في كل مكان تتجول "قدر الفول" في الشوارع على عربيات الفول الثابتة في الحواري والأزقة وحتى الأحياء الراقية يلازمها جرس مدوٍ وصوت جهوري " فووول.. «الهلال اليوم» اخترقت أحد أهم المستوقدات القديمة لترصد واقع "بيت الفول المصري" هل ما زالت تعمل بكامل طاقتها، وما إجمالي طاقتها الإنتاجية في الطهي وكيف يتم الطهي، الجولة جاءت في الأساس للتعرف على أسرار قدرة الفول التي لا تفارق أطباقها البيوت المصرية.
ففي الجمالية بشارع أمير الجيوش واحد من أقدم شوارع القاهرة ويضم بين جنباته واحدا من أقدم مستودعات الفول مستودع "مرجوش" أو كما يطلق عليه أهل المنطقة "مستودع الحاجة أم جمعة" في حارة المستودع.
أكدت أم جمعة أن المستودع كان من أهم مستودعات البلد حتى إن مخرجي السينما كانوا بيصوروا أفلامهم هنا عندنا أتصور هنا فيلم سوق المتعة وجوه المستودع كان محمود عبدالعزيز بيحمي نار المستوقد ويفرشها كما تم تصوير فيلم أي أي لليلى علوي.
"المستوقدات عصرها انتهي".. هكذا قالت أم جمعة بحسرة بالغة مؤكدة أن استخدامها لمخلفات مصانع الورق والأحذية لتسوية الفول دفعت شئون البيئة تحظر عمل المستوقدات، كما أن انتشار الغاز الطبيعي وأنابيب الغاز جعلت أصحاب المطاعم وعربيات الفول وتسوية الفول على نيران الغاز بدلا من تسويتها على نيران هادئة لمدد بلغت 18 ساعة.
وحول تاريخ مستوقد الفول تقول أم جمعة "قدرة الفول بتتعرف هي خارجة من أي مستوقد من رابطتها "التكميرة" زي البصمة تمام وشكل الهباب عليه، وأشارت إلى أن الجمالية كانت تضم أكثر من 7 مستوقدات 3 منها كانت في قلب حارة الصاغة وفي السيدة زينب والدرب الأحمر.
وأشارت إلى أن الكثيرين يظنون أن المستوقد كان يشتغل على الزبالة مستدركة المستوقد بيشتغل على مخلفات مصانع الأحذية وكان زمان أصحاب المحلات هم اللي بيجيبوا زبالتهم لغاية المستوقد دلوقتي المحليات بيجمعوا الزبالة ويرموها وعلشان البيئة اتقفل المستوقد اللى كنا بناكل منه ذهب وكان فاتح بيوت ولا 20 عائلة أنا اليوم همه قدرتين وبيسويهم على فرن بوتاجاز "بوتاجاز شريط" نسترزق بس ونجيب أكل يوم بيوم".
وأكد أيمن أحد العاملين في مستوقد أم جمعة أن المستوقد كان زمان بشتغل 24 ساعة من الساعة الرابعة صباحا بياعين الفول بيقفوا طابور ويحضروا قدرة الفور فاضية ويستلموا الاستبن مليان وان الفرن كان بيستوعب 50 قدرة بيتم "كمرها" بعد تكميمها.
وعن علاقة المستوقدات بالحمامات البلدي قال أيمن: "كنا بنحرق الزبالة ونستنى لما تكون رماد وبعدين نغطي بيها القدور المرصوصة لحد الصبح وبناخد السخونة اللي طالعة منها في حاجة اسمها بيت الدسوت عشان نعمل البخار للحمام الملاصق حمام "الحاج زينهم".
وأشار إلى أن الحكومة ألغت المستوقدات بسبب المحافظة على البيئة وحولته إلى جاز، لأن حرق بالزبالة بيضر البيئة، بالإضافة إلى انتشار محلات الفول اللي بتسوي بمعرفتها على بوتاجازات.
وأضاف أن طعم الفول اللى خارج من المستوقد زمان كان لا يعلى عليه والتسوية على باجور الشريط برضه لها طعم مختلف عن طعم المحلات لأنه بيتسوى على نار هادية جدا تسوى الفول على أصوله.
"مستوقدات الفول المدمس" تحرق تاريخ الدولة الفاطمية
يذكر كتاب مجموعة الوثائق الفاطمية للدكتور جمال الدين الشيالي، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الإسكندرية، أن مستودعات الفول في العهد الفاطمي استخدمت وثائق "ديوان الإنشاء"، والذي كان يهتم بحفظ المكاتبات، التي تصدر عن الخلفاء والأمراء لغيرهم من المسئولين لإيقاد المستوقدات لسنوات.
فيوكد أن صلاح الدين الأيوبي أحرق التراث الفاطمي من وثائق وكتب ومكاتبات حيث يذكر بعض المؤرخين أن مستوقدات الفول المدمس بالقاهرة ظلت سنوات توقد بها إذ كان صلاح الدين الأيوبي إعادة بناء دولته وفق المذهب السني لذا تخلص من كل أوراق ووثائق دولة الفاطميين بالحرق في المستوقدات.
وتذكر كتب التاريخ أن حي "الخرونشف" قبل أن يحرفه المصريون إلى "الخرنفش" في الأصل ينسب إلى نوع من المواد المتحجرة كانت تستخدم في بناء البيوت القديمة وكما كان يطلق عليها أصحاب المستوقدات في العصر الحديث
"الاسروميل"، وهي عبارة عن مواد متحجرة كانت تستخدم كفحم كمخلفات من المستوقدات والأفران وكانت تستخدم في تسخين المياه في الحمامات القديمة، ولهذا يشتهر بمستوقداته والحمامات التي ارتبط وجودها بالمستوقدات.