يحدث أثراً بالغاً وتداعيات خطيرة.. وخللاً فى التوازن بين موارد وقدرات الدولة.. وتعداد شعبها.. فإذا استمرت الزيادة المنفلتة فى التعداد السكاني.. فإن ذلك سوف ينعكس على ما يقدم للمواطن من رعاية واهتمام وخدمات، وبناء وتأهيل وتدريب ومواكبة للتطور.. وسوف يفضى إلي عجز فى توفير حقوق الإنسان بالمفهوم الشامل فى الرعاية الصحية اللائقة: والتعليم الجيد.. والسكن الملائم وفرص العمل.. ومستوى الأمن والأمان والاستقرار الذى تخلفه حالة التشوهات المجتمعية والسلوكيات الناجمة عن قصور فى بناء الإنسان، ليسلك طرقاً أخرى تهدد أمن المجتمع.. إنها معادلة متكاملة لابد أن نستجيب كشعب لها، ونعيد حساباتنا من جديد لأننا أمام خطر داهم يأكل من حقوقنا وجودة حياتنا ويؤثر على سلامة وتقدم الدولة.
قلت فى مقال سابق إن لكل دولة إمكانيات وموارد محدودة لابد أن تتواكب وتتماشى مع تعداد شعبها. وإذا حدث خلل بحيث يزيد عدد السكان على موارد وقدرات وإمكانيات الدولة، ينعكس ذلك على حياة المواطن وجودتها.. ومدى تلبية احتياجاته وتوفير حقوقه، حتى الأمن والأمان، والاستقرار الذى يحظى به مرهون بحجم التعداد السكاني.
وحتى يكون النقاش مجدياً ومفهوماً بشكل أوضح.. فإن طاقة وقدرة أى دولة، ومدى تحقيق الرضا لشعبها مرهون بهذه الموارد والقدرات.. فإذا وصلت الزيادة السكانية إلى حد الانفلات والانفجار، فإن لذلك تداعيات خطيرة تنعكس على الحقوق الأساسية للإنسان.. خاصة فى ظل الخلل أو التوازن ما بين التعداد السكانى لهذه الدولة ومواردها ومقدراتها.
لا أبالغ إذا قلت إن من أخطر الآفات التى تهدد حقوق أى إنسان سواء فى الأسرة الواحدة أو المجتمع أو الدولة هو الانفجار السكانى أو الزيادة العشوائية المنفلتة.. فإذا تحدثنا عن مواطن بسيط ودخله محدود يعول أسرة تعدادها 5 أبناء.. وموارده ودخله لا يكفى إلا اثنين مثلاً.. والسؤال هنا: من أين له أن يستطيع توفير احتياجات الأبناء الخمسة.. وهل سيكون المردود أفضل لاثنين أم لخمسة؟!.. وهل يستطيع أن يوفر لهم الغذاء الصحى المناسب أو التعليم أو الخدمات الصحية، أو حتى الجوانب العاطفية.. أو تقديم التربية السليمة والصحيحة لتفرز لنا عناصر فاعلة ومؤثرة فى المجتمع وليست عالة أو هَمًا إضافيًا عليه؟!!
نحن أمام تساؤلات كثيرة عن مدى رضا الإنسان فى حالة الانفلات والانفجار السكاني.. فإذا تناولنا تأثير هذه القضية على الدولة، فنحن أمام دروس وتداعيات خطيرة.. فكيف تلبى الدولة احتياجات المواطن أو الإنسان من خدمات ورعاية واهتمام إذا وصلت مواردها وقدراتها إلى حالة العجز فى توفير المتطلبات الأساسية لمواطنيها.. ولعل قائمة البنود التى تتضمنها الخدمات والاحتياجات الأساسية طويلة وعريضة.. فمع كل مولود جديد يضاف إلى التعداد السكاني.. هناك متطلبات لابد أن توجدها الدولة من مستشفيات ومدارس وإسكان وخدمات مثل الصرف الصحى ومحطات المياه النقية ثم التعليم الجامعى من جامعات ومعاهد.. ناهيك عن باقى قائمة الخدمات التى يجب أن تقدمها الدولة فى حدود مواردها وإمكانياتها وقدراتها.
مصر ترسى قواعد وأسس المفهوم الشامل لحقوق الإنسان.. وتبذل جهوداً كبيرة.. وتسابق الزمن على مدار الـ7 سنوات الماضية، وحققت طفرات هائلة من تطوير الخدمات الصحية والتعليم والبنية الأساسية وتوفير الاحتياجات الضرورية والخدمات.. لكن الخطر الحقيقى استمرار الزيادة السكانية بشكل عشوائى ومنفلت ودون حسابات.. فمصر يولد فيها طفل كل 24 ثانية.. وبالتالى هذا الطفل يحتاج قائمة عريضة من الخدمات التى تتكلف ميزانيات باهظة ومرهقة على ميزانية الدولة التى هى أيضاً محدودة.. فإذا وصلنا إلى تعداد سكانى فى مصر 152.7 مليون نسمة فى عام 2052 سنحتاج مضاعفة الخدمات، فنحن فى حاجة إلى بناء 27 ألف مدرسة ابتدائى و12 ألف مدرسة إعدادى و4 آلاف مدرسة ثانوي.. فمن أين لنا بهذا؟!.. وهل زادت موارد وإمكانيات الدولة لتتسق مع هذه الزيادة السكانية.
فى حال وصول التعداد السكانى لمصر في 2052 إلي 152.7 مليون نسمة، فإننا فى حاجة إلي 27 مليون وظيفة وفرصة عمل طبقاً للزيادة فى قوة العمل.. وكذلك أعداد كبيرة من المستشفيات لتوفير الخدمات الصحية للمواليد الجدد.. ولا يتوقف الأمر عند إنشاء المستشفيات ولكنها تحتاج إلى تجهيزات طبية حديثة ووظائف أيضاً من أطباء وممرضين وإداريين قد تصل أعداد الممرضين في 2052 إلي 429 ألف ممرض وممرضة، وتحتاج 4 آلاف مستشفى بدلاً من ألفى مستشفى في 2017 ومضاعفة عدد الأطباء في 2052 إلي 257 ألفًا بدلاً من 128 ألفًا في 2014، كل ذلك يعنى أرقاماً وأموالاً وميزانيات طائلة تحتاجها الدولة المصرية.. ومع ارتفاع معدلات الزيادة السكانية بشكل غير طبيعى وعشوائى ربما لا تستطيع الدولة وبما يفوق إمكانياتها وقدراتها وميزانياتها أن تلبى هذه الاحتياجات.. وهنا تظهر المشكلة -ودون خجل- السبب فيها المواطن وغياب الوعى وعدم الإدراك لأبعاد المعادلة التى يجب أن يطبقها أولاً على نفسه فى محيط أسرته والمواءمة بين قدراته وموارده وعدد أسرته ثم يفهم لماذا يجب أن يكون هناك اتزان ومنطق فى أهمية الزيادة السكانية الرشيدة.. حتى تستطيع الدولة أن توفر احتياجات وحقوق الإنسان الأساسية.
النمو السكانى فى مصر من أعلى المعدلات العالمية بسبب ارتفاع مندفع وغير محسوب فى المواليد، وانخفاض فى معدلات الوفاة.. خاصة أن عدد سكان مصر ارتفع من 74.8 مليون نسمة فى عام 2007 إلي 98.9 مليون نسمة فى عام 2019، أى زيادة بمعدل 22.2٪ فى حين أن المساحة المأهولة بالسكان لا تزيد علي 7.7٪ من مساحة مصر.
استمرار الزيادة السكانية فى مصر بمعدلات منفلتة وطائشة ورغم جهود ونجاحات الدولة غير المسبوقة فى مجال البناء والتنمية والتوسع سوف يؤثر على جودة الحياة بالنسبة للمواطن وعلى الخدمات المقدمة له، وأيضاً على احتياجاته الأساسية ومدى الرعاية والاهتمام التى يتلقاها، وستخلق أزمات مزمنة سواء فى حصوله على الخدمات وارتفاع الأسعار والتضخم.
مع استمرار الزيادة بالمعدلات التى ذكرناها فى السطور السابقة من أين للدولة أن توفر هذا الحجم من المستشفيات والمدارس والوحدات السكانية وبالتالى الموظفين والإداريين والأطباء والمدرسين والممرضين.. وهل زادت موارد الدولة بما يلبى احتياجات هذه الزيادة.
أعتقد أنه مع استمرار الزيادة السكانية بنفس المعدلات الطائشة والمتهورة والمنفلتة وهى نتاج عدم وعى المواطن.. ومسئوليته وليست الدولة.. فإن الحفاظ على احتياجات وحقوق الإنسان ستكون على المحك.. وأجدنى هنا مطالباً بعرض بعض السياقات التى تخلفها الزيادة السكانية التى تصل إلى حد الانفجار مع عدم قدرة موارد الدولة على تلبية احتياجات المواطن، ستنتج بؤراً إرهابية وإجرامية.. وتحدث تشوهات فى المجتمع، وستمس أيضاً حق الإنسان فى الأمن والأمان والاستقرار.
والسؤال المهم أيضاً: هل يمكن أن نسأل عن جودة الحياة وإرادة ورؤية الدولة فى بناء الإنسان إذا استمرت الزيادة السكانية بما يفوق قدرات الدولة.. وهل ستتمكن من توفير الرعاية الصحية والتعليم الجيد والسكن الكريم.. والخدمات والبنية الأساسية والتحتية فى ظل هذا الخلل الجسيم بين التعداد السكانى وموارد الدولة.
هنا نسأل أيضاً: هل مهمتنا النوعية.. الكيف.. أم الكم والعدد؟!.. وبمعنى آخر.. هل نقدم طفلين يصبحان بعد ذلك من النوابغ والمعافين صحياً وبدنياً والمؤهلين علمياً.. ويتمتعان بالرعاية والاهتمام وبجودة الحياة أم خمسة أو ستة أطفال لا يلقون أى نوع من الرعاية، ويصبحون مجرد رقم أو عدد.. ويرهقون الدولة سواء فى حالة إصابتهم بالأمراض أو تدنى معيشتهم أو اتجاههم إلى وسائل وأساليب تضر بأمن وأمان واستقرار المجتمع.
هل من المنطقى أن تنجب 4 و5 و6 وربما 10.. وتدفع بهم إلى الشارع لبيع المناديل أو التسول، وأنت لا تستطيع أن تفعل ذلك فى مقابل أن الأسرة ذات الطفل الواحد أو الاثنين ينعم أبناؤها بالمكانة والحياة ذات الجودة العالمية والرعاية والاهتمام الصحى والتعليمي.. وأيضاً الإشباع العاطفى والنفسي.
هل من العدل أن ننجب أبناء وأطفالاً كُثُراً ونلقيهم فى الشارع ونهمل تربيتهم وإعدادهم للحياة.. ونقدم للمجتمع أعباء وهموماً جديدة، ونصيبه بتشوهات سلوكية.. ومواطنين بلا مواهب أو قدرات فى ظل التطور الكبير الذى يحدث فى العالم؟!.. أعتقد أن ذلك سيؤدى فى النهاية إلى دولة ضعيفة إذا كثر الإنجاب المنفلت والعشوائى دون رعاية واهتمام وتأهيل وإعداد وتعليم وتدريب.
.. وهنا السؤال أيضاً: هل ستكون حقوق الإنسان بالمفهوم الشامل فى المستقبل فى ظل الانفجار السكاني.. وبما يتعارض مع موارد وإمكانيات ومقدرات الدولة متوفراً.. وهل سيحصل أطفال الأسرة ذات الخمس والست والسبع أطفال على التعليم المناسب والرعاية الصحية الملائمة.. وعلى السكن اللائق وعلى فرصة العمل.. أو يتمتعون بجودة حياة ورضا.. أم سيعانون من الإهمال والتقصير ونكون ظلمناهم بأيدينا، وجنينا عليهم إذا سلكوا طرقاً أخرى.
الحقيقة أن الزيادة السكانية المنفلتة أو الانفجار السكانى هو أكبر عدو وخطر على حقوق الإنسان بالمفهوم الشامل.. فنحن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن ننعم بجودة الحياة والرعاية والاهتمام والصحة والتعليم أو الفقر والجهل والأمية والمرض والمعاناة؟!.. هذه هى المعادلة.. كلما زاد عدد الأسرة أو معدلات الزيادة السكانية العشوائية فى ظل محدودية موارد الأسرة أو الدولة.. كلما كثرت السلبيات والقصور والخلل والمعاناة وقلة الرعاية والاهتمام ببناء الإنسان أو حقوقه.
لذلك علينا أن نواجه هذه الآفة الخطيرة.. بمعالجة شاملة ورؤية متكاملة تضم كل الأبعاد، وتدرس كل الأفكار والمفاهيم المغلوطة والخاطئة، خاصة الموروثات، وتتعاون جميع الوزارات والمؤسسات وتوفير كافة الاحتياجات لمنع تفشى واستمرار الزيادة بهذه المعدلات الكارثية التى ستلتهم الأخضر واليابس وتشكل خطراً رهيباً على احتياجات وحقوق الإنسان.