الغربية بالطبع، وما يحدث لدينا أن هذه الاتجاهات الحديثة والمعاصرة تستجلب وتدخل إلى المجتمع دخولاً قصديا ببعض الأحيان، ودخولاً غير ممهد له، وهذا ينتج عنه انقطاع وعدم تواصل ليس للمتلقى فحسب ولكن للفنان المتخصص نفسه إزاء هذا الاتجاه الفنى، فعلى سبيل المثال فنون الأداء المرتبطة بالعامل النفسى الداخلى الإنسان ورغم أهميتها، إلا أنه بسبب عدم الاطلاع عليها فيراها الكثير ممن ينتسبون للحركة الفنية محض خزعبلات ومزايدات فارغة، فهناك انقطاع بين الحلقات الثقافية، انظر مثلاً لجوائز الدولة كل عام، سنجد المحكمين فى جوائز الفنون التشكيلية تحديداً لايعرفون معظم المتقدمين للجائزة من الفنانين التشكيليين، وإن عرفوهم فلا يعرفون اتجاههم الفنى، وأذكر أننا عندما كنا نقوم بعمل معجم لمصطلحات الفنون الجميلة بالاشتراك مع مجمع اللغة العربية أقرت حينها الأستاذ فاروق شوشة والأدباء المشاركون أن هناك قطيعة ثقافية بين الفنون البصرية وثقافتها بقية الثقافات الأخرى، وهذه القطيعة متأصلة الآن بشكل كبير لم يكن موجوداً بالماضى. وأيضا هنا عقبة أخرى ألا وهى أن عدد النقاد لايستوفى تقطير الحركة التشكيلية مع كثرة المعارض، أيضا تكوين الناقد التشكيلى نفسه أصبح فى غاية الصعوبة، ففى فترة التأسيس كان عندنا أحمد راسم كان يكتب ويبدع فى النقد التشكيلى وهو متحرر من أية ضغوط نظراً لظروفه المعيشية الرغدة، ولم يكن وحده بل هناك من مجايليه الكثير، فإذا نظرنا إلى من يكتب الآن إما أكاديميون أو صحفيون أو فنانون تشكيليون، فلا يوجد لدينا الناقد الحقيقى المتفرغ بشكل تام مثل الماضى، وإن وجدناه فلن يجد مؤسسة تعينه، فبالتالى لا توجد الآن حركة نقد تشكيلى، ولايوجد نقاد حقيقيون ولا مقومات هيكلية حقيقية تساعد الناقد على أن يتفرغ لهذا العمل. فبالتالى نجد منابع تسهم فى تأجيج المناحى الخلافية التى تصب فى جعل الوعى المجتمعى العام ينقصه الكثير، فإذا نظرنا إلى ابن خلدون سنجده حل هذه الإشكالية بقوله: “لن تستوفى الكماليات حتى تستوفى أسس العمران”. فعدم توافر مقومات العيش الكريم للمتلقى والناقد سيصرفه عن التواصل مع الفن التشكيلى، والضحية فى أى معترك سياسى أو مادى هو الفن فى الغالب والدليل توقف المجلات الفنية كمجلة الخيال بقصور الثقافة نتيجة ظروف مادية.

 وتساءل البكرى عن التغيرات المجتمعية ومدى تأثيرها على الفنان والمتلقى.

فأشار الفنان محمد عبلة إلى أن تلك التغيرات صحية وتلك الإشكاليات موجودة بكل المجتمعات، فشكوى الفنان من عدم التواصل مع فنه وإبداعه هذه ظاهرة صحية، والمشكلة الحقيقية تكمن على حد قول ابن خلدون : “الناس على دين ملوكهم”. فوجود قيادة لا تهتم بالفن هذا هو المؤثر، وهذه هى الإشكالية حيث نجد أولى الأمر لا يعنيهم الفن تماماً، فإذا نظرنا لأجيال الماضى : محمود سعيد، ناجى، عبد الهادى الجزار لا نجد أن الموضوع له علاقة بالفقر والغنى ولكن يرتبط بمن يسوس حينها، فالانحدار والحصار بدأ بعد عام 1950 م فماذا تنتظر عندما يكون وزير التعليم كمال الدين حسين، وهو شخص لم يقرأ كتاباً بحياته مطلقا، فالمجتمع مستنزف تماماً، ومن المعروف أن الشعوب تتعلم من الأحداث الكبرى، ومصر مرت بها أحداث كبرى فعلاً ولم نتعلم منها، وهنا المشكلة، ففى ألمانيا مثلاً يحدث كل عشرين عاماً وقفة من جميع الأطياف بمثابة وقفة للتفكير، يسألون أنفسهم عما صنعوا، فهل نحن فى مصر فعلنا ذلك على المستوى الجمعى، والفن ليس أداءات فردية فحسب بل هو متداخل فى كل شيء، فعدة أفراد لا ينتجون شيئاً، ومناهج تدريس الفن بالمدارس وكليات الفنون بها الكثير من العوار فنحن فعلاً فى أزمة حقيقية، فتنتقل بدورها لكل المواد كالكيمياء وغيرها. والمؤسف أنه تم إلغاء التربية الفنية مؤخراً، لأسباب سياسية واقتصادية ولكوننا أيضاً مستهدفين، نظراً للانفتاح على الآخر غير المحسوب تماما.

ً وتساءل البكرى عما إذا كانت الظروف الاقتصادية هى السبب الرئيسى. فأكد الفنان محمد عبلة أن هناك ظروفاً أخرى والسبب الاقتصادى ليس السبب الرئيسى وراء ذلك الانحدار، فالهند أقل من مصر اقتصادياً وأشد فقراً، ويعتمد الشعب الهندى على 10% من أبنائه إلا أن هناك طريقا محدداً يهتم بهذه النسبة مما يزيد نسبة التعليم بخط متواز مع اهتمام بالفنون وهذا لم يحدث عندنا فما نمر به من أزمات أقل بكثير مما عانته دول مثل ماليزيا ولكنهم كانوا على وعى تام أكثر منا. ومجتمعنا لن يرقى ويتقدم إلا باهتمامه بالفنون لأن الفن يحفز طاقات المغامرة والأمل . فنحن غيبنا دور الفن بأبسط أدواته.

وتساءل البكرى عن المسئول عن عرض الردىء من الفنون الآن والترويج له .

فأكد الفنان محمد عبلة أن ذلك يرجع إلى الفساد الإدارى المتفشى الآن.

ومن جانبه أضاف الناقد التشكيلى د. حسن يوسف أننا نعانى مشكلة فلسفة التلقى فنحن لدينا الفنان والعمل الفنى والمتلقى والناقد، وعلى فترات طويلة الاهتمام ينصب على الفنان وعمله، دون الاهتمام بالرسالة ما أدى لانفصال بين الفنان والمتلقى، فنحن نعانى الآن عدم إقبال الجمهور على عمل الفنان، وهناك الآن دراسات فى الدول الأخرى تهتم بالمتلقى، بغرض تسليع الفن أى تحويله لسلعة، لأن هذا مردود مادى على الفنان، فيجب الاهتمام بثقافة التلقى وتربية الذائقة لدى المتلقى لدينا ليقبل على العمل الفنى، ليفهم المدارس الفنية والحركة التشكيلية، وهذه مسئولية كبيرة ومشتركة ليحدث التلاقى بين العمل الفنى والجمهور، ويجب أن يكون مواكبا للبيئة المصرية فلا نستحضر التجربة الحداثية الأوروبية وأن يكون مرتبطاً بالهوية وهنا يبرز الدور الحقيقى للناقد الذى يقيم جسوراً بين العمل الفنى والجمهور، ويقوم بتبسيط للفنون ليستوعبها المتلقى ويتفاعل معها. فنحن بحاجة بالفعل للناقد الموسوعى، ولكن تبرز الأزمة هنا أن الناقد يتخرج ولا يأخذ فرصته الحقيقية ويعمل فى غير تخصصه، وبالتالى نجد أنفسنا أمام مأزق النقد وكذلك مأزق التلقى، فنجد الناقد لا يجد المقابل الذى يعوله فيتحول لناقد هاو.

وتساءل البكرى بعد ذلك: هل نستطيع بعد ذلك أن نقول إن الفن التشكيلى فن نخبوى، موجه لشريحة بعينها وليس فناً شعبياً لكل الطبقات؟

فأكد د. محمد تاج الدين أنه كان إنجلز ولينين يعتبران أن نهوض الدولة يتم عن طريق الفن، فتروتسكى مثلاً كان يرى أن نهضة روسيا كان أساسها الفن، وكان يرفض أى فن لا يؤدى إلى تقدم المجتمع، فلماذا لا نعمل بهذه العقلية، ففى هذه الدول أخذوا الفن للعمل فالعامل البسيط بالمصنع يجب أن يكون مثقفا فنياً، والسؤال هو : هل المسئول يدرك أهمية الثقافة أم لا فعندنا المسئول لا يهتم بها من الأساس، حتى المسئول عن الثقافة ذاته هل هو يعى الجوانب الثقافية والفنية، للأسف هو نفسه غير مثقف، ويجب أن نوجه أسئلة مباشرة لهذه القيادات، لمسئول الثقافة والتعليم بشكل مباشر وإخبارهم بحقيقة الأمر أن الدولة لا تنهض بعيداً عن الفن. ولن تقضى على الأفكار العقيمة إلا عن طريق الفن، ويجب أن تكون هناك كتابات مفعلة فى الصحف والمجلات ومركزة لتؤثر فى أول الأمر . ونحرك الوعى داخل المجتمع.

وأشار د. تاج الدين إلى نقطة مهمة للغاية وهى عدم الاهتمام منذ الصغر بمراحل التعليم بالفن، وتفضيل المواد الدراسية الأخرى عليه لأنه لا يضاف للمجموع وليس عليه درجات، مثله مثل الدين تماماً مع أنهما أهم شيئين لرفع إحساس الإنسان، والفن التشكيلى رفاهى جداً وللأسف بعيد تماماً عنا، والصدام الذى حدث بين الدين والفنون أثر بالسلب على تقبل الفنون.

وتساءل البكرى عن كيفية تسويق الفنان لإبداعه الفنى وعرضه بطريقة ملائمة للمتلقى.

فأكد الفنان التشكيلى مجدى عثمان:

أن الفنان مرآة لثقافة مجتمعه، وهذا الأمر يختلف حسب المرحلة المعيشة، والإيمان بأفكار تلك المرحلة على حدة، فهناك عدة عوامل هى التى تصنع الفنان النجم وبالتالى تساعد المتلقى على قبوله من خلال التركيز عليه وهذا ما يتم بالغرب خاصة وبالتالى تكون أسعاره ذات شكل مختلف عن البعض الآخر، وساهم بدور ملحوظ من هذا القبيل الدول العربية حيث اهتمت بالفن المصرى مثل دبى، فاجتذبت الفنانين إليها نوعاً ما، فالمنظومة فى النهاية ستجدها واحدة هى نفسها التى تؤثر فى صنع نجومية الناقد وكذلك الفنان، من خلال توفير ساحة له، وأكبر عقبة لدينا عدم توافر تلك المساحة بالنسبة للفنان ففى المتاحف المصرية يوجد المدير الأمنى بالإضافة لمدير المتحف نفسه والمدير الأمنى للأسف هو من يفرض رأيه، فيمنع فرد الأمن التصوير مما يعوق الفنان عن أداء عمله، عكس الخارج نجد المتاحف ترحب بالفنان والمتلقى على السواء، والمحسوبية عندنا بشكل كبير والمجاملة تعمل على تصعيد من لا يستحق على حساب الفنان الحقيقى، فإذا توحد الهدف والاهتمام من الدولة على كل المستويات ستكون النتيجة أفضل، ففى الخارج يتم الاستثمار فى الفنان وعرض أعمال الفنان بالمعارض فى أطر محددة من خلال التسعير الخاص بها.

وتساءل البكرى هل هناك انفصال حقا بين الفنان والمتلقى والناقد ومؤسسات الدولة.. وكيف يرى الفنان التشكيلى هذه المعاناة؟ .

فأكدت الفنانة التشكيلية منى عبد اللطيف أن الفصل موجود منذ أمد بعيد، والتجريف والانحدار الملحوظ على كافة الفنون هذا مقصود بالطبع من أجل فقدان الهوية المصرية، وهذا الفقد حدث بأكثر من طريقة كانت بدايتها من الفنون وبالتوازى مع اللغة وغيرهما، وهناك إقصاء متعمد للفنان منذ أكثر من أربعين سنة والمثقف عامة عن المشهد الثقافى، ونعانى ذلك إلى الآن، ونعانى فى الوقت ذاته جهلاً بقيمة الفنون وقيمة الترقى الوجدانى، وبالتالى عاد الصدى من هذا الإهمال على المتلقى، وصارت معايير النجاح ملتبسة فكسب المال والشهرة ليس هو معيار النجاح الحقيقى بل فى الوصول للمتلقى، وعدم وعى المسئول عن الثقافة والفنون مشكلة كبيرة كذلك نعانيها بالطبع، وبالتالى صار هناك مقابل خطير وهو تفريغنا من هويتنا من خلال تفريغ المحتوى الفنى والثقافى ذاته من القيمة.

وفي إطار ارتباط الفنون التشكيلية وتكاملها مع غيرها من الفنون أشارت الناقدة د. نرمين شوقى إلى التداخل بين الفنون ككل حقيقة فالإنسان بدأ الفنون لمحاكاة الطبيعة، ومنها المسرح، ومع تقدم الزمن صار المسرح وسيلة دعائية للفنون الأخرى، ومنها الفنون التشكيلية، فعلى خشبة المسرح توجد الديكورات واللوحات بأنواعها لتعبر عن الحالة الشعورية التى يعيشها الأبطال وكذلك أحوالهم النفسية، ثم صارت حالة للتعبير عن رموز معينة ثم حالة تجريدية، وبذلك صار الفن التشكيلى تعبيراً عن الحضارة بأشكالها والذات وكوامنها، وبعد الحداثة زاد التداخل وتعددت المدارس والاتجاهات فصار الفنان الواحد بالفن التشكيلي لا يفهم بنفس الدرجة أعمال الفنان الآخر المنتمى لمدرسة أخرى ، والمسرح من الممكن أن يعمل على الدعاية للفن التشكيلى من خلال العروض المسرحية، مثلما الحال فى إيطاليا، تتم الدعاية للفن التشكيلى من خلال المسرح، ففى إيطاليا مثلا يتم التواصل مع المتلقى حين دخوله للمعرض من خلال الموسيقى الملائمة له ومن ثم توجيهه للأعمال واللوحات الفنية المتماشية معه، وتتضافر الإضاءة مع الموسيقى وعوامل أخرى فتجذب المتلقى لأعمال الفنان، وكذلك هناك أفلام تسجيلية لعرض هذه الأعمال، ويتم التواصل من خلالها مع المتلقى حيث يسجل صوته عند إعجابه بلوحة ثم  يعرض الصوت، وإعطاؤه تذكرة مسرح هدية أو سينما فهناك تداخل تام بين الفنون، وكذلك نفتقد لمتحف الشارع الآن الذى يشارك فيه الجمهور ككل وليس الفنان فقط، وفى الخارج ممنوع التصوير فعلاً ولكن يتم تقديم كتالوج  للمعرض يضاف ثمنه للتذكرة، وكذلك أرى عمل ورش نقدية تهتم بالفن التشكيلى ومجلة متخصصة للفن التشكيلي.

وقدمت الفنانة إيمان إبراهيم اقتراحا لتجميل مؤسسة دار الهلال بإقامة معرض للشباب تحت 35 سنة، بحيث تكون الجوائز رمزية مع شهادات تقدير من قبل المؤسسة، وبحيث تكون الدعاية له ترتكز على السوشيال ميديا لتوفر أكبر تغطية ممكنة، واقترحت بعرض الأمر على الفنانين والمفكرين والكتاب لتقديم الجوائز بأسمائهم على أن يتم ذكر ذلك بجوار كل لوحة..

واقترحت أن يكون من ضمن شروط المعرض أنه إذا لم يتم سحب الأعمال المقدمة في موعد محدد، وليكن 15 يوما مثلا، فإنها تتحول إلى ملكية خاصة بمؤسسة دار الهلال..