إذا كنا نلعن ونهاجم الغناء الهابط المبتذل وأغانى المهرجانات «السوقية» التى ترسخ ثقافة «التوك توك» بعيداً عن عراقة الغناء المصرى الذى مازال فى وجدان الشعوب العربية من خلال عمالقة ومواهب نشرت الجمال وغذاء الروح فلماذا لم نتحرك وفضلنا أن نظل مكتوفى الأيدى عاجزين عن المواجهة.. لماذا لم ندفع بجيوش المواهب والحناجر الذهبية ورموز الطرب يصاحبهم ميراث وثروة طائلة من الأغانى والألحان.. «أين وزارة الثقافة» ودار الأوبرا المصرية من حفلات الساحل الشمالى والجونة والغردقة لماذا لا نطارد القبح والابتذال والتدنى بالرقى والغناء الأصيل والطرب.. الشباب لم يجد إلا سلعة واحدة.. ولا مجال للقول «الجمهور عاوز كده».
أين حفلات العمالقة والطرب الأصيل والغناء الذى يصل إلى الروح والوجدان بدلاً من غناء الغرائز والأجساد والمؤخرات علينا أن نضع لأنفسنا خطة أو رؤية أو استراتيجية نقضى من خلالها على الغناء الهابط والرخيص.. غناء السوقية والغرائز ليحل الغناء للروح والوجدان ونعود لزمن الطرب والصهللة! الجميع يلعن الابتذال والتدنى وتراجع الذوق العام والأغانى الهابطة.. وأغانى المهرجانات.. لكن لم يفكر أحد كيف يحارب هذا التدنى بالرقى والفن الأصيل والارتقاء بالذوق العام ولم نسر على طريقه.. بدلاً من أن تلعن الظلام «أوقد شمعة».. نقف عاجزين أمام تفشى الفن الهابط الذى يقض مضاجعنا ويشكل خطراً داهماً على تاريخنا العريق الذى وصل إلى العالم.
ما أريد أن أقوله لا يجب أن نقف مكتوفى الأيدى أمام موجات التدنى والابتذال والغناء الهابط.. ونكتفى بالهجوم واللعنات عليهم.. ولكن علينا أن نطاردهم ونلاحقهم ليس بالإجراءات العقابية بل بأن نقدم البديل من الرقى والغناء الأصيل والطرب والنغم و«الصهللة» التى تصل إلى الروح والوجدان ولا يستطيع أى إنسان مقاومتها. كنت بالأمس أتصفح «اليوتيوب» وإذا بى أجد أغنية أحببتها كثيراً وهى «ع اللى جرى» للفنانة الراحلة علياء ولكنى سمعتها بصوت الفنان صابر الرباعى وهو من تونس الشقيقة وأصالة من سوريا الشقيقة الكلمات واللحن مصريان.. وهما فى منتهى الجمال والروعة والإحساس والطرب.. وعند عرض الكاميرا للحضور وجدت شباباً وشابات تفاعلوا مع الأغنية بشكل لافت للنظر.. إذن الجمال والروعة والرقى يصل لكل الفئات الصغار والكبار والشباب والرقى والإحساس أمر تعشقه الروح.
ما أريد أن أقوله إننا نسمع كل يوم هجوماً جارفاً على موجات الابتذال والتدنى فى الغناء الهابط ما يسمونه أغانى المهرجانات والعرى.. فالكثيرون يهاجمون حمو بيكا و«روبى».. والمشاهد والفيديوهات تكشف حالة غريبة فى الساحل الشمالى على الشواطئ وفى سهرات ليالى الصيف.. على سبيل المثال لا تسمع صوت روبى.. ولكن تشاهد أشياء أخرى بعيداً عن الغناء والطرب تشاهد جسداً تحويه ملابس تظهر منه أكثر ما تخفى ورقصات وتمايل غريب.. وهز بجزء من الجسم فى مشاهد غريبة وقاتلة تهدد بكوارث.. ليست روبى فحسب ولكن هناك الكثير والكثير من هذا النوع الذى يعبر عن الإسفاف والعرى ولغة الجسد وليس الحناجر. تفشى هذه الظاهرة ليست مسئولية المطربين والمطربات فحسب.. وليس أيضاً مسئولية الشباب الذى يسمع ويشاهد.. ولكن المسئولية تقع كاملة على من وقف عاجزاً عن تقديم البديل الراقى.. ويجعل من الأمر معركة بين الرقى والابتذال.. ومطاردة بين التدنى والطرب الأصيل.. الأمر مسئولية من عليه واجب تقديم المواهب الحقيقية والغناء الأصيل والحناجر الموهوبة وما أكثرها لم تقدم البديل لأبنائنا من الشباب وتركناهم فريسة للغناء الاستهلاكى الهابط الذى يركز على الغرائز وليس على إشباع الروح والوجدان.
نحن جميعاً مسئولون كإعلام لم يشجع الغناء والطرب والمواهب.. كوزارة ثقافة تركت الأمر للعرض والطلب.. وترفض التدخل.. واقتصرت فى نشاطها على الأماكن والمسارح والأوبرا المغلقة لم تذهب أو تحلق بعيداً بالخيال لم تكلف نفسها فى مطاردة الابتذال والتدنى أياً كان مكانه وموقعه.
إذا كان الغناء الردئ والهابط وصل إلى المصايف والشواطئ والمنتجعات وصل يومياً إلى الساحل الشمالى من خلال مطربى المهرجانات والخلاعة والميوعة.. فلماذا لم نذهب نحن أصحاب الفن الأصيل.. والطرب والرقى.. لِمَ توقفنا.. ولم نبارح أماكنا فى مسارح القاهرة.. لماذا لم نذهب إلى الشباب هناك لنقدم لهم السلعة ذات الجودة العالية.
الصيف على وشك أن نودعه لكننا لابد أن نستفيد من التجربة والأخطاء.. وتركنا شبابنا «أسيراً» للفن الهابط.. اقترح أن تذهب وزارة الثقافة بفرقها الغنائية عالية المواهب وأن تذهب بمطربى الأوبرا العمالقة أصحاب الحناجر الصداحة.. والمواهب النادرة إلى المصايف والمدن الساحلية ولتكون كل يوم حفلة نقدم فيها الفن الراقى وأعتقد أن هناك الآلاف التى ستذهب إلى حجز تذاكر للاستمتاع بهذه الحفلات.. لدينا مدحت صالح ومى فاروق وريهام عبدالحكيم وعلى الحجار وغيرهم من أصحاب المواهب والطرب والغناء الأصيل.. لا أريد القول أن نقدم أغانى من عهد أمان ياربى أمان فلدينا ثروة طائلة من التراث الغنائى لأم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب وكارم محمود ومحمد فوزى ومحمد قنديل وفايزة أحمد وشادية ووردة وأسمهان ومن الممكن أن نعيد توزيع هذه الأغانى والألحان بشكل عصرى يناسب الشباب.. لدينا أيضاً محمد منير وهانى شاكر والموسيقار عمر خيرت. لماذا لا تنتقل حفلات دار الأوبرا المصرية إلى المدن الساحلية والساحل الشمالى والغردقة والجونة ومطروح والعين السخنة.. ونقيم حتى مسارح متنقلة أو فى الهواء الطلق ونوفر لها الإمكانات والتجهيزات الصوتية لتخرج بالشكل الذى لا يقل عن إقامتها على مسارح دار الأوبرا.
فى الفن الشعبى لدينا مواهب عظيمة مثل محمد رشدى وأحمد عدوية وغيرهما ومع الإيقاعات والتوزيع العصرى والجديد والموسيقى من خلال عباقرة التلحين نستطيع أن نكسر شوكة الردئ والمبتذل.
فى اعتقادى أن إقدام وزارة الثقافة والفرق الغنائية المصرية التى تحافظ على الفن والطرب الأصيل والراقى تستطيع أن تدر دخلاً وفيراً وتحقق أرباحاً تستطيع من خلالها أن تكون مورداً جيداً يخفف عن كاهل الدولة.. لكن لابد أن نتحرك ونحقق أكثر من هدف هو القضاء على الغناء الهابط وثقافة «التوك توك» وحفلات الزار التى يسمونها الغنائية والكلمات المتدنية والركيكة والعفنة أكثر رداءة من الطعام سابق التجهيز والوجبات السريعة التى لا تشعرك بالشبع.
أقترح على الوزيرة الفنانة إيناس عبدالدايم أن تذهب بإمكانات وقدرات ومواهب وزارة الثقافة والأوبرا المصرية وفرق الشباب والرياضة إلى خارج القاهرة.. ويكون لديها معركة حقيقية وعملية لمطاردة ودحر الابتذال والتدنى ليحل محله الرقى والارتقاء بالذوق العام والغناء والطرب الأصيل والصهللة والجلجلة ونعيد أيام الزمن الجميل.. لابد أن نشجع الكتابة الغنائية والألحان الراقية ونتفق عليها لأنها قضية قومية وأيضاً اقتصادية.
انظروا إلى أشباه وسلوكيات مطربى المهرجانات.. فهل يمكن أن يكونوا قدوة ونموذجاً لشبابنا. على وزارة الثقافة أن تدفع بكتائب الموهوبين لديها من عمالقة الغناء وإعادة توزيع ألحان أغانى كبار ورموز الطرب فى مصر الذين هم أيضاً رموز الطرب فى العالم العربى. لست ضد عمرو دياب أو إيهاب توفيق أو محمد حماقى أو هذا الاتجاه.. فلديهم الحد الجيد للرقى.. والقبول.. ولكن مطربى «التوك توك» والمسجلين خطر الذين تحولوا إلى اسم مطربين فما يقدمونه أصبح حديث الشارع ويقلدهم شباب كثر بل وأصبحوا نموذجاً ليس فى الغناء ولكن فى جمع المال والثراء بلا مبرر أو منطق سوى تقديم «الهلس».
المسئولية أيضاً ليست على وزارة الثقافة وإن كان لها الجزء الأكبر بحيث تكون مركزاً لتجميع العمالة الذين يأسوا من موجات الابتذال والتدنى دون وجود رؤية للمقاومة ولكن أيضاً مسئولية جيل التسعينيات الذين ظلمناهم فى ذلك الوقت.. وكنا نسمى ما يقدمونه بالفن الهابط وإذا بهم أرحم بملايين المرات من مطربى «الحمامات» و«العربخانة» و«النضورجية» و«المسجلين خطر».. لذلك أطالب جيل التسعينيات أمثال حميد الشاعرى وإيهاب توفيق وهشام عباس ومصطفى قمر وغيرهم أن يحتشدوا وإذا كانت أفراح أبنائهم تجمعهم مثل زواج ابن مصطفى قمر فلماذا لا يشكلون قوام فرقة غنائية يعيدون بها أغانى التسعينيات والجديد لديهم خاصة فى المدن الساحلية وأوقات الصيف ويتواجدون فى الساحل الشمالى والغردقة والجونة للمساهمة فى مقاومة هذا التدنى.. وأغانى الأجساد والمؤخرات بقيادة اللولبية «روبى».. لماذا لا نعيد أغانى حنان وسيمون.. مثل الشمس الجريئة و«بتكلم بس»، وشعرت أنهم أرحم بكثير من «جاعورة» نبر وان، وحرمانه الذى طغى على السطح فى شكل تفاخر مريض بالسيارات وتشعر فعلاً أنه ابن «مدرسة الشبع بعد جوع».
لابد أن نواجه الابتذال والهلس بالرقى والطرب الأصيل والغناء المحترم.. بدلاً من غناء البلطجية و«النضورجية» والشمامين و«الكروش».. وبيكا وسيكا وسيد «تنايه».. وعبده ميكروباص ووائل سنجة.. لابد أن نعيد أم كلثوم والعندليب وعبدالوهاب وفريد ومحرم وفايزة وشاديةوشفيق جلال ووردة ورشدى والعزبى وعدوية وشاكر ومدحت صالح والحلو والحجار وجيل التسعينيات لنطرد «شياطين» المراحيض والأصوات النشاز والعويل واللطم و«الهز ياوز».
فى النهاية أطالب وزارة الثقافة بأن تعد عدتها من حشد المواهب ونجوم الطرب الواعد وأصحاب الحناجر الذهبية وتستعد لصيف العام القادم بحفلات شبه يومية وتواجد مكثف.. وتخصيص ساحات على أعلى مستوى من التجهيزات وأتحدى أن الحضور سيكون بالآلاف وسنربح سواء فى الارتقاء بالذوق العام وتقديم الغناء الأصيل وبناء الوعى الفنى وتقديم غذاء صحى للروح والوجدان بدلاً من تقديم سموم الغرائز وأغانى التدنى والابتذال علينا أن ندفع برموز الطرب من القدامى ونعيدهم للحياة من جديد بإيقاعات موسيقية وتوزيع جديد يناسب ويواكب ميول الشباب ولنا فى ذلك تجارب عديدة وأيضاً لنحقق موارد ومكاسب مادية لوزارة الثقافة للانفاق على تنمية الوعى الفنى ورعاية المواهب التى ستحل بدلاً من أغانى المهرجانات والمؤخرات.. ونحمى أبناءنا وشبابنا.. فالفن الأصيل لا ينظر إلى أجسادكم ومؤخراتكم و«الهوت شورت».. ولكن ينظر إلى مواهبكم ويستمتع بطربكم.