الأحد 16 يونيو 2024

أخلاق العبيد .. العيب ع الفلسفة!!

21-5-2017 | 10:55

بقلم: هبة عادل

هناك بعض الأفلام المباشرة التي نستطيع أن نفهمها ونحن داخل دار العرض سواء استمتعنا بهذا الفهم أو لا وأخري تجعلنا نغدو إلي منازلنا وتمر سنوات ونقول كان فيلماً غامضاً غريباً لم نفهمه.. وبين هذا وذاك نوع آخر من الأفلام التي تبدو مباشرة ولكنها ذات عمق.. يستمتع بقراءتها فقط من يتعب نفسه ويحاول أن يفهم ما يرمي إليه هذا العمق..

وفيلمنا محط حديثنا الآن هو من هذا النوع الأخير وهو فيلم «أخلاق العبيد» حتي عنوانه يجعلك تفكر عن أي عبيد وعن أي معبود يتحدث الفيلم هل هم البشر بصورتهم الواسعة أم شريحة بعينها اختار الفيلم التعرض لها وهل المقصود بالمعبود هو الله عز وجل أم أن كل عبد لشهوة أو سلطة أوغريزة أو ما إلي ذلك؟!

الفيلم يدور حول بطله الرئيسي الفنان العبقري «خالد الصاوي» وحضرتني جدا صورتي البوهيمية في مسلسله الأخير «هي ودافنشي» الذي قدمه في رمضان السابق أمام النجمة ليلي علوي.. وقد جاءت شخصيته هنا في هذا العمل أقرب لهذا النموذج العابث المترنح عبر طرقات الحياة الوعرة فهو رجل الأعمال «رضوان الجمال» الذي طاف بلاد العالم وجاء ليستقر في بلده مصر وينشئ فيها قناة فضائية يمتلكها وخلال حفل افتتاح هذه القناة يتعرف علي فتاة ليل يصطحبها إلي فراشه غير أنها لم تكن الوحيدة التي قدمت له جسدها عبر أحداث الفيلم فعلي خلفية وفاة حبيبته وهي حامل منه وافتقاده وخسارته لحبيبته وطفلها ينهار نفسيا ويصبح من الضعف بمكان حتي أنه ينساق وراء أي نزوة نسائية بكل بساطة ولما ترغب الفتاة الأولي التي لعبتها بموهبة واعدة الفنانة الشابة أماني كمال في الاقتران الحلال منه والزواج يصرخ بواحدة من رسائل الفيلم قائلاً: محدش عاوز يقبل حد زي ماهو كل واحد عاوز يفصل الثاني علي مقاسه».

ثم يتعرف علي موظفة تعمل لديه وهي «يسرا اللوزي» ويحبها ولكن شخصيتها القوية الرافضة تماما للخضوع لإرادة الرجل مهما عشقته عجلت بإنهاء العلاقة فيرتمي مجددا في أحضان فتاة ليل أخري هي الجميلة «سارة سلامة»..

والتي تتعرض لحادث يشوه وجهها الجميل فيسافر بها في رحلة علاج إلي الخارج وعندما تشفي تماما تفلت هي الأخري من قبضته وتصرخ فيه بأنه من السذاجة أن يتصور أن لديه القدرة علي تشكيل البشر كما يشاء.. حتي شقيقته سلوي عثمان وابنتها كارولين خليل الكل يكرهه ويكره تسلطه وسيطرته وأنانيته نأتي إلي مونولوج هام في الفيلم عندما يجلس مخمورا في أحد بارات تايلاند حيث تم تصوير معظم مشاهد الفيلم، ويقول للنادل الواقف علي البار «العبد ساعات بيبقي محظوظ عشان علي الأقل حد عاوزه .. عاوز يشتريه.. وكأنه بذلك يناجي نفسه وأن كونه معبوداً لهؤلاء المزعوم أنه مسيطر عليهم بالمال أو الجنس أو العمل أو حتي بقرابة الدم..هذا لم يسعده ولم يجعل أحداً يحبه أو يتعلق بشخصه.

لذلك أقول إن الفيلم جاء خارج سرب أفلام الكوميديا والهزل السائدة حاليا ليلقي بظلال رمزية وفلسفية حيث آليات وأدوات ومرامى العلاقة بين أي عبد ومعبود وهذا البعد الهام الذي تجسده أحداث الفيلم ليس بعيداً عن توقعاتنا من كاتب ومؤلف مرموق بحجم د. عصام الشماع وهو في الاساس طبيب نفسي يستطيع بقلمه الخوض في نفوس البشر وعلاقاتهم ليثمر لنا ومعه السيناريست أيمن مكرم وهو أيضا مخرج الفيلم، هذا الفيلم البديع.. والذي أري أن أقلام زملائي النقاد قد ظلموه عندما قالوا عنه ضعيف وأن الإيرادات التي هي بالطبع جاءت مخيبة لآمال فريق العمل وصناعه هي أيضا مؤشر ظالم ولكنه زمن الهلس بكل أسف والاستسهال وعدم الرغبة من أي أحد في أن يتعب نفسه.

وأشيد بالأداء التمثيلي الناضج ليسرا اللوزي وسارة سلامة وبالموهبة البارزة لمراد مكرم وبجودة الصورة والمناظر الخارجية خاصة في تايلاند ونقلاتها وتنوعها بين مشاهد مصر سواء الخارجية أو الداخلية وإذا كان بطل العمل «خالد الصاوي» يتساءل في فيلمه في إحدي العبارات: «أنا مش عارف العيب فيا ولا في الناس ولا في الظروف اللي بتخلي الناس شاكة في بعضها؟»، فأقول معه إن الفيلم اجتماعي علي خلفية فلسفية واضحة تحتاج ربما إلي جمهور خاص ليستوعبها وأنا مش عارفة هو العيب في الفيلم ولا في الناس أو ربما في الفلسفة اللي الناس مبقاش عندها استعداد تتعب نفسها وتتفهمها.